100يوم... من القتل والخراب في حرب «الجنرالين» بالسودان

حكاية حرب وصفها قادتها بـ«العبثية» وحصيلتها آلاف القتلى وملايين من النازحين واللاجئين

TT

100يوم... من القتل والخراب في حرب «الجنرالين» بالسودان

الحرب في الخرطوم ستكون لها آثار مدمرة على كثير من الأصعدة (أ.ف.ب)
الحرب في الخرطوم ستكون لها آثار مدمرة على كثير من الأصعدة (أ.ف.ب)

دخلت «حرب الجنرالين» في السودان يومها المائة، بحصيلة تقدر بآلاف القتلى وملايين النازحين واللاجئين، وخراب كلي للبني التحتية في البلاد، بما في ذلك المرافق الصحية والتعليمية والاقتصادية.

بلغت الحرب يومها المائة، بعد أن كان كل من طرفيها يحلم بنصر سريع على خصمه لا يستغرق سوى ساعات، أو في حد أقصى عدة أيام. لكن، ها هما «يدهشان» العالم بحكاية «مائة يوم من القتل والخراب».

الموت المجاني

في حصيلة حديثة، قتل جنرالات السودان نحو 1800 شخص، قالت جمعية الصليب الأحمر الدولية إن 180 منهم على الأقل، دفنوا «عشوائياً» من دون التعرف إلى هوياتهم، في وقت نقلت فيه تقارير صحافية أن أعداد القتلى ربما تفوق هذا العدد بكثير، لا سيما أن وسائط التواصل تناقلت بكثافة أنباءً عن دفن جثامين داخل المنازل وأمامها وفي الميادين العامة، إضافة إلى «جثث متفسخة» في الشوارع والطرقات، تنقل الوسائط أنها لم تدفن بعد.

ولا يعرف على وجه الدقة العدد الفعلي للقتلى من العسكريين من طرفي القتال؛ فقد دأب كل طرف على تقليل خسائره وتضخيم خسائر الخصم. وبعد كل معركة، يدعي أحد الطرفين أنه ألحق خسائر «بشرية» فادحة بالآخر، دون ذكر أرقام، بينما يشاهد عامة الناس في الخرطوم الكثير من الجثث بثياب عسكرية من الطرفين، ملقاة على قارعة الطرقات أو داخل المنازل، فيما لا يوجد طرف ثالث يمكن الركون إليه لمعرفة الأعداد الفعلية لقتلى الطرفين.

شلل الخدمات الصحية والتعليمية

وبسبب شلل الخدمات الصحية وخروج نحو 80 بالمائة من المشافي والمراكز الصحية عن العمل، وفقاً لنقابة أطباء السودان، فإن عدد الجرحى غير معروف. وتقول تقارير إن آلافاً منهم أصيبوا في أثناء القتال، سواء بالرصاص الطائش أو المقذوفات العشوائية أو القصف الجوي. وعادة ما تنقل وسائل الإعلام ووسائط التواصل، عقب كل معركة أو غارة جوية، أن هناك أعداداً من القتلى والجرحى. ويتوقع، وفقاً لتلك التقارير، أن يكون هناك آلاف من الجرحى لا يجدون العلاج، أو لا يستطيعون الوصول إلى المشافي، فيموتون أو يصابون بإعاقات دائمة.

تدمير مستشفى شرق النيل بالخرطوم في قصف جوي (رويترز)

ومثلما شلت الخدمات الصحية، فقد شل التعليم تماماً، فتأجلت امتحانات الشهادة السودانية لأجل غير مسمى، وأغلقت المدارس أبوابها، وتوقفت الجامعات عن العمل، وتعرض بعضها لعمليات تخريب واسعة، بل ونقل بعضها مراكزه إلى خارج السودان، فيما اختارت جامعات أخرى طريقة التعليم عن بعد (أون لاين).

