تونس تعلن عن تفكيك شبكة دولية للاتجار في البشر

رئيس الاتحاد الدولي للقضاة قال إن وضع القضاء في البلاد بات «كارثياً»

مهاجرون غير شرعيين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقاً من شواطئ تونس (أ.ف.ب)
مهاجرون غير شرعيين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقاً من شواطئ تونس (أ.ف.ب)
TT

تونس تعلن عن تفكيك شبكة دولية للاتجار في البشر

مهاجرون غير شرعيين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقاً من شواطئ تونس (أ.ف.ب)
مهاجرون غير شرعيين يحاولون الوصول إلى السواحل الأوروبية انطلاقاً من شواطئ تونس (أ.ف.ب)

أكد حسام الدين الجبابلي، المتحدث باسم الإدارة العامة للحرس الوطني (الداخلية التونسية)، اليوم نجاح فريق مشترك يتكون من الفرقتين الأولى والثانية للاستعلام بإدارة الاستعلامات والأبحاث للحرس الوطني بثكنة العوينة، وفرقة الأبحاث والتفتيش بمنطقة صفاقس (وسط شرق) بالتنسيق مع نظيرتها بمنطقة القصرين (وسط غرب)، في تفكيك شبكة دولية مختصة في الاتجار بالأشخاص، ومساعدة الأفارقة من جنوب الصحراء على اجتياز الحدود البرية التونسية بطريقة غير نظامية، ونقلهم وإيوائهم قصد التحضير للقيام بعمليات إبحار في موجات هجرة غير نظامية.

وكشف الجبابلي عن اعتقال سائق بمحطة سيارات الأجرة، اعترف بنقله للمهاجرين مقابل مبالغ مالية، وذلك بالتنسيق مع منظم أجنبي الجنسية تم إلقاء القبض عليه كذلك.

وجاءت عملية إلقاء القبض على السائق المتهم، إثر توفر معلومات عن انخراط سائق سيارة أجرة في نقل المهاجرين مقابل مبلغ مالي قدره 100 دينار تونسي للفرد الواحد (نحو 33 دولاراً أميركياً)، وذلك بعد التنسيق مع منظم للهجرة غير الشرعية من دول أفريقيا جنوب الصحراء. وإثر إلقاء القبض على المتهمين الاثنين، وجه الأمن التونسي لهما تهمة «تكوين عصابة قصد الاتجار بالبشر ومساعدة أجانب على اجتياز الحدود خلسة وإيوائهم ونقلهم»، في انتظار الكشف عن المزيد من المعلومات حول هذه الشبكة وامتداداتها على مستوى نقاط العبور غير الشرعي نحو السواحل الإيطالية انطلاقاً من تونس.

ويأتي هذا الإعلان عن تفكيك هذه الشبكة الدولية التي تتاجر في البشر قبل يومين من طرح الملف التونسي على طاولة الاتحاد الأوروبي، وتسليط الأضواء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية المنطلقة من السواحل التونسية. ويطالب الجانب الإيطالي السلطات التونسية بجدية أكبر في التعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية، التي تضاعفت أعدادها خلال الأشهر الماضية.

من جهة ثانية، وصف رئيس الاتحاد الدولي للقضاة، جوزيه إيغريجا ماطوس، في تصريح لقناة «موزاييك» التونسية الوضع العام في تونس بـ«الحرج»، كما وصف وضع القضاء بـ«الكارثي».

وبيّن ماطوس أنّ الاتحاد الدولي للقضاة أجرى السنة الماضية مهمة في تونس، وخلص في تقريره إلى أنّ «الوضع القضائي في تونس كارثي». موضحاً أن ما خلصت إليه البعثة خلال العام الماضي ظهر بشكل جلي اليوم من خلال استماعه لعدد من التدخلات في ندوة حول استقلالية القضاء احتضنتها العاصمة التونسية اليوم.

وأضاف ماطوس موضحاً أن استقلالية القضاء في تونس «تحف بها العديد من المشاكل، خصوصاً في ظل تدخل السلطة السياسية في الشأن القضائي»، معتبراً أن «دور الاتحاد الدولي للقضاة هو التنديد بوضع القضاء في تونس، والتعبير عن التضامن مع القضاة التونسيين في هذا الوضع الصعب»، وفق تعبيره. مشيراً إلى أن حضور عدد من السفراء، وممثلي البعثات الدبلوماسية ندوة استقلالية القضاء «يعد أمراً إيجابياً، ورسالة تضامن من أجل الدفاع عن القيم الدولية المشتركة لاستقلالية القضاء وإرساء دولة القانون».

