لماذا لا يتم دمج التشكيلات المسلحة داخل الأجهزة الأمنية الليبية؟

سياسيون قللوا من نجاح الخطوة بالنظر إلى ما تحقق لها من نفوذ وقدرات مالية

عناصر تابعة لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (الجهاز)
عناصر تابعة لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (الجهاز)
TT

لماذا لا يتم دمج التشكيلات المسلحة داخل الأجهزة الأمنية الليبية؟

عناصر تابعة لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (الجهاز)
عناصر تابعة لجهاز الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة (الجهاز)

جدد الفريق أول محمد الحداد، رئيس أركان قوات حكومة «الوحدة الوطنية» الليبية المؤقتة، الدعوة لضرورة الإسراع بدمج المسلحين في الأجهزة العسكرية والأمنية، في ظل تزايد التساؤلات عن أسباب عدم الاستجابة لمبادرة أممية سابقة بهذا الخصوص.

وطالب الحداد، خلال اجتماع عقده مجلس الوزراء بطرابلس، مساء أمس (الأربعاء)، «بالاهتمام بالشباب المقاتلين، وتعويضهم عمّا تعرضوا له خلال السنوات العشر الماضية»، مؤكداً أن هؤلاء «يحتاجون لمشروعات وطنية ناجحة، تحتويهم بعد تعليمهم وتطويرهم، وبعد تخليهم عن السلاح».

وقال الحداد، الذي طالب مبكراً بدمج المسلحين: «إذا لم نسارع في تحقيق ذلك، فسنقع في خلل كبير... وهذه التشكيلات التي كانت موازية للجيش والداخلية تحتاج لدعم وتعليم».

ومضى الحداد يقول بحضور عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، والصديق الكبير محافظ مصرف ليبيا المركزي: «أولادنا المسلحون كانوا سبباً في أن نجلس اليوم لنتكلم بكل حرية... هم يريدون أن نهتم بهم، ولو لمسوا ذلك لاختلف الأمر».

وتتبنى الأمم المتحدة، عبر بعثتها للدعم في ليبيا، مطالب كثيرة بضرورة تفكيك الميليشيات المسلحة بالبلاد، ودمجها في المؤسسات الأمنية والمدنية، وهي الدعوات التي تهيمن على أحاديث الأوساط السياسية والاجتماعية كلما وقع اشتباك مسلح في العاصمة طرابلس، لكن سرعان ما تخف حدتها.

وعزا مصدر أمني بشرق ليبيا عدم تفعيل خطة دمج المسلحين في مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية إلى أسباب عدة، من بينها «عدم توحيد المؤسسة العسكرية، والانقسام السياسي بين شرق ليبيا وغربها». وقال لـ«الشرق الأوسط»، اليوم (الخميس)، إن عملية الدمج هذه «تحتاج إلى فك الارتباط بين المسلحين في أنحاء البلاد من جهة، والزعامات السياسية النافذة في ليبيا من جهة ثانية، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق إجراء انتخابات تسفر عن وجود رئيس موحد للبلاد»، مبرزاً أن «ارتباط الميليشيات بالقادة السياسيين والقبائل المختلفة، يجعلها خارج سيطرة الدولة، إلى جانب اعتمادها على مصادر دخل خاصة بها، من تهريب النفط والاتجار في المهاجرين غير النظاميين».

وسبق لعبد الله باتيلي، المبعوث الأممي إلى ليبيا، الإشارة في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، إلى إحراز تقدم في المسار الأمني، وما أسفرت عنه اجتماعات سابقة للجنة العسكرية المشتركة (5 + 5) بشأن «موافقتها على إنشاء لجنة فرعية لنزع السلاح، وتسريح وإعادة دمج الجماعات المسلحة».

باتيلي يتوسط القيادات العسكرية والأمنية في اجتماع سابق بمدينة بنغازي (البعثة الأممية)

وجاءت مطالبة الحداد على خلفية الأحداث التي شهدتها مدينة الزاوية (غرب) خلال الأسابيع الماضية بين الميليشيات المسلحة هناك؛ ما أسفر عن مقتل عنصرين وجرح 5 آخرين على الأقل.

