استبعد سياسيون ونقابيون تونسيون أن يؤثر الحكم على راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، بالسجن لمدة سنة على المشهد السياسي، أو أن يؤدي إلى ظهور احتجاجات في الشارع، أو انتفاضة بين مؤيديه، وأكدوا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن القيادات السياسية تركز اهتمامها في الوقت الراهن على استرجاع مواقعها في المشهد السياسي، وحل مشاكلها التنظيمية، انتظاراً لانتخابات 2024 الرئاسية، وربما لا ترى في ملف الغنوشي أولوية خلال هذه الفترة بالذات، بحسبهم.
أما مؤيدو الغنوشي وأنصاره فقد بات جلهم ينتقدون مؤخراً طريقة إدارته لعلاقاته مع بقية المكونات السياسية، وكذلك موقفه الرافض للمسار السياسي الذي أقره الرئيس قيس سعيد منذ يوليو (تموز) من سنة 2021، وجاء ذلك بعد أن شهدت السنوات الماضية استقالات كثيرة لقيادات الحركة، التي اتهمت الغنوشي بالانفراد بالقرار السياسي، وهو ما جعل التأييد الكبير للغنوشي يتراجع مع مرور السنوات، وهذا ما ترجمته نتائج الإقبال على صناديق الاقتراع.
وقال عبد الحميد عمار، الإطار النقابي في اتحاد الشغل، إن القيادات النقابية لا توافق في المجمل على سجن الغنوشي، أو غيره من النشطاء السياسيين، واستبعد أن يكون هناك تأثير ملحوظ لسجن الغنوشي على المناخ السياسي والاجتماعي، معتبراً أن الحكم القضائي بدوره يطرح أكثر من سؤال، خاصة وأنه صدر بعد أيام قليلة من التركيز الإعلامي على الهجوم الإجرامي على كنيس الغريبة اليهودي في جزيرة جربة.
واعتبر عمار أن إيداع الغنوشي السجن بسبب نعت رجال الأمن بالطاغوت «قد يسيء إلى صورة تونس، لأن رئيس حركة النهضة كان يستذكر السنوات الصعبة التي قضاها أنصار حركة النهضة في عهد بن علي»، ويكتسب بعض التعاطف. وقدر أن الحكم القضائي جاء لتوجيه الرأي العام المحلي والدولي في إطار معركة سياسية حادة بين منظومتين سياسيتين للحكم، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، توقع خليل الجنفاوي، الناشط السياسي المقرب من حركة النهضة ألا يحرك أنصار الغنوشي ساكناً بعد سجنه، وفسر ذلك بتراجع الدعم السياسي القوي للحزب ورئيسه، نتيجة اختياراته الكثيرة التي لم ترض قواعد حركة النهضة، مشيراً إلى عدم موافقة أنصار النهضة على قانون الصلح مع ممثلي النظام السابق، كما أن جزءاً كبيراً منهم لم يكن موافقاً على التحالف السياسي مع حركة نداء تونس، التي أسسها الرئيس السابق الباجي قائد السبسي.
وذكر الجنفاوي في هذا السياق بالكثير من الاستقالات الوازنة التي شهدتها حركة النهضة، بسبب الاختلافات على مستوى التوجهات السياسية، ومن بينهم حمادي الجبالي، وعبد الحميد الجلاصي، وعبد اللطيف المكي، وهؤلاء من القيادات التاريخية لحركة النهضة.
ويرى مراقبون أن حركة النهضة تمر اليوم بفترة مفصلية في تاريخها، وأنها ما زالت تراهن على توجهها السلمي وعلى صناديق الاقتراع للعودة إلى السلطة، وهي بذلك تدعم الاحتجاجات السلمية، ولا تعول على مبدأ المواجهة الذي اعتمدته خلال نحو 40 سنة من النضال السياسي دون أن يفضي إلى نتائج إيجابية. ويعتبر هؤلاء أن الغنوشي قد يستفيد أكثر من وجوده في السجن، مقارنة بوجوده خارجه، وذلك من خلال لعبه دور «الزعيم السياسي المسجون»، في ظل الانسداد السياسي أمام كل الأحزاب السياسية والأجسام الوسيطة، التي لا يؤمن الرئيس سعيد بدورها ومساهماتها في المشهد السياسي.
ولعل ردود فعل المعارضة بعد صدور الحكم ضد الغنوشي، قد تترجم مدى تفاعلها مع هذا الملف، حيث عدت جبهة الخلاص الوطني المعارضة، التي يتزعمها أحمد نجيب الشابي، هذا الحكم «تنكيلاً بالمعارضين»، ودعت إلى الكف عن ذلك، قائلة إن إيداع أحد أبرز الشخصيات السياسية السجن «بسبب تصريحات يتم تأويلها على خلاف منطوقها ومدلولها، يثبت أن السلطة القائمة لم تستطع إثبات أي أعمال مجرمة في حق رئيس حركة النهضة، وعموم السياسيين الموقوفين»، على حد تعبيرها.
وأكدت جبهة الخلاص المعارضة أن الحكم الصادر ضد الغنوشي ينضاف إلى ملف إيداع أكثر من 20 شخصية سياسية السجن للشهر الثالث على التوالي «دون حجة أو تبرير، سوى كيل التهم جزافاً والانحراف بالسلطة والقانون» على حد قولها.
أما حركة النهضة المعنية الأولى بوجود رئيسها في السجن، فلم يصدر عنها سوى بيان صغير ندد بالحكم القضائي، الصادر ضد رئيسها الموقوف على ذمة القضاء، حيث اعتبرته «حكماً سياسياً ظالماً»، ودعت إلى إطلاق سراحه فوراً، ولم تنظم وقفات احتجاجية في الشارع، أو أمام السجن الذي يقبع فيه الغنوشي منذ 20 أبريل (نيسان) الماضي.
فهل يعني ذلك أن مكونات المشهد السياسي التونسي، من معارضة وأنصار، قد تخلت ولو مؤقتاً عن الغنوشي؟ أم أنها لم تضعه ضمن أولوياتها خلال هذه المرحلة؟