البرهان يبدي استعداده لحل سلمي تفاوضي مع «الدعم السريع»

اشترط الالتزام بإعلان جدة الإنساني واحتكار الجيش للسلاح

رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان (أرشيفية - أ.ف.ب)
رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

البرهان يبدي استعداده لحل سلمي تفاوضي مع «الدعم السريع»

رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان (أرشيفية - أ.ف.ب)
رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان (أرشيفية - أ.ف.ب)

أبدى رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، استعداده للوصول إلى حل سلمي للحرب التي يخوضها جيشه ضد قوات «الدعم السريع»، يعقبه إطلاق عملية سياسية تحقق توافقاً وطنياً بشأن إدارة الفترة الانتقالية، مشترطاً أن يكون الجيش الوطني محتكراً للسلاح. وبدأت اليوم، السبت، في جيبوتي أعمال القمة الطارئة الحادية والأربعين لمجموعة دول «الهيئة الحكومية للتنمية» (إيغاد)، المخصصة لبحث الأزمة السودانية، بحضور دولي وإقليمي واسع، شاركت فيه دول المجموعة، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة رمطان لعمامرة، والمبعوث الأميركي للقرن الأفريقي مايك هامر، ومبعوثة الاتحاد الأوروبي لمنطقة القرن الأفريقي أنيت ويبر، وممثلون عن دول الجوار السوداني والصين وروسيا والولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأفريقي. واشترط البرهان في خطابه لقادة دول المجموعة في افتتاح القمة في جيبوتي، من أجل الوصول إلى اتفاق سلمي، الالتزام بمبادئ إعلان جدة الإنساني، وإخلاء المناطق المدنية وبيوت المواطنين، ووقف إطلاق النار، وتجميع القوات المتمردة في مناطق يتفق عليها.

البرهان: لا تنازل عن الجيش الواحد

كما شدد البرهان في كلمته على ما أسماه «إزالة كل ما يعيق تقديم المساعدات الإنسانية... وتشجيع المتضررين من الحرب على العودة لمناطقهم، وإعادة المنهوبات وفقاً لما تم في جدة». ودعا إلى إطلاق عملية سياسية شاملة مدعومة بما أسماه «إرادة وطنية خالصة»، وتحقيق توافق وطني على إدارة الفترة الانتقالية، وإجراء انتخابات عامة، بما يضمن سيادة السودان واستقلاله ووحدة أراضيه، ورفض التدخل الأجنبي في شؤونه.

واشترط أيضاً وجود «جيش وطني واحد» يحتكر استخدام القوة، مشدداً على أن هذه «مسألة لا تنازل عنها ولا تهاون فيها»، وحصر سلطة حمل السلاح وشن الحرب بالدولة، وليس للحصول على امتيازات سياسية، وإعمال مبدأ المحاسبة وعدم إفلات «المتمردين» من العقاب «على الفظائع غير المسبوقة... لضمان عدم تكرارها وتحقيق العدالة ورتق النسيج المجتمعي».

جانب من القمة الطارئة لمجموعة "إيغاد" (موقع إيغاد على منصة إكس)

تحذير من انهيار السودان

الرئيس الجيبوتي، إسماعيل عمر جيلي، رئيس الدورة الحالية لـ«إيغاد»، قال: «إن العالم يراقب القمة، ما يفرض عليها القيام بدورها على الوجه الصحيح، كوسيط وميسر... يجب أن نكون مستعدين لفهم جذور الصراع ومعالجته في سياقها، لأن الشعب السوداني أيضاً ينتظرنا، ويجب ألا نبدد آماله». وحذّر رئيس «إيغاد» من التهديد الخطير لاستمرار الحرب على وجود السودان نفسه، وعلى «استقرار منطقتنا»، لذا «علينا العمل لوقف معاناة السودانيين، ومنع احتمال انهيار السودان». السكرتير التنفيذي لـ«إيغاد»، ورقني غبيهو، نبّه في افتتاح الجلسات، إلى أن الصراع الدائر في السودان يلقي بظلاله على تطلعات المنطقة للسلام والازدهار. وقال: «إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في محادثات جدة يشكل خطوة مهمة في تسوية مسألة وصول المساعدات الإنسانية، ويتطلب تنفيذه الفعال للتخفيف من المعاناة الهائلة التي يعاني منها الشعب السوداني».