تعطل المصارف

كذلك تعطل النظام المصرفي في البلاد بشكل تام، وتوقفت البنوك عن العمل، بما فيها بنك السودان المركزي، إذ إن مراكزها الرئيسة ومخدماتها تقع في المناطق التي يدور فيها القتال، فضلاً على عمليات النهب والتخريب التي تعرضت لها.



ولم تعد هناك حكومة في المركز؛ فقد انتقلت بعض الوزارات إلى ولايات البحر الأحمر «بورتسودان». فوزير المالية، جبريل إبراهيم، على سبيل المثال، يدير وزارته العاجزة عن سداد المرتبات منذ 4 أشهر من هناك، بينما تدار بعض المؤسسات الحكومية من مدينة «ود مدني» في ولاية الجزيرة وسط البلاد، في الوقت الذي يواجه فيه الموسم الزراعي خطر الفشل التام بسبب نقص التمويل وتوقف استيراد المواد الزراعية من بذور وشتول وأسمدة وغيرها، ما يهدد بمجاعة حقيقية خارج مناطق الحرب، في الوقت الذي كادت فيه مخزونات السلع الاستهلاكية تنفذ من المحال.

حرب حتى على عمال الإغاثة

وتقول «منظمة الهجرة الدولية» (IOM) في آخر تقرير لها، إن مليونين و613 ألف شخص معظمهم من الخرطوم ودارفور، نزحوا إلى أماكن أخرى داخل البلاد، فيما لجأ (757 ألفاً و230 شخصاً آخرين إلى دول الجوار: مصر، وليبيا، وتشاد، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان. وقد توجه 33 بالمائة منهم إلى مصر، بينما لجأ 31 بالمائة إلى تشاد، و23 بالمائة إلى جمهورية جنوب السودان.

سودانيون فروا من القتال بدارفور في منطقة حدودية بين السودان وتشاد في 13 مايو 2023 (أ.ف.ب)

ووفقاً لمكتب مراقبة الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة «أوتشا»، فإن القتال يحول دون الوصول إلى ملايين الأشخاص الذين هم بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وتقول «أوتشا» في تقريرها في 15 يوليو (تموز): «السودان الآن أحد أصعب الأمكنة التي يمكن لعمال المساعدات الإنسانية الوصول إليه... نحن نفعل كل ما بوسعنا للحفاظ على الحياة، لكن لا يمكننا العمل تحت نيران البنادق».

وتؤكد أوتشا أنها عاجزة فعلياً عن توفير خزانات للمياه ومخازن للأغذية والأدوية، لـ«أنها تتعرض للسرقة»، وتتابع: «لا نستطيع تقديم هذه المساعدات إذا كان موظفونا وعمالنا ممنوعين من الوصول للناس، وإن معاناة الناس في السودان ستتوقف بتوقف الحرب». ويشير مكتب «أوتشا» إلى أن من جملة الأشخاص الذين هم بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة 13.6 مليون طفل لا يزالون في السودان.

سلب ونهب لمساكن المواطنين

كما لا توجد إحصاءات دقيقة حول أضرار التخريب الذي ضرب البنى التحتية والممتلكات المدنية، بما في ذلك مساكن المواطنين. ويقول شهود عيان إن آلاف المنازل والمصانع والمنشآت العامة في السودان، وعلى وجه الخصوص في الخرطوم ومدن دارفور (الجنينة، زالنجي، نيالا، الفاشر وغيرها) تعرضت لعمليات نهب واسعة وتخريب وإحراق، بسبب القتال، أو بسبب احتماء قوات «الدعم السريع» بها واستخدام المدنيين دروعاً بشرية، أو بالقصف الجوي الذي ينفذه طيران الجيش السوداني، أو بسبب عمليات نهب واسعة تقوم بها عصابات منظمة أو مواطنون يحركهم الفقر أو «الغبن» الاجتماعي، وتقدر هذه الخسائر بمليارات الدولارات.



