بعد كارثة درنة... الدبيبة يحذر الليبيين من سيول محتملة

سكان ضواحي سد «وادي كعام» يخشون تكرار الفاجعة بسبب عدم الصيانة

الدبيبة طالب حكومته بالاستعداد لسيول جارفة محتملة (الوحدة)
الدبيبة طالب حكومته بالاستعداد لسيول جارفة محتملة (الوحدة)
TT

بعد كارثة درنة... الدبيبة يحذر الليبيين من سيول محتملة

الدبيبة طالب حكومته بالاستعداد لسيول جارفة محتملة (الوحدة)
الدبيبة طالب حكومته بالاستعداد لسيول جارفة محتملة (الوحدة)

أصدر رئيس حكومة «الوحدة» الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، اليوم (السبت) تعليمات لوزير الحكم المحلي، بوصفه رئيس الفريق الحكومي للطوارئ والاستجابة السريعة، لاتخاذ إجراءات تهدف لتفادي أي خسائر أو أضرار، سواء بشرية أو مادية، نتيجة حدوث سيول قد تنجم عن أمطار غزيرة متوقعة في منطقة غات، الواقعة جنوب غربي البلاد. وبحسب وكالة «أنباء العالم العربي»، فقد ذكرت الحكومة، في بيان، أن الدبيبة طالب وزير الحكم المحلي، بدر الدين التومي، بضرورة متابعة المتغيرات الجوية أولاً بأول مع مصلحة الأرصاد الجوية، والتواصل مع عمداء البلديات بمنطقة غات وما حولها، قصد تشكيل غرفة عمليات لمتابعة أي أحداث قد تنجم عن هطول الأمطار الغزيرة.

أهالي الخمس وزليتن يتخوفون من أن تتحول مناطقهم إلى أماكن منكوبة بسبب مخاوف من حدوث سيول جارفة (رويترز)

وأكد البيان ضرورة «التنسيق مع وزارة الداخلية بخصوص إجلاء سكان المناطق القريبة أو المحاذية للأودية، بهدف منع أي أضرار بشرية... وتكليف البلديات تنظيف مجاري الأودية المتوقع جريانها من أي مخلفات أو عوائق تعيق جريان المياه». ووفقاً للبيان ذاته، فقد كلف الدبيبة الوزير اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة لمنع حدوث انقطاعات في الاتصالات، والتواصل مع شركة الكهرباء لتفادي حدوث انقطاع للتيار الكهربائي في منطقة غات، والمناطق المجاورة. وفي وقت سابق من اليوم (السبت) قال تلفزيون «المسار» الليبي، إن هيئة الطوارئ والدعم حذّرت سكان جنوب غربي البلاد من تشكُل السيول، نتيجة الأمطار الغزيرة المتوقعة خلال الأيام المقبلة. وجاء هذا التحذير بعد أن تعرّضت مناطق شرق ليبيا لسيول جارفة جراء الإعصار «دانيال»، مما أودى بحياة الآلاف، وخلّف دماراً واسعاً وألحق أضراراً جسيمة بالبنية التحتية. ومن جهتها، نقلت بوابة «الوسط» الإلكترونية عن الهيئة، قولها في بيان، إن من المتوقع أن تشهد المنطقة الجنوبية هطول أمطار غزيرة في الأيام المقبلة، مع التغيرات المناخية التي تشهدها، وفي ضوء التنبؤات الجوية الحالية، مضيفة أن هذه الأمطار الغزيرة قد تتسبب في تشكُل سيول، وارتفاع منسوب المياه نظراً لوجود مناطق منخفضة في المنطقة.

تحذيرات من سيول محتملة تثير مخاوف سكان جنوب ليبيا (رويترز)

في غضون ذلك، يسيطر الخوف على كثير من أهالي الخمس وزليتن، الواقعتين شرق العاصمة طرابلس، خشية تكرار كارثة انهيار سدَي درنة قبل نحو 3 أسابيع، ومخافة تعرُض سد وادي كعام، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 33 مليون متر مكعب من المياه، للانهيار في حالة امتلائه، بما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى سيل جارف، على غرار ما جرى في درنة جراء الإعصار «دانيال». وقال أنس المبروك، وهو طالب جامعي: «امتلأ السد عام 2019 للثلث. وبصراحة نحن نخشى امتلاءه بما يزيد على حده؛ لأن هذا سيؤدي إلى طوفان وسيل قوي جداً، سيغطي زليتن ووادي كعام والخمس، وسيكون سيلاً أقوى بكثير من سيل وادي درنة». وبعدما باتت كارثة درنة شغل الليبيين الشاغل على مدار الأسابيع الماضية، تولد الخوف لدى مَن يعيشون في مناطق قرب السدود، لدرجة أن محمد أبو القاسم، وهو من أهالي مدينة الخمس، أكد أن ابنه طلب منه الرحيل عن المنزل القريب من سد وادي كعام. ولهذا اصطحب الرجل ابنه وأسرته إلى موقع السد حتى يتأكد من أن الخطر ليس محدقاً كما يعتقد. يقول الرجل: «ابني يتملكه خوف منذ أن سمع أن سد درنة انفجر. نحن نسكن في كعام، ولأنه خائف جداً فقد قال لي إنه بات يرفض أن نسكن في كعام، واليوم أحضرناه إلى هنا، لمكان السد؛ كي يطمئن». ويؤكد الأهالي أن سد وادي كعام لم يخضع لعمليات صيانة منذ أكثر من 10 سنوات، وهو يعدّ أكبر سد ترابي في منطقة غرب ليبيا. وألقت السلطات الليبية القبض على عدد من المسؤولين، من بينهم رئيس بلدية درنة، بناء على اتهامات تتعلق بالتقصير، الذي تسبب في الكارثة الإنسانية، التي شهدتها المدينة بانهيار سديها.



دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
TT

دعوات «إلزامية الحجاب» تفجر صراعاً مجتمعياً في ليبيا

تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)
تواجه دعوات تحجيب النساء «جبراً» رفضاً لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات (أ.ف.ب)

وجدت دعوات تحجيب النساء «جبراً»، التي تنتصر لها السلطة في العاصمة الليبية، عدداً من المؤيدين، لكنها خلقت أيضاً تياراً واسعاً من الرافضين لفكرة «تقييد الحريات» في مجتمع غالبية نسائه أصلاً من المحجبات.

فبعد إعلان السلطة، ممثلة في عماد الطرابلسي، وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» المؤقتة، عن إجراءات واسعة ضد النساء، من بينها «فرض الحجاب الإلزامي»، بدت الأوضاع في ليبيا متجهة إلى التصعيد ضد «المتبرجات»، في ظل صراع مجتمعي محتدم.

بين الرفض والقبول

تفاعل الشارع الليبي بشكل متباين مع تصريحات الطرابلسي، بين من رفضها جملة وتفصيلاً، ومن قال إنه «ينفذ شرع الله ويسعى لنشر الفضيلة»، في وقت شرعت فيه أجهزة أمنية في إغلاق صالات رياضية ونوادٍ نسائية، بينما لم تعلّق سلطات البلاد، ممثلة في المجلس الرئاسي أو «الوحدة»، على هذا الأمر، وهو ما عده مقربون منهما «رضاً وقبولاً» بما تعهد به الطرابلسي.

الدبيبة والمنفي لم يعلّقا على تصريحات الطرابلسي (المجلس الرئاسي الليبي)

وبين هذا التيار وذاك، ظهرت شكاوى من التضييق والتحريض ضد «متبرجات»، أعقبتها دعوات للنائب العام بضرورة التدخل لحمايتهن وتفعيل القانون. وأمام تصاعد هذا الاتجاه الذي حذرت منه منظمات دولية، عدّت زهراء لنقي، عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي، أن الهدف منه «إشغال الناس عن القضايا الجوهرية، مثل الفساد المالي والإداري وتهريب الأموال».

وقالت الزهراء لـ«الشرق الأوسط» إن هذا التوجه «يأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تفعلها حكومة (الوحدة) بين الحين والآخر، في إطار توجّه منهجي لعودة المنظومة الأمنية القمعية، وكبت الحريات العامة، وملاحقة المجتمع المدني عبر توظيف خطاب متشدد».

منظمة «العفو الدولية» قالت إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء» (وزارة الداخلية)

وسبق لمنظمة «العفو الدولية» القول إن تصريحات الطرابلسي من شأنها «ترسيخ التمييز ضد النساء والفتيات، والانتقاص من حقوقهن في حرية التعبير والدين، والمعتقد والخصوصية الجسدية، بما في ذلك خطط لإنشاء شرطة الأخلاق لفرض الحجاب الإلزامي».

من جهته، عدّ جمال الفلاح، رئيس «المنظمة الليبية للتنمية السياسية»، أن هذه الإجراءات «قسّمت المجتمع بين جماعة مؤيدة، وأخرى تعد هذا التوّعد إهانة للمرأة الليبية، التي ترفض فرض الحجاب عليها بالقوة».

وقال الفلاح الذي يرى أن المرأة الليبية «قيادية ورائدة في مجالات عدة»، لـ«الشرق الأوسط»: «إذا كنا نتحدث عن الأخلاق والفضيلة، فليبيا اليوم تعج بالربا وفساد السلطة والمسؤولين، بالإضافة إلى الرشى في أوساط من هم في السلطة؛ ولذلك كان من الأولى التركيز على قضايا الرشوة والابتزاز والقتل خارج القانون».

جمال الفلاح رئيس المنظمة الليبية للتنمية السياسية (الشرق الأوسط)

وكان الطرابلسي قد قال في مؤتمر صحافي في السادس من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، باللهجة الليبية: «نلقى واحد مقعمز (جالس) هو وبنت برقدهم في الحبس، والبنت بترقد هي وأهلها في الحبس. والنساء اللي تسوق من غير ستر شعرها بنستلم منها السيارة... لا نعرف زميل لا صديق لا شريك لا موظف».

