تبون يتحدث عن «خطوات متقدمة» في «خلاف الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا

قال إنه لن «يقبل المساومة» في هذا الملف خلال زيارته إلى باريس الشهر المقبل

الرئيس عبد المجيد تبون (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس عبد المجيد تبون (الرئاسة الجزائرية)
TT

تبون يتحدث عن «خطوات متقدمة» في «خلاف الذاكرة» بين الجزائر وفرنسا

الرئيس عبد المجيد تبون (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس عبد المجيد تبون (الرئاسة الجزائرية)

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن «خطوات متقدمة» بخصوص النزاع حول «الذاكرة» مع فرنسا، مؤكداً أنه لن يُقبِل على أي «تنازل» بهذا الخصوص. ويتوقع مراقبون أن تكون هذه القضية محطَّ الأنظار، عندما يزور تبون باريس منتصف الشهر المقبل.

وخاض تبون، ليل السبت، في «آلام الذاكرة»، بمناسبة لقاء عقده مع مسؤولي غالبية وسائل الإعلام المحلية، بثَّته قنوات التلفزيون العمومي، مؤكداً أنه «لن يتنازل أبداً عن الذاكرة، وليس ممكناً المساومة حولها مع أي بلد». وكان يردُّ على سؤال بشأن مدى دفاع الجزائر عن موقفها من القضية، عندما يلتقي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس الشهر المقبل، بمناسبة زيارة رسمية متفق عليها.

والمعروف أن الجزائريين يطلبون من باريس اعتذاراً رسمياً علنياً عن مسؤولية فرنسا الاستعمارية في جرائم ضد الإنسانية، ارتكبتها طيلة احتلالها الجزائر (1830– 1962). كما يطالبون بالتعويض عن ذلك، وتعويضات أخرى عن الأضرار التي خلفتها التجارب النووية التي أجرتها بصحراء الجزائر، من 1962 إلى 1966. غير أن هذه المطالب تقابَل بتحفظ فرنسي شديد، بذريعة أن الطرح الجزائري ينطوي على «إعلان توبة عن الماضي الاستعماري».

وبدا الرئيس ماكرون في مناسبات عديدة متردداً في التعاطي إيجابياً مع هذه المطالب، على أساس أنه متحرر من هواجس الاستعمار كونه وُلد بعد رحيل الاستعمار عن الجزائر بسنوات طويلة. وأكَّد مطلع العام الجاري، في مقابلة مع مجلة «لوبوان»، أن «أسوأ ما يمكن أن يحصل هو أن نقول: نحن نعتذر وكلّ منا يذهب في سبيله»، وشدد على أن «عمل الذاكرة والتاريخ ليس جردة حساب، إنه عكس ذلك تماماً».

في مقابل هذا، فضَّل ماكرون خطوات رمزية، مثل الاعتراف «بتعذيب واغتيال المحامي والمناضل الجزائري علي بومنجل، على أيدي البوليس الاستعماري عام 1957، وبجريمة خطف وقتل المناضل الشيوعي الفرنسي صديق الثورة الجزائرية موريس أودان، في العام نفسه».

وصرَح تبون خلال مقابلته مع وسائل الإعلام، بأن الجزائر «تتقدم خطوة بخطوة»، مع فرنسا في «ملف الذاكرة»، مشيراً إلى إطلاق «لجنتين» من كلا الجانبين، قبل أشهر، يقودهما مؤرخون من البلدين، أوكلت لهم مهمة البحث عن «تسوية» ترضي الطرفين، أو ما يطلق عليه تحديداً «مصالحة الذاكرتين».

وأضاف: «يعلم (الفرنسيون) جيداً بأن الأمر يتعلق بقضية لا يمكن أن تكون محلَّ تنازل من جانبنا أبداً... لقد كنا تقريباً في مواجهة، ولكننا اليوم أصبحنا نتقبل فكرة معالجة مشكلات مهمة، طبعت ذاكرتنا خلال مرحلة الاستعمار».

وتابع تبون بأن فرنسا قدَّمت اعترافات بخصوص بعض الجرائم الاستعمارية التي اقترفتها في الجزائر، منها ما وصفها بـ«أحداث مؤلمة»، لافتاً إلى «مجازر بشرق الجزائر وقعت في 8 مايو (أيار) 1945، حينما أطلق البوليس الاستعماري النار على آلاف الجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات لمطالبة فرنسا بمنح الاستقلال لمستعمرتها، بعد انتصارها على النازية في الحرب العالمية الثانية، وذلك نظير مشاركة مئات الجزائريين في صفوف جيشها، خلال الحرب. وقتل في هذه الأحداث 45 ألف متظاهر».

وأردف الرئيس: «لقد اعترفوا بأنه كانت هناك مذابح، حتى لو لم يسلِّموا باتساعها»، مشيراً إلى أن «الاعترافات» شملت تجارب الذرَّة وتداعياتها على سكان الصحراء والبيئة والحيوان عموماً»، مشدداً على أن «الأرشيف الموجود عندهم يمثل ذاكرتنا... فالتاريخ لا يمكن تزويره».

كما شدد تبون على أن الجزائر «لا تتاجر بمسألة الذاكرة... فهي بالنسبة لنا أمر ضروري، ومن لا يعرف تاريخه ولا يمجِّد شهداءه، لن يمكنه الذهاب بعيداً (...) فالشعب الجزائري لم يخضع أبداً للاحتلال؛ بل حاربه دائماً. وإحصاءاتنا تؤكد أن 5.6 مليون استشهدوا منذ بداية الغزو حتى الاستقلال».

