بيرثيس يستقيل ويحذر من «حرب أهلية شاملة» في السودان

أزمة إنسانية بـ«أبعاد ملحمية» و6 ملايين «على بعد خطوة واحدة» من المجاعة

المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس (الأمم المتحدة)
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس (الأمم المتحدة)
TT

بيرثيس يستقيل ويحذر من «حرب أهلية شاملة» في السودان

المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس (الأمم المتحدة)
المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس (الأمم المتحدة)

أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرثيس الأربعاء أنه سيتنحى عن منصبه بعد أكثر من ثلاثة أشهر من عدّه «شخصاً غير مرحب به» في هذا البلد العربي الأفريقي الذي يواجه نزاعاً دامياً من أبريل (نيسان) الماضي بين القوات المسلحة السودانية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان من جهة، و«قوات الدعم السريع» بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو، الملقب «حميدتي»، من جهة أخرى.

واغتنم بيرثيس الذي يترأس أيضاً بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان «يونيتامس»، جلسة عقدها مجلس الأمن ليعلن استقالته بعد نحو عامين ونصف العام من وجوده في هذا المنصب. وكذلك استمع أعضاء المجلس الى إفادة من مديرة شعبة العمليات والمناصرة لدى مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إيديم وسورنو، نيابة عن وكيل الأمين العام أنطونيو غوتيريش للشؤون الإنسانية منسق المعونة الطارئة، مارتن غريفيث، حول الوضع الإنساني الذي يتردى بشكل مطرد في البلاد.

حرب أهلية؟

بيرثيس حذر من حرب أهلية في السودان (الأمم المتحدة)

وقال بيرثيس: «أنا ممتن للأمين العام على هذه الفرصة وعلى ثقته بي ولكنني طلبت منه إعفائي من هذا الواجب». وحذر من أن «ما بدأ كنزاع بين تشكيلين عسكريين يمكن أن يتحول حرباً أهلية شاملة»، مؤكداً أنه «ليس هناك شك في تحديد المسؤول» عما يحصل في النزاع. واتهم الجانبين بأنهما يقومان بالاعتقال التعسفي والاحتجاز و«حتى تعذيب المدنيين».

«أبعاد ملحمية» للحرب

وقالت وسورنو إنه «لا مبالغة في أنه بعد خمسة أشهر من الحرب الوحشية التي لا تعرف الرحمة، يواجه السودان وشعبه أزمة ذات أبعاد ملحمية ومأساوية»، موضحة أن «النزاع يتصاعد حول الخرطوم ودارفور وكردفان، ويتوسع إلى مزيد من المناطق»، فيما «يحاصر القتال الضاري والمتواصل المدنيين في الخرطوم وبؤر أخرى، بما في ذلك نيالا في جنوب دارفور». وأكدت أنه «يبلغ عدد المدنيين النازحين الآن أكثر من خمسة ملايين. وهذا يعادل مليون نازح جديد كل شهر»، مشيرة إلى أن «4.1 مليون شخص نزحوا داخل السودان، في حين عبر أكثر من مليون شخص الحدود إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك جمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وجنوب السودان».

صورة من الدمار الذي خلّفه القتال في الفاشر عاصمة شمال دارفور مطلع سبتمبر (أ.ف.ب)

«خطوة واحدة من المجاعة»

وكذلك نبهت المسؤولة الأممية إلى أن «الأعمال العدائية المباشرة ليست وحدها التي تقتل الناس»، لافتة إلى أن «المدنيين يموتون أيضاً بسبب الانهيار شبه الكامل للنظام الصحي، حيث لا تستطيع الغالبية العظمى من الناس الوصول إلى الخدمات الصحية»، ما «يجعل من المستحيل تقريباً السيطرة على تفشي الأمراض المتزايدة بما في ذلك الحصبة والإسهال الحاد والملاريا وحمى الضنك»، علماً أن «ما يقرب من نصف السكان، أي أكثر من 20 مليون شخص، يعانون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد». وحذرت من أن «أكثر من ستة ملايين شخص صاروا الآن على بعد خطوة واحدة فقط من المجاعة».

«قطرة في دلو»

وإذ عرضت للجهود التي تقوم بها الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة في العديد من المناطق، أكدت وسورنو أن «التحديات الشديدة التي تواجه الوصول لا تزال تعرقل إيصال المساعدات»، بما في ذلك نقل الإمدادات من بورتسودان إلى ولايات دارفور. وقالت إن «تفشي انعدام الأمن يشكل عقبة كبيرة» أمام العمل الإنساني، لافتة إلى أنه «جرى الإبلاغ عن أكثر من 900 حادثة وصول منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، بمعدل ستة حوادث يومياً»، مؤكدة أن أكثر من 70 في المائة من هذه الحوادث تتمثل في أعمال عدائية أو أعمال عنف موجهة ضد العاملين في المجال الإنساني والأصول الإنسانية، علماً أن أكبر عدد من الحوادث، أي أكثر من 30 بالمائة، سجل في الخرطوم وحولها.

