أزمة المناخ جعلت فيضانات ليبيا «أكثر احتمالاً بـ50 مرة»

متطوعان يقفان وسط الدمار بعد الفيضانات القاتلة التي ضربت درنة بليبيا (رويترز)
متطوعان يقفان وسط الدمار بعد الفيضانات القاتلة التي ضربت درنة بليبيا (رويترز)
TT

أزمة المناخ جعلت فيضانات ليبيا «أكثر احتمالاً بـ50 مرة»

متطوعان يقفان وسط الدمار بعد الفيضانات القاتلة التي ضربت درنة بليبيا (رويترز)
متطوعان يقفان وسط الدمار بعد الفيضانات القاتلة التي ضربت درنة بليبيا (رويترز)

وجد تقييم علمي حديث أن الفيضانات المدمِّرة في ليبيا التي أودت بحياة 11 ألف شخص هذا الشهر أصبحت «أكثر احتمالاً بـ50 مرة» بسبب أزمة المناخ التي هي من صنع الإنسان، وفقاً لصحيفة «إندبندنت».

ونتجت الفيضانات الكارثية عن انهيار سدين في درنة بعد عاصفة ضربت البلاد في 10 سبتمبر (أيلول). ومع ذلك، قال الباحثون إن أزمة المناخ لعبت دوراً في هطول الأمطار الغزيرة.

وقد نشر باحثون من World Weather Attribution (WWA)، أمس (الثلاثاء)، التقرير، وهو دراسة إسناد سريعة تجد الأسباب الكامنة وراء الكارثة.

درس العلماء تأثير العاصفة «دانيال» وهطول الأمطار المتواصل في منطقة البحر الأبيض المتوسط في الأسابيع الأخيرة لفهم كيف لعب ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية دوراً.

ووجدت الدراسة أن أزمة المناخ جعلت هطول الأمطار الغزيرة في اليونان وبلغاريا وتركيا أكثر احتمالاً بما يصل إلى 10 مرات، بينما في ليبيا كان الأمر أكثر احتمالاً بما يصل إلى 50 مرة.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن السبب الرئيسي وراء تحول الحدث في ليبيا إلى كارثة إنسانية هي البنية التحتية المتداعية في البلاد، التي هي في حد ذاتها نتيجة للحرب الأهلية منذ عام 2011.

وقال الباحثون إن العاصفة «دانيال»، التي تشكلت في شرق البحر الأبيض المتوسط في سبتمبر، جلبت كميات كبيرة من الأمطار على مدى 10 أيام إلى عدة دول، بما في ذلك إسبانيا واليونان وبلغاريا وليبيا.

وأوضحت جولي أريغي، مديرة مركز المناخ في «الصليب الأحمر والهلال الأحمر»: «تُظهر هذه الكارثة المدمّرة كيف تجتمع الظواهر الجوية المتطرفة التي يغذّيها تغير المناخ مع العوامل البشرية لإحداث تأثيرات أكبر، حيث يتعرض المزيد من الأشخاص والأصول والبنية التحتية لمخاطر الفيضانات».

وتابعت: «ومع ذلك، هناك حلول عملية يمكن أن تساعدنا في منع هذه الكوارث من أن تصبح روتينية مثل تعزيز إدارة الطوارئ، وتحسين التنبؤات القائمة على التأثير وأنظمة الإنذار، والبنية التحتية المصممة للمناخ المستقبلي».

ولقياس تأثير تغير المناخ على الأمطار الغزيرة في المنطقة، قام العلماء بتحليل البيانات المناخية ومحاكاة النماذج الحاسوبية لمقارنة المناخ كما هو في الوقت الحالي -بعد نحو 1.2 درجة مئوية من الاحتباس الحراري- بالمناخ الماضي في العالم أواخر القرن التاسع عشر.

وقسّم العلماء تحليلهم إلى ثلاث مناطق: ليبيا، حيث ركزوا على الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، حيث سقط معظم الأمطار؛ واليونان وبلغاريا وتركيا، حيث تناول التحليل الحد الأقصى لهطول الأمطار على مدار أربعة أيام متتالية؛ وإسبانيا، حيث هطل معظم الأمطار خلال ساعات قليلة.

بالنسبة إلى هذه المنطقة الكبيرة التي تضم أجزاء من ثلاثة بلدان، أصبح هذا الحدث الآن شائعاً إلى حد معقول، ويمكن توقع حدوثه مرة واحدة كل 10 سنوات تقريباً، مما يعني أن هناك فرصة بنسبة 10 في المائة لحدوثه كل عام.

بالنسبة لوسط اليونان، حيث حدث معظم التأثيرات، فإن الحدث أقل احتمالاً ومن المتوقع أن يحدث مرة واحدة فقط كل 80 إلى 100 عام، أي ما يعادل فرصة 1 إلى 1.25 في المائة لحدوثه كل عام.

