إسرائيل تبدأ تدمير أبراج غزة... و«حماس» تحرّك ورقة الرهائن

80 ألفاً نزحوا من مدينة غزة... وكاتس يتحدث عن رفع الأقفال عن «بوابات جهنم»

غزيون يتابعون عملية تدمير برج المشتهى بمدينة غزة اليوم (إ.ب.أ)
غزيون يتابعون عملية تدمير برج المشتهى بمدينة غزة اليوم (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تبدأ تدمير أبراج غزة... و«حماس» تحرّك ورقة الرهائن

غزيون يتابعون عملية تدمير برج المشتهى بمدينة غزة اليوم (إ.ب.أ)
غزيون يتابعون عملية تدمير برج المشتهى بمدينة غزة اليوم (إ.ب.أ)

صعّدت إسرائيل عملياتها داخل قطاع غزة، وخاصةً في مدينة غزة التي صادَق مؤخراً المستويان السياسي والعسكري على خطة للسيطرة عليها، في إطار محاولة الضغط على حركة «حماس» للإفراج عن المختطفين الإسرائيليين لديها.

وفي أحدث موجة تصعيد ترافقت مع تحريك «حماس» ورقة الرهائن لديها، قصفت طائرات حربية بعدة صواريخ، وعلى مرحلتين، برج مشتهى السكني والمكتبي، الذي يضم مئات الشقق، وهو يُعد من الأبراج الشاهقة في غرب مدينة غزة، وأحد أهم معالم المدينة.

وهزّت انفجارات قوية مدينة غزة، بعد أن صدرت أوامر للسكان والنازحين في البرج بإخلائه في فترة زمنية قياسية لم تتعدّ ثلاثين دقيقة، قبل أن تُهاجمه الطائرات الإسرائيلية على مرحلتين وتدمره بالكامل ليصبح أثراً بعد عين.

إسرائيل عادت لتدمير أبراج غزة (إ.ب.أ)

وقال أحد الأهالي؛ ويدعى أحمد أبو وطفة (45 عاماً) ويسكن في شقة أقاربه شِبه المدمرة في الطابق الخامس من مبنى بغرب مدينة غزة، إن «أنباء بدء إسرائيل قصف الأبراج والمباني السكنية مُرعبة. الجميع خائفون ولا يعرفون إلى أين يذهبون». وأضاف، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، في اتصال هاتفي: «أطفالي مرعوبون، وأنا أيضاً. لا يوجد مكان آمن، كل ما نتمناه أن يأتي الموت سريعاً».

وادعى الجيش الإسرائيلي أنه هاجم البرج بسبب وضع «حماس» بنى تحتية «إرهابية» في داخله، مضيفاً أنها زرعت فيه كمائن ومسارات «هروب للمخرّبين»، منها كاميرات تصوير وأدوات استخباراتية وغيرها.

في المقابل، نفت إدارة البرج، في بيان، الادعاءات الإسرائيلية، وأكدت أنه منذ استهدافه، العام الماضي، يخضع لرقابة صارمة من قِبل الإدارة، ولا يسمح بدخوله إلا للمدنيين النازحين فقط، مؤكدةً خلوَّه من أي كاميرات أو تجهيزات أمنية، وأن جميع طوابقه مفتوحة ومكشوفة، ولا تحتوي على أي أسلحة خفيفة أو ثقيلة.

وكان البرج قد تعرَّض لغاراتٍ طالت الطوابق العليا منه، خلال الحرب الحالية المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وفي ظل عدم وجود أماكن يلجأ إليها السكان اتخذوا من شققه أماكن للنزوح والسكن فيها مؤقتاً.

وأثار قصف البرج مخاوف سكان مدينة غزة من أن هذه قد تكون مرحلة جديدة من توسيع العمليات في المدينة، والتي تأتي في ظل تهديدات واضحة من وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الذي غرّد، عبر منصة «إكس»، قبيل قصف البرج بالقول: «بدأنا بإزالة القفل عن بوابات جهنم في غزة».

فلسطينيون ينتظرون قصف برج المشتهى في غزة بعد صدور أوامر إسرائيلية بإخلائه (أ.ف.ب)

ويرى بعض المتابعين أن عملية قصف البرج في قلب المنطقة المحيطة بالآلاف من النازحين، إنما هي رد انتقامي واضح من إسرائيل على «حماس»، بعد إصدار «كتائب القسام»، الجناح العسكري للحركة، مقطع فيديو لمختطَفيْن إسرائيليين يتجولان في مركبة بين مبانٍ مدمرة في مدينة غزة، ويؤكد أحدهما أن هناك 8 مختطَفين في المدينة، طالباً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، باللغة العبرية، عدم تنفيذ الهجوم العسكري المخطط له للسيطرة على المدينة.