واتفق الفريق عبد الرازق الناظوري رئيس أركان «الجيش الوطني»، ونظيره الحداد، في اجتماع عُقد بالقاهرة منتصف يونيو (حزيران) الماضي على تفكيك المجموعات المسلحة وإعادة دمجها، والسعي لتوحيد المؤسسة العسكرية من الكوادر العاملة، وضرورة الخروج من دائرة تدوير الأزمة الليبية، خصوصاً بعدما وصلت إليه حال المواطن، والظروف التي صار عليها الوضع العام. لكن بعض السياسيين المتابعين لهذا الملف قللوا من نجاح هذه الفكرة، بالنظر إلى ما تحقق لقادة هذه التشكيلات المسلحة، خصوصاً في غرب ليبيا، من نفوذ وسطوة، وقدرات مالية أيضاً، مطالبين أولاً بـ«تضييق الخناق على هذه الميليشيات، وتجريدها من أسلحتها لإجبارها على الاندماج في مؤسستي الشرطة والجيش»، لافتين إلى أنه عندما يكون السلاح في قبضة الجيش فقط، يصبح بإمكانه بسط سيطرته على البلاد دون تهديد للسلام المجتمعي.

من آثار معارك نشبت في طرابلس بين عدد من التشكيلات المسلحة (إ.ب.أ)

وأضافوا أن كثيراً من التشكيلات المسلحة، التي اندمجت داخل المؤسسة الأمنية في السابق، «باتت تتعامل بمنطق القوة، وبأنها المسيطرة على مقاليد الأمور، لذا تندلع اشتباكات ومواجهات دامية من وقت لآخر بين هذه التشكيلات، تعكر صفو الحياة في البلاد».



السودانيون يعلقون آمالهم على المبادرة التركية لإنهاء الحرب

البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)
TT

السودانيون يعلقون آمالهم على المبادرة التركية لإنهاء الحرب

البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)
البرهان لدى استقباله نائب وزير الخارجية التركي برهان الدين دوران في بورتسودان السبت (مجلس السيادة السوداني - فيسبوك)

خلت التصريحات التي أدلى بها كل من وزيري الخارجية التركي والسوداني عقب نهاية الزيارة التي قام بها الأول للسودان، من أي إشارة لـ«مصالحة سودانية - إماراتية»، وركزت بشكل مباشر على وقف الحرب في السودان. ورغم عدم الكشف عن تفاصيل المبادرة، فإن أحاديث انتشرت عن تضمينها لقاءات بين قيادتي الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في الإمارات.

ورغم المواقف المتناقضة التي تصدر من تنظيم الإسلاميين السودانيين المؤيد بشدة لاستمرار الحرب حتى هزيمة «قوات الدعم السريع» عسكرياً، فإن السودانيين يعلقون آمالاً عريضة على المبادرة التركية لإنهاء معاناتهم المستمرة منذ بداية الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023.

وركّز نائب وزير الخارجية التركي، برهان الدين دران، في تصريحاته للصحافيين في نهاية زيارته للسودان، على أهمية «استعادة السلام ووقف الحرب» ودور بلاده واستعدادها للعب دور في هذا الأمر. كما لم يشر وزير الخارجية السوداني المكلف، علي يوسف، في تصريحه المشترك مع ضيفه التركي إلى «إنهاء الخلافات السودانية الإماراتية»، واكتفى بالقول إن المبادرة التي وافق عليها رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، سيكون لها ما بعدها، وإنها «يمكن أن تقود لجهود حقيقية لتحقيق السلام في السودان».

وتحدث نائب وزير الخارجية التركي، الذي زار السودان بصفته مبعوثاً للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، عن دعم بلاده للمبادرات الإقليمية والدولية الساعية لوقف الصراع المسلح في السودان، ووقف المعاناة الإنسانية والحفاظ على وحدة السودان واستقراره وأمنه، وأن بلاده ستبذل الجهود المطلوبة من أجل تحقيق ذلك. كما أبدى وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، عقب لقائه المسؤول التركي الزائر، ترحيبه بالمبادرة التركية وأسماها «المبادرة التركية لتحقيق السلام في السودان».

