ملجأ «أشبه بالقبر» في غزة... للاحتماء من البرد والحرب

امرأة تغسل ملابس بيديها أمام مقبرة نزحت إليها عائلات هرباً من الحرب في دير البلح بوسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
امرأة تغسل ملابس بيديها أمام مقبرة نزحت إليها عائلات هرباً من الحرب في دير البلح بوسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
TT

ملجأ «أشبه بالقبر» في غزة... للاحتماء من البرد والحرب

امرأة تغسل ملابس بيديها أمام مقبرة نزحت إليها عائلات هرباً من الحرب في دير البلح بوسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)
امرأة تغسل ملابس بيديها أمام مقبرة نزحت إليها عائلات هرباً من الحرب في دير البلح بوسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

في مواجهة البرد والمطر في الشتاء، خطرت لرب العائلة الفلسطيني تيسير عبيد الذي لجأ مع أسرته إلى دير البلح وسط قطاع غزة، فكرة الحفر في الأرض. حفر الرجل في التربة الطينية في المخيم الذي نزحت إليه عائلته بسبب الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس»، حفرة مربعة بعمق مترين تقريباً، غطاها بقماش مشمع مشدود فوق إطار خشبي.

«أشبه بالقبر»

يقول رب الأسرة: "بسبب الضيق، فكرت أن أحفر في التراب حتى أتوسع». ويضيف تيسير من داخل الملجأ، بينما يلعب أطفاله على أرجوحة صغيرة ثبَّتها على لوح يشكل إطاراً للقماش المشمع: «بالفعل، حفرتُ 90 سنتيمتراً، وشعرت بتوسع إلى حد ما». وتابع: «ثم فكرتُ أن أعمق الحفرة، وبالفعل عمقتُ الحفرة، ونزلتُ إلى متر وثمانين سنتيمتراً، وكانت الأمور إلى حد ما مريحة». وأضاف قائلاً: «لو كانت لديَّ خيارات غير ذلك لما عشتُ في حفرة أو جورة أشبه بالقبر».

وملأ أكياس طحين قديمة بالرمل، وكدّسها على المدخل لمنع تسرُّب الوحل إلى الداخل، وقال: «غير التعب والوقت والجهد الذي تطلبه مني وأنا أحفر، قضيت فترة أحاول إقناع أولادي وعائلتي بأن يتعايشوا فيه، طبعاً ليس لدينا خيار أفضل من ذلك».

«الموت برداً»

حفر رب الأسرة بعض الدرجات في الأرض للنزول إلى الملجأ، وأقام ما يشبه مدخنة يحرق فيها بعض الأوراق أو الكرتون على أمل تدفئة الجو قليلاً، دون أن ينجح في ذلك حقاً.

أمام الموقد، يفرك الأطفال أيديهم محاولين إيجاد بعض الدفء. ويأمل عبيد أيضاً في توفير حماية أفضل من الغارات الإسرائيلية لعائلته التي فرت من القتال في شمال قطاع غزة، لكنه يخشى ألا يصمد الملجأ أمام غارة قريبة، ويقول: «لو وقع انفجار حولنا وانهالت التربة، بدل أن يُتاح مأوًى لي، سيصبح قبراً لي».

ونزح تقريباً جميع سكان غزة البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة بسبب الحرب التي اندلعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إثر هجوم غير مسبوق شنته «حماس» على الأراضي الإسرائيلية. وأشار مركز الأقمار الاصطناعية التابع للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) 2024 إلى أن 66 في المائة من مباني القطاع تضررت.

وهرباً من القتال والقصف الإسرائيلي، اضطُر كثير من المدنيين للجوء إلى مخيمات مكتظة، معظمها في وسط غزة وجنوبها. وفي القطاع الذي تفرض عليه إسرائيل حصاراً مطبقاً، باتت مواد البناء نادرة، ويُضطر النازحون إلى استخدام ما يُتاح لهم لارتجال ملاجئ مؤقتة وسط ظروف صحية كارثية. وأشارت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الخميس، إلى أن 8 أطفال حديثي الولادة قضوا بسبب انخفاض حرارة أجسامهم، بينما تُوفي 74 طفلاً منذ بداية هذا العام بسبب «ظروف الشتاء القاسية».

وقالت المتحدثة باسم «الأونروا» لويز واتريدج: «نبدأ هذا العام الجديد بأهوال العام الماضي نفسها. ليس هناك أي تقدُّم ولا أي عزاء. الأطفال يموتون برداً».