ووفقاً لتقرير في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، فإن «حماس» تستعد، منذ فترة، لدعاية إعلامية بمثل هذه الطريقة لمحاولة منع أو إبطاء عملية الجيش الإسرائيلي داخل مدينة غزة.

وتخشى عوائل المختطَفين الإسرائيليين على حياة أبنائها، في ظل العملية المرتقبة وتأكيد مصادر عسكرية للعوائل أن الجيش لا يعرف أماكن وجود المختطفين الذين قد يكونون في خطر حقيقي.

كانت مصادر مطلعة من «حماس» وخارجها قد قالت، لـ«الشرق الأوسط»، في الأسابيع القليلة الماضية، إن الحركة وفصائل فلسطينية تدرس الاحتفاظ بأسرى في مدينة غزة، أو نقلهم إليها من مناطق أخرى بالقطاع كي يكونوا في المدينة، خلال العملية؛ بهدف ممارسة ضغط على إسرائيل، وربط مصير حياة بعضهم بقرارات حكومة نتنياهو المصمِّمة على احتلال القطاع.

برج المشتهى في غزة خلال عملية تدميره الجمعة (أ.ف.ب)

وقد يكون الفيديو، الذي نشرته «كتائب القسام»، تأكيداً بجدية هذه الخطوة التي كانت «حماس» تدرسها، ويبدو أنه جرى البت فيها، خاصةً أن أحد المختطفين قال، في الفيديو، إن آسِرِيه أبلغوه بأنه سيبقى في مدينة غزة. والمختطَفان اللذان ظهرا في الفيديو هما جاي جلبوع دلال، وألون أوهيل، وهما من بين 48 محتجَزاً حتى الآن لدى «حماس» في غزة، ويُعتقد أن 20 منهم لا يزالون على قيد الحياة، وفق «رويترز». وكان العدد الأصلي للمحتجَزين لدى «حماس» في قطاع غزة هو 251 أخذتهم بعد هجومٍ نفّذته عبر الحدود على تجمعات سكانية في جنوب إسرائيل. وتقول إسرائيل إن الهجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص، مما أدى إلى اندلاع الحرب.

وبينما ترغب إسرائيل في دفع سكان مدينة غزة إلى جنوب القطاع، تحاول «حماس» التقليل من أهمية ذلك، وتطالب السكان بالبقاء في مناطقهم، وعدم منح الاحتلال الإسرائيلي الفرصة لتحقيق أهدافه. وتؤكد مصادر، من جهات محلية، وكذلك من المواطنين، عدم توافر أماكن في وسط القطاع أو جنوبه، لاستيعاب أعداد كبيرة إضافية من النازحين، علماً بأن أماكن إيواء النازحين مكتظة حالياً في ظل النزوح الكامل من مدينة رفح ومناطق خان يونس.

فلسطينيون ينزحون بعد صدور الأوامر الإسرائيلية بإخلاء برج المشتهى في غزة (أ.ف.ب)

ويواجه سكان مدينة غزة، في الواقع، ظروفاً قاسية تمنعهم من النزوح، حيث تشير التقديرات المتوافرة بحلول مساء الخميس إلى أن 80 ألفاً نزحوا من المدينة باتجاه الجنوب، وذلك من أصل مليون و200 ألف ما زالوا يعيشون فيها. ونصَبَ غالبية مَن نزحوا من جنوب المدينة وشمالها خيامهم على شاطئ البحر في مناطق كانت تُصنفها إسرائيل بأنها حمراء، بالقرب من منطقة الفروسية في أقصى شمال غربي مدينة غزة.

ويؤكد سكان أنهم لا يمتلكون المال للنزوح إلى جنوب القطاع، خاصةً أن ذلك مكلِّف مادياً، بينما غالبية الذين تمكنوا من النزوح لا يجدون أماكن يقيمون فيها في ظل عدم وجود متسع لهم بمناطق وسط وجنوب القطاع، وغلاء إيجار الأراضي والشقق السكنية.

