ليبيون يتسابقون لكفالة أطفال فقدوا أسرهم في سيول درنة

لجنة إغاثية تحصي 300 يتيم تم توزيعهم على مقرين للإيواء

صبي ليبي يحمل حمامة عقب الفيضانات في درنة بليبيا 15 سبتمبر 2023 (رويترز)
صبي ليبي يحمل حمامة عقب الفيضانات في درنة بليبيا 15 سبتمبر 2023 (رويترز)
TT

ليبيون يتسابقون لكفالة أطفال فقدوا أسرهم في سيول درنة

صبي ليبي يحمل حمامة عقب الفيضانات في درنة بليبيا 15 سبتمبر 2023 (رويترز)
صبي ليبي يحمل حمامة عقب الفيضانات في درنة بليبيا 15 سبتمبر 2023 (رويترز)

بات الأطفال الذين فقدوا أسرهم وآباءهم في المدن المنكوبة بشرق ليبيا في وضع بائس ونفسيات مهزوزة، وهو ما دفع مواطنين من خارج المدينة، ولا سيما بغرب البلاد، إلى عرض كفالتهم وتربيتهم بين أبنائهم.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، فإن نحو 300 ألف طفل تأثروا بتداعيات الإعصار دانيال، مشيرة إلى أن المنظمة تحتاج 6.5 مليون دولار بشكل عاجل لتقديم الدعم للأطفال، ومساعدة الأسر بالمناطق المنكوبة هناك.

يقول نزار محمد الهلاوي، أحد سكان طرابلس، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تقدم بعرض للتكفل بأحد الأطفال الأيتام في درنة، مع التعهد بأن يحظى بنفس الاهتمام والرعاية اللذين تحظى بهما ابنته الوحيدة، معتبراً أن ذلك يعد جزءاً من أشكال المساعدة المطلوب تقديمها بهذا التوقيت البالغ الصعوبة.

بدورها، أعربت الليبية أم مهدي عن رغبتها بكفالة طفلة من أيتام درنة، قائلة: «أقل ما نقدمه لبلادنا وأهلنا في درنة هو أن نعتني بأطفالهم»، لافتة إلى أن تمتعها بدرجة من الاستقرار المادي والاجتماعي سيكفل بيئة مناسبة لتنشئة هذه الطفلة.

من جانبها، وصفت عضوة مجلس النواب الليبي، ربيعة بو راس، مطالبات الكفالة بأنها «تصرف ليس بالغريب على الليبيين، بل هو جزء أصيل من تكوينهم وثقافتهم». إلا أنها أشارت، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى وجود صعوبة أمام هذه المطالب، وأهمها أن «أقارب الضحايا قد لا يقبلون التفريط في هؤلاء الأيتام، على اعتبار أن المجتمع الليبي متماسك بدرجة كبيرة، والحفاظ على صلة الرحم يأتي في مقدمة أولوياته».

وأضافت أبو راس موضحة: «حتى في حال تأكد فقد الطفل لكامل أسرته، وعدم ظهور أو وجود أقارب له، فهذا لا يعني أن عملية الكفالة ستتم بشكل مبسط»، لافتة إلى اضطلاع وزارة الشؤون الاجتماعية بمهمة رعاية هؤلاء الأطفال، ووضعها شروطاً تحكم عملية الكفالة، بما يضمن مصلحتهم والحفاظ عليهم.

طفلان من مدينة درنة يمران بالقرب من بناية دمرها الإعصار «دانيال» (أ.ف.ب)

ووفقاً لبيان «يونيسف»، فإن الأطفال الذين يفقدون والديهم أو ينفصلون عن عائلاتهم يصبحون أكثر عرضة لأخطار منها العنف والاستغلال.

ويقدر بوبكر المنصوري، وهو أحد المتطوعين بلجان الإغاثة بمدينة درنة، لـ«الشرق الأوسط»، عدد الأطفال الذين لم يعرف بعد مصير ذويهم، بنحو 300 طفل، تم توزيعهم على مدرستين خصصتا للإيواء، مشيراً إلى أن كثيراً من أهالي المدينة الناجين يترددون على المدرستين للبحث عن المفقودين من أبنائهم أو أبناء أقاربهم، كما يترددون أيضاً على مدارس أخرى تم تحويلها لمراكز إيواء لمن تقطعت بهم السبل.

