مناطق سودانية يحاصرها القتال من كل الجهات

مواطنون مسجونون في بيوت خاوية مهددون بالقذائف والرصاص

أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد من جهة مطار الخرطوم الدولي الملاصق لمقر القيادة العامة للجيش (أرشيفية - رويترز)
أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد من جهة مطار الخرطوم الدولي الملاصق لمقر القيادة العامة للجيش (أرشيفية - رويترز)
TT

مناطق سودانية يحاصرها القتال من كل الجهات

أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد من جهة مطار الخرطوم الدولي الملاصق لمقر القيادة العامة للجيش (أرشيفية - رويترز)
أعمدة الدخان الكثيف تتصاعد من جهة مطار الخرطوم الدولي الملاصق لمقر القيادة العامة للجيش (أرشيفية - رويترز)

«نحن نعيش وسط الجحيم»... بهذه العبارة لخّص عضو في لجان مقاومة منطقة بري، في العاصمة الخرطوم، التي يفصلها عن القيادة العامة للجيش السوداني مجرد طريق إسفلت، معاناة أسرته وأهل منطقته الذين يعيشون على مرمى حجر من المنطقة الملتهبة التي تدور فيها وحولها معارك طاحنة مستمرة منذ اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) الماضي.

وقال عضو لجان المقاومة (تنظيمات شعبية) إن مئات الأسر تعيش تحت القصف المستمر، وتواجه معاناة في الحصول على أبسط مقومات الحياة؛ لأنهم محاصرون داخل منازلهم أغلب ساعات اليوم، ولا يستطيعون الخروج للحصول على احتياجاتهم المعروضة بأسعار خرافية على قارعة الطريق، وإن استطاعوا الخروج فهم لا يملكون المال الكافي لشراء احتياجاتهم.

رجل يبيع المياه في إحدى أسواق الخرطوم التي مزّقتها الحرب (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويسيطر مقاتلو قوات «الدعم السريع» على المنطقة الواقعة شرق القيادة العامة ومطار الخرطوم الدولي، ويستخدمونها منصةً لقصف القيادة العامة، بينما يرد جنود الجيش المحاطون والمحاصرون من الغرب والشرق والجنوب، بقصف مدفعي وقصف جوي، ما يعرّض حياة سكان منطقة بري على وجه الخصوص لمخاطر جمة.

ولا تختلف هذه الحال التي يعيشها سكان «البراري»، عن أحوال المواطنين في معظم مدن وأحياء العاصمة الخرطوم، «المسجونين» داخل منازلهم وسط تقاطع النيران، فإذا مد أحدهم رأسه ربما يتعرض لإصابة مميتة، وإذا بقوا في منازلهم يواجهون خطر الموت جوعاً، أو بسبب صعوبة الحصول على الخدمة الطبية.

سكان مدينة الشجرة، جنوب الخرطوم في منتصف منطقة الشجرة العسكرية، التي تضم قيادة قوات المدرعات من جهة الشرق، ومصنع الذخيرة من جهة الجنوب الغربي، ومن جهة الجنوب مجمع «اليرموك» الحربي... يواجهون القتال المتواصل بين الجيش و«الدعم السريع» للسيطرة على المنطقة العسكرية الاستراتيجية، ما يضطر السكان للتحرك بحذر شديد في الصباح الباكر قبيل اندلاع القتال وتبادل القصف، الأمر الذي جعلهم يعانون في الحصول على احتياجاتهم اليومية، بما فيها الأكل والشرب.

وأدى القتال بين الجيش وقوات «الدعم السريع» المتواصل في شهره السابع، إلى تدهور أوضاع المواطنين بصورة مريعة، انعدمت خلاله السلع الغذائية والضرورية؛ بسبب عدم وجود طرق آمنة للحصول عليها، وفقد كثيرون حياتهم، سعياً وراء الضروريات، أو تعرض مَن سلم منهم للنهب أو السلب.