كيف بدأت الحرب؟

صبيحة 15 أبريل (نيسان)، فوجئ المواطنون بإطلاق نار كثيف حول «المدينة الرياضية» جنوب الخرطوم. وقال شهود وقتها إن قوات بثياب الجيش السوداني هاجمت معسكراً لقوات «الدعم السريع»، لكن سرعان ما انتقل القتال إلى عدة مناطق عسكرية في العاصمة الخرطوم، وهاجمت قوات «الدعم السريع» القيادة العامة للجيش السوداني ومطار الخرطوم والقاعدة الجوية في مروي، شمال البلاد، بينما هاجم الطيران الحربي التابع للجيش السوداني مراكز السيطرة والقيادة التابعة لقوات «الدعم السريع»، في وسط الخرطوم وجنوبها وشمالها.

الحرب في الخرطوم ستكون لها آثار مدمرة على كثير من الأصعدة (أ.ف.ب)

وبنهاية اليوم الأول من القتال، أعلن الجيش تدمير كافة مراكز السيطرة والقيادة التابعة لـ«الدعم السريع»، وقال إنه قضى على سلاسل الإمداد الخاصة به، وأن تلك القوات فقدت التواصل مع قياداتها، بينما أعلن «الدعم السريع» إنه سيطر على مطار الخرطوم، والجهة الجنوبية من القيادة العامة للجيش، والقصر الجمهوري ووسط الخرطوم، والمطار الحربي في «مروي» بشمال البلاد، وعدد من المواقع العسكرية التابعة للجيش، وأنه أجبر قيادته على الاختباء في مخابئ حصينة داخل الجهة الشمالية من القيادة العامة.

أسباب الحرب

ولا يرجع اندلاع الحرب إلى يوم 15 أبريل (نيسان)؛ فقد بدأت إرهاصاتها تطل باكراً، عقب توقيع «الاتفاق الإطاري» مع القوى المدنية، والذي قضى بخروج الجيش و«الدعم السريع» من السياسة، ودمجهما في جيش مهني واحد، وتطهير الجيش مما أطلق عليه «عناصر النظام السابق». ورغم أن كلاً من قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات «الدعم السريع»، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، قد وقعا «الاتفاق الإطاري»، فإن مواقفهما بدأت تتباعد حول تفاصيلها. فبينما كان «الدعم السريع» يرى أن تتم عملية دمجه في الجيش خلال 10 سنوات، فإن الجيش كان يرى أن تتم العملية خلال سنتين لا أكثر.

نازحون من الخرطوم لجأوا إلى مدينة ود مدني القريبة (أ.ف.ب)

وبدت إرهاصات الخلاف الحاد تظهر علانية عقب ورشة عمل باسم «الإصلاح الأمني والعسكري»، نص عليها «الاتفاق الإطاري» نظمت أواخر مارس (آذار) الماضي. فبينما حضرها وشارك فيها بفاعلية موفدو «الدعم السريع»، فإن ممثلي الجيش انسحبوا منها فجأة، بعد أن شاركوا في تقديم أوراقها، ما فاجأ الحاضرين من المدنيين والمراقبين وأثار مخاوفهم. وأدى ذلك إلى «توتر حاد» بين القوتين، ووضع جنود كلا الطرفين أصابعهم على الزناد، وانقطع التواصل بين قائدي القوتين، البرهان وحميدتي.

