مبادرة «الآلية الوطنية» تجدد المخاوف من تشظي السودان

سخر منها أنصار الحرب ورفضها دعاة السلام

لقاء بين البرهان وأعضاء «الآلية الوطنية» الثلاثاء وبينهم عائشة موسى (سونا)
لقاء بين البرهان وأعضاء «الآلية الوطنية» الثلاثاء وبينهم عائشة موسى (سونا)
TT

مبادرة «الآلية الوطنية» تجدد المخاوف من تشظي السودان

لقاء بين البرهان وأعضاء «الآلية الوطنية» الثلاثاء وبينهم عائشة موسى (سونا)
لقاء بين البرهان وأعضاء «الآلية الوطنية» الثلاثاء وبينهم عائشة موسى (سونا)

أثار اللقاء الذي جمع قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، وممثلي «الآلية الوطنية»، برئاسة عضو مجلس السيادة السابقة عائشة موسى، موجة رفض عارمة من كل الجهات، ولم تجد تأييداً من الفرقاء السودانيين كافة. فأنصار الحرب ودعاة استمرارها عدّوا هذه «الآلية الوطنية» محاولة اختراق للصف المؤيد لاستمرار الحرب، بينما عدّتها القوى السياسية الداعية لوقف الحرب وعودة الانتقال المدني الديمقراطي، تكريساً للمخاوف من تشظي البلاد إلى دويلات، وانتصاراً لطرف من طرفي الحرب.

ولا يُعرف متى تكونت «الآلية» التي تطلق على نفسها اسم «الآلية الوطنية للتحول الديمقراطي ووقف الحرب»، قبل إعلانها تسليم قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، الثلاثاء الماضي، خريطة طريق لوقف الحرب، وتكوين حكومة طوارئ، وإعادة العمران، وفتح ممرات لدخول المساعدات الإنسانية. وفي وقت لاحق، كشفت رئيسة الآلية، عضو مجلس السيادة الانتقالي السابقة عائشة موسى، عن توافق على تكوين حكومة مدنية مستقلة لا حزبية لتصريف الأمور. وظهر في لقاء المجموعة مع البرهان، إلى جانب عضو مجلس السيادة عائشة موسى، كلٌ من الكابتن عادل المفتي، الذي وُصف بأنه مقرر «الآلية»، والمحامي عبد الحليم حسن، بينما تشير تسريبات إلى مشاركة أكاديميين من جامعة الخرطوم، لكن لم يعلن أي من الأسماء المتداولة انتماءه إلى «الآلية».

صورة أرشيفية لعضو مجلس السيادة السوداني المستقيلة الدكتورة عائشة موسى (رويترز)

واستقالت عضو مجلس السيادة السابقة، عائشة موسى، من منصبها في مايو (أيار) 2021، وأرجعت استقالتها وفقاً لتصريحات صادرة عنها نقلتها وكالة الأنباء الرسمية (سونا) وقتها، إلى ما أسمته «المكون المدني» في مجلس السيادة ومستويات الحكم كافة، تحول «مجرد جهاز تنفيذي لوجيستي، لا يشارك في صنع القرار، ويكتفي بالبصم على قرارات معدة مسبقاً».

موقف «الحرية والتغيير»

من جهته، وصف القيادي في تحالف «إعلان الحرية والتغيير»، شهاب إبراهيم، «الآلية» بأنها «تمثل أشخاصاً وليس كيانات»، وقال لـ«الشرق الأوسط»: إنهم وقبل أن يقدّموا أنفسهم للرأي العام طرحوا أنفسهم على «سلطة الأمر الواقع مباشرة».

وأوضح إبراهيم أن ذهاب «الآلية» إلى قائد الجيش يعد انحيازاً لأحد طرفي النزاع، ينذر بتقسيم البلاد، وأن تكوين حكومة «طوارئ» وفقاً لما طرحوه، يعزز الفكرة. وأضاف: «تكوين حكومة في بورتسودان، قد يدفع (الدعم السريع) إلى إعلان حكومة في الخرطوم، ويتيح لقائد الحركة الشعبية لتحرير السودان، عبد العزيز الحلو، تكريس سلطته في جنوب كردفان، وقد يعلن حكومته من هناك». ويرى إبراهيم أن ما طرحته «الآلية» يعدّ هزيمة للمنطق المنادي بوقف الحرب، وإتاحة الفرصة للطرفين للتملص من المسؤولية عما ارتكبوه من جرائم خلال الحرب. وأضاف: «هم بطرحهم هذا قلّلوا من التكلفة التي من المفترض أن يدفعها أي من طرفي الحرب».