وأوضح أن السودانيين يتحملون وطأة الصراع الذي طال أمده، مؤكداً أن «واجبنا الأخلاقي الإسراع في تنفيذ قرارات اتفاق جدة الذي شاركت في تيسيره الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، والمملكة العربية السعودية، والولايات المتحدة الأميركية». وعدّ قبيهو أن الاتفاق بشأن وصول المساعدات الإنسانية يشكل شريان الحياة للمساعدات المطلوبة بشكل عاجل، لإيصالها إلى من هم في أمس الحاجة إليها، و«يجب علينا أن نضمن ترجمة الوعود المقطوعة إلى إغاثة ملموسة على الأرض». وأكد أن منظمة «إيغاد» ملتزمة بتعزيز السلام والاستقرار، مناشداً رؤساء الدول والحكومات حشد الدعم السياسي والدبلوماسي الكامل على المستوى الإقليمي والقاري والعالمي للمنظمة، للقيام بدور حاسم ومسؤول ومحدد في التوصل إلى حل سلمي للأعمال العدائية في السودان. وشدد سكرتير «إيغاد» على الوصول الفوري إلى اتفاق وقف إطلاق النار، وإسكات صوت البندقية، داعياً دول المنظمة للاتحاد والعمل على وقف الأعمال العدائية، وتهيئة الظروف اللازمة لإجراء حوار شامل وجامع لمعالجة جذور الصراع، وبناء الثقة بين الأطراف المعنية لرسم مسار نحو سلام مستدام في السودان.

جانب من القمة الطارئة لمجموعة "إيغاد" (موقع إيغاد على منصة إكس)

رمطان لعمامرة: لا حل عسكرياً

أكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الخاص للسودان، رمطان لعمامرة، أن وقف الأعمال العدائية سيؤدي إلى استعادة الاستقرار «ما يوجب على القادة السودانيين إظهار الشجاعة اللازمة لاتخاذ قرارات صعبة، لكنها صحيحة لإنهاء الحرب، وتوقيع اتفاق وقف العدائيات». وأضاف: «دعوني أعيد مقولة الأمين العام بأنه لا يوجد حل عسكري لهذا الصراع». وقال لعمامرة إن المنظمة الدولية تدعم الوصول إلى سلام دائم في السودان، وتدعم بقوة تطلعات الشعب في الحرية والسلام والعدالة، وإن «الحرب تشكل تهديداً خطيراً لوحدة وسلام المنطقة برمتها».

 

هامر يلوم طرفي النزاع

دعا المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي، مايك هامر، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لمعالجة أوضاع السودان الذي يعيش واحدة من أسوأ الأزمات في العالم. وقال: «لا تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى المناطق المنكوبة بسبب الحرب»، وتابع: «سبب فشل مفاوضات جدة هو فشل الطرفين في الإيفاء بالتزاماتهما»، واستطرد: «نحن جميعاً نشعر بالإحباط لفشل الجهود المبذولة في جدة». وقالت تنسيقية القوى الديموقراطية المدنية «تقدم»، التي يترأسها رئيس الوزراء الأسبق عبد الله حمدوك، في بيان، السبت، إنها سلمت رؤساء «إيغاد»، قبل انعقاد القمة، خطابات طلبت فيها من القمة اتخاذ خطوات عملية لحثّ طرفي القتال على توقيع اتفاق وقف الأعمال العدائية، ويضمن فتح المسارات الإنسانية، وتصميم عملية سياسية لا تستثني سوى «المؤتمر الوطني - الحركة الإسلامية وواجهاتها»، يتم بموجبها إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل، والتأسيس لمسار تحول مدني ديموقراطي مستدام. وأكدت «تقدم» على مواصلة اتصالاتها مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، بما يضمن تسريع وضع حد للكارثة التي يعيشها السودان، و«معالجة آثارها عبر الحلول السلمية السياسية التفاوضية، التي تنهي هذه الحرب وتحقق السلام والحرية والعدالة في بلادنا». وينتظر أن تواصل القمة أعمالها بجلسات مغلقة، تبحث خلالها خريطة طريق لإيقاف الحرب بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، وإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، إضافة إلى بحث التأسيس لمسار تفاوضي يستعيد مسار الانتقال المدني الديموقراطي خلال الفترة الانتقالية.


مقالات ذات صلة

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

شمال افريقيا جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز) play-circle

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع»

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال استقباله رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان في القاهرة الشهر الحالي (الرئاسة المصرية)

مصر تشدد على توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية في السودان

شددت مصر على أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته الإنسانية لضمان توفير «ملاذات آمنة» وممرات إنسانية كافية في السودان لإيصال وصول المساعدات الإنسانية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا نازحون سودانيون يقضون ليلة في مدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

«أطباء السودان»: «الدعم السريع» قتلت 200 شخص على أساس عرقي بشمال دارفور

أعلنت «شبكة أطباء السودان»، مقتل أكثر من 200 شخص، بينهم أطفال ونساء على أساس عرقي من قبل «الدعم السريع» بمناطق أمبرو، وسربا، وأبوقمرة بولاية شمال دارفور.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

إدريس: مستعدون للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، الجمعة، إن بلاده مستعدة للتواصل مع دول مؤيدة لـ«الدعم السريع»

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

تتقدم «قوات الدعم السريع» حثيثاً باتجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي»، صباح الخميس.

