تباين ليبي بخصوص تحذيرات المبعوث الأميركي من عرقلة الانتخابات الليبية

وجَّه المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، السفير ريتشارد نورلاند، رسالة لأطراف ليبية (لم يحددها) أوضح فيها أنهم «سيحصلون على الشرعية من خلال الانتخابات فقط»، محذراً مما وصفه بـ«جهود غير محددة لاستغلال الانقسامات الداخلية، وإحباط جهود الأمم المتحدة لإجراء الانتخابات».

ورغم التباين حول هوية الطرف الليبي المقصود بهذه الرسالة التحذيرية؛ فقد توافقت جل الآراء حول عدم إمكانية فصلها عن الهدف الرئيسي لواشنطن خلال المرحلة الراهنة، وهو محاربة واقتلاع وجود عناصر «فاغنر» من القارة السمراء، انطلاقاً من الأراضي الليبية. وبينما اعتبر سياسيون أن تحذيرات المبعوث الأميركي «تستهدف إنهاء وجود (فاغنر)»، عدَّها آخرون «محاولة للتعجيل بالانتخابات».

نورنالد وجه رسالة لأطراف ليبية أوضح فيها أنهم «سيحصلون على الشرعية من خلال الانتخابات فقط»

واعتبر عضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي، أن رسالة نورلاند قد تستهدف وقف أي صفقة موازية لا تشمل تحديد موعد العملية الانتخابية، وتصوراً واضحاً لمراحلها، وهذا ينطبق على ما يتردد بشأن تفاهمات، أو صفقة تُعقد لتقاسم السلطة بين رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» عبد الحميد الدبيبة، وقائد «الجيش الوطني»، خليفة حفتر. كما ينطبق أيضاً على تمسك مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» بإيجاد حكومة مصغَّرة للإشراف على إجراء الانتخابات.

وأوضح الشركسي لـ«الشرق الأوسط» أن «اللجنة المعنية بوضع القوانين الانتخابية (6+6) حظيت بدعم دولي حقيقي لمهامها، لكن واشنطن والبعثة الأممية رفضتا على الدوام أي محاولة لمجلسي النواب و(الدولة) لربط إنجاز وإنفاذ القوانين الانتخابية بإيجاد حكومة جديدة، ودون تحديد موعد محدد للعملية الانتخابية».

ويعتقد الشركسي أن «رفض الأميركيين لمحاولات عرقلة الانتخابات يعود بالدرجة الأولى لرغبتهم في إيجاد حكومة موحدة تحظى برضا أغلبية أفرقاء الأزمة لتستطيع قواتها محاربة (فاغنر) بكامل التراب الليبي، كما ستتمكن من المطالبة رسمياً بإخراجهم من أراضيها، في ظل حصولها على الاعتراف الدولي».

جاءت رسالة نورلاند لأفرقاء الأزمة الليبية، ضمن تقرير أعدته وكالة «بلومبرغ» الأميركية حول محاولة موسكو تعزيز نفوذها في ليبيا، بعد تعيينها سفيراً مقيماً لدى العاصمة الليبية طرابلس، إلى جانب استمرار وجود عناصر «فاغنر» بالأراضي الليبية.

عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية (الوحدة)

أما بخصوص توقعاته، إذا ما تعمدت القوى الليبية تجاهل رسالة نورلاند، فقد أوضح الشركسي أنهم «سيواجَهون بعدم الاعتراف الدولي، أي أن الحكومة التي قد يلجأ مجلسا النواب والأعلى للدولة لتشكيلها لن تحظى بأي اعتراف دولي. أما الدبيبة؛ فقد يزيد الحصار عليه، وقد يفقد المزيد من التعاون الدولي مع حكومته، إذا صدقت الأنباء المتداولة عن صفقة لتقاسم السلطة يخوض مفاوضاتها مقربون منه ومن حفتر، وتمسك بالمضي قدماً حيالها».

من جانبه، لم يستبعد رئيس الهيئة التأسيسية لحزب «التجمع الوطني الليبي»، أسعد زهيو، أن تكون رسالة نورلاند جاءت في إطار محاولة واشنطن الضغط بشكل ما على أطراف بالساحة الليبية لا تبدي تجاوباً بشأن محاربة «فاغنر»، وهو الملف الاستراتيجي للإدارة الأميركية حالياً، ولا تستهدف على الإطلاق تحذير المعرقلين للعملية الانتخابية في ليبيا.

وذكّر زهيو في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بالتصريحات التي أطلقها نورلاند، وعدد من المسؤولين الأميركيين، التي هددوا فيها بمعاقبة أي طرف أو قوى محلية ستعرقل الانتخابات، التي كان من المفترض أن تتم نهاية عام 2021. وبالنهاية، تم تأجيل تلك الانتخابات لأجل غير مسمى، ولم تقم واشنطن بعقاب أي طرف.

إلا أن زهيو أشار إلى أن «المستهدف من رسالة نورلاند بدرجة كبيرة هما مجلسا النواب و(الأعلى للدولة)، وذلك لإصرارهما على تشكيل حكومة جديدة، ليتم إجراء الانتخابات تحت سلطة تنفيذية موحدة». وقال بهذا الخصوص إن «أكثر من دبلوماسي ومسؤول أميركي أشار من قبل لاستبعاد إمكانية قبول بلاده بتشكيل حكومة جديدة، قبل إجراء الانتخابات»، مستدركاً: «لكن هذا لا يعني على الإطلاق انحياز واشنطن للدبيبة، أو لأي مشروع يقوده لترميم حكومته بضم عناصر مقربة من قيادات الشرق العسكرية إليها، بل ربما فقط مجرد قناعة أميركية بأن عملية ترميم حكومة الوحدة الوطنية قد تكون أقل تكلفة مقارنة بتشكيل حكومة جديدة».

وبعيداً عن توقع افتقادها لعامل الاعتراف الدولي، يرى زهيو أن تلك الحكومة المصغَّرة ستفتقر لتوافر الدعم الشعبي لها، الذي يترجمه «تصاعد حجم المعارضين لمخرجات لجنة (6+6)، سواء من قبل كتل كثيرة من أعضاء مجلسي النواب و(الأعلى للدولة)، وأيضاً بسبب اعتراضات أخرى أثارتها شخصيات سياسية حزبية ومستقلة، وقوى مسلحة أيضاً».

أما الباحث بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، أحمد عليبة، فذهب إلى أن تصريحات نورلاند رسائل لأكثر من طرف من القوى السياسية والمسلحة بالبلاد، وتحمل أكثر من هدف «ما بين توقيت إطلاقها لتعجيل التوافق على القوانين داخل لجنة (6+6)، وأيضاً رسائل لحكومة الدبيبة بشأن الجدل المثار حول أهداف العملية الأمنية التي تم تنفيذها بمدن الساحل الغربي، التي أكدت الأخيرة أنها تستهدف مهربي الوقود والاتجار بالبشر».

أشار عليبة لتزايد انخراط واشنطن بالمشهدين السياسي والأمني الليبي، مبرزاً في هذا الصدد «كثرة إشارات نورلاند حول تشكيل قوة عسكرية، أو أمنية مشتركة من غرب وشرق وجنوب البلاد».