يُذْكَر أن أكثر من 45 ألف فلسطيني معظمهم مدنيون قضوا منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة، وفق بيانات وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» والتي تعدها الأمم المتحدة موثوقاً بها. وفي الجانب الإسرائيلي أسفر هجوم «حماس» في 7 أكتوبر 2023 عن مقتل 1208 أشخاص، معظمهم مدنيون، حسب تعداد لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» يستند إلى بيانات إسرائيلية رسمية.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تبلغ «حماس» التزامها باتفاق الهدنة إذا أطلقت الحركة الرهائن الثلاث السبت

شؤون إقليمية أنصار الإسرائيليين المحتجزين رهائن في قطاع غزة منذ أكتوبر 2023 خلال احتجاج لإعادة الرهائن المتبقين أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في القدس في 11 فبراير 2025 (أ.ف.ب)

إسرائيل تبلغ «حماس» التزامها باتفاق الهدنة إذا أطلقت الحركة الرهائن الثلاث السبت

قال موقع «أكسيوس» إن إسرائيل أبلغت حركة «حماس» عبر الوسطاء أنها ستواصل التزاماتها باتفاق وقف النار في قطاع غزة إذا أطلقت الحركة سراح الرهائن الثلاث يوم السبت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي صورة أرشيفية لغارة إسرائيلية على جنوب لبنان في 5 مايو 2024 (رويترز)

الجيش الإسرائيلي ينفّذ تفجيرات في بلدتي كفركلا وحولا بجنوب لبنان

نفّذت القوات الإسرائيلية، مساء اليوم (الأربعاء)، 3 تفجيرات في بلدة كفركلا وتفجيراً في بلدة حولا جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع (أ.ف.ب) play-circle

المبعوث الأممي لسوريا: تصريحات دمشق تتماشى مع مبادئ قرار مجلس الأمن حول الحكم والدستور

أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون أن التصريحات الصادرة عن السلطات في دمشق تظهر تماشياً كبيراً مع المبادئ الرئيسة لقرار مجلس الأمن رقم 2254.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية ناشطون يفترشون الطريق تحت المطر في القدس مطالبين بإطلاق الرهائن الإسرائيليين (أ.ب) play-circle

نتنياهو غير معني بكسر القوالب مع «حماس»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يخشى من أن يفسر الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفه على أنه خائف.

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص فلسطينيون يتجولون الأربعاء وسط أنقاض منازل بخان يونس التي دمرها الاحتلال الإسرائيلي إبان الحرب (د.ب.أ) play-circle 01:58

خاص مصادر «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: مصر وقطر قدمتا ضمانات... وملتزمون بإطلاق الرهائن إذا التزمت إسرائيل

كشفت مصادر حركة «حماس» في غزة لـ«الشرق الأوسط»، الأربعاء، أن «الوسطاء عرضوا ضمانات بأن تلزم إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار وبدء مفاوضات حقيقية للمرحلة الثانية».

«الشرق الأوسط» (غزة)

ثلثهم في غزة... مقتل عدد قياسي من الصحافيين عام 2024

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الجوية والبريّة الإسرائيليّة على جباليا قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الجوية والبريّة الإسرائيليّة على جباليا قطاع غزة (أ.ب)
TT

ثلثهم في غزة... مقتل عدد قياسي من الصحافيين عام 2024

فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الجوية والبريّة الإسرائيليّة على جباليا قطاع غزة (أ.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الدمار الذي خلفته الغارات الجوية والبريّة الإسرائيليّة على جباليا قطاع غزة (أ.ب)

أظهر تقرير صادر يوم (الأربعاء) عن «لجنة حماية الصحافيين» غير الربحية في الولايات المتحدة أن عام 2024 شهد أعلى عدد من الصحافيين الذين قتلوا على الإطلاق، وفق «وكالة الأنباء الألمانية».

وقالت اللجنة إن ما لا يقل عن 124 صحافياً وعاملاً في مجال الإعلام قتلوا، ثلثهم تقريباً من الفلسطينيين الذين قتلوا خلال الحرب الإسرائيلية في غزة.

وأضافت: «تأثير النزاعات على الصحافة يتجلى بشكل صارخ في العدد غير المسبوق من الصحافيين والعاملين في وسائل الإعلام الذين قتلوا في حرب إسرائيل وغزة، حيث بلغ عددهم 85 في عام 2024، و78 في عام 2023».

وأشارت اللجنة إلى أن عدد النزاعات العالمية، سواء كانت سياسية أو إجرامية أو عسكرية، تضاعف خلال السنوات الخمس الماضية.

وقالت: «جميع عمليات القتل التي وقعت في عام 2024 تشير إلى زيادة المخاطر التي تواجه المراسلين والعاملين في وسائل الإعلام، وما يشكله ذلك من تهديد لتدفق المعلومات على مستوى العالم».

خارج قطاع غزة ولبنان، وثقت اللجنة مقتل 39 صحافياً وعاملاً في وسائل الإعلام في 16 دولة، وكانت أبرز الدول من حيث عدد القتلى هي السودان وباكستان والمكسيك وسوريا وميانمار والعراق وهايتي.

ويعد هذا العدد الأعلى منذ أن بدأت اللجنة جمع البيانات قبل أكثر من ثلاثة عقود. وكان الرقم القياسي السابق هو مقتل 113 صحافياً في عام 2007، خلال حرب العراق.

وحذرت اللجنة من أنه «يمكن أن تتفاقم الظروف القاتلة للصحافة عندما لا تتم محاسبة أولئك الذين يقتلون الصحافيين. وعدد أقل من الصحافيين يعني معلومات أقل للمواطنين الذين يسعون لمعرفة الحقيقة».

اقرأ أيضاً