وأفاد ماطوس أن «الاتحاد الدولي للقضاة سبق أن نشر ثمانية بلاغات تنديد بوضع القضاء في تونس، وأدان بشدة في مؤتمرات القضاة إقليمياً ودولياً بذلك»، مؤكداً أن «الاتحاد سيواصل دعم القضاة التونسيين»، وإثارة «الوضع الحرج لاستقلالية القضاء التونسي في كل المحافل الدولية»، وفق تعبيره.

في سياق ذلك، أكّد عضو اللجنة الوطنية للدفاع عن استقلال القضاء، محمد عفيف الجعيدي، أحقية التونسيين في قضاء مستقل، مشيراً الى جملة من المخاطر المحدقة بالقضاء بما يمس الثقة العامة فيه، وفق تقديره.

وشدّد الجعيدي على رفض التونسيين والمجتمع المدني التونسي توظيف القضاء سياسياً، وتدخل السياسي في الشأن القضائي من خلال الخطب أو غيرها، داعياً إلى احترام استقلالية القضاء، وبناء دولة القانون والمواطنة التي يحترم فيها القضاء واستقلاليته.

منظمات حقوقية قالت إن الرئيس سعيد يتدخل في القضاء (رويترز)

واعتبر الجعيدي أن الجهة المخولة للتصريح باستقلالية القضاء «يجب أن تكون المواطن وثقته العامة في القضاء»، وذلك في تعليق على خطابات رئيس الجمهورية المتعلقة بالقضاء.

وقال الجعيدي إن هناك نقاط استفهام كبرى تطرح اليوم حول استقلالية القضاء، داعياً إلى الابتعاد عن كل خطاب تحريضي يستهدف هذه الاستقلالية، فضلاً عن الالتزام بالقواعد الدولية المتعلقة بالحق في المحاكمة العادلة والقضاء المستقل.



هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
TT

هل وصلت العلاقات الجزائرية - الفرنسية لنقطة «اللاعودة»؟

الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)
الرئيس الجزائري في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (أ.ف.ب)

تشهد العلاقات المضطربة على مرّ التاريخ بين فرنسا والجزائر خضّات جديدة، إثر توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق في فرنسا، بسبب رسائل كراهية نشروها، ومواجهة دبلوماسية جديدة حول توقيف كاتب جزائري - فرنسي في العاصمة الجزائرية، وهو ما يجعل البعض يرى أن العلاقة بين البلدين وصلت فعلاً إلى «نقطة اللاعودة».

سلطات فرنسا شنت حملة توقيف مؤثرين جزائريين على ذمة التحقيق بسبب رسائل كراهية نشروها (أ.ب)

وأوقفت السلطات في باريس مؤخراً ثلاثة مؤثرين جزائريين للاشتباه في تحريضهم على الإرهاب، ووضع منشورات تحث على ارتكاب أعمال عنف في فرنسا ضد معارضين للنظام الجزائري. أحدهم أوقف الجمعة في ضواحي غرونوبل، بعد نشره مقطع فيديو، تم حذفه في وقت لاحق، يحث المتابعين على «الحرق والقتل والاغتصاب على الأراضي الفرنسية»، بحسب لقطة مصورة من شاشة لوزير الداخلية برونو ريتايو.

وزير الداخلية الفرنسية برونو ريتايو (أ.ب)

ونشر هذا الرجل: «أنا معك يا زازو»، مخاطباً مؤثراً جزائرياً آخر، يدعى يوسف أ، المعروف باسم «زازو يوسف»، كان قد أوقف قبل ساعات قليلة بشبهة الدعوة إلى شن هجمات في فرنسا ضد «معارضي النظام الحالي في الجزائر»، بحسب القضاء الفرنسي. ونشر الشخص الثالث، الذي تم اعتقاله على تطبيق «تيك توك»: «اقتلوه، دعوه يتعذب»، في إشارة إلى متظاهر جزائري معارض للنظام. وفتح القضاء أيضاً تحقيقات ضد اثنين آخرين من المؤثرين الفرنسيين الجزائريين، بسبب فيديوهات تنشر الكراهية. وقال المعارض الجزائري، شوقي بن زهرة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «العشرات» من مستخدمي وسائط التواصل الجزائريين، أو مزدوجي الجنسية «نشروا محتوى معادياً على الإنترنت».

محمد تاجديت ضحية تحريض بالقتل من مؤثر جزائري مقيم بفرنسا (حسابه الشخصي بالإعلام الاجتماعي)

كان لدى يوسف أ. أكثر من 400 ألف متابع على تطبيق «تيك توك»، وقد حذفت المنصة حسابه منذ ذلك الحين.