يأتي ذلك كله في وقتٍ تُواصل فيه القوات الإسرائيلية توسيع عملياتها في الأحياء الجنوبية والشمالية لمدينة غزة، استعداداً لبدء عملية «مركبات جدعون 2»، التي جرى حشد أكثر من 60 ألف جندي احتياط للمشاركة فيها، ويتوقع مشاركة أكثر من 130 ألف جندي في العملية ما بين القوات الاحتياطية والنظامية.

وتُواصل الطائرات الإسرائيلية تدمير المنازل واستهداف مجموعات المواطنين التي تحاول الوصول لتفقُّد منازلها في تلك الأحياء، وتحديداً الزيتون والصبرة جنوب المدينة، وبلدتي جباليا البلد والنزلة، وأطراف حي الشيخ رضوان شمالاً، كما يجري تفجير عربات عسكرية مفخّخة، وإلقاء قنابل حارقة، وصناديق متفجرة على المنازل والممتلكات المختلفة لإجبار ما تبقّى من السكان بالقرب من تلك المناطق على النزوح منها.

وقُتل ما لا يقل عن 55 فلسطينياً، منذ منتصف ليل الخميس-الجمعة، وحتى ساعات الظهيرة الجمعة، غالبيتهم في مدينة غزة التي قُصفت فيها شقق سكنية وخيام تسببت بمقتل عدد من العوائل بشكل كامل، ومسحها من السجل المدني.

ووصل إلى مستشفيات قطاع غزة، وفق إحصائية وزارة الصحة، خلال آخِر 24 ساعة (من ظهيرة الخميس حتى الجمعة)، 69 قتيلاً و422 إصابة، ما رفع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 64300 قتيل، و162005 إصابات منذ السابع من أكتوبر عام 2023.

أطفالي مرعوبون وأنا أيضاً لا يوجد مكان آمن كل ما نتمناه أن يأتي الموت سريعاً

أحمد أبو وطفة أحد سكان مدينة غزة


مقالات ذات صلة

الاتحاد الأوروبي يدرس تدريب 3 آلاف شرطي من غزة

أوروبا أعلام الاتحاد الأوروبي ترفرف خارج مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (رويترز) play-circle

الاتحاد الأوروبي يدرس تدريب 3 آلاف شرطي من غزة

ذكرت وثيقة اطلعت عليها وكالة «رويترز» أن وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي سيناقشون في الأسبوع المقبل مقترحاً لتولي التكتل مهمة تدريب 3 آلاف شرطي فلسطيني.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
المشرق العربي مسلحون من حركة «حماس» برفقة أعضاء من اللجنة الدولية للصليب الأحمر يتجهون إلى شرق مدينة غزة للبحث عن جثث الرهائن (أ.ب)

«حماس»: سنسلم إسرائيل جثة أحد الأسرى مساء اليوم

أعلنت «كتائب عز الدين القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم الخميس، أنها ستقوم بتسليم جثة أحد الأسرى الإسرائيليين في الثامنة من مساء اليوم.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت (د.ب.أ)

البيت الأبيض لم يوافق بعد على إنشاء قاعدة عسكرية مؤقتة قرب غزة

قالت متحدثة باسم الإدارة الأميركية، الثلاثاء، إن البيت الأبيض لم يوافق بعد على خطوة إنشاء قاعدة عسكرية مؤقتة قرب غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي أطفال فلسطينيون دون سن الثالثة يتلقون التطعيمات التي يقدمها «الهلال الأحمر»  الفلسطيني و«اليونيسف» في مركز صحي بمدينة غزة (أ.ب)

«اليونيسف»: إسرائيل تمنع وصول مليون محقن لتطعيم أطفال غزة

كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) اليوم الثلاثاء عن أن إسرائيل تمنع دخول مواد أساسية من بينها محاقن تطعيم وزجاجات حليب للأطفال إلى غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون يسيرون بين أنقاض المباني المدمَّرة في خان يونس (أ.ب) play-circle

قتيلان أحدهما طفل في قصف إسرائيلي شرق خان يونس

قُتل فلسطينيان؛ أحدهما طفل، ظُهر اليوم الاثنين، في قصفٍ شنته طائرة مُسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي شرق خان يونس، جنوب قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)

إندونيسيا تجهز 20 ألف جندي لبعثة حفظ سلام محتملة في غزة

منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)
منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)
TT

إندونيسيا تجهز 20 ألف جندي لبعثة حفظ سلام محتملة في غزة

منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)
منطقة مدمَّرة بسبب الحرب في شمال مدينة غزة (إ.ب.أ)

ذكر وزير الدفاع الإندونيسي سجافري شمس الدين، اليوم الجمعة، أن الرئيس الإندونيسي برابوو سوبياتو أمر القوات المسلحة في بلاده بتجهيز 20 ألف جندي للمشاركة في بعثة حفظ سلام محتملة تابعة للأمم المتحدة في قطاع غزة.

