حذرت «مجلة الجيش»، لسان حال المؤسسة العسكرية في الجزائر، «أصوليين» و«متطرفين»، قالت إنهم عادوا إلى النشاط، وهو ما يعيد إلى الأذهان، حسبها، مآسي فترة الاقتتال الدامي بين الجماعات الإسلامية المسلحة وقوات الأمن، الذي شهدته البلاد في تسعينات القرن الماضي، وخلّفت 150 ألف قتيل ودماراً في البنية التحتية فاق 20 مليار دولار، وفق ما ذكره الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة عام 2005.
وكتبت النشرية العسكرية الشهرية في عدد مايو (أيار) الحالي أن «محاولات الترويج لمظاهر التطرف ستبوء حتماً بالفشل... فالجزائريون لن يُلدغوا من جحر مرتين، ولن تنطلي الخديعة على شعبنا مرة أخرى، بحكم أنه أصبح أكثر وعياً وإدراكاً بنيّات المغامرين»، من دون ذكر من المقصود (أو المقصودين) بهذا التحذير، لكن ربطته بـ«إنجازات تحققت في وقت قصير على الصعيد الداخلي، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وعلى الصعيد الخارجي، حيث استعادت الجزائر دورها المحوري قارياً ودولياً».
ويُفهم مما نشرته «مجلة الجيش» في افتتاحيتها وجود مَن لا تعجبه «الإنجازات» داخلياً وخارجياً، التي تمّت في عهد الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، وهو وزير الدفاع حسب الدستور، ولهذا يتم توظيف إسلاميين متشددين لزرع الخوف في المجتمع، الذي انكوى بنار الإرهاب، وفق هذا المفهوم.
كما أكدت النشرية العسكرية أن «الاستمرار على نهج التغيير وإنجاح المسيرة التنموية الشاملة، يقتضي قطع الطريق أمام المشوشين، ومجابهة التطرف بشتى أنواعه من خلال تجلد ومشاركة جميع الفاعلين وعلى مستويات مختلفة، بدءاً بالأسرة والمدرسة». مبرزةً أن الشعب «طوى صفحة الماضي الأليم إلى الأبد، ولا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعود مرة أخرى إلى سنوات الدم والنار». مضيفةً أن الجزائر «واجهت ظاهرة الإرهاب بحزم، وحذرت العالم برمّته من نتائجها المدمِّرة والوخيمة وتمكنت باعتراف الجميع من دحر الإرهاب وقبر مشروعه الظلامي، بفضل الاستغلال العقلاني لمقوماتها وإمكانياتها، وتجارب شعبها المكتسبة خلال الثورة التحريرية المظفرة».
وتابعت النشرة العسكرية: «في وقت خطت فيه الجزائر أشواطاً معتبرة على نهج التغيير المنشود، تحاول دوائر معادية استهداف أمن واستقرار الوطن، عبر نشاطات علنية مشبوهة ومغرضة لأصوليين يريدون عبثاً استنساخ الأساليب الخبيثة ذاتها، التي كانت سبباً في المأساة الوطنية خلال تسعينات القرن الماضي، منها نشر خطاب متطرف»، مؤكدة أن الدولة «لن تتسامح أبداً أمام هذه المحاولات البائسة، وستقف لها بالمرصاد».
وسبق للجيش، على لسان قائد أركانه الفريق أول سعيد شنقريحة، أن هاجم «إسلاميين متطرفين»، دون تسمية أحدهم. وفي 19 من الشهر الماضي، صرح في أثناء زيارته منشأة عسكرية في العاصمة بأن «بعض الأصوليين يتبنون خطاباً دينياً متطرفاً يذكّرنا بسنوات تسعينات القرن الماضي». وشدد على أن الدولة الجزائرية «لن تسمح بأي حال من الأحوال بعودة هؤلاء المغامرين، ولا أن يتسببوا في انهيار أركان الدولة الوطنية». وأوحى كلامه يومها إلى ناشطين إسلاميين وضعوا فيديوهات لهم على منصات الإعلام الاجتماعي خلال شهر رمضان الماضي، نددوا فيها بحفلات جرى تنظيمها في شوارع العاصمة بعد إفطار جماعي. ويؤشر ذلك في نظر السلطات وعند قطاع من المجتمع على خطر مصدره إسلاميون متشددون.
وهاجم نائب رئيس «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة، علي بن حاج، شنقريحة بعد هذه التصريحات في فيديو مثير، ما عرّضه للاعتقال، ثم وضعه تحت الرقابة القضائية، ومنعه من النشاط السياسي عبر الوسائط الرقمية ومن مغادرة الحي الذي يقيم به في العاصمة. وقد أعلن عدم تقيَده بهذه المحظورات.
والمعروف أن الإرهاب في الجزائر اندلع بعد تدخل الجيش مطلع 2019 لمنع توجه «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» إلى الدور الثاني لانتخابات برلمانية، بعد اكتساح دورها الأول. وسُميت هذه الفترة، في الإعلام بـ«العشرية السوداء». وتم اعتقال زعماء «الإنقاذ»، وأبرزهم بن حاج، عشية الاستحقاق، وسجَنَهم القضاء العسكري لمدة 12 سنة بتهمة «تهديد أمن الدولة».