فتيان يحملون أواني المياه في أحد شوارع الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

يقول المواطن المصباح عبد الله 44 عاماً لـ«الشرق الأوسط»، إن الموت يحيط بهم من كل جانب، وإن الأوضاع أصبحت مخيفة جداً؛ بسبب الاشتباكات المستمرة بين الطرفين، ويضيف: «المحال التجارية والصيدليات، ومواقع تقديم الخدمات كافة مغلقة... أوقفوا القتال، فقد حصد أرواح آلاف الأبرياء».

يقول عضو في غرفة الطوارئ (تنظيمات مدنية خدمية طوعية) لـ«الشرق الأوسط»، طالباً حجب اسمه حتى لا يتعرض لمضايقات، إنه وعلى الرغم من الحصار الذي يعيشونه، فإن هناك مجموعات مسلحة تقتحم المنازل نهاراً تختطف الشباب من أجل الفدية، وفي «الأسبوع الماضي اختطفت هذه المجموعات شاباً وطلبت من أسرته فدية قدرها 20 مليون جنيه (نحو 20 ألف دولار)».

أما منطقة الخرطوم بحري، فليست أفضل حالاً من الخرطوم، إذ ظلت محاصرة منذ اليوم الأول لاندلاع القتال منتصف أبريل الماضي، فقد انقطعت عنها مياه الشرب، وشحت فيها الضروريات بشكل كبير، وهو ما تصفه السيدة خديجة (64 عاماً) بـ«حياة بلا طعم»، وتقول: «دمرت الحرب ما بناه السودانيون، ولم يتبقَّ منه شيء... بحري لا يُسمع فيها غير دوي انفجارات يصم الأذنين، وقذائف تحصد أرواح الناس، ونحن نعيش في منزلنا الذي ترجه الانفجارات، وتعلوه سحب الدخان السوداء، التي سببت للناس أمراضاً تنفسيه كانت سبباً في موت البعض الذين نجوا من الانفجارات».

فرع محروق لأحد البنوك في جنوب الخرطوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأعرب مواطنون محاصرون منذ نحو 7 أشهر داخل بيوتهم، عن تفاؤلهم ببيان وزارة الخارجية السعودية، حول موافقة الجيش وقوات «الدعم السريع» على تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات آمنة. وقال مواطن لـ«الشرق الأوسط»: «منبر جدة هو الطريق الوحيدة لإيقاف الحرب، والعودة إلى العملية السياسية التي توقفت بسبب الحرب».

وفي إقليم دارفور، تتضاعف معاناة سكان الإقليم، بسبب المعارك بين الجيش و«الدعم السريع»، وأيضاً بسبب القتال الأهلي، فبعد أن سيطرت قوات «الدعم السريع» على معظم مناطق الإقليم ازدادت الحال سوءاً. وقال المحامي آدم يحى لـ«الشرق الأوسط» إن مواطني الجنينة ونيالا محاصرون داخل منازلهم ولا يستطيعون مغادرتها بسبب القتال. وطالب «بطرق آمنة لخروجهم، وتوفير المساعدات العاجلة لهم، لئلا يفقدوا أرواحهم بالجوع أو الرصاص».

واضطر القتال في دارفور آلاف السكان المدنيين للنزوح أو اللجوء لدول الجوار، مثلهم مثل بقية سكان المناطق التي تشهد عمليات قتالية، بينما يعاني الذين تمسكوا بالبقاء في منازلهم وعدم المغادرة مهما كانت النتائج، الأمرين في مواجهة خطر الموت جوعاً أو قتلاً بالرصاص المتطاير، أو القصف الجوي، أو دانات المدافع التي تدمّر البيوت... فهم «محاصرون» من الجهات.



