توترات جديدة بين الجزائر وفرنسا تفشل زيارة تبون إلى باريس

كان آخرها هجوم وزير على «لوبيات الدواء الفرنسي»

عناق بين الرئيسين تبون وماكرون في قمة المناخ بمصر في نوفمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
عناق بين الرئيسين تبون وماكرون في قمة المناخ بمصر في نوفمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

توترات جديدة بين الجزائر وفرنسا تفشل زيارة تبون إلى باريس

عناق بين الرئيسين تبون وماكرون في قمة المناخ بمصر في نوفمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)
عناق بين الرئيسين تبون وماكرون في قمة المناخ بمصر في نوفمبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

باتت زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس، التي كانت مرتقبة في يونيو (حزيران) الحالي، غير واردة على إثر وقوع أحداث، وتبادل تصريحات أعادت التوتر إلى العلاقات الثنائية، التي باتت أصلا صعبة ومعقدة، وذلك بعد فترة قصيرة من الهدوء.

ومما عزز قناعة جل المراقبين بأن مشروع الزيارة الباريسية لتبون بات مصيره الفشل، موقف حاد عبّر عنه الثلاثاء الماضي وزير الصناعة الجزائرية ومنتجات الدواء علي عون، حينما كان في زيارة إلى محافظة شرق العاصمة، حيث هاجم بحدة «لوبيات» في الجزائر، اصطنعت حسبه أزمة الندرة في مادة التخدير الطبي، على أساس أنها «تعمل لمصلحة منتجين فرنسيين للمخدر».

وصرح عون لصحافيين بنبرة شديدة بأنه «لا وجود لأزمة المخدر... فقط البعض أراد فرض المخدر الفرنسي الذي يكلفنا ثلاثة أضعاف سعره، وأنا عارضت ذلك وقلت لا». وقرأ صحافيون في كلامه، رسالة سياسية إلى الحكومة الفرنسية، غير مفصولة عن الظرف العصيب الذي تمر به العلاقات بين فرنسا والجزائر، المثقلة بأوجاع الماضي ومخلفات الاستعمار.

وزير الصناعة هاجم بحدة «لوبيات» في الجزائر بحجة أنها «تعمل لمصلحة منتجين فرنسيين» (الشرق الأوسط)

والمعروف أن غالبية الأدوية والمعدات الطبية تستوردها الجزائر من فرنسا. كما أن حالات طبية كثيرة في الجزائر تستدعي العلاج في المستشفيات الفرنسية. وقد حاولت الحكومة الجزائرية في السنوات العشر الأخيرة تنويع شركائها في تجارة الدواء، وأيضا بخصوص إيفاد المرضى للعلاج في الخارج.

ويمكن أن يفهم موقف الوزير الجزائري ضد «اللوبيات، التي تشتغل لفائدة منتجي المخدر الفرنسي»، بأنه بمثابة «رصاصة رحمة» أطلقت على مساع أجراها الرئيسان عبد المجيد تبون وإيمانويل ماكرون في السنوات الأخيرة لتذليل الصعاب أمام بناء علاقات طبيعية.

وجاءت تصريحات وزير الصناعة بعد أيام قليلة من مناوشات كلامية حادة، وصلت إلى مستوى عال في الحكومتين، تعلقت بالنشيد الوطني الجزائري، وتحديدا مقطعا يهاجم فرنسا ويتوعدها. ولذلك احتجت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في مقابلة تلفزيونية على مرسوم أصدره تبون يعيد جزءا محذوفا من النشيد، وذلك بالحرص على قراءة كل أجزائه الخمسة في المناسبات، بما فيها المقطع الذي يقول: «يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، طويناه مثلما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب، إن في ثورتنا فصل الخطاب، وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر».

وزيرة خارجية فرنسا احتجت على مرسوم أصدره تبون يعيد جزءا محذوفا من النشيد الوطني يهاجم فرنسا (الخارجية الفرنسية)

وقالت كولونا إن قرار الرئيس الجزائري «يأتي عكس مجرى التاريخ نوعا ما». مشيرة إلى أن «النص كتب عام 1956 في سياق مرتبط بمحاربة الاستعمار، ومن أجل التعبير عن كل شيء يخص الحرب ومنه جاءت كلمات تخصنا».

ورد عليها وزير خارجية الجزائر، أحمد عطاف، متهكما: «ربما كان يمكنها أن تنتقد أيضا موسيقى النشيد الوطني، فربما الموسيقى لا تناسبها أيضا». مضيفا أن بعض الأحزاب أو السياسيين الفرنسيين، «يرون أن اسم الجزائر أصبح سهل الاستخدام في الأغراض السياسية».

