ظهور البرهان يفتح باب التأويلات في السودان

توقعات باستلام الرجل زمام المبادرة و«مفاصلة» مع الإسلاميين

TT

ظهور البرهان يفتح باب التأويلات في السودان

البرهان يتناول كوباً من الشاي مع إحدى البائعات في محل بأمدرمان (موقع الجيش على «فيسبوك»)
البرهان يتناول كوباً من الشاي مع إحدى البائعات في محل بأمدرمان (موقع الجيش على «فيسبوك»)

أثارت فيديوهات وصور لقائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وهو يتجول في أكثر من منطقة عسكرية حول الخرطوم، الكثير من الاستفهامات ورسمت الكثير من علامات التعجب، وذلك في أول ظهور له خارج القيادة العامة منذ اندلاع الحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي

ويفند هذا الظهور مزاعم قوات «الدعم السريع» القائلة بأنه «مختبئ» في أحد الأنفاق تحت الأرض داخل الجزء الشمالي من القيادة العامة للجيش، فيما عرف شعبياً بحصار قيادة الجيش في «البدروم»، وذلك بعد أيام قليلة من القتال العنيف الذي دار داخل سلاح المدرعات، أحد أقوى أسلحة جيشه.

وظهر الرجل وهو يتناول كوباً من الشاي عند بائعة شاي شعبية جنوب أمدرمان، وهو يرتدي «تي شيرت» عسكرياً، ووسط حراسة قليلة على غير ظهوره في أحد اجتماعاته بقادة الجيش في القيادة العامة التي ظهر فيها بالـ«تي شيرت» ذاته، لكنه كان يعتمر بندقية «قنص» وعلى جعبته «مسدس»، بينما نُشرت فيديوهات أخرى للرجل في مواقع عسكرية محاطاً بالجنود الذين أبدوا فرحتهم بوجوده بينهم، فأطلقوا التهاليل والتكبيرات.

كيف خرج؟

ويقف على رأس الأسئلة التي يثيرها الخروج المباغت للرجل سؤال «كيف استطاع الرجل الخروج»، رغم تطويق «الدعم السريع» القيادة العامة من ثلاث جهات على الأقل ونشر قناصة في المباني المحيطة بها، ما عدا جزء من شمال القيادة العامة عبر جسر النيل الأزرق إلى قيادة سلاح الإشارة في الخرطوم بحري، وهي منطقة محاصرة أيضاً؛ ما يجعل من عملية خروجه مغامرة كبيرة، وذلك بحسب زعم مستشار قائد قوات «الدعم السريع» يوسف عزت الماهري لإحدي القنوات، أن البرهان إذا رغب في الخروج لن يستطيع إلاّ بإذن من غريمه قائد قوات «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو «حميدتي».

البرهان مع مواطنين من سكان الحارة 100 بأمدرمان (من موقع الجيش السوداني على «فيسبوك»)

ولم يفصح الجيش عن كيفية خروج الرجل، لكن تكهنات كثيرة أثارتها مواقع التواصل الاجتماعي حول الخروج، فبعضها يزعم أن عملية مخططة تضمنت إشغال قوات «الدعم السريع» المنتشرة حول القيادة بقوة تتحرك على «لنشات» سريعة على النيل، ليطير الرجل جواً إلى شمالي أمدرمان، حيث يسيطر الجيش على المنطقة، أو الاكتفاء بالعملية النهرية وصولاً إلى جسر الحلفايا شمال أمدرمان، أو ربما بعملية «كوماندوز» جريئة باستخدام السيارات القتالية والمدرعات.

هل انتصار للجيش؟

ولا يقف التعجب عند كيفية الخروج، بل مدلولاته أيضاً وتأثيراته على الحرب الدائرة بين الجيش و«الدعم السريع» طوال الأشهر الماضية منذ منتصف أبريل (نيسان)، فالبعض يرى أن خروج الرجل والتحامه بقواته يعطيها زخماً معنوياً كبيراً يسهم في تحقيقها انتصارات حاسمة على قوات «الدعم السريع»، لا سيما بعد دخول تلك القوات لقيادة قوات المدرعات القوة الضاربة التي يمتلكها الجيش السوداني في منطقة الشجرة، وما أثارته العملية من مخاوف الاستيلاء عليها من قِبل قوات «الدعم السريع»، وبالتالي تتغير موازين القوى العسكرية لصالحه.

