«هاجس مخيم جباليا المدمّر» يلاحق سكان مدينة غزة

في ظل تلقي السكان تهديدات إسرائيلية بتكرار المشهد المرعب

فلسطينيون يتفقدون أنقاض مبنى سكني انهار بفعل القصف الإسرائيلي في منطقة السرايا بمدينة غزة السبت (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أنقاض مبنى سكني انهار بفعل القصف الإسرائيلي في منطقة السرايا بمدينة غزة السبت (أ.ف.ب)
TT

«هاجس مخيم جباليا المدمّر» يلاحق سكان مدينة غزة

فلسطينيون يتفقدون أنقاض مبنى سكني انهار بفعل القصف الإسرائيلي في منطقة السرايا بمدينة غزة السبت (أ.ف.ب)
فلسطينيون يتفقدون أنقاض مبنى سكني انهار بفعل القصف الإسرائيلي في منطقة السرايا بمدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

تشكل صور الدمار الهائل، التي تخرج من شمال قطاع غزة، تحديداً من مخيم جباليا، هاجساً بالنسبة لكثير من سكان محافظة مدينة غزة الذين يتلقون باستمرار تهديدات إسرائيلية بإخلاء مناطق سكنهم من جانب، والتهديد بتكرار مشهد جباليا في مناطق أخرى من المدينة من جانب آخر.

وأكثر ما يتحدث به سكان مدينة غزة في الأيام الأخيرة هو تهديدات ضباط إسرائيليين تحدثوا لصحف عبرية عن استعدادهم لاستكمال ما فعلوه بمخيم جباليا في مناطق أخرى من القطاع، وسط تلويح مستمر بأن الهدف المقبل سيكون المدينة، في حال عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس».

ويقول أحمد الخضري (38 عاماً)، من سكان حي الشجاعية شرق مدينة غزة، والنازح إلى حي الرمال بعد تدمير منزل عائلته، إن «الاحتلال الإسرائيلي يزعم من خلال هذه التهديدات أنه يحاول الضغط عسكرياً على (حماس)، لكن الذي يدفع الثمن في الحقيقة هو المواطن الذي لا حول ولا قوة له، إلا النزوح من مكان إلى آخر خشية التعرض للقصف الذي لا يتوقف سواء من الجو أو الأرض».

ويشير الخضري إلى أنه تلقى في الآونة الأخيرة، كما كثير من سكان مدينة غزة، رسائل نصية على الهواتف الجوالة، وكذلك اتصالات مسجلة من قبل ضباط مخابرات إسرائيليين، تدعوهم للتعاون معهم، وتهددهم بمصير مماثل لما جرى في جباليا.

ووصف الخضري ما يشاهده عبر الإنترنت من صور ينشرها جنود الاحتلال عبر منصات التواصل الاجتماعي، لحالة الدمار الكبير في مخيم جباليا، بأنها «مرعبة»، قائلاً بلهجة غزية: «كل الناس هان خايفة يعملوا عنا مثل ما عملوا بجباليا».

إسعاف فلسطيني مسن بعد غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

«نأمل هدنة... ولو مؤقتة»

بدورها، تقول الشابة نسرين السوالمة من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، التي تعيش في بيت عائلتها المتضرر جزئياً، إنها تخشى من سيناريو مرعب تعيشه كما عاشه أهالي شمال القطاع الذين نزحت غالبيتهم إلى المدينة. وتضيف السوالمة وهي خريجة جامعية، أن جميع السكان في مدينة غزة بمن فيهم الذين نزحوا من مناطق شمال القطاع، يأملون في أن يتم التوصل إلى اتفاق هدنة ولو مؤقتة من أجل وقف المخططات الإسرائيلية الهادفة لتدمير ما تبقى من مجمل مناطق شمال غزة، والتي تضم وفق التعريف العام المناطق الواقعة من شمال محور «نتساريم» الذي يفصل الشمال عن الوسط والجنوب. وتابعت: «في حال قرر الاحتلال الإسرائيلي فعلياً المضي بخططه التي يتم الحديث عنها إعلامياً في إسرائيل، فإن هذا يعني تدمير ما تبقى من منازل».