فارّون من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد (أ.ف.ب)

وأوضحت أنه منذ أواخر يونيو (حزيران) الماضي، لم تتمكن المنظمات الإنسانية من الوصول إلى الخرطوم إلا بقافلتين من 22 شاحنة، من إجمالي نحو 100 شاحنة نقلت أكثر من 4800 طن متري من إمدادات الإغاثة منذ منتصف مايو (أيار) الماضي، عادّة أن «هذه قطرة في دلو»، لأن المنظمات الإنسانية وصلت إلى أقل من 280 ألف شخص، أي 11 في المائة فحسب من العدد المستهدف البالغ 2.5 مليون شخص.

حوار إنساني

وشددت المسؤولة الدولية على أن هناك «حاجة ماسة إلى إعادة التزام أطراف النزاع بالحوار الإنساني المباشر المنتظم معنا على مستوى رفيع». وحضت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على «دعم جهودنا لتأمين هذه الالتزامات» الإنسانية. كما دعت السلطات السودانية إلى «مضاعفة جهودها لتسهيل العمليات الإنسانية من خلال تسريع إجراءات الحصول على التأشيرات، وتخفيف قيود السفر، وتسريع عمليات التخليص الجمركي التي ستمكننا من الاستجابة بالسرعة والحجم المطلوبين». وعولت على دعم مجلس الأمن لهذه «المتطلبات العاجلة»، ملاحظة أن خطة الاستجابة الإنسانية المنقحة لهذا العام والبالغة 2.6 مليار دولار «لم تمول إلا بنسبة 26 في المائة». وشكرت الجهات المشاركة في استضافة الحدث الوزاري في 20 سبتمبر (أيلول) على هامش الأسبوع الرفيع المستوى للدورة السنوية الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل حول «تكاليف التقاعس عن العمل في السودان».



«الصفقة المصغرة» لا تلبي احتياجات «حماس»... رغم «انفتاحها على التفاوض»

نازحون فلسطينيون أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء الجزء الشمالي من غزة (رويترز)
نازحون فلسطينيون أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء الجزء الشمالي من غزة (رويترز)
TT

«الصفقة المصغرة» لا تلبي احتياجات «حماس»... رغم «انفتاحها على التفاوض»

نازحون فلسطينيون أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء الجزء الشمالي من غزة (رويترز)
نازحون فلسطينيون أمرهم الجيش الإسرائيلي بإخلاء الجزء الشمالي من غزة (رويترز)

شهد حراك جهود الوساطة بشأن الهدنة في قطاع غزة، إعلان حركة «حماس» أن «الصفقة المصغرة» المطروحة من الوسطاء «لا تُلبي الاحتياجات»، دون أن تغادر الحركة المفاوضات، بعد أسبوع حافل بالمحادثات، وأحاديث عن «تعنّت» رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، واشتراطه إتمام الاتفاق مع عدم وقف الحرب التي تجاوزت العام.

موقف «حماس»، الذي نقله قيادي بالحركة، عبر وسائل إعلام موالية لها، بالتحفظ على «الصفقة المصغرة»، عدّه خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط» نوعاً من التجهيز المبكر للفائز في سباق الانتخابات الأميركية، ورداً على «تعنت» نتنياهو، وتأكيداً على أنها رقم بالمعادلة، و«احتمال حاجتها لمزيد من الوقت للتواصل مع الداخل بعد الضربات الأخيرة لمعرفة مصير الأسرى»، ورجحوا عودة المحادثات بعد ظهور نتائج السباق الأميركي المرتقب.

ووفق ما نقلته قناة «الأقصى»، الموالية للحركة ووسائل إعلام فلسطينية، مساء الجمعة، عن قيادي بـ«حماس» لم تذكر اسمه، «استمع وفدُ الحركة خلال الأيام الأخيرة من الوسطاء في مصر وقطر لأفكار حول هدنة مؤقتة لأيام محددة (في إشارة للصفقة المصغرة)، وزيادة عدد شاحنات المساعدات، يتمّ خلالها تبادل جزئي للأسرى».

ولا تتضمن المقترحات «وقفاً دائماً للعدوان ولا انسحاباً للاحتلال من القطاع ولا عودة للنازحين، ولا تعالج احتياجات شعبنا للأمن والاستقرار والإغاثة والإعمار، ولا فتح المعابر بشكل طبيعي، خصوصاً معبر رفح»، وفق القيادي بـ«حماس».

وذكر القيادي بالحركة أن «حماس» تتمسك بمطالب كثيرة؛ أبرزها 4 بنود، هي: «الوقف الكامل والشامل والدائم لإطلاق النار، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وعودة النازحين، ورفع الحصار»، مؤكداً أن الحركة «منفتحة على أي أفكار أو مفاوضات من أجل تحقيق هذه الأهداف».