محاولات التهدئة ووأد الفتنة

وقبل أسبوع من اندلاع القتال، أفلحت القوى المدنية والوساطة الثلاثية المكونة من السعودية وأميركا وبريطانيا، وبعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال، في جمع الرجلين. وخلال الاجتماع أبدى قائد قوات «الدعم السريع» مخاوفه من وجود «قوات جوية مصرية» في مطار مروي شمال البلاد، ومن استخدامها ضد قواته، واحتج الجيش في المقابل على تحريك قوات تابعة لـ«الدعم السريع» إلى منطقة قريبة من القاعدة الجوية في مروي دون علمه أو تنسيق معه. واتفق الطرفان على حل القضية خلال يوم أو أكثر، لكن الأوضاع لم تسر كما ينبغي، وغاب قائد الجيش ومعاونوه عن الاجتماع المقرر صبيحة السبت 8 أبريل (نيسان)، وإثر ذلك حرك «الدعم السريع» قوات كبيرة إلى مروي، وحاصر مطارها، متجاهلاً تحذيرات قادة الجيش بالانسحاب من القاعدة. وبينما توالت الوساطات لنزع فتيل الأزمة فوجئ السكان صبيحة السبت 15 أبريل باندلاع الحرب.

خريطة القوات المتقاتلة



ووفقاً لشهود، فإن «الدعم السريع» يسيطر على مناطق واسعة من العاصمة الخرطوم، قدرتها قيادته بنحو 95 بالمائة من العاصمة، بينما قدرها مراقبون بنحو 85 بالمائة، خصوصاً في أمدرمان والخرطوم، إذ لا يزال يسيطر على وسط الخرطوم بالكامل، بما في ذلك القصر الجمهوري، ومباني الوزارات والمنشآت الحكومية، بما فيها وزارتا الخارجية والداخلية، كما يسيطر على عدد من الجسور (سوبا جنوباً، المنشية شرقاً، شمبات وسط، المك نمر)، ويسيطر من طرف واحد على جسور الفتيحاب، النيل الأبيض، الحلفايا، كوبر، بينما يسيطر الجيش على جسور النيل الأزرق من الجهتين، وجسور النيل الأبيض من جهة أمدرمان، والفتيحاب من جهة أمدرمان، وكوبر من جهة الخرطوم بحري.

ووفقاً لشهود، فإن «الدعم السريع» يسيطر على عدد من مواقع الجيش الحيوية، منها الجزء الجنوبي من القيادة العامة، ومطار الخرطوم والمطار الحربي المرفق به، وقيادة القوات الجوية، وفرع الرياضة في جنوب الخرطوم، كما يسيطر على مقر الكتيبة الاستراتيجية وسط الخرطوم، والتصنيع الحربي، ومصنع اليرموك، إضافة إلى مقر قوات الاحتياطي المركزي، ومباني رئاسة جهاز الأمن والمخابرات، ومباني الاستخبارات العسكرية، وغيرها من الجهات، بينما يسيطر الجيش على الجزء الشمالي من القيادة العامة، ومقر الفرقة السابعة وسط الخرطوم، وقيادة قوات المدرعات جنوب الخرطوم، وقيادة قوات سلاح الإشارة في بحري، وقيادة قوات المهندسين في أمدرمان، وقيادة منطقة كرري ومطار وادي سيدنا في شمال أمدرمان.

سودانيون وأجانب هاربون من المعارك في العاصمة الخرطوم (أ.ف.ب)

وأفلح «الدعم السريع» في كسب عدد من المعارك، آخرها ما عرف بـ «معركة حطاب» شمال الخرطوم بحري، والتي قتل فيها قائد قوة الجيش برتبة لواء وأُسر اثنان من القادة برتبة عميد، تم تصويرهما في تسجيلات فيديو. وقال «الدعم السريع» إنه شتت تلك القوة وقتل وأسر أعداداً كبيرة منها، فيما اعترف الجيش لأول مرة في بيان رسمي بـ«خسارة»، وقال إنه تكبد بعض الخسائر في الخرطوم بحري، بينما تسير خططه وفقاً لما هو مرسوم لها.