وفي حديثه داخل وزارة الدفاع بجاكرتا، قال الوزير إن القوة ستشمل أفراداً يتمتعون بخبرة طبية وهندسية لدعم العمليات الإنسانية واسعة النطاق، وفق «وكالة الأنباء الإندونيسية».

ويجري إعداد الوحدة لعلاج ضحايا الحرب واستعادة الخدمات الأساسية والمساعدة في إعادة بناء البنية التحتية الأساسية اللازمة للحياة اليومية بالقطاع.

ووفق ما ذكرته «وكالة الأنباء الألمانية»، ستركز مشاركة إندونيسيا على حماية السكان المدنيين ودعم الجهود الدولية لضمان سلام دائم.

وأضاف وزير الدفاع أنه لم يجرِ تحديد أي جدول زمني للبعثة حتى الآن، وأن الرئيس سيتخذ القرار النهائي بمجرد أن تحدد «الأمم المتحدة» متطلباتها.

يُشار إلى أن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تتضمن إنشاء قوة دولية للانتشار في غزة، وهناك مطالبات بأن يجري تشكيل هذه القوة بقرار من مجلس الأمن يتضمن تحديد مهامّها.

واتفقت إندونيسيا والأردن، الجمعة، على تشكيل لجنة مشتركة لتسهيل تبادل المعلومات بشأن الوضع في قطاع غزة وفلسطين.

وتبلورت المبادرة خلال لقاءٍ جمع وزير الدفاع الإندونيسي مع رئيس هيئة الأركان المشتركة في الأردن يوسف أحمد الحنيطي، في جاكرتا.

وقال شمس الدين إن البلدين «سيشكلان لجنة مشتركة لتبادل الاستخبارات والتحديثات»، مشيراً إلى أن القرب الجغرافي للأردن من غزة يمنح التعاون قيمة استراتيجية لفهم الأوضاع على الأرض بشكل أفضل.


«يونيفيل» تدين بناء إسرائيل جداراً داخل الأراضي اللبنانية: انتهاك للسيادة

جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)
جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)
TT

«يونيفيل» تدين بناء إسرائيل جداراً داخل الأراضي اللبنانية: انتهاك للسيادة

جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)
جنود من قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) يقومون بدورية قرب قرية كفركلا الحدودية جنوب البلاد (أ.ف.ب)

ندّدت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفيل)، في بيان اليوم (الجمعة)، بأعمال بناء ينفذها الجيش الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية، متخطياً الخط الحدودي الفاصل بين البلدين.

وأوردت القوة في بيان أن وحداتها أجرت مسحاً جغرافياً الشهر الماضي لجدار خرساني «أقامه الجيش الإسرائيلي جنوب غرب بلدة يارون»، وتبين أنه «جعل أكثر من 4 آلاف متر مربع من الأراضي اللبنانية غير متاحة للشعب اللبناني».

وخلال الشهر الحالي، لاحظت قوات حفظ السلام «أعمال بناء إضافية لجدار» في المنطقة، «تجاوز» جزء منه «الخط الأزرق» الفاصل بين البلدين، وفق القوة الدولية التي دعت إسرائيل للانسحاب من لبنان، مؤكدة أن أعمال البناء تشكل «انتهاكاً» لسيادة لبنان.

وكانت تقارير إسرائيلية قد أشارت إلى أن القوات الإسرائيلية بدأت في بناء جدار ضخم جديد بعمق كيلومترين داخل الأراضي اللبنانية وتحديداً خلف الخط الأزرق عند الحدود مقابل بلدتي مارون الراس وعيترون.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الجدار الخرساني يرتفع خلف الخط الأزرق، مواجهاً لقرية مارون الراس اللبنانية، ويرجح أن يكون جزءاً من خمسة «مواقع استراتيجية» تصر إسرائيل على احتلالها داخل لبنان بعد وقف إطلاق النار.