أعمدة الدخان تتصاعد بعد قصف إسرائيلي على منطقة السرايا وسط مدينة غزة السبت (أ.ف.ب)

«لم يعد هناك مكان ننزح إليه»

أما الشاب أدهم أبو سلامة النازح من جباليا إلى مخيم الشاطئ، فقال إنه «لم يعد هناك مكان ننزح إليه»، في حال قرر الاحتلال الإسرائيلي الدخول إلى أحياء ومخيمات مدينة غزة.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية، في عددها الصادر الاثنين، إن الجيش الإسرائيلي سيشرع قريباً في سلسلة من العمليات الهجومية الشديدة في جميع أنحاء قطاع غزة. كما نقلت صحف منها «هآرتس» و«معاريف» عن ضباط إسرائيليين يقاتلون في جباليا، يوم الجمعة الماضي، أنهم على «استعداد لتطهير ما تبقى من شمال القطاع، والدخول لمناطق أخرى لتطهيرها بالطريقة نفسها».

ويأتي ذلك في وقت كان فيه وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس قد هدد بلدة نتيفوت القريبة من حدود غزة، بضربات بقوة لم تشهدها في غزة منذ فترة طويلة إذا لم تسمح «حماس» قريباً بإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، ولم تتوقف عن إطلاق النار على إسرائيل، على حد قوله.

نشر خرائط لإجلاء السكان

ويقول الصحافي المختص بالشؤون الفلسطينية ضياء حسن من مدينة غزة، إن هذه التهديدات تشير إلى النيات الحقيقية لإسرائيل بالدخول لمناطق في مدينة غزة لتنفيذ عملية مماثلة لعملية جباليا. ولفت حسن إلى أن الاحتلال الإسرائيلي نشر في الأيام الأخيرة خرائط لإجلاء السكان من بعض الأحياء بمدينة غزة؛ مثل حي الشيخ رضوان القريب من جباليا، والصبرة والزيتون، وهما حيان قريبان من محور نتساريم، إلى جانب أجزاء من حي الشجاعية الحدودي شرق المدينة. وأشار إلى أنه منذ ذلك الحين، صعّد الجيش الإسرائيلي من غاراته الجوية وقصفه المدفعي، واستخدم سلاح الطائرات المسيّرة «الكواد كابتر» لإطلاق النار وإلقاء القنابل على السكان في تلك المناطق لإجبارهم على إخلائها، إلا أن من خرج منها عدد بسيط مقارنة بمن يوجد بها، لأن السكان لا يجدون مكاناً يلجأون إليه.

وكثير من الناشطين والصحافيين في غزة بادر لكتابة منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي تدعو لإنقاذ مدينة غزة ومنع تكرار مشهد جباليا، من خلال دعوتهم لحركة «حماس» التي تخوض المفاوضات لبذل أقصى جهد ممكن لسحب البساط من تحت إسرائيل، للسماح لها بمثل هذه الخطوة.

ويرى الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن إسرائيل تمارس سياسة العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين، خصوصاً في شمال قطاع غزة، بهدف إجبارهم على النزوح لاستكمال خطة التدمير التي بدأت في جباليا، وربما تستكمل قريباً في مدينة غزة، مستخدماً أسلوب الضغط العسكري على المدنيين للخروج ضد «حماس» باعتبارهم «حاضنة المقاومة»، التي يمكن أن تجعل الحركة تقدم مزيداً من التنازلات في إطار المفاوضات الجارية. ويشير إبراهيم إلى أن كل ذلك يؤشر على أن إسرائيل فشلت في استعادة أسراها عسكرياً، ولم تجد سوى تدمير ما تبقى من القطاع حتى تجبر «حماس» على الوصول إلى هذه النقطة التي تسلم فيها الأسرى الإسرائيليين وفق شروط حكومة بنيامين نتنياهو، وليس شروطها، وهذا ما يُعجز بالأساس المفاوضات، وفي المقابل المدنيون هم من يدفعون ثمن السياسة الإسرائيلية التي لا تفرق بين مقاوم ومدني.