أحمد يونس (كمبالا)

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

استنفار عربي لمواجهة اعتراف إسرائيل بـ«أرض الصومال»

مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)
مواطنون يحتفلون باعتراف إسرائيل ب "أرض الصومال" في العاصمة هارجيسا أول من أمس (أ. ف. ب)

يعوّل الصومال على دعم عربي وإسلامي لمواجهة اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً، وقد استجابت جامعة الدول العربية لطلبه بعقد اجتماع طارئ على مستوى المندوبين، اليوم.

وأكَّد السفير الصومالي في القاهرة والمندوب الدائم لدى الجامعة، علي عبدي أواري، لـ«الشرق الأوسط» أنَّ «بلاده تتحرَّك على المستويين العربي والإسلامي، لرفض ما أعلنت عنه تل أبيب، والدفاع عن السيادة الصومالية»، وقال: «من بين التحركات طلب اجتماع للجامعة العربية بشكل عاجل». وأشار إلى أنَّ «بلاده تدعو لاجتماع قمة عربية إسلامية قريباً، ضمن تحركاتها الدبلوماسية».

وحرّك الاعتراف الإسرائيلي بالإقليم الانفصالي «أرض الصومال»، تحذيراتٍ من السلطة الفلسطينية و«حماس» ومقديشو، من أنَّه يحمل احتمالاً لأن يكون هذا الإقليم موطناً جديداً لاستقبال الفلسطينيين ضمن مخطط تهجير سعت إليه إسرائيلُ منذ بداية الحرب قبل نحو عامين.

وأشار خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى مخاوفَ من أنَّ الخطوة الإسرائيلية ستُعيد ملف التهجير للواجهة بقوة، وستعمل تل أبيب على زيادة الضغوط على الضفة وغزة لدفعهم قسراً لذلك، وسط غياب خطط تنفيذية للإعمار والاستقرار.

وسط طوفان ردود فعل على الخطوة الإسرائيلية، وبخلاف الرفض العربي، جاء موقف لافت من الرئيس الأميركي دونالد ترمب، إذ طغى عليه «السخرية من ذلك الإقليم». فقد أعلن ترمب عن رفضه الاعترافَ باستقلال «أرض الصومال»، متسائلاً: «هل يعرف أحدٌ ما هي أرض الصومال، حقّاً؟».


بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

بعثة إنسانية تدخل الفاشر للمرة الأولى

سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)
سودانيون فرّوا من الفاشر يستريحون لدى وصولهم إلى مخيم "الأفاد" للنازحين بمدينة الدبة شمال السودان 19 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

دخلت بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، وذلك للمرة الأولى منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنَّ بعثة تقييم وصلت إلى مدينة الفاشر، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة، مضيفاً أنَّ البعثة تضمُّ وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية.

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، وقال في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول جاء عبر مسار يسَّرتْه الولايات المتحدة.


بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
TT

بعثة أممية إنسانية تدخل الفاشر المنكوبة للمرة الأولى منذ 18 شهراً

جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)
جرحى أُصيبوا خلال معارك الفاشر في وقت سابق يخضعون للعلاج بمستشفى ميداني شمال دارفور (رويترز)

كشفت الأمم المتحدة عن وصول بعثة إنسانية أممية إلى مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في أول دخول إنساني للمدينة منذ سيطرة «قوات الدعم السريع» عليها، بعد حصار طويل استمرَّ لأكثر من عام، خلّف أوضاعاً إنسانية كارثية. في غضون ذلك دانت قيادة الجيش التشادي، السبت، هجوماً شنَّته «قوات الدعم السريع» السودانية على بلدة حدودية داخل الأراضي التشادية؛ ما أسفر عن مقتل جنديَّين تشاديَّين وإصابة ثالث، ووصفت الهجوم بأنه «عدوان غير مُبرَّر» على سيادة تشاد.

وفي أواخر أكتوبر (تشرين الأول)، أحكمت «قوات الدعم السريع» سيطرتها على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، بعد حصار استمرَّ لأكثر من 18 شهراً، تخللته معارك عنيفة، وسط تقارير وأدلة على وقوع عمليات قتل جماعي، واختطاف، واغتصاب بحق المدنيين.