معارك دارفور وكردفان

وشهدت ولايات دارفور أعمال عنف وقتال عنيف، أخذ طابعاً عرقياً، لا سيما في مدينة «الجنينة»، حاضرة ولاية غرب دارفور، والتي قتل واليها، خميس عبد الله أبكر، وأدت إلى مذابح إثنية تشرد بسببها عشرات الآلاف الذين لجأ بعضهم إلى تشاد المجاورة وإلى عدد من المناطق الأخرى، ودارت معارك مشابهة في عدد من عواصم ولايات دارفور الخمس، والتي يقتسم «الدعم السريع» السيطرة عليها مع قوات الجيش.

آثار النزاع بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع» (أ.ف.ب)

كما يحاصر «الدعم السريع» مدينة الأبيض، حاضرة ولاية شمال كردفان، والقريبة من الخرطوم، من الجهات الأربع، بينما يدور قتال متفرق داخلها بين قوات الجيش المعروفة بـالـ«هجانة» هناك، بينما انتشرت قوات منه في عدد من مدن الولاية، ومن بينها بارا، والرهد، وأم روابة، وجرت استباحة مدينتي بارا والرهد والقرى المحيطة بهما بشكل كامل من قبل تلك القوات والقوات الصديقة الحليفة لها من جماعات وعصابات النهب والسلب.

وساطات متعثرة

ولا يعرف أحد متى تنتهي الحرب؛ فقد فشلت، حتى الآن على الأقل، وساطة سعودية أميركية شهدتها مدينة جدة، في إلزام الطرفين بأكثر من ثماني اتفاقيات هدنة لإيصال المساعدات الإنسانية، سرعان ما كان يجري خرقها من قبل الطرفين، على الرغم من توقيعهما على إعلان جدة الإنساني، فاضطرت الوساطة المشتركة إلى تعليق المباحثات لعدم جدية الطرفين في الالتزام بتعهداتهما.

وزير الخارجية السعودي إلى جانب ممثلين عن طرفَي النزاع السوداني خلال توقيع اتفاق جدة في 21 مارس (رويترز)

ودخلت الهيئة الحكومية للتنمية «إيغاد» على خط المبادرات، وكونت لجنة من قادة 4 دول هي: كينيا، إثيوبيا، جنوب السودان والصومال، توصلت إلى وقف إطلاق نار شامل، والطلب من قوات «التدخل السريع لشرق إفريقيا» (إيساف) الاستعداد للتدخل للفصل بين المتحاربين، لكن الخرطوم رفضت هذه المبادرة، ورفضت تدخل قوات أجنبية في السودان، وقال إنها ستعدها «قوات معادية»، إضافة إلى رفضها رئاسة الرئيس الكيني وليام روتو، والذي عدته منحازاً لـ«الدعم السريع».

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد ورئيس كينيا ويليام روتو خلال اجتماع «إيغاد» الاثنين (وكالة الأنباء الإثيوبية)

وتبنت مصر ما عرف بـ«مبادرة دول الجوار» في 13 يوليو (تموز) الحالي، بمشاركة رؤساء دول إثيوبيا، إريتريا، تشاد، ليبيا، أفريقيا الوسطى، جنوب السودان ومصر، والتي نصت على إنهاء الحرب، والدعوة لحوار جامع، ورفض التدخل الأجنبي، وخطة عمل لوضع خطوط عملية لوقف القتال. وعلى الرغم من أن المبادرة لقيت ترحيباً من الأطراف كافة، فإنها لم تتعد ما توصلت له المبادرات السابقة.

القادة المشاركون في «قمة دول جوار السودان» التي عقدت بالقاهرة 13 يوليو الحالي (الرئاسة المصرية)

ثم أعلن في الأسبوع الماضي عن عودة مفاوضي الطرفين إلى مدينة جدة السعودية، ونقل عن نائب قائد الجيش، شمس الدين كباشي، الأسبوع الماضي، دعوته للعودة إلى التفاوض ووقف الحرب، وتشكيل حكومة مدنية، ما حمل إشارات إيجابية لاحتمالات وقف الحرب، لكن هناك تكتماً كبيراً على تفاصيل التفاوض في جدة، إذ لا يعرف حتى الآن ما إذا كانت المحادثات قد بدأت أم لا، وهل هي مباشرة أم غير مباشرة، لكن الجميع يأملون في أن تصمت البنادق ويعود «الخيار المدني» من جدة.


