مصر: دعوات للتريث والنأي بالنفس في قضية مينينديز

مراقبون رفضوا الزجّ بالقاهرة في «الصراع الحزبي» الأميركي

السيناتور الأميركي المخضرم روبرت مينينديز (أ.ب)
السيناتور الأميركي المخضرم روبرت مينينديز (أ.ب)
TT

مصر: دعوات للتريث والنأي بالنفس في قضية مينينديز

السيناتور الأميركي المخضرم روبرت مينينديز (أ.ب)
السيناتور الأميركي المخضرم روبرت مينينديز (أ.ب)

رفض مراقبون وخبراء مصريون ما اعتبروه «زجاً باسم مصر في قضايا سياسية داخلية بالولايات المتحدة»، وربطوا بين اتهام رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وزوجته بـ«قبول مئات آلاف من الدولارات مقابل مساعدات للحكومة المصرية»، وبين احتدام الصراع الحزبي قبيل سباق الانتخابات الرئاسية الأميركية، لكنهم لم يستبعدوا في الوقت ذاته وجود محاولات لـ«التربص» بمصر.

واستقال السيناتور الأميركي المخضرم، روبرت مينينديز، في وقت متأخر مساء (الجمعة)، من منصبه رئيساً للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، على خلفية اتهامه بـ«تقاضي الرشوة». وبحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، أمس (الجمعة)، فقد وجّهت «اتهامات فيدرالية بالفساد» للسيناتور الأميركي، لاستخدامه منصبه في مجموعة واسعة من «المخططات الفاسدة في الداخل والخارج»، تضمنت «تزويد الحكومة المصرية سراً بمعلومات حساسة عن الحكومة الأميركية».

وقالت الصحيفة إن لائحة الاتهام تتكون من 3 تهم رئيسية ضد مينينديز، من نيوجيرسي، وزوجته و3 رجال أعمال من نيوجيرسي، وهي الاتهامات التي نفاها مينينديز وزوجته.

وتفاعلت وسائل إعلام مصرية مع التقارير المتعلقة بالاتهامات الموجهة إلى السيناتور مينينديز، إذ بثّت قناة «القاهرة الإخبارية» المصرية عدة مقابلات مع محللين ومسؤولين أميركيين سابقين، اعتبروا فيها أن قضية مينينديز «تنطوي على أبعاد سياسية». وربطوا بين القضية وبين احتدام الصراع بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، مع اقتراب المنافسة في الانتخابات الرئاسية.

من جانبه، قال وزير الخارجية المصري الأسبق، رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير محمد العرابي، إن هذه الاتهامات الموجهة للسيناتور الأميركي «لا تزال في مرحلة التحقيقات، ولا يمكن التعليق على أمور لم تثبت صحتها بعد». ودعا العرابي إلى «التريث في تناول الأمور المتعلقة بمثل هذا النوع من القضايا»، مشيراً إلى أن «السياسة الأميركية والصراع الحزبي المحتدم هناك تؤدي إلى كثير من المعارك بين نواب ورموز الحزبين». وشدد في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على «ضرورة عدم الانسياق وراء محاولات الزج باسم مصر في معترك سياسي داخل الولايات المتحدة، ولا يوجد أي موقف رسمي بشأنه».

وهذه ليست المرة الأولى التي يضطر فيها مينينديز (69 عاماً)، الذي خدم في الكونغرس منذ عام 2006، إلى التخلي عن منصبه في لجنة العلاقات الخارجية. فقد استقال مينديز في عام 2015 بعد أن وجّهت إليه اتهامات في نيوجيرسي بقبول رشى من طبيب عيون في فلوريدا، لكن القضية أبطلت لعدم تمكن المحلفين من التوصل إلى حكم بالإجماع.

في السياق ذاته، أشار أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والجامعة الأميركية، الدكتور طارق فهمي، إلى أن «توجيه الاتهامات لنواب ونافذين في السياسة الأميركية وارتباطهم بجماعات ضغط داخلية، تعد من الأمور المعتادة في السياسة الأميركية، فهناك اتهامات توجه للعشرات من الساسة بالولايات المتحدة يومياً، تتعلق بارتباطهم بجماعات ضغط مثل الآيرلنديين واليهود وغيرهم».