حرب غزة تتحول إلى منجم ذهب لصناعة السلاح الأميركية

طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

حرب غزة تتحول إلى منجم ذهب لصناعة السلاح الأميركية

طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)
طفل فلسطيني يجمع البلاستيك بالقرب من صاروخ لم ينفجر في مكب نفايات بمدينة غزة أمس (أرشيفية - أ.ف.ب)

تحوّلت الحرب الإسرائيلية في غزة، منذ اندلاعها في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى أحد أكثر النزاعات ربحاً لشركات السلاح الأميركية الكبرى. فبينما كانت غزة تُدمَّر ومئات آلاف المدنيين يواجهون الموت والجوع، كانت مصانع الأسلحة في ولايات أميركية عدة تعمل بطاقتها القصوى لتلبية طلبات إسرائيل العسكرية المتزايدة، في موجة مبيعات تجاوزت 32 مليار دولار خلال عامين فقط، بحسب تحليل لصحيفة «وول ستريت جورنال» استند إلى بيانات وزارة الخارجية الأميركية.

منذ الهجوم الذي شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وما تبعه من عملية عسكرية إسرائيلية واسعة ضد غزة، سارعت واشنطن إلى فتح جسر تسليحي غير مسبوق، شمل ذخائر دقيقة التوجيه وصواريخ بعيدة المدى وطائرات مقاتلة ومعدات ميدانية.

وفي حين تبلغ المساعدات العسكرية السنوية المعتادة لإسرائيل نحو 3.3 مليار دولار، تضاعف هذا الرقم في عام 2024 ليصل إلى 6.8 مليار دولار من التمويل المباشر، من دون احتساب أشكال الدعم غير النقدي الأخرى، كالإمداد اللوجستي أو التدريب والتنسيق الاستخباراتي.

طائرة إسرائيلية من طراز «إف 16» تحمل صواريخ جو - جو، وخزانات وقود إضافية، خلال إقلاعها من إحدى القواعد الجوية (الجيش الإسرائيلي)

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن «إدارة ترمب ما زالت ملتزمة بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، مشيراً إلى أن واشنطن «تقود حالياً جهداً إقليمياً لإنهاء الحرب عبر ترتيبات أمنية دائمة».

لكن رغم الحديث عن «نهاية محتملة» للصراع، تشير بيانات «البنتاغون» إلى أن خطوط الإنتاج في مصانع الأسلحة الأميركية لم تهدأ، وأن عقود التوريد تمتد حتى عام 2029. ما يعني أن تدفق السلاح إلى إسرائيل سيستمر حتى بعد توقف المعارك.

مَن المستفيد الأكبر؟

تتربع شركة «بوينغ» على رأس قائمة المستفيدين من الحرب، بعد أن حصلت على صفقة تاريخية بقيمة 18.8 مليار دولار لبيع طائرات «F - 15» مطوّرة لإسرائيل، يُتوقَّع تسليمها بعد أربع سنوات. كما نالت الشركة عقوداً إضافية بقيمة 7.9 مليار دولار لتزويد تل أبيب بقنابل موجهة وأنظمة تسليح مرتبطة بها. هذه الصفقات وحدها تمثل قفزة هائلة مقارنة بالتزامات إسرائيل السابقة مع «بوينغ» التي لم تتجاوز 10 مليارات دولار خلال عقد كامل.

دبابة إسرائيلية على حدود قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

أما شركات «نورثروب غرومان» و«لوكهيد مارتن» و«جنرال دايناميكس»، فقد نالت عقوداً متخصصة في قطع غيار الطائرات المقاتلة، والصواريخ الدقيقة، وقذائف الدبابات من عيار 120 ملم المستخدمة في دبابات «ميركافا». في حين استفادت «كاتربيلر» من الطلب الكبير على الجرافات المدرعة «دي 9» التي استخدمها الجيش الإسرائيلي على نطاق واسع لتدمير المنازل والبنية التحتية في القطاع.

وتشير بيانات «هيئة التعاون الأمني الدفاعي» الأميركية إلى أن الجزء الأكبر من الصفقات يتركز على الذخائر الجوية والمقاتلات الهجومية، فيما تمثل المعدات البرية، كالدبابات والعربات المدرعة، نسبة أقل بكثير من إجمالي المبيعات.

الحرب كفرصة اقتصادية

الحرب لم تكن مجرد معركة عسكرية، بل مثّلت أيضاً رافعة اقتصادية لقطاع الصناعات الدفاعية الأميركي، الذي واجه في السنوات الأخيرة تحديات تتعلق بسلاسل التوريد والإضرابات العمالية. فقد أكدت «بوينغ»، في تقريرها السنوي لعام 2024، أن قسمها الدفاعي شهد «طلباً قوياً من الحكومات التي تعطي الأولوية للأمن والتكنولوجيا الدفاعية في ظل التهديدات المتزايدة»، في حين سجّلت «لوكهيد مارتن» ارتفاعاً بنسبة 13 في المائة في إيرادات قسم الصواريخ، لتبلغ 12.7 مليار دولار خلال عام واحد فقط.