من جانبه، أكد الناشط المدني والإعلامي الليبي، ناصر عمار، أن تعاطف الليبيين بدرجة كبيرة مع ضحايا درنة «هو ما دفع كثيرين منهم لاتخاذ القرار بالكفالة»، مشيرا لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه تلقى عبر صفحته بـ«فيسبوك» وعبر اتصالات الهاتف، ما يقرب من ألف طلب كفالة، فيما لا تزال الطلبات متواصلة.

وعلى الرغم من تأكيده جدية الجميع بعمل الخير، والمساهمة في التخفيف من الأزمة، فإنه أبدى مخاوفه من أن البعض قد يكون اتخذ قراره بالكفالة في لحظة تأثره بحجم الكارثة، وبسبب التداول الواسع للمقاطع المصورة التي وثقت معالمها، مشدداً على أن الأمر لا يتوقف على القدرة المادية للشخص الراغب بالكفالة، بل لا بد أيضاً من دراسة وضعه الاجتماعي وتقييم سلوكه، لضمان حياة مستقرة للطفل المكفول. كما لفت إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية تقوم بإنجاز العديد من الدراسات الاجتماعية قبل أن تعطي قرارها بشأن أي طلب كفالة طفل من عدمه.

يشار إلى أن القرار الصادر عن اللجنة الشعبية العامة ينظم كفالة الأيتام في ليبيا، حيث يشترط أن تكون الكفالة للأطفال من مجهولي الأبوين، أو أحدهما، أو من لا يوجد أقارب لهم، وأن تكون الأسرة الكافلة مكونة من زوجين ملتزمين بمبادئ الأخلاق، وأن تسمح أوضاعهم الاقتصادية بإشباع الحاجات الضرورية للطفل المكفول.



«تفتيش حرب» بحضور السيسي... رسائل للداخل والخارج

السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)
السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)
TT

«تفتيش حرب» بحضور السيسي... رسائل للداخل والخارج

السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)
السيسي يشهد اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)

وسط توترات إقليمية متصاعدة، وتحذيرات دولية من اتساع رقعة الصراع، شهد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الثلاثاء، «تفتيش حرب» لواحدة من أبرز الفرق العسكرية بالجيش المصري، مؤكداً أن بلاده لا تملك «أجندة خفية»، وأن السلام «خيارها الاستراتيجي».

وفي إطار الاحتفالات بمرور 51 عاماً على حرب 6 أكتوبر 1973، حضر الرئيس المصري «اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثاني الميداني»، بمدينة الإسماعيلية، ما عده خبراء سياسيون وعسكريون بمثابة «رسائل للداخل والخارج»، لا سيما أنه يتزامن مع مرور عام على «حرب غزة».

وأكد السيسي، في كلمته، أن «بلاده حققت النصر في أكتوبر 1973 رغم فارق الإمكانيات، بالإرادة والرؤية العبقرية التي سبقت عصرها، وحققت السلام حتى الآن»، وقال: «الأوضاع الحالية في المنطقة تؤكد أن رؤية قادة السلام بعد حرب أكتوبر كانت شديدة العبقرية وسابقة لعصرها».

السيسي يلقي كلمة الثلاثاء (الرئاسة المصرية)

وأضاف «ليس لدينا في مصر وقواتها المسلحة ومؤسسات الدولة أي أجندة خفية تجاه أحد»، و«كل ما تبغيه أن تعيش في سلام على حدودها سواء الحدود الشمالية الشرقية أو الجنوبية أو الغربية أو حتى عمق هذه الحدود»، مشيراً إلى أن «الحرب هي الاستثناء، والسلام والبناء والتنمية هو الأساس».

وشدد السيسي على أن «السلام خيار استراتيجي لبلاده»، وقال: «الدولة المصرية تريد أن تعيش وتتعاون لأن تجربتها تثبت أن التعاون والبناء والتنمية أفضل من الصراعات والاقتتال».

ولفت إلى أن «ما يحدث في المنطقة كان اختباراً حقيقياً لاستراتيجية السلام التي تبنتها مصر»، مشبهاً ما تشهده المنطقة من صراع اليوم بالحالة التي كانت سائدة قبل «حرب أكتوبر»، وقال: «ما نعيشه اليوم من صراع وقتال وحالة من الغضب والكراهية كان موجوداً في تلك الفترة (أكتوبر) بشكل أو بآخر، على مستوى المنطقة بأكملها»، مشيراً إلى أن «القيادة في تلك الفترة في مصر وحتى في إسرائيل اتخذت خيار السلام لإنهاء حالة الحرب».