مشاهد الدمار في أحد أحياء أم درمان بالسودان (د.ب.أ)

لقاءات بين قيادة طرفي الحرب؟

ووفقاً لمحللين، فإن ما دار ويدور في الكواليس عن الوساطة التركية، هو أن أنقرة لن تكتفي بمحاولة تذويب الخلافات السودانية الإماراتية، على غرار ما فعلت مع إثيوبيا والصومال، بل ستلعب دوراً في وقف الحرب وتحقيق مصالحة بين أطراف الصراع في السودان، والسعي لعقد لقاءات مباشرة أو غير مباشرة بين قيادة طرفي الحرب.

وفي هذا الصدد، قال المحلل السياسي محمد لطيف، لـ«الشرق الأوسط»، إن المبادرة التركية صممت، في أغلب الظن، بالتشاور مع دولة الإمارات، التي ترغب أيضاً في لعب دور في وقف الحرب السودانية.

وأوضح لطيف أن الخلافات بين السودان والإمارات ليست كبيرة، قائلاً: «تكاد تكون خلافات مصنوعة، لأن مصالح الطرفين كبيرة، خصوصاً مع حكومة بورتسودان. كما أن موقف الإسلاميين في السودان ليس مبدئياً بقدر ما هو مرتبط بضمان مصالحهم».

ويرى لطيف في المبادرة التركية فرصة كبيرة، وأنها قد تنجح في إعادة قيادة طرفي الحرب إلى مائدة التفاوض، متوقعاً ألا تكون «الإمارات طرفاً في هذا التفاوض، لأن حكومة بورتسودان عدَّت الإمارات في أثناء مفاوضات (منبر المنامة)، وسيطاً مقبولاً، لذا لا أرى أن التفاوض سيكون مع الإمارات، بل سيكون بين طرفي الحرب السودانية».

وحسب لطيف، تعتمد مبادرة أنقرة على دور إماراتي لمساعدتها في حل الأزمة السودانية، موضحاً أن «القراءة الصحيحة للمبادرة ليست وساطة بين السودان والإمارات، بل إن تركيا تعتمد على الإمارات لمساعدتها في الوساطة لحل الأزمة السودانية». ورجح لطيف أن يكون دور الإمارات في الضغط على «قوات الدعم السريع»، وتقديم الضمانات للجيش، والتأثير على القوى المدنية لقبول تسوية مقبلة، لأن لدى الإمارات علاقة بالأطراف الثلاثة. وتابع: «تركيا قرأت دور الإمارات بصورة صحيحة، لذلك طرحت حل المشكلة بهذه الطريقة».

قصف جوي جنوب الخرطوم

يعد جنوب الخرطوم مسرحاً دموياً للمعارك بين الجيش و«قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

ميدانياً، قتل 10 أشخاص على الأقل وأصيب عشرات آخرون، الأحد، في قصف جوي لطيران الجيش السوداني على إحدى ضواحي منطقة الحزام الأخضر جنوب العاصمة الخرطوم. وقالت غرفة الطوارئ في بيان على «فيسبوك» إن الضربة الجوية التي استهدفت إحدى الأسواق الصغيرة بمنطقة الصهريج، أسفرت عن مقتل 10 أشخاص، وإصابة نحو 30 آخرين، من بينهم 5 أشخاص في حالات حروق من الدرجة الأولى.

وأضافت: «هذه المرة الثالثة خلال أقل من شهر تتعرض فيها المنطقة لضربات جوية من الجيش». وعدت غرفة الطوارئ القصف جزءاً من حملة تصعيد مستمرة، تدحض الادعاءات بأن الغارات تركز على الأهداف العسكرية، بينما تستهدف المناطق المأهولة بالسكان. وقال المتحدث باسم الغرفة، محمد عبد الله، الشهير باسم «كندش»: «لقد فقدنا 10 من المدنيين الأبرياء جراء الغارة الجوية التي تعرضت لها ضاحية الصهريج التي يرتادها المئات يومياً للتبضع».

وأضاف في تسجيل مصور من داخل «مستشفى بشائر» أن مواطني منطقة جنوب الحزام «يدفعون ثمناً غالياً» للصراع الدائر بين الجيش و«قوات الدعم السريع»، فيما قال سكان في جنوب الحزام لـ«الشرق الأوسط» إنهم سمعوا دوي انفجارات قوية هزت أرجاء المدينة. وأضافوا أن «الطيران الحربي ظل منذ اندلاع الحرب يشن غارات جوية بالبراميل المتفجرة على عدد من مناطق جنوب الحزام، ما أوقع ضحايا بالمئات بين قتيل وجريح».