كما يرى البعض أن خروج الرجل القصد منه إلى الجانب المعنوي، هو تكذيب مزاعم قوات «الدعم السريع» بأنها تحاصره وهيئة قيادته، في عملية الغرض منها كسر أساس الدعاية الحربية لقوات «الدعم السريع» بأنها تسيطر على الخرطوم، وإفقاد قواتها الثقة بقيادتها بظهورها بمظهر «الكاذبة»، وأنها تخدعهم، بما يخذل دوافعهم القتالية.

البرهان خلال زيارته قاعدة وادي سيدنا الجوية بأمدرمان (موقع الجيش على «فيسبوك»)

بيد أن مجموعات «متفائلة» ترى أن الخروج تم بترتيب مع قوات «الدعم السريع»؛ استجابة لضغوط دولية وإقليمية لتسريع عملية «التفاوض» على وقف إطلاق النار والعودة إلى «منبر جدة»، وكسراً لمزاعم متداولة بأن «الضباط الإسلاميين» وأنصار النظام السابق يحتجزون الرجل ويستغلون وجوده داخل «البدروم» ويلزمونه برفض التفاوض والاستمرار في القتال، سيما وأنه كان قد صرح في أكثر من مرة بأنها «حرب عبثية».

... أم انقسام في الجيش؟

وتقول تحليلات صحافية: إن خروج الرجل ربما كان «إشارة» إلى انقسام داخل الجيش بين الضباط الإسلاميين الذين يتبون موقف «الإخوان» الرافض أي تفاوض لكونه «خيانة» والذين أعلنوا عنه مراراً بأن الحرب يجب أن تستمر حتى القضاء على «الميليشيا» وأنصارها المدنيين، وبين من تطلق عليهم القوى المدنية «شرفاء الجيش» الذين يرون أن استمرار الحرب فيه دمار للبلاد ويجب على الطرفين الجلوس إلى مائدة التفاوض.

ويرجّح هؤلاء المحللون –

لقطة من فيديو وزّعته «الدعم السريع» لعناصرها قرب معسكر المدرعات التابع للجيش جنوب الخرطوم (الشرق الأوسط)

حال صدقت تحليلاتهم – تخلي البرهان عن مناصريه من الإسلاميين، الذين ورّطوه في الحرب ومنّوه بانتصار سريع على «الدعم السريع»، خاصة بعد معركة سلاح المدرعات التي حشد لها الإسلاميون كتائبهم كافة، لكنهم فشلوا في الحيلولة دون اختراق قوات «الدعم السريع» حصونها.

البرهان اكتفى بالتلميح وليس بالتصريح حين قال إن معركته «من أجل السودان، وحماية للعرض، وليس لصالح أي جهة أخرى»، وهي إشارة فسّرها الكثيرون بأنها تلمح إلى إمكانية عودة الجيش إلى «مفاوضات جدة»، وإعلان «مفاصلة» مع حلفائه من الإسلاميين الذين فشلوا في تحقيق هزيمة سريعة لقوات «الدعم السريع».

بل ويتوقعون «اتفاقاً سريعاً» على وقف إطلاق النار؛ لأن البرهان «تحرر بعد خروجه من القبو» واكتشف الورطة التي دفعه إليها الإسلاميون الطامعون في العودة إلى السلطة تحت مظلة الجيش مجدداً، لكن الساعات القليلة المقبلة ستكشف أثر هذا الخروج المباغت للرجل.


مقالات ذات صلة

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

شمال افريقيا حضور «الملتقى المصري - السوداني لرجال الأعمال بالقاهرة» (مجلس الوزراء المصري)

مصر تُكثف دعمها للسودان في إعادة الإعمار وتقليل تأثيرات الحرب

تكثف مصر دعمها للسودان في إعادة الإعمار... وناقش ملتقى اقتصادي في القاهرة الاستثمارات المشتركة بين البلدين، والتعاون الاقتصادي، لتقليل تأثيرات وخسائر الحرب.

أحمد إمبابي (القاهرة )
شمال افريقيا عناصر من الجيش السوداني خلال عرض عسكري (أرشيفية - أ.ف.ب)

الجيش السوداني يعلن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من «قوات الدعم السريع»

أعلن الجيش السوداني، اليوم السبت، «تحرير» مدينة سنجة، عاصمة ولاية سنار، من عناصر «قوات الدعم السريع».