ويَرِدُ في المقرر الدراسي الجزائري، وفي كل الأدبيات ذات الصلة بالاستعمار، أن عدد شهداء الجزائر مليون ونصف مليون، سقطوا خلال ثورة التحرير (1954- 1962).



مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

مصر تعدد «إنجازاتها» في «حقوق الإنسان» قبل مراجعة دورية بجنيف

بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)
بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

عدّدت مصر «إنجازاتها» في ملف حقوق الإنسان خلال السنوات الأخيرة، قبل مناقشة «تقرير المراجعة الشاملة» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان بجنيف، في يناير (كانون الثاني) المقبل، وأكدت القاهرة «هدم السجون (غير الآدمية) وإقامة مراكز إصلاح حديثة».

وتقدمت الحكومة المصرية في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بتقريرها الرابع أمام «آلية المراجعة الدورية الشاملة» التابعة لمجلس حقوق الإنسان الدولي، تمهيداً لمناقشته الشهر المقبل، وهو تقرير دوري تقدمه مصر كل 4 سنوات... وسبق أن قدّمت القاهرة 3 تقارير لمراجعة أوضاع حقوق الإنسان في أعوام 2010، و2014، و2019.

وقال عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» بمصر، رئيس «المنظمة المصرية لحقوق الإنسان» (مؤسسة حقوقية)، عصام شيحة، إن «الحكومة المصرية حققت (قفزات) في ملف حقوق الإنسان»، وأشار في تصريحات تلفزيونية، مساء الخميس، إلى أن «السنوات الأخيرة، شهدت قنوات اتصال بين المنظمات الحقوقية والمؤسسات الحكومية بمصر»، منوهاً إلى أن «مصر هدمت كثيراً من السجون القديمة التي كانت (غير آدمية) وأقامت مراكز إصلاح حديثة».

وأوضح شيحة في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، الجمعة، أن «الحكومة المصرية تبنت فلسفة عقابية جديدة داخل السجون عن طريق الحد من العقوبات السالبة للحريات، وأنها هدمت نحو 15 سجناً، وقامت ببناء 5 مراكز إصلاح وتأهيل وفق أحدث المعايير الدولية، وتقدم برامج لتأهيل ودمج النزلاء».

عادّاً أن تقديم مصر لتقرير المراجعة الدورية أمام «الدولي لحقوق الإنسان» بجنيف، «يعكس إرادة سياسية للتواصل مع المنظمات الدولية المعنية بملف حقوق الإنسان».

وشرعت وزارة الداخلية المصرية أخيراً في إنشاء «مراكز للإصلاح والتأهيل» في مختلف المحافظات، لتكون بديلة للسجون القديمة، ونقلت نزلاء إلى مراكز جديدة في «وادي النطرون، وبدر، و15 مايو»، وتضم المراكز مناطق للتدريب المهني والفني والتأهيل والإنتاج، حسب «الداخلية المصرية».

ورغم الاهتمام الحكومي بملف حقوق الإنسان في البلاد، وفق مراقبين؛ فإن عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» يرى أن «هناك ملفات تحتاج إلى تحرك مثل ملف الحبس الاحتياطي في التهم المتعلقة بالحريات».

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستعرض التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان» في مصر (الرئاسة المصرية)

وفي وقت سابق، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، استجابته لتوصيات مناقشات «الحوار الوطني» (الذي ضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين وسياسيين) بشأن قضية الحبس الاحتياطي، داعياً في إفادة للرئاسة المصرية، أغسطس (آب) الماضي، إلى «أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس، وتطبيق بدائل مختلفة للحبس الاحتياطي».

ويرى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بمجلس النواب المصري (البرلمان)، النائب أيمن أبو العلا، أن «الحكومة المصرية حققت تقدماً في تنفيذ محاور (الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان) التي أطلقتها عام 2021»، ودلل على ذلك بـ«إلغاء قانون الطوارئ، وتشكيل لجان للعفو الرئاسي، والسعي إلى تطبيق إصلاح تشريعي مثل تقديم قانون جديد لـ(الإجراءات الجنائية) لتقنين الحبس الاحتياطي».

وكان وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قد عرض على الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، التقرير الثالث لـ«الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان»، متضمناً «المبادرات والبرامج التي جرى إعدادها للارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان بمفهومها الشامل، السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي».

وحسب إفادة للرئاسة المصرية، وجه الرئيس المصري بـ«استمرار جهود نشر الوعي بحقوق الإنسان في مؤسسات الدولة كافة، ورفع مستوى الوعي العام بالحقوق والواجبات»، وشدد على «تطوير البنية التشريعية والمؤسسية لإنجاح هذا التوجه».

عودة إلى وكيل «لجنة حقوق الإنسان» بـ«النواب» الذي قال إن ملف حقوق الإنسان يتم استغلاله من بعض المنظمات الدولية سياسياً أكثر منه إنسانياً، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك ازدواجية في معايير بعض المنظمات التي تغض الطرف أمام انتهاكات حقوق الإنسان في غزة ولبنان، وتتشدد في معاييرها مع دول أخرى».