عقدت وزارة الداخلية الموريتانية، ليلة أمس، اجتماعاً مع الأحزاب السياسية، استمر حتى فجر اليوم (الأربعاء)، هيمنت عليه الانقسامات والمواقف المتباينة من الانتخابات التشريعية والجهوية والمحلية، التي نظمت يوم السبت 13 مايو (أيار) الحالي، وسط مطالب رفعتها بعض الأحزاب بإعادة هذه الانتخابات.
واستمر هذا الاجتماع لأكثر من 7 ساعات، وشارك فيه ممثلون عن 25 حزباً سياسياً بشكلون إجمالي عدد الأحزاب السياسية في البلاد، بالإضافة إلى ممثلين عن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات. جاء هذا الاجتماع في إطار تنفيذ بنود اتفاق سياسي وقَّعته الحكومة والأحزاب في شهر سبتمبر (أيلول) من العام الماضي، ومهَّد لتنظيم هذه الانتخابات بشكل تشاركي بين مختلف أطراف المشهد السياسي.
وخلال الاجتماع، طرحت أحزابٌ في المعارضة مطلب إعادة تنظيم الانتخابات، وبررت ذلك بما قالت إنها «ثغرات تنظيمية كبيرة وعمليات تزوير واسعة»، وقرأ ممثلها خلال الاجتماع ما قال إنها «وقائع تثبت حجم الخروقات»، التي تطعن في مصداقية نتائج الانتخابات.
ومن أبرز الحجج التي قدمتها المعارضة أن الانتخابات كانت مبكرة، ولم تلتزم بموعدها الدستوري، رغم أن ذلك كان باتفاق بين الأحزاب السياسية في الموالاة والمعارضة، لكن الأخيرة أكدت أن تعجيل موعد الانتخابات تسبب في مشاكل كبيرة تفرض إعادة تنظيمها.
ودعم وجهة نظر المعارضة حزب واحد من الموالاة، لكنها كانت محل اعتراض قوي من طرف حزب الإنصاف الحاكم وبقية الطيف السياسي، حيث اعتبر ممثل حزب الإنصاف أنهم تضرروا من الثغرات والمشاكل التي شهدتها الانتخابات، لكن من غير المقبول أن يتم الحديث عن «التزوير»، من دون امتلاك أدلة تثبت ذلك.
وأكد ممثل الحزب الحاكم أن المشاكل التنظيمية لا ترقى إلى مستوى من شأنه أن يؤثر على النتائج النهائية، وبالتالي فإن «المطالبة بإعادة الانتخابية غير عقلانية، وستؤدي إلى تضييع الكثير من الجهد والوقت».
كما رفضت أحزابٌ أخرى عديدة في ائتلاف الأغلبية مطلب إعادة الانتخابات، وقالت إنها استطاعت الفوز بدوائر انتخابية على حساب حزب الإنصاف الحاكم، وهو ما ينفي، حسبها، فرضية وقوع عمليات تزوير كما تدعي المعارضة.
من جانبه، قال الأمين العام لوزارة الداخلية، الذي قاد الاجتماع، إن «تباين وجهات النظر مسألة طبيعية، لكن المهم هو أن يستمر النقاش من أجل الوصول في النهاية إلى مخرج يرضي الجميع»، مضيفاً أن الوزارة «مطلعة على أن هناك مشاكل وثغرات، لكن يجب أن تبقى الاجتماعات واللقاءات مفتوحة لتجاوز كل تلك العقبات».
وأكد الأمين العام للوزارة في حديثه أمام الأحزاب على أهمية أن يستمر التشاور بين الأحزاب السياسية «لأن البلاد مقبلة على انتخابات رئاسية العام المقبل»، مشيراً إلى أن «السلطات العليا منفتحة على جميع المقترحات والآراء، وسيرفع إليها تقرير بكل ما يتم تداوله».
في سياق ذلك، طلب الأمين العام للوزارة من أحزاب المعارضة «عدم التصعيد»، مشدداً على ضرورة أن «تمنح فرصة للتشاور»، وذلك في إشارة إلى مظاهرات دعت لها أحزاب المعارضة غداً الخميس، من أجل الاحتجاج على ما تقول إنه «تزوير الانتخابات»، ومع ذلك لا تزال أحزاب المعارضة متمسكة بالدعوة إلى التظاهر.
وتحمل المعارضة مسؤولية «فشل» تنظيم الانتخابات للجنة الوطنية المستقلة التي أشرفت عليها، رغم أن هذه اللجنة شُكّلت بالتوافق بين أحزاب الموالاة والمعارضة، ونصف أعضائها اختارتهم أحزاب المعارضة.
وخلال الاجتماع قال أمين عام اللجنة الانتخابية إن «ضيق الوقت كان من المتوقع أن يؤدي لبعض النواقص والثغرات»، لكنه دافع في الوقت ذاته عن اللجنة، مشيراً إلى أنهم قبل الانتخابات قدموا مقترحات لتفادي هذه الأخطاء، لكن المعارضة هي مَن رفضها. كما أكد الأمين العام للجنة أنهم كانوا «منفتحين على جميع ملاحظات الأحزاب السياسية، ولم تردهم أي شكوى أو ملاحظة إلا وخضعت للتحقيق والتدقيق، ولم يثبت سوى حالة تزوير واحدة واتخذ فيها الإجراء المناسب».
وبالتزامن مع هذه اللقاءات تستعد البلاد للشوط الثاني من الانتخابات، الذي يُنظم في 22 دائرة انتخابية نيابية، بعد حسم جميع المجالس الجهوية والمحلية، وأغلب الدوائر النيابية، في الشوط الأول، حسب نتائج أولية أعلنتها لجنة الانتخابات اكتسحها حزب الإنصاف الحاكم.
وبينما يحتدم الجدل حول نتائج الانتخابات، استدعت الشرطة الموريتانية صباح اليوم (الأربعاء) المرشح للانتخابات بيرام ولد اعبيد، وهو ناشط حقوقي ومرشح سابق للانتخابات الرئاسية مرتين، ويأتي الاستدعاء بعد تداول تصريحات له يتهم فيها الحزب الحاكم بتزوير الانتخابات، ويحذر من «حمل السلاح» لحماية أصوات الناخبين.