خيانة للوطن والثورة

بدوره، دعا الأكاديمي والكاتب الصحافي زهير السراج، في نشرة على وسائط التواصل الاجتماعي، إلى مقاومة ما توصلت إليه «الآلية»، وقال: «إن أي اتفاق أو بيان من جهة، مهما كانت، لتشكيل حكومة طوارئ انتقالية يقوم بتشكيلها البرهان خيانة للوطن والشعب والثورة»، وعدّها محاولة لشرعنة النظام الانقلابي، وإعادة «المجرمين من تجار الدين إلى السلطة مرة أخرى». وحذّر السراج من أن تؤدي المحاولة إلى «تشظية الوطن وتقسيمه دويلات عبر مجموعة خانت الثورة ودماء الشهادة متمثلة في المدعوة عائشة موسى». وأضاف: «من يطلقون على أنفسهم (الآلية الوطنية) أداة في يد الكيزان (الحركة الإسلامية) وعميلهم البرهان»، ودعا من أطلق عليهم قوى الثورة إلى مقاومة «هذه المؤامرة اللعينة».

ولم يعلن «حزب المؤتمر الوطني» المنحل ومؤيدو استمرار الحرب من أنصاره و«الحركة الإسلامية»، موقفاً رسمياً من المبادرة، بيد أن مؤيديهم وأنصارهم من دعاة استمرار الحرب، عدّوها «محاولة من تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير للعودة للسلطة من البوابة الخلفية». وشنّ أنصار ودعاة استمرار الحرب من الأخوان وإعلامهم حملات سخرية ضد عضو مجلس السيادة عائشة موسى، ركزت على أنها في «الثمانين»، وتريد أن تلعب دوراً سياسياً مرة أخرى، وطالبوها بـ«التزام مسبحتها» وترك الأمر للشباب كما يتداول، كما سخروا من إعلان «الآلية» عدم رغبتها في المشاركة في «حكومة الطوارئ»، وعدّوها حيلة يعيدون بها التحالف الحاكم السابق، «الحرية والتغيير»، للسلطة بعد أن فقدها في انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021.


مقالات ذات صلة

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

شمال افريقيا لقاء حاكم اقليم دارفور و نائب وزير الخارجية الروسي في موسكو (فيسبوك)

مناوي: أجندتنا المحافظة على السودان وليس الانتصار في الحرب

قال حاكم إقليم دارفور ورئيس حركة «جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، إن أجندة الحركة «تتمثل في كيفية المحافظة على السودان، وليس الانتصار في الحرب».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا «مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

«مجموعة أ 3 بلس» تُعبر عن «صدمتها» من الانتهاكات ضد نساء السودان

استنكرت الجزائر باسم «مجموعة أ 3 بلس» بمجلس الأمن الدولي، التقارير الحديثة عن عمليات القتل الجماعي والاختطاف والاغتصاب في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يلقي كلمة أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن السودان الخميس 19 ديسمبر 2024 (أ.ب)

واشنطن تعلن تقديم 200 مليون دولار مساعدات إنسانية للسودان

أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، اليوم (الخميس)، تقديم نحو 200 مليون دولار إضافية من المساعدات الغذائية والمأوى والرعاية الصحية للسودان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
شمال افريقيا جانب من الاجتماع التشاوري حول السودان في نواكشوط الأربعاء (الخارجية الموريتانية)

السعودية تطالب بوقف القتال في السودان وتنفيذ «إعلان جدة»

احتضنت العاصمة الموريتانية نواكشوط، اجتماعاً تشاورياً بين المنظمات متعددة الأطراف الراعية لمبادرات السلام في السودان، في إطار مساعي توحيد هذه المبادرات.

الشيخ محمد (نواكشوط)
شمال افريقيا آثار قصف سابق على مدينة الفاشر (مواقع التواصل)

مقتل وجرح العشرات من المدنيين في قصف على مدينة الفاشر

تعرضت مدينة الفاشر، الأربعاء، لقصف مدفعي وغارات جوية أدت إلى وقوع عشرات القتلى والجرحى من المدنيين. وأدانت مسؤولة أممية الهجمات، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

تنسيق تونسي - جزائري - أوروبي للتصدي للهجرة السرية والإرهاب

وزيرا داخلية تونس والجزائر خلال جلسة عمل بتونس (الخارجية التونسية)
وزيرا داخلية تونس والجزائر خلال جلسة عمل بتونس (الخارجية التونسية)
TT

تنسيق تونسي - جزائري - أوروبي للتصدي للهجرة السرية والإرهاب

وزيرا داخلية تونس والجزائر خلال جلسة عمل بتونس (الخارجية التونسية)
وزيرا داخلية تونس والجزائر خلال جلسة عمل بتونس (الخارجية التونسية)

كثف وزيرا الداخلية التونسية خالد النوري، ووزير الخارجية محمد علي النفطي، خلال الأيام القليلة الماضية، مشاوراتهما مع مفوضية الاتحاد الأوروبي ومع عدد من المسؤولين في كل من الجزائر وإيطاليا.