* اتهام الجزائر بالتحريض

اتهم بن زهرة، وهو نفسه لاجئ سياسي في فرنسا، السلطات الجزائرية بالوقوف وراء هذه «الظاهرة»، والدليل بحسبه أن المسجد الكبير في باريس، الذي تموله الجزائر، «يستقبل أيضاً مؤثرين» جزائريين. وردت مؤسسة مسجد باريس على هذه التصريحات «التشهيرية»، التي أدلى بها «مدون مغمور»، واعتبرتها جزءاً من «حملة افتراء غير محتملة»، لكنها أكدت على «دورها البناء في العلاقات بين البلدين». وحسب العديد من المعارضين الجزائريين المقيمين في فرنسا، الذين التقتهم «وكالة الصحافة الفرنسية»، فإن هذه الرسائل العنيفة بشكل خاص ازدادت حدة بعد أن غيرت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، موقفها من قضية الصحراء، التي كانت مسرحاً لنصف قرن من الصراع بين المغرب وجبهة «البوليساريو»، المدعومة من الجزائر. ففي نهاية يوليو (تموز) الماضي انحاز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى جانب إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية، معتبراً أن مستقبل الصحراء يكمن «في إطار السيادة المغربية»، وساعد ذلك في التقارب مع الرباط، واندلاع أزمة جديدة مع الجزائر، التي لم تعد تقيم علاقات دبلوماسية مع جارتها منذ أغسطس (آب) 2021.

الجزائر اعتبرت موقف الرئيس ماكرون من الصحراء المغربية «خيانة» لها (أ.ف.ب)

في صيف 2022، بدأ الرئيس الفرنسي خطوة «للتقارب» مع الجزائر بشأن «قضايا الذاكرة»، ومسألة «الماضي الاستعماري»، المرتبطة بحرب الاستقلال التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى، لكن موقفه من الصحراء اعتبرته الجزائر «خيانة»، كما لاحظ ريكاردو فابياني، المحلل في مجموعة الأزمات الدولية. سبب آخر من أسباب التوتر هو مصير الكاتب الفرنسي - الجزائري، بوعلام صنصال (75 عاماً)، الذي يقبع في السجن في الجزائر منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي بتهمة المساس بأمن الدولة، وهو في وحدة العناية الصحية منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

* امتعاض جزائري

بحسب صحيفة «لوموند» الفرنسية، فإن السلطات الجزائرية انزعجت من تصريحات أدلى بها الكاتب صنصال لموقع «فرونتيير» الإعلامي الفرنسي، المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة، تبنى فيها موقفاً مغربياً يقول إن أراضي مغربية انتُزعت من المملكة، في ظل الاستعمار الفرنسي لصالح الجزائر. وكان الرئيس الفرنسي اعتبر الاثنين أن «الجزائر التي نحبها كثيراً، والتي نتشارك معها الكثير من الأبناء والكثير من القصص، تسيء إلى سمعتها، من خلال منع رجل مريض بشدة من الحصول على العلاج»، مطالباً بالإفراج عن الكاتب المحتجز «بطريقة تعسفية تماماً».

الروائي المسجون في الجزائر بوعلام صنصال (متداولة)

ومباشرة بعد ذلك، عبرت وزارة الخارجية الجزائرية عن استغرابها من «التصريحات التي أدلى بها الرئيس الفرنسي بشأن الجزائر، والتي تهين، في المقام الأول، من اعتقد أنه من المناسب الإدلاء بها بهذه الطريقة المتهاونة والمستهترة». ووصفتها بـ«التدخل السافر وغير المقبول في شأن جزائري داخلي». في هذا السياق، أشار مدير «مركز الدراسات العربية والمتوسطية» في جنيف، حسني عبيدي، في تصريح لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إلى أن العلاقة بين البلدين وصلت إلى «نقطة اللاعودة». وأعرب عن أسفه لأن «تصريحات ماكرون القاسية وغير المألوفة» من شأنها «تعزيز دعاة القطيعة التامة بين البلدين، وتكشف عن فشل الرئيس (الفرنسي) في سياسته حيال الجزائر». أما كريمة ديراش، الباحثة في «المركز الوطني الفرنسي» للبحث العلمي في باريس، فقد اعتبرت أننا «أمام رئيس دولة فرنسي لا يعرف كيف يتصرف»، و«يترك انفعالاته تتغلب عليه ولا يحترم القواعد»، وأمام سلطة جزائرية «حساسة جداً تجاه كل ما يصدر عن الدولة الفرنسية». وشدّدت على أنه رغم هذه «المناوشات» المتكررة بانتظام، تظل العلاقة الفرنسية - الجزائرية «متينة» من الناحيتين الاقتصادية والأمنية، مضيفة بسخرية أن فرنسا والجزائر «ثنائي يتنازع بانتظام».