وفي إسبانيا، حيث هطل معظم الأمطار في غضون ساعات قليلة فقط، قدَّر العلماء أن مثل هذه الأمطار الغزيرة متوقَّعة مرة كل 40 عاماً، لكنهم لم يتمكنوا من إجراء تحليل كامل للإسناد لأن النماذج المناخية المتاحة تمثل هطول الأمطار الغزيرة على فترات زمنية أقصر من يوم واحد.

بالنسبة إلى ليبيا، وجدوا أن أزمة المناخ زادت احتمالية الحدث بما يصل إلى 50 مرة، مع زيادة هطول الأمطار بنسبة تصل إلى 50 في المائة خلال هذه الفترة نتيجة للتلوث من صنع الإنسان.

ويقول التقرير إن هذا الحدث لا يزال غير عادي للغاية، ولا يمكن توقع حدوثه إلا مرة واحدة كل 300 - 600 عام في المناخ الحالي.

وبينما قال علماء WWA إن هذه النتائج تنطوي على قدر كبير من عدم اليقين بسبب نقص بيانات الطقس من ليبيا، فقد تم العثور على دور أزمة المناخ في التقييمات السابقة أيضاً، في جعل هطول الأمطار المرتبط بالعواصف أكثر غزارة وأكثر كارثية، خصوصاً بالنسبة للبلدان الضعيفة.


مقالات ذات صلة

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

شمال افريقيا وزير الخارجية التركي مستقبلاً بلقاسم نجل حفتر في أنقرة (صندوق تنمية وإعادة إعمار ليبيا)

هل يؤثر تقارب سلطات بنغازي مع أنقرة على حكومة «الوحدة» الليبية؟

خلَّفت زيارة بلقاسم، نجل المشير خليفة حفتر، إلى تركيا، نهاية الأسبوع الماضي، التي التقى خلالها وزير الخارجية، هاكان فيدان، قدراً من التساؤلات.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا صورة نشرتها سلطات جنوب أفريقيا لعدد من الليبيين الذين اعتقلتهم (أ.ب)

تباين بين «الوحدة» و«الاستقرار» حول الليبيين المعتقلين في جنوب أفريقيا

أكدت حكومة الوحدة، في بيان مساء الجمعة، أنه «لا صلة لها بإجراءات إرسال 95 شخصاً من حملة الجنسية الليبية»

خالد محمود (القاهرة )
المشرق العربي 
من مخلفات اشتباكات عنيفة بين ميليشيات مسلحة وسط طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا: انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن

هزّت انفجارات ضخمة مدينة زليتن الساحلية، الواقعة غرب ليبيا، إثر انفجار مخزن للذخيرة، تملكه ميليشيا «كتيبة العيان»، وسط تضارب الروايات حول أسباب الحادث، الذي.

شمال افريقيا عملية ترحيل مهاجرين أفارقة من ليبيا إلى النيجر (جهاز مكافحة الهجرة غير النظامية)

ما حقيقة طرد ليبيا مئات المهاجرين النيجريين إلى الصحراء؟

اشتكى مصدر ليبي مسؤول من أن «منطقة أغاديز بوسط النيجر أصبحت نقطة انطلاق ومحطة عبور لتهريب المهاجرين الراغبين في الوصول إلى الشواطئ الأوروبية عبر بلده».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا انفجارات زليتن أعادت مطالبة الليبيين بإخلاء المناطق السكنية من التشكيلات المسلحة (أ.ف.ب)

انفجارات ضخمة تهز مدينة زليتن الساحلية الليبية

هزّت انفجارات ضخمة متتالية مدينة زليتن الساحلية بغرب ليبيا إثر انفجار مخزن للذخيرة تمتلكه ميليشيا «كتيبة العيان» بمنطقة كادوش، وسط تضارب الروايات.

جمال جوهر (القاهرة)

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)
رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)
TT

بوارج إريترية في سواحل السودان... رسائل في بريد إثيوبيا

رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)
رئيس إريتريا آسياس أفورقي مستقبِلاً الفريق عبد الفتاح البرهان في أسمرا سبتمبر 2023 (مجلس السيادة السوداني «فيسبوك»)

في خطوة مفاجئة، رست الجمعة بوارج إريترية في السواحل السودانية، أثارت جدلاً كبيراً بشأن دواعيها في هذا التوقيت الذي تشهد فيه البلاد قتالاً بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، وبعد قرار أسمرا المفاجئ طرد دبلوماسي سوداني، وهي خطوة عدّها محللون سياسيون تعبيراً عن العلاقات القوية بين البلدين، ورسائل لدول إقليمية بوقوف إريتريا إلى جانب الجيش السوداني.

وفي سياق آخر، علمت «الشرق الأوسط»، من مصادر عليمة، أن رئيس مجلس السيادة، قائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان، أوفد مسؤولاً رفيع المستوى إلى القاهرة، يحمل رسالة إلى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي لزيارة بورتسودان، وشملت الدعوات أيضاً الرئيس الإريتري آسياس أفورقي والأوغندي يوري موسيفيني.