دخان ولهيب يتصاعد من منزل أصيب بغارة إسرائيلية في مخيم النصيرات للاجئين وسط غزة (رويترز)

وفي حديث متلفز، الجمعة، مع قناة «الأقصى»، جدّد القيادي في «حماس»، أسامة حمدان، التمسك بتلك الأهداف، قائلاً «أي عرض أو اتفاق يجب أن يوقف العدوان الصهيوني نهائياً وليس مؤقتاً»، لافتاً إلى أن «الاحتلال يقدم أفكاراً تظهر له انتصاراً؛ لكنه غير جاد في مفاوضاته».

وباعتقاد الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، فإن موقف «حماس» غير بعيد عن إدراكها حتمية عدم التوصل لاتفاق قبل الانتخابات الأميركية المقبلة، ومن ثم «تُجهز نفسها للإدارة الجديدة، وتضع مطالب وقف الحرب في الواجهة مجدداً».

وذلك الموقف «لا يقارن بتعنّت نتنياهو»، الذي تسبّب على مدار عام في إفساد الاتفاق كلما اقتربت مفاوضات غزة منه، وفق أنور، موضحاً «لكن كلا الموقفين سيؤثر في مسار المفاوضات حالياً، التي عاد إليها الزخم على مدار الأيام الماضية».

ويُعد الموقف من «حماس» رسالة بأنها «موجودة ولا تزال رقماً في المعادلة»، وأنها لم تتأثر بالضربات العسكرية، وفق تقدير أنور، الذي حذّر من أن «عدم تجاوب نتنياهو قد يجعله يتلقّى رهائنه جثثاً وليسوا أحياء».

في المقابل، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، أنه كان من الأفضل أن تقبل «حماس» في هذا التوقيت مع حاجة إدارة جو بايدن لهذه الهدنة بمسار الانتخابات، من باب التقاط الأنفاس.

وأضاف الرقب سبباً لافتاً آخر في تفسير الرفض، قائلاً: «ربما لم تستطع قيادة (حماس) في الخارج التواصل مع الداخل ومعرفة مصير الأسرى لديها، ومن ثم هذا الرد قد يكون لمزيد من الوقت للتواصل، خصوصاً أن ورقة الأسرى هي الأقوى لدى الحركة، فضلاً عن إعادة تأكيدها أنها (منفتحة على التفاوض)».

رد فعل فلسطينيين في موقع غارة إسرائيلية دمرت عدة منازل بخان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

موقف «حماس» اختتم أسبوعاً حافلاً، بدأ الأحد الماضي بمحادثات ومقترحات تهدف إلى الوصول لهدنة في قطاع غزة، بعد لقاءاتها بالقاهرة قبل أيام آنذاك، وصولاً للقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس المخابرات الأميركية، وليام بيرنز، في القاهرة، الخميس، ضمن مساعي الوسطاء لدفع المفاوضات للتوصل إلى وقف إطلاق النار في القطاع.

ونقل موقع «أكسيوس» الثلاثاء، عن 3 مسؤولين إسرائيليين، أن مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، اقترح خلال الاجتماع مع رئيس «الموساد»، ديفيد برنياع، ورئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، اتفاقاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة لمدة 28 يوماً، وإطلاق سراح نحو 8 رهائن محتجزين لدى حركة «حماس» وعشرات السجناء الفلسطينيين لدى إسرائيل، وفق ما ذكرته وكالة «رويترز» آنذاك.

كما أعلن الرئيس المصري، الذي تُعد بلاده إحدى دول الوساطة لوقف الحرب، الأحد الماضي، عن مبادرة تتضمن «وقفاً لإطلاق النار لمدة يومين، يجري خلالهما تبادل 4 رهائن مع بعض الأسرى الموجودين في السجون الإسرائيلية، ثم خلال 10 أيام أخرى يجري التفاوض فيها على استكمال الإجراءات بالقطاع، وصولاً لإيقاف كامل لإطلاق النار، وإدخال المساعدات».

وذكر مكتب نتنياهو، الاثنين الماضي، في بيان صحافي، أن «برنياع ناقش مع بيرنز ورئيس الوزراء القطري، إطاراً موحداً جديداً يضم المقترحات السابقة»، دون تحديدها.

وباعتقاد أحمد فؤاد أنور فإن تلك المقترحات ستكون حاضرة بقوة في مقترح واحد بعد انتهاء الانتخابات الأميركية. غير أن مطالب «حماس» ستصطدم برفض نتنياهو المسؤول عن «عرقلة» المفاوضات على مدار عام، والذي يرى نفسه منتصراً، وفق أيمن الرقب، لافتاً إلى أن كلا الطرفين سينتظر نتائج الانتخابات الأميركية لحسم الموقف، والتقديرات لمسار المفاوضات.