أيا كانت الشخصية التي ستحسم السباق الرئاسي التركي لصالحها، ما بين الرئيس الحالي رجب طيب إردوغان، أو خصمه كمال قليجدار أوغلو، الأحد المقبل، فإن النتيجة وفقا لقراءات مراقبين لن تحدد فقط مصير أنقرة وسياساتها ونظام الحكم بها، بل ستترتب عليها كثير من التحولات والتحالفات بالمنطقة، وربما تغيرات في موازين القوى، خاصة بالدول التي انخرطت تركيا في شؤونها سياسيا وعسكريا مؤخراً، ومن بينها ليبيا.
ويتفق كثير من السياسيين على أن القوى المتنفذة بالغرب الليبي، وخاصة حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وكبار مساعديه وحلفاؤه يأملون فوز إردوغان، فيما تراهن القوى السياسية والعسكرية في شرق البلاد على فوز مرشح المعارضة، أملا في الوصول إلى «تفاهمات أفضل» بشأن مستقبل العلاقة بين البلدين، ومناقشة مصير الاتفاقيات الموقعة بينهما.
واعتبر عضو مجلس النواب الليبي، علي التكبالي، أن هزيمة إردوغان «قد تشكل حالة من التحدي للدبيبة وأنصاره، مقارنة بتعزيز وضعيتهم حال انتصار إردوغان». وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه في حال فوز المعارضة التركية «فربما لن ترحب أو تطمئن كثيرا للتعامل مع شخص كان قريبا من إردوغان». مسلطا الضوء على مشاركة الدبيبة ومحافظ المصرف المركزي الليبي، الصديق الكبير، لإردوغان في فعاليات معرض «تكنوفيست» 2023 السابع بإسطنبول مؤخرا، والذي اعتبر جزءا من الحملة الدعائية الانتخابية للأخير.
وقال التكبالي بهذا الخصوص: «هذا لا يمنع استفادة المعارضة التركية من الوضع الجديد... فهم يعرفون أن الدبيبة اعتمد طيلة الفترة الماضية على دعم إردوغان للاحتفاظ بموقعه على رأس السلطة في طرابلس، وأن الاتفاقيات التي وقعتها حكومته مع أنقرة، خاصة بقطاع النفط، وكذلك التبرعات المالية الضخمة التي قدمها في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب الأراضي التركية في فبراير (شباط) الماضي، ليس إلا جزءا من ثمن هذا الدعم».
وبخصوص موقف رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، وقائد «الجيش الوطني»، خليفة حفتر، من معركة «الانتخابات التركية» فقد أوضح التكبالي أنهما «وإن لم يعربا بوضوح عن اهتمامهما بالانتخابات التركية، لكنهما أميل لفوز المعارضة». ورأى أنهما «يأملان في التوصل لتفاهمات أفضل بشأن الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، والتي يرفض البرلمان الليبي حتى اللحظة الراهنة التصديق على بعضها، كونها وُقعت من حكومة انتهت صلاحياتها، وقد لا تكون محققة بشكل كامل للمصالح الليبية»، مشيرا إلى أن إردوغان «استمر في تفضيل التعامل مع حكومة الدبيبة التي تحظى باعتراف أممي وتتحكم أيضا بخزينة البلاد، أي أنها كانت طريقه لتعزيز وضع اقتصاده».
من جهته، توقع المحلل السياسي الليبي عبد الله الكبير أن «يؤيد الغرب الليبي بقاء إردوغان في الحكم، ليس فقط لبقاء التفاهمات والمصالح، وإنما لتذكر الأهالي هناك، وخاصة سكان العاصمة طرابلس، دوره في الدفاع عنها بمواجهة الهجوم الذي شنته قوات الشرق نحوها قبل ثلاثة أعوام». ورأى الكبير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن فوز مرشح المعارضة «سيعني اضطرار حكومة الدبيبة لعقد تحالفات وتفاهمات جديدة لا أكثر، وربما هذا سيكون أيضا موقف كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، ورئيس الحكومة المكلفة من البرلمان، فتحي باشاغا. مبرزا أن المشري وباشاغا «ورغم خصومتهما مع الدبيبة، فإنه باتت لديهما خبرة في التعامل مع إردوغان ومجموعته، وبالتالي من الأفضل لهما بقاؤه».
أما فيما يتعلق بصالح وحفتر، فرجح الكبير «تأثرهما بموقف القاهرة، وهل سترحب ببقاء إدارة إردوغان، خاصة في ظل ما شهده البلدان مؤخرا من التقارب المحدود، أم ستفضل رحيلها؟». فيما توقع وزير الدفاع الأسبق محمد محمود البرغثي «حدوث تحولات ومتغيرات بالمشهد العسكري والأمني الليبي إذا تمكنت المعارضة من تحقيق الانتصار». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه من «المحتمل أن يضعف نفوذ عدد من التشكيلات المسلحة المتمركزة بالمنطقة الغربية، والتي يعرف الجميع اقترابها من تركيا... كما قد تقوم المعارضة التركية إذا ما وجدت عروضا اقتصادية جيدة بالسوق الليبي بالتفكير في سحب تدريجي للمرتزقة الذين استقدمتهم إدارة إردوغان من فصائل سورية مسلحة خلال حرب العاصمة، وهؤلاء يقترب تعدادهم الراهن من ثمانية آلاف».
وانتهى البرغثي إلى أن «تراجع نفوذ تلك التشكيلات المرتبطة بتركيا، وبدء ترحيل المرتزقة السوريين، قد يكونان خطوة مهمة في سبيل توحيد المؤسسة العسكرية».
بدوره، لفت الباحث المتخصص بالشأن التركي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية كرم سعيد إلى أن السياسة الخارجية للمعارضة التركية «ستنصب أولوياتها على استعادة تعزيز العلاقات مع القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي». وتوقع أن تشرع حال فوزها بـ«التخفيف من انخراط تركيا في كل من سوريا وليبيا ودول أخرى».
ولفت سعيد إلى أنه بغض النظر عمن سيفوز «هناك حرص في تركيا على عدم إبداء أي قدر من التراجع أو حتى المرونة في الملفات التي تمس وتتقاطع مع المصالح القومية التركية، مثل التنقيب عن النفط، والدفاع عن الحدود البحرية للبلاد في منطقة المتوسط».