مقالات ذات صلة

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

شمال افريقيا نساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

​رئيس «أطباء بلا حدود» لـ«الشرق الأوسط»: حرب السودان تخلف صدمات نفسية سيئة

آلاف الأسر تفرقت حيث خرج أفرادها من دون أن يحملوا شيئاً أحياناً كانوا حفاة ويسيرون على أقدامهم ومن الصعوبة أن يتم توفير المساعدات لهم من الغذاء والمياه والأدوية

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا إيان إيغلاند الأمين العام لـ«المجلس النرويجي للاجئين» (غيتي)

المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودان

مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا شاحنة تحمل لاجئين سودانيين من مدينة رينك الحدودية في جنوب السودان (د.ب.أ)

الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم

أفاد تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، الأحد، بأن السودان يواجه أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا أفراد من الجيش السوداني كما ظهروا في مقطع فيديو للإعلان عن «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع» (الناطق باسم القوات المسلحة السودانية عبر «إكس»)

الجيش السوداني يعلن استعادة مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار

أعلن الجيش السوداني اليوم (السبت) «تحرير» مدينة سنجة عاصمة ولاية سنار من عناصر «قوات الدعم السريع».

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا علي عبد الرحمن الشهير بـ«علي كوشيب» المتهم بجرائم حرب في إقليم بدارفور (موقع «الجنائية الدولية»)

«الجنائية الدولية»: ديسمبر للمرافعات الختامية في قضية «كوشيب»

حددت المحكمة الجنائية الدولية ومقرها لاهاي 11 ديسمبر المقبل لبدء المرافعات الختامية في قضية السوداني علي كوشيب، المتهم بارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية بدارفور.

أحمد يونس (كمبالا)

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

قانون «الانتخاب المباشر» الصومالي... تحوّل ديمقراطي أم توسيع للانقسام؟

البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)
البرلمان الفيدرالي في الصومال يصادق على قانون الانتخابات (وكالة الأنباء الصومالية)

تصديق الصومال نهائياً على قانون «الانتخاب المباشر» بديلاً عن «المحاصصة القبلية»، رغم رفض ولايتي جوبالاند وبونتلاند وبعض السياسيين، يفتح تساؤلات حول تداعيات تلك الخطوة وتأثيراتها على أوضاع البلاد التي تشهد انقسامات وحرباً لم تنتهِ ضد حركة «الشباب» الإرهابية.

ويأتي القانون الجديد، وفق خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، «في ظل وضع أمني هش ومعارضة سياسية»، وبينما عدّه البعض «خطوة مهمة تعزز التحول إلى نظام ديمقراطي وتحسّن العلاقات الدولية التي تميل إلى تعزيز المشاركة الجماهيرية»، رأى آخرون أنه سيواجه تحديات كثيرة، منها أن النظام الانتخابي القبلي عزّز نفوذ قادة الولايات وزعماء العشائر، ومن الصعب أن يتخلوا عنه؛ إلا عن طريق فتح حوار حقيقي، حتى لا يتحول الرفض إلى جبهة صراع جديدة تواجهها الدولة الصومالية تزيد من الانقسامات بخلاف مواجهات حركة «الشباب».

وصادق نواب مجلسي البرلمان الفيدرالي (الشعب والشيوخ) في جلسة مشتركة، السبت، على مشروع قانون الانتخابات الوطنية عقب «تصويت 169 نائباً لصالحه، فيما رفضه نائبان، وامتنع عن التصويت نائب واحد»، وفق ما نقلته وكالة «الأنباء الصومالية» الرسمية، لافتة إلى أن القانون «هام لإجراء انتخابات بنظام الصوت الواحد في البلاد».

