سياسيون فرنسيون يضغطون بقوة لإلغاء اتفاق الهجرة مع الجزائر

بينما يجري التحضير لزيارة مرتقبة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى باريس الشهر الجاري، ارتفعت أصوات سياسيين في فرنسا تطالب بمراجعة اتفاق الهجرة بين البلدين، الذي يعود إلى 55 سنة، بحجة أنه «يقوض جهود الدولة للحد من الهجرة»، وذلك بسبب ما يتضمنه من تسهيلات تمنح أفضلية للجزائريين للإقامة والشغل والدراسة في فرنسا.

وقال رئيس الوزراء الفرنسي السابق إدوارد فيليب لمجلة «لكسبريس» الفرنسية الشهرية، الصادرة الأحد الماضي، إنه «لم يعد هناك أي مبرر للإبقاء على اتفاق مع بلد تربطنا به علاقات معقدة»، وذلك خلال رده على سؤال يتعلق بجدل حاد يثيره «اتفاق 1968» المتعلق بالهجرة مع الجزائر، وسط دعوات في فرنسا لإدخال تغييرات جذرية عليه، بحجة أنه يعطي للجزائريين «تفضيلاً غير متاح» لشعوب أخرى، وهو وضع يعوق الحلول المقترحة لمشكلة الهجرة، وفق أصحاب هذا الطرح.

ورغم تأكيده أن العلاقات مع الجزائر «تاريخية» و«قوية جداً»، لكن فيليب لا يرى جدوى من الاحتفاظ باتفاق الهجرة، الذي ينظم حركة الأفراد بين البلدين. وتعني هذه الوثيقة الجزائريين أكثر من الفرنسيين؛ لأنها تمنحهم امتيازات لا تتيحها فرنسا لشعوب بقية الدول، بما فيها مستعمراتها السابقة، وذلك في قضايا الهجرة والإقامة والزواج، ولمّ الشمل العائلي والتجارة، والدراسة في الجامعات بفرنسا. وقد عرف الاتفاق مراجعة في سنوات 1985 و1994 و2001، علماً أنه لا توجد إحصاءات رسمية تؤكد بدقة عدد الجزائريين المقيمين بفرنسا.

إدوارد فيليب رئيس وزراء فرنسا السابق (البرلمان الفرنسي)

وكان وزير الداخلية جيرارد دارمانان قد طلب في 2021 من الجزائر إصدار آلاف التصاريح القنصلية بفرنسا، للسماح بترحيل 9 آلاف مهاجر جزائري غير نظامي، غير أن الجزائر رفضت الرضوخ لطلبه، وهو ما دفع باريس إلى تخفيض حصتها من التأشيرات إلى النصف. وأفاد فيليب بأن ما سماه «مصادر الهجرة الجديدة»، وهي شمال أفريقيا والساحل الأفريقي، تطرح، حسبه، «إشكالات في فرنسا»، مبرزاً أن نسبة السكان الفرنسيين زادت بـ9 بالمائة منذ عام 2000، في حين ارتفع أعداد الأجانب بـ53 بالمائة، ما يستوجب إعادة النظر في الاتفاقات الثنائية الخاصة بالهجرة، التي تربط باريس ببعض الدول، وفق تصريحات رئيس الوزراء في بداية الولاية الأولى للرئيس إيمانويل ماكرون (مايو/ أيار 2017 إلى يوليو/ تموز 2020). والمعروف أن إدوارد فيليب هو عمدة بلدية لوهافر (شمال غربي فرنسا) حالياً، وقد أسس بعد استقالته من الحكومة حزباً سماه «أوريزون» (آفاق)، وألحقه بالأغلبية الرئاسية.

الرئيس الجزائري مع وزير الداخلية الفرنسي ورئيس الوزراء الفرنسي بالجزائر في 10 أكتوبر 2022 (الرئاسة الجزائرية)

وفي 20 من مايو الماضي، رفع ثلاثة من كبار مسؤولي حزب «الجمهوريون» (اليمين التقليدي في فرنسا)، بقيادة رئيسه إيريك سيوتي، مقترحين إلى البرلمان، أحدهما يضع قيوداً جديدة على الهجرة، والثاني يخص مراجعة دستورية تمنح الأسبقية للتشريعات الوطنية على القوانين الأوروبية والاتفاقات الثنائية الدولية، في كل ما يتعلق بالهجرة وإقامة الأجانب في فرنسا.

وجرى التركيز على «اتفاق 1968» مع الجزائر، على أساس أن رعايا هذا البلد هم الأكثر عدداً فوق تراب فرنسا والأكثر طلباً للهجرة إليها. وقد لقي هذا المسعى دعماً قوياً من سفير فرنسا لدى الجزائر السابق، كزافييه دريانكور، الذي دعا في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو»، نُشرت في 25 من الشهر الماضي، إلى مراجعة شاملة للوثيقة «حتى لو تسببت في إثارة غضب الجزائر»، مبرزاً أنها «تفضيلية جداً لفائدة الجزائريين»، وبالتالي «تعوق التدابير الحكومية للحد من الهجرة إلى فرنسا، ومن مسعى إبعاد المهاجرين المقيمين بها بطريقة غير قانونية».

إيريك سيوتي رئيس حزب «الجمهوريون» الفرنسي (الشرق الأوسط)

من جهته، كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ذكر في مقابلة مع «لوفيغارو» نهاية العام الماضي، أن الاتفاق «يجب أن يحظى بالاحترام ما دام أنه لا يزال ساري المفعول». أما الحكومة الفرنسية فأعطت إشارات تفيد بأن مراجعته غير واردة بمناسبة زيارة تبون إلى باريس، التي أعلنت الصحافة الفرنسية أنها ستتم منتصف هذا الشهر.