معاناة النازحين مستمرة داخل السودان من أجل لقمة العيش

يعملون في مهن عدة ويحصلون على عوائد زهيدة

بائع الشاي في ود مدني (أ.ف.ب)
بائع الشاي في ود مدني (أ.ف.ب)
TT

معاناة النازحين مستمرة داخل السودان من أجل لقمة العيش

بائع الشاي في ود مدني (أ.ف.ب)
بائع الشاي في ود مدني (أ.ف.ب)

على مقعد يرتفع عن الأرض قليلاً، جلس هاني أحمد بالقرب من سوق الخضر والفاكهة بود مدني، وهو يقلب باهتمام حبات «الفلافل» التي تغلي على الزيت الحار، يبيعها لزبائنه طازجة، ووجهه تكسوه الضحكة التي لطفت الأجواء، وخفضت حرارة النيران الملتهبة... يسدد نظراته إلى الفلافل حتى لا تحترق، لكنه يلتفت بسرعة لأحد زبائنه الذي كان يسأل عن حال الخرطوم بعد 5 أشهر من الاشتباكات والقتال.

يقول الشاب الثلاثيني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أحاول قدر الإمكان إيجاد مصدر رزق لأسرتي، نعم أكسب القليل من المال، لكنه أفضل من أن أسأل الناس». وأضاف: «أجد معاملة طيبة من شبكة الأصدقاء التي كونتها خلال فترة النزوح، لكنها لم تُنْسني أوجاع الحرب، ولم تُزِل حزني على وطني والمواطنين الذين قُتلوا بسلاح المتحاربين».

مشهد من ود مدني (أ.ف.ب)

ولا يختلف حال هاني أحمد عن حال كثير من النازحين الذين يبحثون عن مصدر رزق يوفر لهم لقمة العيش في الولايات التي فروا إليها من جحيم الحرب، معظمهم اضطُر للعمل في مهن صغيرة بالكاد توفر لهم مصروف الخبز والحليب.

اتجه بعض النازحين للعمل في المشروعات الزراعية الكبيرة والمزارع الصغيرة، ما وفر عمالة رخيصة لأصحاب تلك المزارع، على ما يقول هؤلاء الذين يعتقدون أنهم يتعرض للاستغلال، لأنهم يتقاضون أجوراً لا تتناسب مع العمل الكبير الذي يقومون به،... لكن (للمفارقة) ربما تكون الحرب قد وفرت عمالة تعيد إحياء بعض مقومات السودان الزراعية التي دمرها النظام السابق بما في ذلك المشروعات الزراعية الكبيرة مثل «مشروع الجزيرة»، بالتزامن مع اضطرار الكثير من المزارعين إلى هجر مزارعهم، واحتراف مهن أخرى مثل التجارة، لأن الزراعة أصبحت مكلفة... ربما تفلح العمالة النازحة في إعادة تلك المزارع للعمل، فالخرطوم ساحة حرب، والتجارة فيها كاسدة، وبنيتها التحتية دمرت تماماً أو تكاد.

سودانيون فرّوا من الصراع في دارفور عند عبور الحدود بين السودان وتشاد في أدري (رويترز)

خلال 3 أشهر تنقل علي أبو القاسم بين 7 مهن مختلفة، علّه يكسب بضعة جنيهات توفر له القليل من السكر ودقيق الخبز لإطعام أطفاله الثلاثة... هرب من الخرطوم إلى ولاية الجزيرة، عله يعثر على أمان من الجوع والخوف، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «استقرت بي الحال بائعاً للزلابية بالقرب من محطة المواصلات».

يبدأ يوم عمل أبو القاسم عند السادسة صباحاً، ويستمر حتى السابعة مساء. ويقول: «كل يوم يزداد الطلب على زلابيتي، واقترحت زوجتي أن أبيع الشاي بجانبها أيضاً». يكسب الرجل جنيهات لا تتعدى أصابع اليدين، لكنها تسد الرمق وتقي ذلّ الحاجة، ومع ذلك فأمله يبقى دائماً هو العودة إلى بيته في مدينة الخرطوم بحري الذي يحتضن أجمل سنوات عمره، وإلى عمله الذي كان يوفر له عيشاً أفضل.