وأوضح فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن «الاتهامات الموجهة للسيناتور الأميركي لا تزال حتى الآن موضع تحقيقات، ولم تصل إلى مستوى المحاكمة، وهناك إجراءات معقدة في هذا الشأن في نظام التقاضي الأميركي»، مؤكداً أنه «لا يوجد ما يدين الحكومة المصرية في كل ما تم تداوله من معلومات عبر وسائل الإعلام بشأن القضية».

ولم يستبعد أستاذ العلوم السياسية وجود «نوع من التربص السياسي بمصر، من خلال الزجّ باسمها في قضية لا تزال موضع تحقيق»، منوهاً بـ«الضغوط التي مارستها جماعات ضغط في الكونغرس الأميركي لتقليص المعونة الأميركية لمصر».

وكان السيناتور الأميركي، كريس ميرفي، قد أعلن منتصف سبتمبر (أيلول) الحالي أن إدارة الرئيس جو بايدن تعتزم حجب 85 مليون دولار من المساعدات العسكرية المقدمة إلى مصر. وأرجع ذلك إلى ما وصفه بعدم التزام القاهرة بشروط الولايات المتحدة، فيما يخص الإفراج عن السجناء السياسيين، وعدد من القضايا الأخرى المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان.

وتقدم واشنطن مساعدات عسكرية لمصر، تبلغ قيمتها نحو 1.3 مليار دولار سنوياً، وذلك بعد توقيع مصر معاهدة سلام مع إسرائيل عام 1979، ويرتبط جزء صغير من هذه المساعدات (نحو 320 مليون دولار) بسجل القاهرة في الديموقراطية وحقوق الإنسان.

السيسي خلال لقائه وفداً من الكونغرس الأميركي بالقاهرة في أغسطس الماضي (الرئاسة المصرية)

ويحرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على عقد لقاءات منتظمة مع أعضاء بارزين في الكونغرس الأميركي، سواء في القاهرة، أو خلال زياراته للولايات المتحدة. وقد استقبل الرئيس المصري وفداً موسعاً رفيع المستوى من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بالكونغرس، نهاية أغسطس (آب) الماضي، ضمّ السيناتور ليندساي غراهام عضو مجلس الشيوخ، والسيناتور روبرت مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، الذي وجّهت له الاتهامات مؤخراً. بالإضافة إلى عدد من مسؤولي وأعضاء اللجان بمجلسي النواب والشيوخ، وذلك بحضور سامح شكري وزير الخارجية المصري.

ووفق بيان للرئاسة المصرية حينها، فإن اللقاء شهد «تأكيد قوة ومتانة الشراكة الاستراتيجية الممتدة منذ عقود بين مصر والولايات المتحدة، والأهمية التي توليها الدولتان لتعزيز علاقاتهما على جميع المستويات، الرسمية والبرلمانية والشعبية».



مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
TT

مدينة ليبية تنتفض ضد «المرتزقة»... وحكومة الدبيبة

الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)
الدبيبة في افتتاح أعمال المؤتمر الأول لقادة الاستخبارات العسكرية لدول جوار ليبيا (حكومة الوحدة)

عمّت حالة من التوتر بني وليد (شمال غربي ليبيا) إثر منع الأجهزة الأمنية فعالية سياسية تدعو لطرد «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية من البلاد، وأعقب ذلك القبض على قيادات قبائلية ونشطاء، ما أدى إلى تسخين الأجواء بالمدينة التي أمضت ليلتها في حالة انتفاضة.

وكان مقرراً أن تستضيف بني وليد، التي لا تزال تدين بالولاء لنظام الرئيس الراحل معمر القذافي، المشاركين في حراك «لا للتدخل الأجنبي» مساء السبت، قبل أن تدهم قوات الأمن الاجتماع المخصص لذلك، وتقتاد بعض قياداته إلى مقار أمنية، ما تسبب في تصعيد حالة الغضب.

ومع الساعات الأولى من ليل السبت، احتشد مئات المتظاهرين، وخاصة أهالي قبيلة ورفلة، وبعضهم موالٍ أيضاً لسيف الإسلام نجل القذافي، أمام ديوان مديرية أمن بني وليد، في ما يشبه انتفاضة، منددين باعتقال بعض قيادات الحراك، ومرددين الهتاف الشهير: «الله ومعمر وليبيا وبس»، لكنهم أيضاً هتفوا ضد عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة.