وأكد الرئيس المصري أن «القوات المسلحة دورها هو الحفاظ على أراضي الدولة وحماية حدودها». وقال: «رغم القوة التي تتمتع بها القوات المسلحة، فإنها قوة رشيدة تتسم في تعاملها بالتوازن الشديد»، مشيراً إلى أن سياسة بلاده الخارجية «تتسم بالتوازن والاعتدال الشديد والحرص على عدم إذكاء الصراعات».

وجدد الرئيس المصري التأكيد على موقف بلاده «الثابت والعادل» من القضية الفلسطينية، والذي يؤمن بـ«حق الشعب الفلسطيني بأن يعيش في دولة مستقلة جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل». وقال: «أتحدث هنا باسمي واسم مصر والأشقاء العرب... تحقيق حل الدولتين سيفتح آفاقاً حقيقية وموضوعية للسلام والتعاون على مستوى المنطقة والإقليم بالكامل».

وأشار إلى أن القاهرة تسعى حالياً لتحقيق ثلاثة أهداف لم تتغير منذ 7 أكتوبر من العام الماضي، وهي «وقف إطلاق النار، وعودة الرهائن، ثم إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، حيث يعاني أكثر من مليوني إنسان منذ نحو سنة».

ولفت الرئيس المصري إلى «مقتل أكثر من 40 ألف شخص، ثلثهم من النساء والأطفال، في قطاع غزة، إضافة إلى أكثر من 100 ألف مصاب». وقال: «هذا ثمن كبير جداً، وحجم الدمار لا يقتصر على البنية العسكرية، بل يشمل البنية الأساسية للقطاع، مثل المستشفيات والمدارس ومحطات المياه والكهرباء والمساكن العادية»، مؤكداً «حرص بلاده على تحقيق هدفها، وإقامة الدولة الفلسطينية، لوضع نهاية للصراع والكراهية».

اصطفاف تفتيش حرب الفرقة السادسة المدرعة بقيادة الجيش الثاني الميداني (الرئاسة المصرية)

وعلى الصعيد الداخلي أشار السيسي إلى أن «القوات المسلحة المصرية واجهت اختباراً حقيقياً خلال عام 2011، كان يستهدف جناحي الأمة، الشرطة والجيش، ويسعى لإسقاط الدولة في اقتتال أهلي ضخم جداً يستمر ويأكل كل فرص التنمية»، مثمناً «دور القوات المسلحة في حماية الأمن القومي والشعب من تداعيات فترة تعد من أصعب الفترات التي مرت بها مصر».

واختتم الرئيس المصري كلمته بقوله: «طالما القوات المسلحة ظلت يقظة ومنتبهة ومستعدة ومدربة وأمينة وشريفة؛ فلا خوف أبداً»، معرباً عن أمله «في أن تتجاوز المنطقة خلال الشهور المقبلة المحن والظروف الصعبة التي تمر بها».

بدوره، أشار الخبير العسكري المصري اللواء سمير فرج لـ«الشرق الأوسط» إلى أن كلمة السيسي وحضوره «تفتيش الحرب» حملا رسائل عدة للداخل والخارج، موضحاً أن «تفتيش الحرب تضمن رسالة طمأنة للشعب بقدرة القوات المسلحة على حماية الحدود والأمن والاستثمارات»، لا سيما أنه «اصطفاف الفرقة السادسة المدرعة لتأكيد جاهزيتها لتنفيذ أي مهام».

أما على المستوى الخارجي، فإن تفتيش الحرب يوجّه رسالة مفادها بأنه «لا تغامر مع مصر، فهي دولة قوية، لكن في الوقت نفسه لا تهاجم وملتزمة بالسلام كخيار استراتيجي»، وفق فرج.

يتفق معه الدكتور عمرو الشوبكي مؤكداً أن «رسائل تفتيش الحرب تؤكد جاهزية القوات المسلحة للدفاع بشكل أساسي في إطار موقف استراتيجي للدولة يتمسك بالسلام كخيار استراتيجي».

وقال الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «تفتيش الحرب حمل رسائل واضحة بأن مصر متيقظة للدفاع عن حدودها، ومتمسكة بالسلام وبدور الوسيط لوقف حرب غزة»، إضافة إلى «التأكيد على الثوابت المصرية المتعلقة بحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين»، وهو طرح أشار الشوبكي إلى «اتفاق مصري - عربي بشأنه يقابله رفض إسرائيلي مستمر منذ سنوات».