بعض النساء النازحات يقمن بصناعة الحلويات والفطائر ويعرضنها للبيع لتوفير المال. ووجدت الخطوة قبولاً في الريف الذي يعتمد سكانه على الوجبات الشعبية، وبعضهن لجأن إلى نقش الحناء والمكياج وهي مهنة رابحة، بينما كيفت نازحات حياتهن على حياة الريف، رغم معرفتهن أن هذه الأوضاع ستنتهي يوماً ما مهما طالت الحرب، وأن السودانيين سيعملون على تحقيق شعارات «ثورة ديسمبر 2018 في الحرية، ويعيدون بناء بلادهم وهم يرددون هتاف الثوار الأثير: حنبنيهو... ويهدمون جدران الديكتاتوريات»، على حد تعبير إحداهن.

بيع الشاي على الطريق أفضل من الاستجداء (أ.ف.ب)

وأدت الحرب إلى نزوح أكثر من 3 ملايين شخص من الخرطوم إلى ولايات السودان المختلفة. استقر البعض مع الأهل والأقارب، ولم يواجهوا مشكلة في السكن، لكنهم اجتهدوا لإيجاد فرص عمل لتوفير احتياجاتهم الأساسية. بينما هناك آخرون اكتووا بنيران إيجارات المنازل التي تضاعفت أكثر من 1000 بالمائة، ما أعجزهم عن الاستمرار في السداد بعد أن نفدت مدخراتهم. ولم يعد يكفي «عائد الأعمال» المؤقتة والمتواضعة، لدفع الإيجار والمعيشة، فاضطر كثيرون منهم للعودة إلى منازلهم في الخرطوم، مفضلين مواجهة الموت المحيط هناك، على العيش بِذُلٍ هنا...

تصاعد الدخان فوق أمدرمان جراء المعارك بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (أ.ف.ب)

ووفرت منظمات إنسانية ودول وأهل خير مساعدات إنسانية لضحايا الحرب، لكن الشكاوى من عدم وصولها لمستحقيها تُسمع في أكثر من مكان. ومع ذلك فإن ما وصل ويصل للمستحقين (أرز، عدس، دقيق، لبن، زيت)، خفف ويخفف، بعض المعاناة... مع الإشارة إلى أن اتساع دائرة الحرب إلى مناطق جديدة صعّب أيضاً إيصال المساعدات لمستحقيها، كما صعّب النقل والطرق غير الآمنة توصيل الإغاثات والمساعدات الإنسانية حتى في الولايات المستقرة نسبياً.

وتشير تقارير أممية إلى أن نحو 6 ملايين شخص في السودان يواجهون خطر المجاعة، وقالت منظمة الصحة العالمية في تقرير سابق إن 24 مليوناً من السكان البالغ عددهم أكثر من 40 مليوناً، بحاجة لمساعدات إنسانية، وإن نحو 4 ملايين امرأة وطفل يعانون سوء التغذية.


مقالات ذات صلة

الجيش يستعيد منطقة استراتيجية ويحكم الحصار على ود مدني

شمال افريقيا 
 البرهان يحيي مؤيديه في أم درمان غرب الخرطوم يوم 29 يونيو 2019 (أ.ب)

الجيش يستعيد منطقة استراتيجية ويحكم الحصار على ود مدني

استعاد الجيش السوداني السيطرة على منطقة استراتيجية، في ولاية الجزيرة (وسط) على بُعد 40 كيلومتراً من عاصمة الولاية ود مدني، بعد معارك عنيفة استمرت لثلاث ليالٍ.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا صورة ملتقطة في يناير 2024، تظهر نساءً وأطفالاً في مخيم زمزم للنازحين، بالقرب من الفاشر في شمال دارفور، السودان (رويترز) play-circle 01:42

«الأمم المتحدة»: 3 ملايين طفل سوداني يواجهون خطر سوء تغذية حاد

قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليوم (الجمعة)، إن نحو 3.2 ملايين طفل دون الخامسة يواجهون خطر الإصابة بسوء التغذية الحاد في السودان الذي يشهد حرباً عنيفة.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)
شمال افريقيا سودانيون فارُّون من المعارك في منطقة الجزيرة داخل مخيم للنازحين بمدينة القضارف (أ.ف.ب)