وفي هذا السياق، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن بعثة تقييم أممية وصلت إلى مدينة الفاشر بعد مفاوضات إنسانية مطولة، عادّاً هذه الخطوة «مؤشراً على انفراجة محدودة» في ملف إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدينة التي عانت حصاراً خانقاً. وأوضح المكتب أن البعثة ضمَّت وفداً من «برنامج الأغذية العالمي»؛ لتقييم الاحتياجات الغذائية العاجلة، وفريقاً من منظمة الصحة العالمية؛ لتقييم الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية واحتياجاتها الطارئة، إضافة إلى فريق من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مختص بتقييم أوضاع الأطفال، والاحتياجات الإنسانية الملحّة.

ترحيب أميركي

من جهته، رحَّب كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والأفريقية، مسعد بولس، بوصول بعثة التقييم إلى الفاشر، عادّاً ذلك دليلاً على إسهام الدبلوماسية الأميركية في «إنقاذ الأرواح». وقال بولس، في تغريدة على منصة «إكس»، إن هذا الوصول الحاسم جاء بعد أشهر من المفاوضات عبر مسار يسَّرته الولايات المتحدة، وبجهود مشتركة مع «أوتشا»، وشركاء إنسانيين على الأرض.

مسعد بولس مستشار الرئيس الأميركي (أ.ف.ب)

ودعا بولس، الذي يشارك في جهود الوساطة الرامية إلى وقف الحرب في السودان، إلى إعلان هدنة إنسانية شاملة، مطالباً طرفَي النزاع بقبولها وتنفيذها فوراً «دون شروط»، وضمان وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى جميع مناطق السودان، كما حثّ المجتمع الدولي على زيادة التمويل لدعم استجابة «أوتشا». ويُعد وصول البعثة التقييمية الأممية إلى الفاشر أول دخول إنساني إلى المدينة منذ مايو (أيار) 2024.

وفي المقابل، أعلنت قوات «حكومة تأسيس» الموالية لـ«قوات الدعم السريع»، والتي تسيطر على إقليم دارفور، في بيان صدر أمس (السبت)، استعدادها الكامل لتأمين وتسهيل العمل الإنساني في إقليمَي دارفور وكردفان. وأفادت بأن زيارة وفد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ودائرة الأمم المتحدة للسلامة والأمن (UNDSS) شملت مراكز النزوح، والمقار الأممية، وعدداً من المرافق الحيوية داخل مدينة الفاشر.

ووفقاً لبيان «تأسيس»، أكملت البعثة الأممية زيارتها للفاشر، ووصلت بسلام إلى محلية طويلة، دون صدور أي تعليق رسمي من الجيش السوداني بشأن دخول البعثة.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

يُذكر أن الجيش السوداني ظل يرفض، لفترات طويلة، السماح بدخول المنظمات الإنسانية والمساعدات، عبر معبر إدري الحدودي مع تشاد، ما فاقم من الأزمة الإنسانية داخل المدينة، حيث واجه السكان نقصاً حاداً في الغذاء والدواء والخدمات الصحية. وكانت صحيفة «الشرق الأوسط» قد نقلت في وقت سابق عن مدير «برنامج الأغذية العالمي» أن الأمم المتحدة اضطرت إلى تقييد عمليات الإغاثة عبر تشاد باتجاه دارفور.

تهديد تشادي

في سياق ثانٍ، نفَّذت طائرة مسيّرة تابعة لـ«قوات الدعم السريع»، التي تخوض حرباً مفتوحة مع الجيش السوداني منذ أبريل (نيسان) 2023، هجوماً استهدف بلدة الطينة الواقعة على الحدود التشادية. وقال ضابط رفيع في الجيش التشادي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، إن هذه الحادثة تمثل المرة الأولى التي يتكبَّد فيها الجيش التشادي خسائر بشرية مباشرة منذ اندلاع الحرب في السودان.

وعدّت هيئة الأركان العامة التشادية الهجوم «متعمَداً ومقصوداً»، ويمثل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، محذّرة جميع أطراف النزاع السوداني من أي تجاوز أو مساس بسيادة الأراضي التشادية. وأكد الجيش التشادي، في بيان رسمي، احتفاظه بـ«حق الرد بجميع الوسائل القانونية»، وبممارسة حق الدفاع المشروع عن النفس في حال تكرار أي اعتداء، استناداً إلى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة.

وتسيطر «قوات الدعم السريع» على معظم مناطق شمال وغرب إقليم دارفور، باستثناء جيوب محدودة تخضع لسيطرة جماعات قبلية محايدة. وكانت القوات قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتَي أبو قمرة وأم برو في شمال دارفور، وهما منطقتان تقعان على الطريق المؤدي إلى بلدة الطينة التشادية.