«رئاسية» تونس... بين مطرقة المقاطعة وسندان الاحتجاجات

متابعون يتوقعون فوزاً سهلاً للرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في هذه الانتخابات (أ.ب)
متابعون يتوقعون فوزاً سهلاً للرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في هذه الانتخابات (أ.ب)
TT

«رئاسية» تونس... بين مطرقة المقاطعة وسندان الاحتجاجات

متابعون يتوقعون فوزاً سهلاً للرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في هذه الانتخابات (أ.ب)
متابعون يتوقعون فوزاً سهلاً للرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد في هذه الانتخابات (أ.ب)

انتهت الحملة الانتخابية في مختلف ولايات الجمهورية التونسية، انطلاقاً من منتصف ليل أمس الجمعة، لتبدأ بذلك فترة الصمت الانتخابي التي تتواصل إلى حين إغلاق آخر مكتب اقتراع، مساء الأحد، موعد التصويت في الانتخابات الرئاسية. وبذلك تدخل تونس، اليوم السبت، مرحلة الصمت الانتخابي بعد نحو 3 أسابيع من انطلاق حملة المترشّحين للرئاسية المزمع تنظيمها، غداً الأحد.

عناصر الأمن تؤمن نقل المواد اللوجيستية الضرورية لإتمام الانتخابات المقررة غداً الأحد (إ.ب.أ)

وتحظر خلال فترة الصمت الانتخابي الدعاية السياسية بمختلف أشكالها، إضافة إلى بثّ سبر الآراء التي لها صلة مباشرة أو غير مباشرة بالانتخابات، والاستفتاء والدراسات، والتعاليق الصحافية المتعلقة بها عبر مختلف وسائل الإعلام، وتخصيص رقم هاتف أو موزع صوتي للدعاية لأحد المترشّحين والإشهار السياسي. وستبدأ هذه الانتخابات الرئاسية، انطلاقاً من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً في 5013 مركز اقتراع، تضمّ 9669 مكتب اقتراع موزعة على كامل البلاد.

نقل صناديق الاقتراع داخل أحد مراكز العاصمة تونس (إ.ب.أ)

لكن هذه الانتخابات تعد مختلفة عن باقي الانتخابات التي شهدتها البلاد، وتشهد جدلاً كبيراً بسبب الاحتجاجات التي رافقت الحملة الانتخابية، والانتقادات التي وجهت لهيئة الانتخابات، واتهامها بتعبيد الطريق أمام الرئيس للفوز بسهولة على منافسيه، وللرئيس قيس سعيد بتقييد الحريات، وأيضاً بسبب مخاوف من عزوف التونسيين عن التوجه لصناديق الاقتراع، وسط حالة من الفتور وغياب الحماس.

وتشهد هذه الانتخابات، التي من يتوقع أن يفوز فيها الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد، منافسة بين هذا الأخير ومرشحين، أحدهما سُجن فجأة، الشهر الماضي، والآخر يرأس حزباً سياسياً، فيما تقول جماعات حقوقية إن الرئيس أزال معظم الضوابط الديمقراطية على سلطته خلال فترة ولايته الأولى. وأزاحت هيئة الانتخابات ثلاثة مرشحين بارزين، يمثلون تيارات سياسية كبرى من قائمة المرشحين في السباق، في خطوة أثارت غضباً واسع النطاق من المعارضين ومنظمات المجتمع المدني. كما جرد البرلمان، الأسبوع الماضي، المحكمة الإدارية، التي ينظر إليها على أنها محكمة مستقلة، من سلطة الفصل في النزاعات الانتخابية.

هذه القرارات فجّرت غضباً متنامياً لدى التونسيين، الذين خرجوا، أمس الجمعة، قبل يومين من الانتخابات الرئاسية للتنديد بـ«القمع المتزايد».

جانب من الاحتجاجات التي شهدتها العاصمة رفضاً لترشح الرئيس سعيد (إ.ب.أ)

ومنذ تفرد الرئيس سعيّد بالسلطة منتصف عام 2021، تم اعتقال عدد من معارضيه، من بينهم أحد المرشحين للرئاسة. وقالت الممثلة ليلى الشابي، التي شاركت في الاحتجاج لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قيس سعيّد داس على الحريات»، موضحة أنها ستقاطع الانتخابات «غير الشرعية». وطالب المتظاهرون في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة بإنهاء حكم سعيّد، رافعين لافتات تصفه بـ«المتلاعب بالقانون»، وسط حضور أمني كثيف.