حتى شركة «أوشكوش»، المنتجة للمركبات العسكرية التكتيكية، قالت إن طلبيات إسرائيل أنقذت خط إنتاج كان على وشك الإغلاق العام الماضي. أما مجموعة «ليوناردو» الإيطالية التي تعمل وحدتها الأميركية في بيع مقطورات عسكرية لإسرائيل، فأكدت في تقريرها المالي الأخير أن «استمرار النزاعين في أوكرانيا وإسرائيل» يضمن استقرار مبيعاتها الدولية لعام 2025.

جثامين 40 فلسطينياً قُتلوا على يد الجيش الإسرائيلي وُضعت أمام مستشفى ناصر تمهيداً لدفنها في خان يونس جنوب قطاع غزة (أرشيفية - د.ب.أ)

تكاليف الحرب ومن يدفع الثمن؟

ورغم أن مليارات الدولارات المتدفقة عبر عقود التسليح تُظهر جانباً من الانتعاش الصناعي الأميركي، فإن الجانب الإنساني والسياسي من المعادلة يثير جدلاً واسعاً داخل الولايات المتحدة وخارجها. فقد أسفرت الحرب، بحسب وزارة الصحة في غزة، عن مقتل أكثر من 68 ألف شخص، بينهم نحو 18 ألف طفل، بينما لم تُفرج إسرائيل عن أي إحصاءات رسمية لعدد مقاتلي «حماس» الذين قُتلوا.

وفي الوقت الذي تموّل فيه واشنطن جزءاً كبيراً من هذه المبيعات من أموال دافعي الضرائب الأميركيين، بدأت بعض المؤسسات المالية الغربية باتخاذ خطوات احتجاجية؛ فقد سحبت ثلاثة صناديق نرويجية استثماراتها من شركات، مثل: «كاتربيلر» و«أوشكوش» و«بالانتير»، احتجاجاً على استخدام منتجاتها في العمليات داخل غزة. كما باع صندوق التقاعد الهولندي حصته التي بلغت 448 مليون دولار في «كاتربيلر» للأسباب نفسها.

مبانٍ دمَّرها الجيش الإسرائيلي في حي الشجاعية بمدينة غزة (أرشيفية - أ.ب)

وفي أوروبا، أعلنت ألمانيا في أغسطس (آب) 2025 وقف جميع تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل للاستخدام في غزة، بينما خضعت شركات التكنولوجيا الأميركية أيضاً لضغوط داخلية، دفعت «مايكروسوفت» إلى تقييد وصول وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى بعض خدماتها السحابية.

الذكاء الاصطناعي في الميدان

إلى جانب الأسلحة التقليدية، شكّلت الحرب مسرحاً لتوسع التعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والمراقبة الرقمية، فقد دخلت شركة «بالانتير» التي يملكها الملياردير المحافظ بيتر تيل، في شراكة مع وزارة الدفاع الإسرائيلية مطلع عام 2024. وعندما وُجّهت إليها انتقادات باستخدام تقنياتها في عمليات القصف، ردّ مديرها التنفيذي أليكس كارب قائلاً إن الذين قُتلوا «كانوا في الغالب إرهابيين»، بحسب وصفه.

كما أبرمت إسرائيل قبل الحرب اتفاقيات مع «غوغل» و«أمازون» و«مايكروسوفت» لتزويدها بخدمات حوسبة سحابية متقدمة، وواجهت تلك الشركات احتجاجات متزايدة من موظفيها المطالبين بوقف التعاون العسكري.

المفارقة أن بعض الشركات الأميركية نفسها التي تزوّد إسرائيل بالسلاح، تشارك أيضاً في برامج المساعدات الإنسانية لغزة؛ فقد خصصت وزارة الخارجية الأميركية 30 مليون دولار لمؤسسة «غزة هيومنيتاريان فاونديشن» التي يشرف عليها المستشار السابق في إدارة ترمب، جونّي مور، لتنسيق توزيع المساعدات داخل القطاع. وقد استعانت المؤسسة بشركات أمن أميركية لتأمين عملياتها وسط فوضى واتهامات بسوء التنظيم.