بضربات قلب سريعة، وعيون زائغة، ومعدة تمتنع عن تناول الطعام من فرط التوتر العصبي، رفع محمد بدوي (47 عاماً) مُقيم في محافظة الشرقية (دلتا مصر) يده إلى السماء، وتضرع إلى الله بصوت متهدج «اللهم أجبر بخاطرنا... وفرحنا فرحة كبيرة».
بدوي، يُعد واحداً من بين أكثر من مليون ولي أمر يترقبون إعلان نتيجة الثانوية العامة المصرية، التي يرى متابعون أنها صارت «حمى سنوية» زادها القلق، تنتشر في ربوع البلاد.
بمناسبه إن نتيجه الثانويه العامه قربت تظهر فياريت أي حد لما يجي يسأل طالب ويقوله عملت ايه ويقولك نجحت الحمد لله تقوله مبروك وربنا يوفقك في اللي جاي مش لازم نسأل علي تفاصيل جبت كام وهتدخل كليه ايه دي تفاصيل حياتهم وهما احرار عندك كلمه حلوه قولها مش عندك اسكت احسن ربنا يفرحهم
— AHMED GAMAL (@Ahmedga37566117) July 29, 2023
وضجّت «السوشيال ميديا» خلال الساعات الماضية بتفاعلات وأحاديث عن نتائج الثانوية العامة، وتوقعات الكليات، وسط «كوميكسات» و«تدوينات» تناول بعضها أدعية طلباً للنجاح، والبعض الآخر تناول «سخرية» من الاتصالات التي تتلقاها الأسر وقت إعلان النتيجة، حيث كتبت أمينة عبد الحميد الأربعينية: «وقت إعلان النتيجة (محدش) يتصل علي لأني هكون أكيد (مش فاضية)».
يأتي هذا الحديث «السوشيالي» في وقت تترقب فيه الأسر المصرية إعلان نتائج الثانوية بشكل رسمي، خصوصاً بعدما ترددت أنباء متضاربة (السبت) بشأن موعد ظهورها.
وتاريخياً، كان مصطلح «بُعبع» سائداً عند الأسر المصرية عن الثانوية العامة؛ لأن البعض عدّها «عنق الزجاجة» التي ترسم ملامح مستقبل الطلاب، على حد زعمهم، حيث يحدد المجموعُ الكليةَ التي سيلتحق بها الطالب، فضلاً عن أن هناك صراعاً قديماً ولا يزال قائماً من الأسر على إلحاق أبنائهم بـ«كليات القمة» في الجامعات الحكومية وهي (مجموعة الكليات الطبية والهندسية للقسم العلمي، والاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام للقسم الأدبي)، رغم وجود التعليم الخاص في البلاد.
لذا تظل الثانوية العامة مرحلة مهمة في حياة الأسر، حيث تجتهد غالبية الأسر في توفير نفقات (الدروس الخصوصية)، التي تتصارع على مكاسبها المراكز التعليمية الخاصة (السناتر)، وسط جهود «مكثفة» ومحاولات من وزارة التربية والتعليم لتوفير الخدمات التعليمية في المدارس، وكذا توفير «منصات تعليمية مجانية» للطلاب.
وقالت وزارة التربية والتعليم في مصر (السبت) إن «نتيجة الثانوية العامة تمر بعديد من مراحل المراجعة والتدقيق لضمان خروجها بما يضمن تحقيق العدالة والدقة». وأكد متحدث «التربية والتعليم»، شادي زلطة، أن وزير التربية والتعليم المصري، الدكتور رضا حجازي «سيعلن رسمياً موعد النتيجة فور الانتهاء من الإجراءات المتعلقة بها كافة». وأهاب بوسائل الإعلام (السبت) «تحري الدقة والالتزام بالبيانات الرسمية الصادرة عن الوزارة؛ منعاً لإثارة البلبلة وتشتيت الطلاب وأولياء الأمور».
الخبير التربوي وأستاذ المناهج بجامعة عين شمس، الدكتور حسن شحاتة، يتوقع أن تصبح تجربة العام الحالي لمنظومة الثانوية العامة في مصر «بداية (حقيقية) لتجاوز (كوابيس) و(بعبع) الثانوية العامة».
«خاض امتحانات الثانوية العامة هذا العام 783 ألف طالب، منهم 276 ألف طالب في الشعبة الأدبية، و391.6 ألف طالب في الشعبة العلمية (علوم)، و98.6 ألف طالب في الشعبة العلمية، (رياضيات)»، بحسب إحصاء لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري.
عن الضغوط الأسرية التي تواكب إعلان نتائج الثانوية العامة، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي في مصر، الدكتور سعيد صادق، لـ«الشرق الأوسط»، إن العامل الاقتصادي «يُفسر كثيراً من هذه الضغوط السنوية على الطلاب وأسرهم». وشرح صادق أن «المسألة نسبية؛ فالقادرون على توفير خيارات بديلة لكليات القمة بالجامعات الحكومية، لا يواجهون الضغوط نفسها التي يعيشها طلاب فقراء يعوّلون هم وأسرهم، على تحقيق ارتقاء اجتماعي عبر التعليم». ويضيف: «هنا ينشأ رعب ضياع الحلم، وما يجلبه من ضغط نفسي واجتماعي».
ويتشارك الجميع - بحسب صادق - خوف تبدد الحلم بالنسبة لكليات مثل الطب، حيث تحظى دراسة الطب والهندسة بسمعة عالية في الجامعات الحكومية، لكنه يستدرك: «بالنسبة لشرائح تتمتع بالثراء، فقد تتوفر لأبنائهم فرص أفضل مثل السفر للدراسة في الخارج، وبعضهم يبتعد عن الثانوية العامة ويلتحق بشهادات دولية بديلة». ويرى أستاذ علم الاجتماع السياسي أن هذه الضغوط «مبررة؛ لأنها ترتبط بمرحلة فاصلة، ويتحدد بناء عليها مستقبل الطلاب الذين تراهن عليهم أسرهم».
حول الصراع الموسمي على ما يُعرف بـ«كليات القمة». قال شحاتة لـ«الشرق الأوسط» إن تنوع الجامعات الجديدة في مصر ما بين أهلية، وحكومية، وخاصة، وما تقدمه من «برامج»، «يُعزز فُرص تحقيق طموحات الطلاب وأولياء أمورهم».
وبحسب تقارير محلية (السبت) فإن نسبة النجاح المتوقعة في نتيجة الثانوية العامة هذا العام قد تتراوح ما بين 78 و79 في المائة، مقارنة بـ75.04 في المائة العام الماضي، و74 في المائة في عام 2021.
وهنا دعا صادق لـ«مواجهة (ظاهرة الغش) في الامتحانات، وكذا تطوير منظومة التعليم لوقف الظاهرة». وأضاف أنه «في ظل ظاهرة (الدروس الخصوصية) التي لا يستطيع الجميع تحمل تكلفتها، ينشأ الإحساس بعدم المساواة بين الأسر، وبالتالي يفتقر المجتمع إلى المساواة في التعليم، وتنتفي عنه صفة المجانية».
ويتصدر وسم #الثانوية_العامة الموضوعات الأكثر رواجاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر... وتتنوع مشاركات المستخدمين بين داعين إلى دعم الطلاب، والدعاء لهم، والقبول بالنتيجة أياً كانت.