مقالات ذات صلة

«النواب الأميركي» يصوّت بمعاقبة الجنائية الدولية بسبب إسرائيل

الولايات المتحدة​ خارج المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ب)

«النواب الأميركي» يصوّت بمعاقبة الجنائية الدولية بسبب إسرائيل

صوت مجلس النواب الأميركي، الخميس، على فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية احتجاجاً على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لإنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
تحليل إخباري أشخاص يبحثون عن ممتلكاتهم وسط أنقاض مبانٍ مدمرة وسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري «هدنة غزة»: حديث عن «تقدم» و«ضغوط» لتسريع الاتفاق

تحدثت واشنطن عن «تقدم» في المفاوضات وإمكانية أن يتم الاتفاق «قريباً جداً».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
المشرق العربي فلسطينيون يشيعون قتلى سقطوا بغارة إسرائيلية على دير البلح بوسط قطاع غزة الخميس (إ.ب.أ)

مصادر تؤكد إحراز الوسطاء بعض التقدم بشأن غزة

قال مسؤول فلسطيني قريب من جهود الوساطة إن عدم التوصل إلى اتفاق بشأن غزة حتى الآن لا يعني أن المحادثات لا تمضي قدماً، مضيفاً أن هذه المحاولات هي الأكثر جدية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يحملون نعش زميل لهم قُتل قبل يوم بشمال غزة... خلال تشييعه بالمقبرة العسكرية في القدس الخميس (إ.ب.أ)

«حماس» تكثف «حرب العبوات» وتخوض معارك «كرّ وفرّ» شمال غزة

في غضون 3 أيام، قُتل ضابطان و3 جنود؛ جميعهم من لواء «ناحال» الإسرائيلي، الذي انتقل من مدينة رفح في أقصى جنوب قطاع غزة، إلى بلدة بيت حانون أقصى شمال القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
TT

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم، متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع دون جدوى.

وتضم مجموعة «أهالي الجنود يصرخون كفى» أكثر من 800 من أهالي جنود ومجندين وقوات احتياط يخدمون في وحدات قتالية في غزة، وبينهم مَن يواصل القتال من دون توقف تقريباً منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومنذ أشهر، يتعرض نتنياهو لاتهامات من منتقديه بإطالة أمد الحرب ضد حركة «حماس» لأسباب سياسية ومن دون جدوى. وشنّت الدولة العبرية هذه الحرب رداً على الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

وفي رسالة وجّهتها مجموعة «أهالي الجنود يصرخون كفى» إلى نتنياهو كررت المجموعة هذه الاتهامات.

وجاء في الرسالة «نتّهمك بحرب بلا أفق، غير مسبوقة في تاريخ بلادنا. وهذا فقط لأسباب تتعلق ببقائك السياسي الشخصي».

وأضافت الرسالة «نتّهمك بالتخلي عن الرهائن والجنود! ونناشدك: أَنهِ الحرب!».

واعتبر أهالي الجنود أنّ «الجميع يعلمون، بمن فيهم هم (الجنود)، أن الحرب مستمرة بلا هدف وأن الرهائن لن يعودوا إلا في إطار اتفاق» يجري التفاوض عليه حالياً في قطر وهي إحدى الدول الثلاث الوسيطة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر في محادثات السلام.

جنود إسرائيليون يقتحمون مقر «الأونروا» في غزة (أ.ب)

وتابعت مجموعة أهالي الجنود «لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي أيّ سبب للبقاء في غزة، سوى لتحقيق الرغبات المسيحانية (لبعض أعضاء اليمين المتطرف) في الاستيطان هناك».

واختتم الأهالي رسالتهم بالقول لنتنياهو «لن نسمح لك بمواصلة التضحية بأبنائنا كبارود للمدافع».

ولم يعلّق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على الرسالة بشكل فوري.

منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 قُتل 399 جندياً في قطاع غزة.