غموض يحيط بقرار الرئيس التونسي إقالة وزيرة الصناعة والطاقة

أنهى مهام نحو ربع الحكومة خلال سنة ونصف

الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
TT

غموض يحيط بقرار الرئيس التونسي إقالة وزيرة الصناعة والطاقة

الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)
الرئيس قيس سعيد (أ.ف.ب)

بإنهاء الرئيس التونسي قيس سعيد، مهام نائلة نويرة، وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، تكون حكومة نجلاء بودن التي شكّلتها في 11 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وضمت 25 حقيبة وزارية، قد شهدت تعديلات كثيرة قدّرها متابعون للشأن السياسي التونسي بنحو ربع أعضاء الحكومة، دون الإعلان الفعلي عن إجراء تعديل حكومي رسمي، ودون الاستجابة المباشرة لأحد أبرز مطالب المعارضة في أكثر من مناسبة، وتأكيدها «فشل» الحكومة التي تقودها بودن في حل عدد من الملفات الشائكة.

وكان آخر نشاط للوزيرة، أول من أمس (الخميس)، عندما أشرفت على وضع حجر الأساس لبناء مصنع ألماني ثانٍ مختص بتكنولوجيا ومعدات السيارات في ضواحي العاصمة التونسية، كما ألمحت في تصريحات إعلامية إلى إمكانية الزيادة في أسعار المحروقات خلال الفترة المقبلة، وتحدثت عن وجود برنامج لإعادة توجيه دعم الوقود إلى مستحقيه، وهو موقف يتعارض مع موقف الرئيس سعيد، ويرجح أنه هو الذي عجّل بإقالتها.

كانت أحزاب المعارضة قد طالبت برحيل حكومة نجلاء بودن، إثر الإعلان عن نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بتشكيل برلماني جديد خلفاً للبرلمان المنحل الذي كان يرأسه راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة»، وقد رأت حينها أن ضخ دماء جديدة في الحكومة ستتطلبه المرحلة السياسية الجديدة.

وخلال فترة لا تزيد على سنة ونصف، أقال الرئيس قيس سعيد ستة وزراء من مناصبهم، دون الكشف عن أسباب ودواعي الإقالة. وشملت قائمة المقالين عثمان الجرندي، وزير الخارجية، وتوفيق شرف الدين، وزير الداخلية، وفتحي السلاوتي، وزير التربية، وفضيلة الرابحي، وزيرة التجارة.

ولئن لم تعلن رئاستا الجمهورية والحكومة عن أسباب إقالة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة، فقد أوردت رئاسة الجمهورية خبر اجتماع سعيد، يوم الخميس، برئيسة الحكومة نجلاء بودن، حيث دعا إلى مزيد من التنسيق بين عمل كل الوزارات. وشدد على الدور الاجتماعي للدولة، وعلى أن تونس لن تقبل بأي إملاءات من أي جهة كانت، مشدداً على أن الحلول «يجب أن تنبع من الإرادة الشعبية التونسية، وأن تكون تونسية خالصة، وفي خدمة الأغلبية المفقَرة التي عانت ولا تزال تعاني من البؤس والفقر». وقال الرئيس سعيد إن التصريحات التي تأتي من الخارج لا تُلزم إلا أصحابها، وليس من حق أيٍّ كان أن يُلزم الدولة بما لا يرضاه شعبها، كما ليس من حق أي جهة كانت في تونس أن تتصرف خلاف السياسة التي يحددها رئيس الجمهورية، وهو ما قد يجيب جزئياً عن إقالة وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة.

وتأتي تصريحات الرئيس التونسي بعدما قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، إن الصندوق قريب جداً من إبرام اتفاق نهائي مع تونس حول حزمة تمويل. وتوصلت تونس لاتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول)، لكنّ الطرفين لم يوقّعا الاتفاق النهائي بعد. ومضى الرئيس التونسي قائلاً: «ليس من حق أي جهة كانت في تونس أن تتصرف خلاف السياسة التي يحددها رئيس الجمهورية»، في إشارة على ما يبدو إلى تصريحات أدلت بها وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة التي أنهى سعيد مهامها في وقت سابق، أول من أمس (الخميس). وأضاف: «من لا يزال في ذهنه أنه يعمل في ظل الدستور السابق فهو مخطئ». وطالب المانحون الدوليون الحكومة التونسية بتنفيذ حزمة من الإصلاحات الاقتصادية لإنقاذ ماليتها العامة، بما في ذلك رفع الدعم وخفض الأجور وبيع مؤسسات عامة، لكن الرئيس التونسي يرفض ما يصفها بأنها «إملاءات»، وقال في وقت سابق إن السلم الأهلي «ليس لعبة».