المرشح الرئاسي زهير المغزاوي (إ.ب.أ)

وقال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، بسام الطريفي، إن «الشارع لا يزال نشطاً في التنديد بالاعتداءات على الحريات وحقوق الإنسان قبل يومين من الانتخابات»، مضيفاً: «خرجنا للتنديد بانتهاك الحريات والديمقراطية وإنجازات الثورة، وخاصة حرية التعبير والتجمع». ومن جهتها، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» إن «أكثر من 170 شخصاً محتجزون في تونس لأسباب سياسية أو لممارسة حقوقهم الأساسية».

لافتة المرشح الرئاسي المعتقل في السجن العياشي زمال (أ.ف.ب)

ومن المقرر أن يواجه الرئيس سعيّد النائب البرلماني السابق زهير المغزاوي، الذي أيّد إجراءاته عام 2021، والنائب السابق ورجل الأعمال العياشي زمال، الذي سجن بعد موافقة هيئة الانتخابات على ترشحه الشهر الماضي، والذي حُكم عليه هذا الأسبوع بالسجن 12 عاماً في أربع قضايا، لكنه لا يزال يتمتع بحق مواصلة السباق الانتخابي. من بين الأسباب الأخرى التي فجرت غضب التونسيين، رفض هيئة الانتخابات إعادة ثلاثة مرشحين للسباق الرئاسي، رغم صدور أحكام لصالحهم من المحكمة الإدارية، وبررت هذه الخطوة بعدم تبليغها بالقرارات القضائية في الآجال القانونية.

عبير موسي المعارِضة المعتقلة في السجن (موقع الدستوري الحر)

بدوره، قال رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد)، بسام معطر، إن نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية «تواجه تحديات بسبب الإشكالات العديدة التي رافقت الحملة الانتخابية، ودعوات المقاطعة من قبل عدة أحزاب من المعارضة». ولم تتعد نسبة المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد في 2022 نسبة 11.22 في المائة، بينما تخطت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة بنفس العام 30 في المائة، وهي تعد من بين النسب الأدنى منذ بدء الانتقال الديمقراطي في عام 2011.

يشار إلى أن منظمة «عتيد» تعد من بين أبرز المنظمات المتخصصة في شؤون الانتخابات، التي رافقت عمليات مراقبة سير الانتخابات منذ 2011. وأضاف معطر لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، موضحاً أن هذه الانتخابات الرئاسية «تختلف عن المواعيد الانتخابية السابقة؛ لأنها تحظى بأهمية لدى التونسيين، لكن الفترة الانتخابية الحالية شابها الكثير من الإشكالات».

وتابع معطر قائلاً: «كان اهتمام الناخبين والرأي العام موجهاً إلى الإشكالات التي تعيشها البلاد أكثر من الاهتمام بالحملة الانتخابية التي جاءت باهتة، من بينها وجود مرشح في السجن، وتفضيل أنصار الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيد التواصل المباشر فقط مع الناخبين في الشارع».

يرى عدد من المراقبين أن التوتر يسيطر على مسار الانتخابات الرئاسية بسبب استبعاد الهيئة العليا للانتخابات عدداً من المرشحين (موقع الهيئة)

ويرى عدد من المراقبين أن التوتر يسيطر على مسار الانتخابات الرئاسية، بسبب استبعاد الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لعدد من المرشحين، رغم صدور قرار من المحكمة الإدارية بتثبيتهم، ومن ثم أصدر البرلمان قانوناً يحدّ من صلاحيات المحكمة الإدارية في النزاعات الانتخابية، وسط احتجاجات من المعارضة ومنظمات حقوقية.

كما يواجه السباق الرئاسي وضعاً استثنائياً، حيث صدرت أحكام بالسجن ضد المرشح زمال القابع في السجن منذ أكثر من شهر في قضايا ترتبط بافتعال تزكيات من الناخبين.

في هذا السياق، يقول معطر: «كل الظروف التي تحيط بالمسار الانتخابي، مع دعوة عدد من الأحزاب المعارضة إلى مقاطعة الاقتراع، من شأنها أن تجعل نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية ليست بمستوى المشاركة في انتخابات 2019»، التي تجاوزت فيها النسبة في الدور الثاني 55 في المائة.