وأجريت آخر انتخابات مباشرة في البلاد عام 1968، تلاها انقلابات وحروب أهلية ليبدأ الصومال العمل بنظام الانتخابات غير المباشرة في عام 2000، إذ ينتخب أعضاء المجالس التشريعية المحلية ومندوبو العشائر نواب البرلمان الفيدرالي، الذين ينتخبون بدورهم رئيس البلاد، إلا أنه في الآونة الأخيرة تزايدت المطالب لإجراء انتخابات مباشرة، التي اعتمدها بالفعل البرلمان، وفق إعلام محلي.

تعزيزات أمنية في وقت سابق بعد مقتل عناصر من «حركة الشباب» خلال عملية عسكرية (أ.ب)

خطوة مهمة

المحلل السوداني في الشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن تلك الخطوة مهمة باعتبارها تنقل العملية الديمقراطية إلى الانتخاب القائم على رأي الجمهور، بديلاً عن عملية الاقتراع غير المباشر عن طريق القبائل والزعامات الأهلية.

ويأتي صدور القانون قبل إجراء ولاية جوبالاند الرافضة له انتخابات رئاسية، يوم الاثنين، لا تعترف بها مقديشو. وقال وزير البترول، عبد الرزاق عمر، في تصريحات صحافية قبل أيام، إن «الحكومة الفيدرالية ملتزمة بتحويل الصومال بعيداً عن الانتخابات غير المباشرة القائمة على العشائر إلى نظام صوت واحد لشخص واحد. لا يمكننا تأييد نتائج هذا المشروع المسرحي، الذي ينتهك مبادئ الحكم الشامل».

وسبقه اتهام رئيس الوزراء الصومالي، حمزة عبدي بري، إلى أحمد مادوبي، الذي يتولى قيادة جوبالاند منذ عام 2013، بتقويض الجهود الرامية إلى تحويل الصومال نحو الاقتراع العام، مؤكداً أن «تصرفات جوبالاند تنتهك الالتزامات التي تم التعهد بها خلال المجلس الاستشاري الوطني لإنشاء إطار انتخابي موحد».

وينضم لرفض جوبالاند موقف مماثل من ولاية بونتلاند، في وقت تعاني فيه الصومال من عنف مستمر وتهديدات إرهابية، بحسب المحلل السياسي الصومالي عبد الولي جامع بري، لافتاً إلى أن تطبيق قانون الانتخابات الوطنية في الصومال «يمثل فرصة لتعزيز الديمقراطية»، ولكنه يحمل في طياته تحديات كبيرة.

ويرى أن تطبيق قانون الانتخاب المباشر في ظل الظروف الحالية يتطلب معالجة تحديات عدة، أولها «الوضع الأمني الهش مع تهديدات إرهابية تجعل من الصعب ضمان أمن الانتخابات، باعتبار أنه إذا لم تتوفر الظروف الأمنية الكافية، فإن إجراء انتخابات حرة ونزيهة سيكون صعباً»، وثانيها «المعارضة السياسية، خصوصاً مع سير سياسيين في فلك معارضة بعض الولايات، ما قد يؤدي إلى عدم الاستقرار».

عناصر من «حركة الشباب» الصومالية (أ.ب)

اعتراضات على القانون

وكان الرئيس الصومالي الأسبق، شريف شيخ أحمد، قد اعترض على مشروع القانون في مؤتمر صحافي بمقديشو، قبل أسبوع، موضحاً أنه «لا يمكن إجراء انتخابات صوت واحد لشخص واحد، لا تشارك فيها ولايتا بونتلاند وجوبالاند والسياسيون المعارضون، مع عدم وجود أجواء أمنية تسمح بإجراء الانتخابات المذكورة حتى في العاصمة الصومالية».