وسيلة للإلهاء

أمينة الحاسية، رئيس مجلس إدارة ملتقى التغيير لتنمية وتمكين المرأة، ربطت بين توجه سلطات طرابلس لتفعيل الحجاب «جبراً»، والأزمة السياسية في البلاد، وهو ما ذهبت إليه أيضاً لنقي.

تقول الحاسية لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يضع المسؤولون في ليبيا المرأة في مكان بين السياسة والدين؛ ولو تريد الدولة حقاً المحاسبة فعليها أن تبدأ أولاً بمواجهة الفساد، وتدع المرأة وشأنها»، مضيفة: «هم الآن في وضع سياسي سيئ».

زهراء لنقي عضو ملتقى الحوار السياسي الليبي (الشرق الأوسط)

وعدت لنقي التركيز على المرأة وزيها وشعرها «زوبعة يستهدفون الإلهاء من ورائها»، معتقدة أن حكومة طرابلس «تسعى لأن تكون سلطة دينية وهي ليست كذلك... و 90 في المائة؜ من الليبيات تقريباً يرتدين الزي نفسه داخل ليبيا. هذه في رأيي زوبعة للإلهاء عن القضايا الجوهرية لا أقل ولا أكثر».

حماية الآداب العامة

غير أن صمت السلطة حيال ما ذهب إليه الطرابلسي توقف بعد قرار أصدره الدبيبة، وتم تداوله على نطاق واسع، وهو القرار الذي قضى باستحداث إدارة بالهيكل التنظيمي لوزارة الداخلية، تسمى «الإدارة العامة لحماية الآداب العامة».

وحدد القرار، الذي لم تنفه حكومة الدبيبة، مهام إدارة «حماية الآداب العامة»، من بينها ضبط الجرائم التي ترتكب في الأماكن العامة، والمقاهي والمطاعم ودور العرض والفنادق، وغيرها من الأماكن العامة أو المخصصة للارتياد العام بالمخالفة للتشريعات الخاصة بحماية الآداب العامة، ومكافحة الأفعال التي تتنافى مع توجهات المجتمع، وتسيء إلى قيمه وأخلاقه ومبادئه، وتطبيق التشريعات النافذة، بالإضافة إلى القيام بأعمال البحث والتحري، وجمع الاستدلال في الجرائم المتعلقة بالآداب العامة.

وتوجه مقربون من الإعلامية الليبية، زينب تربح، ببلاغ إلى النائب العام، بعد شكايتها في مقطع فيديو من مضايقات وهي تقود سيارتها من طرف مجهولين لكونها حاسرة الرأس، وقالت إيناس أحمدي، إحدى المقربات من الإعلامية، إن تربح «تتعرض لحملة شرسة من العنف والتعدي»، مشيرة إلى أن الحملة «ما زالت في بدايتها، وما زالت تأخذ أشكالاً أكثر تعنيفاً دون أي رادع».

وانتشر على تطبيق «تيك توك» تأييد واسع لرغبة سلطة طرابلس في تفعيل الحجاب، كما أسبغ بعض المعجبين على الطرابلسي أوصافاً عديدة، تعود لشخصيات تاريخية، وعدّوه «حامياً للإسلام والأخلاق». وهنا تلفت الحاسية إلى «تغول التيار الديني في غرب ليبيا، وتأثيره على من هم في السلطة، لما يملكه من مال وسلاح وميليشيات»، وقالت بهذا الخصوص: «أصبحت هناك حالات تعد على صالات الرياضة والنوادي النسائية بالقوة، وقد حاولوا أن يغلقوها بحجج كثيرة، من بينها الدين والحجاب. وربما نقول إن الطرابلسي له علاقة بهذه التشكيلات المسلحة وهذا التوجه الديني».

أمينة الحاسية في لقاء سابق مع سيتفاني ويليامز (الشرق الأوسط)

ووسط تباين مجتمعي، يراه كثيرون أنه سيتفاعل في قادم الأيام كلما تعددت حالات التضييق على «المتبرجات»، قالت المحامية الليبية ثريا الطويبي، إن ما ذهب إليه الطرابلسي، «جاء مخالفاً للإعلان الدستوري، الذي نص على حماية الحقوق وصيانة الحريات». مضيفة لـ«الشرق الأوسط»: «يعد لباس المرأة من الحقوق والحريات الشخصية، ما لم يكن فاضحاً أو خادشاً للحياء العام، وليس من اختصاص وزير الداخلية وضع القيود على لباس المرأة، أو تنقلها وسفرها للخارج».

المحامية الليبية ثريا الطويبي (الشرق الأوسط)

واتساقاً مع ذلك، تعتقد الحاسية أن ليبيا تعيش راهناً في فوضى، ومواجهة من تيار ديني يريد الهيمنة على زمام الأمور والقوانين ودسترة هذه المشكلات، لكنها قالت جازمة: «الليبيون والليبيات سيرفضون هذا الإلزام، إلا لو فرض عليهم بقوة السلاح».