وزير خارجية الجزائر عد أن اسم الجزائر أصبح سهل الاستخدام في الأغراض السياسية الفرنسية (الخارجية الجزائرية)

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد وصلت «أزمة النشيد الجزائري» إلى البرلمان الفرنسي حينما وجهت برلمانية من حزب «الجمهوريون» اليميني مساءلة لرئيسة الوزراء، عدت فيها القرار الجزائري «غير بريء»، وأنه «موجه ضد ماكرون شخصيا»، على أساس أن مساعيه لإحداث تقارب مع الجزائر، خاصة في «قضية الذاكرة»، من غير جدوى، حسبها.

وفي نفس الفترة، تلقت الجزائر بحساسية بالغة خطوة عدتها «غير بريئة» لنواب من اليمين الفرنسي، أرادوا إلغاء اتفاق بين البلدين يعود إلى 1968، يضبط مسائل الهجرة والدراسة والإقامة في فرنسا، وذلك بحجة أنه يمنح تسهيلات للجزائريين تعرقل إجراءات الحد من الهجرة إلى فرنسا.

كما أن باريس لم تنظر بعين الرضا إلى زيارة الدولة التي قادت الرئيس الجزائري إلى موسكو أيام 13 و14 و15 من الشهر الحالي، بينما كان وقع اتفاق بينه وبين تبون على أن يزور فرنسا في هذه الفترة، فضلا عن أن دلالات تنقل تبون إلى موسكو توحي في هذه الظروف بأنها محاولة لفك العزلة عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.



«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
TT

«الدعم السريع» تكوّن حكومة مدنية موازية في الخرطوم

محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»
محمد حمدان دقلو (حميدتي) في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»

أعلنت «قوات الدعم السريع» تشكيل إدارة مدنية (حكومة ولائية) في العاصمة السودانية الخرطوم، وذلك بعد تسعة عشر شهراً من سيطرتها على معظم أنحاء ولاية الخرطوم بما في ذلك القصر الرئاسي والوزارات، وتكليف عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن رئيساً لها، وتسمية مجلس تأسيس مدني (مجلس تشريعي ولائي) من 90 شخصاً برئاسة نايل بابكر نايل المك ناصر، لتقديم الخدمات وبسط الأمن وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.

وتضم ولاية الخرطوم سبع محليات أو تقسيمات إدارية هي: «الخرطوم، وجبل أولياء، والخرطوم بحري، وشرق النيل، وأم درمان، وأم بدة، وكرري»، ويسيطر الجيش منها في الخرطوم على «القيادة العامة، وسلاحَي الذخيرة والمدرعات»، ومناطق في منطقة مقرن النيلين، متاخمة لأم درمان، في حين تسيطر «الدعم السريع» على باقي الأنحاء والأحياء، والتي تضم القصر الرئاسي والوزارات.

وفي الخرطوم بحري يسيطر الجيش على بعض المناطق الشمالية وجسر الحلفايا التي استعادها مؤخراً، إلى مقراته العسكرية في شمال ووسط وشرق النيل، في حين تسيطر «الدعم السريع» على معظم الأنحاء، بما في ذلك مركزها.

وفي أم درمان يسيطر الجيش على كامل «محلية كرري شمال أم درمان، ومحلية أم درمان القديمة، وأجزاء من محلية أم بدة»، وتقع فيها منطقة كرري العسكرية ومطار وادي سيدنا وسلاح المهندسين، في حين تسيطر «الدعم السريع» على بقية أنحاء المحلية، وجنوب وغرب الولاية حتى جبل أولياء غربا.

ووفقاً للخريطة الجغرافية، فإن «قوات الدعم السريع» تسيطر بشكل شبه كامل على الولاية، لا سيما مدن الخرطوم والخرطوم بحري، وتفرض حصاراً مشدداً على الوحدات العسكرية الموجودة فيها، وتجعل منها جيوباً محاصرة.

منازل تعرضت للقصف في معارك دارت أخيراً بالخرطوم (أ.ب)

وفي مؤتمر صحافي عُقد بالخرطوم، الجمعة، أكد رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، تشكيل برلمان ولائي أطلق عليه اسم «مجلس التأسيس المدني» من 90 عضواً يمثلون محليات الولاية المختلفة، بما في ذلك الشباب والمرأة والإدارة الأهلية والمهنيون والطرق الصوفية. وانتخب المجلس في جلسة إجرائية نايل بابكر نايل المك ناصر رئيساً له.