ونجح المتظاهرون في الضغط على السلطات في بني وليد لاستعادة المحتجزين، لكنهم ظلوا يصعّدون هتافاتهم ضد الدبيبة وحكومته.

وعبّرت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» بليبيا عن «قلقها البالغ» لعملية «الاحتجاز التعسفي لعدد من المواطنين المجتمعين في مدينة بني وليد، المطالبين بإخراج القوات والقواعد الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية»، مشيرة إلى أن مواطنين طاعنين في السنّ كانوا من بين المعتقلين.

وقالت المؤسسة، في بيان، الأحد، إن «أفراد الأمن التابعين للمديرية التابعة لوزارة الداخلية بحكومة (الوحدة) أطلقوا الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين من أمام مقر المديرية».

وأضرم غاضبون من شباب بني وليد النار في الكاوتشوك اعتراضاً على اعتقال 4 مشايخ من قبيلة ورفلة بالمدينة، كما أغلقوا بعض الطرقات، بعد مظاهرة حاشدة في ميدان الجزائر بالمدينة.

ودافعت مديرية أمن بني وليد عن نفسها، وقالت إنها تشدد على منتسبيها «الالتزام بتنفيذ التعليمات واللوائح التي تمنعهم من التدخل في أي عمل سياسي، وتلزمهم بحماية أي تعبير سلمي للمواطنين»، لكنها «لا تتحمل مسؤولية تأمين أنشطة اجتماعية أو سياسية لا تملك بخصوصها أي بيانات أو موافقات رسمية تسمح بها».

وأبدت مديرية الأمن تخوفها من «اختراق أي تجمع لسكان المدينة، عبر أي مشبوهين، لغرض توريط بني وليد في الفوضى خدمة لمصالح شخصية»، وانتهت إلى «التذكير بأن الثوابت الوطنية المرتبطة بوحدة ليبيا، وحماية سيادتها ومواطنيها، هي مسؤولية دائمة بالنسبة لها، وليست موضع تشكيك أو تخوين».

وتصعّد قبائل موالية لنظام القذافي منذ أشهر عدّة ضد وجود «المرتزقة» والقوات والقواعد الأجنبية في البلاد، مطالبة بإخراجهم، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية «في أسرع وقت».

وسبق للعميد العجمي العتيري، آمر كتيبة «أبو بكر الصديق»، التي اعتقلت سيف الإسلام القذافي، أن أعلن أن الاجتماع التحضيري للقبائل، الذي عملت عليه قبيلة المشاشية تحت عنوان «ملتقى لمّ الشمل»، اتفق على اختيار اللجنة التنسيقية للملتقى العام، مجدداً المطالبة بإخراج القواعد الأجنبية من ليبيا وطرد «المرتزقة».

ورأت «المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان» أن التظاهر السلمي بالعديد من المدن والمناطق الليبية يُعد «تعبيراً طبيعياً عن التذمّر والاستياء من الوجود الأجنبي للقوات والقواعد الأجنبية والمرتزقة في عموم ليبيا»، محملة وزير الداخلية بحكومة «الوحدة» ومدير أمن بني وليد «المسؤولية القانونية الكاملة حيال ما قام به أفراد الأمن بالمديرية من قمع للمواطنين المتظاهرين السلميين، واعتقال عدد منهم».

وتحذر المؤسسة من «استمرار محاولة المساس بحياة المتظاهرين وتعريضهم للترويع والإرهاب المسلح وحجز الحرية بالمخالفة للقانون»، وانتهت إلى أنه «في جميع الأحوال لا يجب استخدام الأسلحة النارية، بشكلٍ عشوائي، لتفريق المعتصمين السلميين».

وتستعين جبهتا شرق ليبيا وغربها بآلاف من عناصر «المرتزقة السوريين» المواليين لتركيا، وآخرين مدعومين من روسيا، وذلك منذ وقف الحرب على العاصمة طرابلس في يونيو (حزيران) 2020، إلى جانب 10 قواعد عسكرية أجنبية، بحسب «معهد الولايات المتحدة للسلام».

وسبق أن هتف مواطنون للقذافي، وذلك إثر خروج جمهور كرة القدم الليبية من «استاد طرابلس الدولي» بعد هزيمة المنتخب أمام نظيره البنيني في تصفيات التأهل لـ«أمم أفريقيا».