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على بلدات في الجزيرة

شن الجيش السوداني، الأربعاء، هجوماً برياً كبيراً من عدة محاور على أطراف ولاية الجزيرة وسط البلاد، استعاد على أثرها، السيطرة على عدد من البلدات والقرى

محمد أمين ياسين (نيروبي)
الولايات المتحدة​ السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد (أ.ف.ب)

أميركا تتهم روسيا بتمويل طرفَي الحرب في السودان

اتهمت الولايات المتحدة، روسيا، بتمويل الطرفين المتحاربين في السودان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا أطفال يحملون حزماً من المساعدات الإنسانية في مدرسة للنازحين بمدينة القضارف شرق السودان (أ.ف.ب)

أزمة بيع مواد الإغاثة تتفاقم في السودان... وتبرؤ حكومي

تفاقمت أزمة بيع المواد الإغاثية في أسواق سودانية، فيما تبرَّأت المفوضية الإنسانية التابعة للحكومة من المسؤولية عن تسريبها.

محمد أمين ياسين (نيروبي) وجدان طلحة (بورتسودان)

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)
TT

القاهرة تتمسك مجدداً بتفكيك الميليشيات وإخراج «المرتزقة» من ليبيا

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)

جدّدت القاهرة تمسكها بإخراج «المرتزقة» والمقاتلين الأجانب من ليبيا، بالإضافة إلى تفكيك الميليشيات المسلحة وتسليم أسلحتها.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية السفير تميم خلاف، لـ«الشرق الأوسط»، إن بلاده تواصل دعم تشكيل «سلطة تنفيذية موحدة» في ليبيا، تساعد على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، كما شدد على «ولاية مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في قيادة مسيرة الحل السياسي من خلال أدواتهما التشريعية والدستورية».

وبينما أوضح خلاف أن تحركات الدبلوماسية المصرية «ترتكز على مبدأ الملكية الليبية للحل السياسي»، أشار إلى أن القاهرة «تتابع تطورات الأوضاع في المنطقة، وتتشاور بشأنها مع أصدقائها وشركائها، وتحرص على الحفاظ على علاقاتها التاريخية الأخوية والقوية مع أشقائها في ليبيا، شرقاً وغرباً وجنوباً».

بدر عبد العاطي مستقبلاً ستيفاني خوري في لقاء سابق بالقاهرة (وزارة الخارجية)

ومن منظور مصر، فإن «أحد أسباب غياب آفاق التسوية هو أزمة السلطة التنفيذية، وعدم وجود حكومة مركزية مُوحدة قادرة على بسط السيطرة على جميع أنحاء البلاد»، وفق خلاف، الذي أكد تمسّك بلاده «بما تضمنه الاتفاق السياسي الليبي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية، بشأن عقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن».

ويستند الموقف المصري في دعم «تشكيل السلطة التنفيذية» إلى ما جرى «تأكيده في (مسار برلين)، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، وفي مخرجات اجتماعات لجنة (6+6)، وكذا القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب الليبي»، وفق المتحدث.

ويزداد الترقّب في ليبيا بشأن مصير تشكيل «الحكومة الموحدة» المرتقبة، بعدما تسلم مجلس النواب، مطلع الشهر الماضي، قائمة بأسماء 9 شخصيات تقدموا بأوراق ترشحهم لتولي رئاستها.

كما جدّد المتحدث دعم مصر «جهود إعادة توحيد مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية، وبصفة خاصة جهود لجنة (5+5) العسكرية المشتركة، الرامية إلى تنفيذ مخرجات قمة باريس ومسار برلين، وقرارات مجلس الأمن بشأن خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا، من دون استثناء، وفي مدى زمني مُحدد».

وأعاد المتحدث تأكيد موقف مصر الداعم «لاستكمال مسار اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، وإلزام كل الجهات الأجنبية بإخراج المُرتزقة والمُقاتلين الأجانب، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها»، مشيراً إلى «دعم جهود الأمم المتحدة و(بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا)، بما يكفل استعادة سيطرة الدولة على جميع المؤسسات الأمنية، ودعم المؤسسة العسكرية».