مصر والقرن الأفريقي... إثيوبيا «المشكلة الوحيدة» وتمسك بدعم الصومال والسودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
TT

مصر والقرن الأفريقي... إثيوبيا «المشكلة الوحيدة» وتمسك بدعم الصومال والسودان

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يستقبل في القاهرة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني (الرئاسة المصرية)

زادت وتيرة الحضور المصري في منطقة القرن الأفريقي ودول حوض النيل، إثر تصاعد الخلاف مع إثيوبيا، عقب تحركات من أديس أبابا تجاه مصر والسودان والصومال، بثلاثة ملفات مرتبطة بـ«سد النهضة»، واتفاقية «عنتيبي»، وتوقيع اتفاقية مبدئية تمس سيادة مقديشو.

وفي ضوء ذلك، صارت إثيوبيا «الدولة المشكلة الوحيدة» بأفريقيا أمام القاهرة، وسط مساعٍ مصرية لدعم الصومال والسودان، بحسب تصريحات مصرية رسمية، عدّها خبراء تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، «تأكيداً للواقع؛ إثر تحركات عدائية من أديس أبابا» تجاه المصالح المصرية - الصومالية - السودانية، في الملفات الثلاثة، لافتين إلى أن الوجود المصري ضمن مجابهة التهديدات المحتملة عبر مسارات متعددة للتعاون.

وفي مقابلة متلفزة، مساء الجمعة، مع قناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، قال وزير الخارجية والهجرة المصري، بدر عبد العاطي، إن «هناك ترحيباً قوياً بدعم مصر للعلاقات مع الصومال، ومساعدة الحكومة هناك على بسط سيادتها داخل الأراضي الصومالية، خاصة فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب»، لافتاً إلى أن «البيان المصري - الصومالي - الإريتري (عقب قمة ثلاثية رئاسية قبل أيام)، كان واضحاً في الترحيب بالمشاركة المصرية في هذه البعثة التابعة للاتحاد الأفريقي، ورداً على المزاعم والأكاذيب التي رددها أحد الأطراف، حينما ادعى أنه ليس هناك ترحيب أو طلب من الحكومة الشرعية»، في إشارة لتصريحات سابقة لـ«الخارجية الإثيوبية».

وجغرافياً تضم منطقة القرن الأفريقي أربع دول، هي «الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا»، ومن زوايا سياسية واقتصادية يمكن أن تتسع لتشمل كينيا وأوغندا والسودان وجنوب السودان، وتعد تاريخياً المنطقة الأكثر استراتيجية في التجارة البحرية العالمية.

ومطلع العام عقدت إثيوبيا مذكرة تفاهم مبدئية مع إقليم أرض الصومال الانفصالي عن مقديشو، تحصل بموجبها أديس أبابا على مَنفذ بحري على البحر الأحمر، وعَدّت القاهرة حينها الاتفاق «مخالفاً للقانون الدولي، واعتداءً على السيادة الصومالية».

وفي أغسطس (آب) وقعت مصر والصومال بروتوكول «تعاون عسكري (دفاعي)»، وإعلان القاهرة استعداد المشاركة في قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بداية يناير (كانون الثاني) المقبل، فضلاً عن مد مقديشو بصفقة أسلحة، وفق بيان لـ«الخارجية المصرية»، الشهر الماضي، وهي خطوات مصرية انتقدتها أديس أبابا مراراً، ودعت مقديشو إلى «وقف تحركاتها مع جهات تسعى لاستهداف مصالح إثيوبيا».

الرئيس المصري خلال لقاء رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أ حمد في القاهرة عام 2018 (الرئاسة المصرية)

مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير صلاح حليمة، يرى أن عقد تلك المذكرة مع إقليم انفصالي جعل من إثيوبيا دولة «تبحث عن المشكلات، وتسعى للسيطرة على مدخل البحر الأحمر بشكل يهدد أمن مصر القومي»، لافتاً إلى أن «تحركات القاهرة مع الصومال مبنية على اتفاقات قانونية رسمية عكس ما تفعله أديس أبابا».

وبحسب الخبير في الشؤون الأفريقية، عبد الناصر الحاج، «تنطلق مصر من فهمها، وإدراكها لفرائض القانون الدولي، الذي لم يعترف بأرض الصومال بوصفها إقليماً منفصلاً عن السيادة الصومالية، وهي الفرضية ذاتها التي أخطأت تقديراتها إثيوبيا عندما رمت بثقلها لدعم استقلال أرض الصومال لتقوية نفوذها، وإعادة ترسيم التحالفات الدولية في منطقة القرن الأفريقي».