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من منطقة الجزيرة السودانية يصلون إلى مخيم للنازحين في مدينة القضارف شرق البلاد 31 أكتوبر (أ.ف.ب)

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة

مقتل العشرات في هجوم لـ«قوات الدعم السريع» بولاية الجزيرة، فيما تعتزم الحكومة الألمانية دعم مشروع لدمج وتوطين اللاجئين السودانيين في تشاد.

محمد أمين ياسين (نيروبي)

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»
TT

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

الحكومة المصرية لإعداد مساكن بديلة لأهالي «رأس الحكمة»

تشرع الحكومة المصرية في إعداد مساكن بديلة لأهالي مدينة «رأس الحكمة»، الواقعة في محافظة مرسى مطروح (شمال)، وشددت على «ضرورة سرعة تنفيذ الطرق والمرافق بمنطقة شمس الحكمة»، المخصصة لإقامة الأهالي.

و«رأس الحكمة»، مدينة ساحلية تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، على بُعد 350 كيلومتراً تقريباً شمال غربي القاهرة، وتبلغ مساحتها نحو 170 مليون متر مربع.

ودشّن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مطلع الشهر الماضي، مشروع «رأس الحكمة»، وأكد الرئيسان حينها «أهمية المشروع في تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين، لكونه يُمثل نموذجاً للشراكة التنموية البناءة بين مصر والإمارات»، وفق إفادة رسمية لـ«الرئاسة المصرية».

ووقّعت مصر اتفاقاً لتطوير وتنمية مدينة «رأس الحكمة» بشراكة إماراتية، في فبراير (شباط) الماضي، بـ«استثمارات قدرت بنحو 150 مليار دولار خلال مدة المشروع»، (الدولار الأميركي يساوي 49.65 جنيه في البنوك المصرية).

وزير الإسكان ومحافظ مطروح خلال تفقد أعمال الطرق والمرافق بـ"شمس الحكمة" (مجلس الوزراء المصري)

وتفقد وزير الإسكان المصري، شريف الشربيني، ومحافظ مطروح، خالد شعيب، السبت، أعمال الطرق والمرافق للأراضي البديلة لـ«رأس الحكمة» بمنطقة «شمس الحكمة».

وأوضح الوزير المصري أن الأراضي البديلة بمنطقة «شمس الحكمة» مخصصة لأصحاب الأراضي بمدينة «رأس الحكمة»، وتشتمل المنطقة البديلة، وفقاً للمخطط، على مناطق سكنية وخدمية، وأنشطة تجارية واستثمارية، إضافة إلى شبكة الطرق الرئيسية.

ونهاية الشهر الماضي، أكدت الحكومة المصرية أنها تتابع مستجدات تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع «رأس الحكمة» مع الشريك الإماراتي. وقال رئيس مجلس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، في وقت سابق، إنه يتابع بصورة يومية مستجدات الموقف في مدينة «رأس الحكمة»، والعقود الخاصة بالمستحقين للتعويضات من أهالي المنطقة.

مصطفى مدبولي خلال زيارته لـ«رأس الحكمة» اغسطس الماضي (مجلس الوزراء المصري)

كما زار مدبولي مدينة «رأس الحكمة» منتصف أغسطس (آب) الماضي للوقوف على «سير إجراءات تسليم التعويضات المخصصة للمستحقين». وقال حينها إن رأس الحكمة «تحظى بمقومات مميزة، تجعل منها نقطة جذب للاستثمارات ومختلف المشروعات على مدار العام».

وأكدت الشركة القابضة الإماراتية (ADQ) من جانبها في وقت سابق أن مشروع تطوير منطقة «رأس الحكمة» يستهدف ترسيخ مكانتها، بوصفها وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزاً مالياً، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى، لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر، وفق بيان لـ«وكالة الأنباء الإماراتية».

وشدد وزير الإسكان المصري، اليوم السبت، على ضرورة الإسراع بمعدلات تنفيذ أعمال الطرق والمرافق بمنطقة «شمس الحكمة»، وتكثيف أعداد العمالة والمعدات، مؤكداً «اهتمام الدولة المصرية بتوفير الخدمات لأهالي المنطقة، وتوفير حياة كريمة لهم في مجتمعات حضارية».