واستقبلت القوات البحرية السودانية القطع الإريترية التي جاءت بتوجيهات من الرئيس أفورقي، للتأكيد على «وقوفه مع الشعب السوداني الشقيق في هذه الظروف التي تمر بها البلاد»، وتوطيداً للعلاقات الراسخة بين الشعبين، وفق مسؤولين عسكريين سودانيين. وكان في استقبال الوفد الإريتري كبار قادة القوات البحرية السودانية.

وتأتي هذه الخطوة بعد أن أعلنت الحكومة الإريترية أن القائم بالأعمال السوداني، خالد حسن، شخصاً غير مرغوب فيه، وأمهلته 3 أيام للمغادرة، انتهت بالتزامن مع وصول بوارجها إلى بورتسودان.

وقال وكيل وزارة الخارجية السودانية، حسين الأمين، في مؤتمر صحافي الخميس الماضي بمدينة بورتسودان العاصمة المؤقتة، إن بلاده تنتظر توضيحاً من أسمرا على قرار طرد سفيرها.

ويتمتع الجيش السوداني بعلاقات جيدة مع أفورقي، وسبق وأشاد بمواقفه مساعد القائد العام للجيش، الفريق ياسر العطا، بعدما هاجم زعماء دول عدد من الجوار السوداني، واتهمها صراحة بدعم ومساندة «قوات الدعم السريع» في الحرب ضد الجيش.

وقال رئيس وفد البحرية الإريترية في تسجيل مصور: «وصلنا في هذا الظرف الصعب لنؤكد أننا مع قضية السودان العادلة، ونقف دوماً مع قادة الجيش والبحرية والمشاة وسلاح الطيران»، مضيفاً: «نأمل في أن يتعدى السودان هذه المرحلة، وموقفنا ثابت في رفض التدخلات الأجنبية». وأكد المسؤول الإريتري تواصل العلاقات والزيارات بين البلدين التي تؤكد على الحلف الاستراتيجي القوي الذي يصب في مصلحة البلدين.

ويقول المحلل السياسي السوداني، صالح عمار، إن «العلاقة بين الرئيس الإريتري وقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان تطورت وقويت بشكل أكبر بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب في السودان بين الجيش والدعم السريع»، مضيفاً أن «هذا الأمر معلن مسبقاً».

رسالة إلى إثيوبيا

وعدّ خطوة إرسال إريتريا قطعاً من سلاح البحرية إلى السواحل السودانية «رسالة في بريد إثيوبيا ودول إقليمية أخرى»، مفادها أن العلاقات بين إريتريا والسودان قوية، و«أنها على استعداد لحمايته». وأرجع صالح الموقف الإريتري إلى ما يتردد من مزاعم عن وجود علاقات وثيقة تربط إثيوبيا ودولاً أخرى بـ«قوات الدعم السريع»، وهو ما تراه يشكل خطراً عليها.

ويوضح المحلل السياسي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن توتر العلاقات بين البلدين، الذي أدى إلى اتخاذ الحكومة الإريترية قراراً مفاجئاً بطرد السفير السوداني، جاء رد فعل على الزيارة التي أجراها رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد إلى بورتسودان، ولقائه قائد الجيش السوداني.

وقال إن «الموانئ السودانية على ساحل البحر الأحمر استقبلت خلال السنوات الماضية سفناً حربية وتجارية من روسيا وإيران وغيرهما من الدول في إطار التعاون المشترك مع السودان، لكن إريتريا ربما قصدت من هذه الزيارة في هذا التوقيت أن تشير إلى قوة تحالفها مع الجيش السوداني».

واستبعد أن يكون التحرك بتنسيق بين إريتريا وروسيا، أو ذا صلة بالصراع الدولي في منطقة البحر الأحمر، منوهاً بأن إريتريا لن تقدم على أي فعل يمكن أن يلحق الضرر بحلفائها الأساسيين في الإقليم.

بدوره، رأى المحلل السياسي، الجميل الفاضل، أن وجود القطع الحربية البحرية الإريترية ببورتسودان، في ھذا التوقيت، يعطي مؤشراً لمؤازرة الجيش معنوياً على الأقل في حربه ضد «الدعم السريع».

وقال: «منذ الطرد المفاجئ للقائم بالأعمال السوداني من أسمرا طرأت تطورات اتخذت طابعاً دراماتيكياً من خلال بث صور للقاء تم بين الرئيس آسياس أفورقي، وزعيم قبائل البجا السودانية، محمد الأمين ترك، وتبع ذلك بالطبع مباشرة زيارة البوارج الإريترية إلى ميناء بورتسودان».

وأضاف أن «ما يربط بين تلك الأحداث أنها جاءت في أعقاب الزيارة الغامضة لرئيس الحكومة الإثيوبية، آبي أحمد لبورتسودان». وأشار إلى أن «أسمرا بدأت تشعر بأنها مبعدة عن مساعي التسوية في السودان، وتحركها الأخير يعبر عن تململ ورفض لإبعادها عن الجهود الإقليمية والدولية الجارية حالياً على قدم وساق لإنجاح المبادرة الأميركية الساعية لإنهاء الحرب في السودان».