ودافع النائب الصومالي، عبد الرحمن عبد الشكور، عن حق الولايات الإقليمية في عقد الانتخابات الخاصة بها وفقاً للنظام الفيدرالي المعمول به في البلاد، فيما توقع رئيس الوزراء الصومالي السابق حسن علي خيري، في تصريحات منفصلة، قبل نحو أسبوع، أن يقود القانون الصومال إلى مزيد من الصراع وعدم الاستقرار السياسي، داعياً إلى «عدم تجاهل الواقع الذي تشهده البلاد، وفتح منصة وطنية للاتفاق على الانتخابات بمشاركة ولايتي بونتلاند وجوبالاند وأصحاب المصلحة السياسية لإنقاذ الشعب الصومالي من الارتباك وعدم اليقين السياسي».

وأرجع تورشين ذلك إلى أن «بعض القوى السياسية والأهلية لديهم مصالح في الإبقاء على الوضع كما هو عليه، لما له من مزايا أعطت العشائر والقبائل نفوذاً كبيراً للتأثير على العملية السياسية، وكذلك توجيهها ومحاولة الضغط والتأثير عليها، وهذا أيضاً يفسر المعارضة من الولايتين المهتمين الساعتين للاحتفاظ بمكاسبهما»، محذراً من «فتح جبهة صراع مباشر بين الرافضين والموافقين ستحد من سبل مواجهة جبهة حركة الشباب».

ضباط صوماليون يشاركون في عرض عسكري أبريل عام 2022 (رويترز)

عقبة حركة «الشباب»

ووفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير «مركز دراسات شرق أفريقيا» في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، فإنه من الصعب في الوقت الحالي تطبيق نظام انتخابات مباشرة، وأرجع ذلك إلى تمسك الحكومة بتطبيق القانون، وسعيها لـ«تعزيز البقاء في الحكم».

وأوضح أن «هناك أكثر من 60 في المائة من منطقة جنوب الصومال تسيطر عليها (حركة الشباب)، وتحتاج الحكومة على الأقل 5 سنوات أخرى لعقد انتخابات مباشرة بها، ولذا يجب أن يكون تحرير تلك المناطق الأولوية حالياً»، محذراً من حدوث انقسام قبلي كبير إذا مضت الحكومة نحو التطبيق دون توافق.

لكن حال نجحت حكومة في إجراء انتخابات مباشرة فإنها، بحسب عبد الولي جامع بري، ستعزز من شرعية الحكومة وتعيد ثقة المواطنين بالعملية السياسية، وأيضاً سيؤدي نجاح الانتخابات إلى تحسين العلاقات الدولية المهتمة بالمشاركة الجماهيرية، وقد يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة الدعم الدولي للصومال، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو دعم التنمية.

وأضاف: «للتغلب على الرفض، فإنه يجب على الحكومة الفيدرالية فتح قنوات حوار مع الولايات المعارضة، والعمل على إيجاد توافقات، بجانب تأجيل التطبيق الذي من الحكمة أن يتم حتى التوصل إلى توافق سياسي، ووضع استراتيجيات أمنية عبر التعاون مع المجتمع الدولي لضمان سلامة الانتخابات».

وإذا أصرت الحكومة على تطبيق القانون دون توافق، فإن هذا قد يؤدي إلى «انقسامات جديدة»، وفق بري، الذي أكد أنه «من الضروري أن تتبنى الحكومة نهجاً شاملاً يضمن تمثيل جميع الأطراف ويساهم في تحقيق الاستقرار».

ويتفق معه تورشين، قائلاً إنه مع إجراء حوار مباشر وتقديم تطمينات، ومن ثم يمكن التوصل لتفاهمات بشأن إجراءات الانتخابات التي ستقلل نفوذ الزعمات الأهلية والقبلية، وتمنح مع الوقت الشعب الصومالي الفرصة في أن يقرر بأصواته ووعيه مصيره عبر الاقتراع المباشر، رغم تحديات الفقر المتزايد وتراجع معدلات التعليم.