وأعلنت وزارتا الداخلية التونسية والجزائرية عقد جلسة عمل بتونس، الجمعة، بين وزيري داخلية البلدين، خالد النوري وإبراهيم مراد، وعدد من مساعديهما، شملت بالخصوص المستجدات الأمنية، وملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير النظامية، وتنسيق الشراكة بين مؤسسات الوزارتين وتأمين الحدود.

المباحثات التونسية - الجزائرية ركزت على بحث سبل التصدي للهجرة السرية والإرهاب (أ.ف.ب)

كما أعلنت وزارة الداخلية التونسية عن استقبال الوزير النوري لمندوب الاتحاد الأوروبي في تونس، غوساب ييروني «بطلب منه»، أي بطلب من الجانب الأوروبي. وكشف الجانب التونسي أن المحادثات شملت ملف الشراكة بين تونس وأوروبا، بما في ذلك ملفا الهجرة والتنسيق الأمني.

جاءت هذه التحركات بعد أيام من زيارة قام بها وزير الداخلية التونسي إلى إيطاليا، وتنظيمه جلسات عمل مع نظيره الإيطالي، ماتيو بيانتدوزي، وعدد من مساعديه بمقر وزارة الداخلية الإيطالية. وكشف البلاغ الرسمي التونسي أن المحادثات شملت ملفات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين وزارتي داخلية البلدين، خصوصاً الجهود المشتركة للتصدي للهجرة غير النظامية، ومكافحة الاتجار بالمهاجرين، والعمل على «تأمين عودتهم الطوعية لبلدانهم الأصلية، في إطار حلول تنموية دائمة بالشراكة مع دول المنطقة».

* مضاعفات المستجدات في سوريا وليبيا

بالتوازي مع ذلك، أعلنت «الخارجية التونسية» تكثيف مشاوراتها مع الاتحاد الأوروبي وبعض العواصم المغاربية، حيث أجرى وزير الخارجية محمد علي النفطي، محادثات مع المفوضة الأوروبية لشؤون منطقة البحر الأبيض المتوسط، دبارفكا سويكا، كما عقد جلسة عمل مع الأمين العام للاتحاد المغاربي، السفير طارق بن سالم، شملت «الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة».

وزير الداخلية التونسي مستقبلاً سفير الاتحاد الأوروبي في تونس (الداخلية التونسية)

وسبق أن أجرى الوزير النفطي، خلال الأسابيع القليلة الماضية، سلسلة مقابلات مع نظيره الجزائري، أحمد عطاف، كما أجرى اتصالات مع عدد من كبار المسؤولين في ليبيا والمغرب، والاتحاد الأوروبي، والمشرق العربي، في سياق «دعم تونس سياسة خارجية وشراكات متعددة الأطراف».

وتزامنت هذه التحركات، رفيعة المستوى، بين كبار المسؤولين في تونس والجزائر وروما وبروكسل، مع المتغيرات السياسية والأمنية والعسكرية في سوريا وليبيا، بعد تسرب تقارير عن نقل آليات عسكرية ثقيلة من القواعد الروسية في سوريا إلى ليبيا، وعن مناورات عسكرية تركية جديدة قرب السواحل الليبية والتونسية.

تحذيرات الرئيس التونسي

قبل أيام، قام الرئيس التونسي قيس سعيد بزيارة عمل مطولة للمؤسسات الأمنية والسياسية في المحافظات الحدودية التونسية - الليبية، خصوصاً لمنطقة بن قردان، وولاية مدنين الحدودية المجاورة لبوابة «رأس جدير»، التي تعد أكبر بوابة برية تربط تونس وليبيا، ويستخدمها ملايين المسافرين سنوياً من عدة بلدان.

وخلال هذه الزيارة، تحدث الرئيس سعيد عن ملفات الأمن والحرب على الإرهاب والتهريب، ووجه «تحذيرات شديدة اللهجة للمتآمرين على تونس»، داعياً إلى «الوحدة الوطنية». وتوقف بالمناسبة عند نجاح بعض المواطنين بالاشتراك مع قوات الجيش والأمن، قبل أعوام، في صد هجوم شنته مجموعة إرهابية مسلحة مقبلة من ليبيا، وكادت تسيطر على المنطقة، حسب قوله.

وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي خلال لقائه الأمين العام للاتحاد المغاربي طارق بن سالم (الخارجية التونسية)

في غضون ذلك، أكدت مصادر تونسية وجزائرية مسؤولة لـ«الشرق الأوسط»، أنه من المقرر عقد مؤتمر قمة ثلاثية (تونسية - جزائرية - ليبية) قريباً في العاصمة الليبية طرابلس، بهدف «دعم متابعة التنسيق الأمني والسياسي بين البلدان الثلاثة»، الذي أسفر عن عقد قمتين بين رؤسائها في كل من الجزائر وتونس في النصف الأول من العام الحالي.