مجلس تأسيسي

وقالت «الدعم السريع» إن «مجلس التأسيس انتخب مجلساً للقضاء، وبدوره اختار رئيساً له، أدى أمامه رئيس مجلس التأسيس المدني (رئيس الإدارة الجديدة) اليمين الدستورية»، متعهداً بمباشرة مهامه في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وحمايتهم وتقديم المساعدات المدنية لهم، واستعادة «أجهزة الدولة» التي انهارت بسبب الحرب لمدة عامين.

وظلت الخرطوم بلا حكومة أو إدارة مدنية منذ انتقال العاصمة إلى مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر، في حين يحكم «والي الخرطوم» المكلف من قبل قائد الجيش بعد انقلاب 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021 من مدينة أم درمان ومحلية كرري على وجه الخصوص، ولا يستطيع الوصول إلى معظم أنحاء الولاية.

وقال رئيس مجلس التأسيس المدني، المك ناصر، في المؤتمر الصحافي بالخرطوم، الجمعة، إن الفراغ الناتج عن الحرب أدى لغياب الخدمات الأساسية والضرورية؛ ما دفع مواطني الولاية للمطالبة بتكوين إدارة مدنية. وأضاف: «تداعى نفر كريم من مواطني ولاية الخرطوم، وأخذوا على عاتقهم تحمل المسؤولية التاريخية من أجل المواطن، وتواصلوا مع قيادات (الدعم السريع) بالولاية، وطلبوا منهم الموافقة على تأسيس إدارة مدنية تتولى تقديم الخدمات الأساسية، واستجابت (الدعم السريع) لمطلبهم».

وأوضح أن رئيس الإدارة المدنية، عبد اللطيف عبد الله الأمين الحسن، سيقوم بالتعاون مع مجلس التأسيس المدني بتشكيل جهاز تنفيذي يتولى تقديم الخدمات وتأمين وصول المساعدات الإنسانية لمواطني الخرطوم.

وقال رئيس الإدارة المدنية عبد اللطيف الحسن، إن تكليفه جاء انحيازاً لما أسماه «المواطن المغلوب على أمره، ومن أجل حفظ الأمن، وتوفير الخدمات الأساسية، وبناء السلام المجتمعي، وتوفير وإيصال المساعدات الإنسانية»، ودعا المهنيين والفنيين العاملين في ولاية الخرطوم لما أسماه «تحمل المسؤولية» بالعودة الفورية للعمل، ليقدموا الخدمات للمواطنين.

دعوة لوقف الحرب

وحضر المؤتمر عن «الدعم السريع» حذيفة أبو نوبة، رئيس المجلس الاستشاري لقائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والعقيد حسن محمد عبد الله الترابي رئيس دائرة التوجيه، ممثلاً للقوات.

ودعا المسؤول المدني الجديد من أطلق عليهم «أطراف الصراع»، إلى الحكمة وإنقاذ البلاد بوقف الحرب عاجلاً والعودة للتفاوض، وإلى التزام القانون الدولي الإنساني، وإلى الكف عن القصف الجوي للمستشفيات والأسواق ودور العبادة، واستهداف المدنيين وإلقاء البراميل المتفجرة عليهم، وناشد المنظمات العاملة في المجال الإنساني تقديم المساعدات لمواطني الخرطوم والسودان بالسرعة الممكنة.

من جهته، قال العقيد حسن محمد عبد الله الترابي، إن قواته تقدم الشهداء من أجل تحقيق الحكم المدني الديمقراطي في السودان، وتعهد بدعم الإدارة المدنية وحمايتها وحفظ الأمن، وبعدم التدخل في سير أعمال الإدارة المدنية لتعبر عن إرادة المواطنين، وأضاف: «قادة النظام القديم اختطفوا الخرطوم وذهبوا بها إلى بورتسودان مثلما اختطفوا الجيش؛ لذلك فإن انتخاب قيادة ميدانية يوقف عبث اختطاف الخرطوم سياسياً واقتصادياً، ويؤكد بقاء الخرطوم عاصمة للسودان».

وسبق أن شكّلت «قوات الدعم السريع» إدارات مدنية في عدد من مناطق سيطرتها في ولايات دارفور الأربع وولاية الجزيرة، ويُخشى على نطاق واسع من تطور الأوضاع إلى «حكومتين» تتنازعان السلطة في البلاد، أسوة بـ«الأنموذج الليبي».