وإزاء ذلك «تتحرك مصر بقوة، ليس فقط في القرن الأفريقي، ولكن أيضاً في حوض النيل الجنوبي، وهناك مبادرات مصرية قوية لإعادة التأكيد على أن مصر تدعم التنمية، والمشروعات المائية لدول حوض النيل، بما في ذلك إقامة السدود طالما أنها توافقية، ولا تسبب الضرر لدولتي المصب مصر والسودان، خلافاً لسردية كاذبة تروجها إحدى الدول»، وفق حديث الوزير بدر عبد العاطي.

ولم يذكر وزير الخارجية والهجرة المصري خلال حديثه المتلفز اسم تلك الدولة، غير أنه عاد وذكر أن مصر «ليس لديها أي مشكلة مع أي من دول حوض النيل، باستثناء دولة واحدة هي إثيوبيا، التي ترفض التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم، يضمن تشغيل وملء سد النهضة»، مشيراً إلى أنه «لا يُمكن تحت أي ظرف من الظروف، أو وقت، أن يكون هناك تشكيك في أن مصر يُمكن أن تقبل أن يتم الخصم من حصتها المائية السنوية (55.5 مليار متر مكعب)».

وتضم دول حوض نهر النيل (منبع النهر) بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وجنوب السودان وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب «مصر والسودان»، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء «سد النهضة»، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لإلغائها.

ويعارض السودان ومصر الاتفاقية، ويتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدولتي المصب، كما تقرّ نسبة 55.5 مليار متر مكعّب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يُلحق أضراراً بالأمن المائي، بخلاف اتفاقية «عنتيبي»، التي تُعرف أيضاً بـ«الإطار التعاوني لحوض نهر النيل»، والتي أبرمت عام 2010، ودخلت حيز التنفيذ في 13 أكتوبر (تشرين أول) الحالي، وتستهدف إنهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان.

وزير الخارجية والهجرة المصري بدر عبد العاطي (الخارجية المصرية)

وبرأي حليمة، فإن «المواقف الإثيوبية العدائية تتضح أكثر في ملف سد النهضة واتفاقية عنتيبي»، مؤكداً أن الموقف الإثيوبي هو السبب الرئيسي في إحداث أزمة مفتعلة في القرن الأفريقي، ثم بين دول حوض النيل بـ«مساعٍ تهدد الاستقرار».

إصرار إثيوبيا على إحداث «خلخلة» في الاتفاقيات التاريخية لتقسيم مياه النيل، بغية «شرعنة» مشروعها التنموي المتمثل في سد النهضة، هو ما يدفع مصر للوقوف في خط الدفاع عن الاتفاقيات القديمة لتقسيم مياه النيل بين دول الحوض، بحسبان أن «إثيوبيا تسلك الآن طريقاً وعراً، ومهدداً لطبيعة الأمن المائي» لدولتي المصب مصر والسودان، بحسب تقدير عبد الناصر الحاج.

وبعد دخول اتفاقية «عنتيبي» حيز التنفيذ، لم يعد أمام مصر غير مناهضة الاتفاقية عبر القانون، وكل أشكال الدبلوماسية الممكنة، فضلاً عن اضطرار مصر لدخول حلبة توازنات القوى الإقليمية، وهو ما عبرت عنه القاهرة فعلياً بدعم مقديشو في حقها في الدفاع عن حماية أراضيها، وسيادتها الوطنية، وفق الحاج، الذي أشار إلى أنه لا يزال أمام مصر عدد لا يحصى من الاتجاهات والمسالك، التي يمكن أن ترتادها لتدارك المخاطر الوجودية من فرضية إعادة تقسيم المياه، على نحو لا يراعي تحفظات دولتي المصب تحديداً، و«إنهاء حالة التشرذم والانقسامات التي تسعى لها إثيوبيا بين دول حوض النيل».

وبشأن مستقبل التحرك المصري بأفريقيا، يرى بدر عبد العاطي في المقابلة ذاتها أن «أفريقيا إحدى الدوائر الحيوية للسياسة الخارجية المصرية، وفي أهمية الدائرة العربية نفسها، والتعاون والتطوير ليسا على الإطلاق موجهين ضد أحد، ولا تآمر على أحد، لكن في إطار سياسة رشيدة عاقلة، هدفها تحقيق التنمية لدى أشقائنا الأفارقة وتعزيز العلاقات».