2024 اللبناني… عام نكبة «حزب الله»

شهد حرباً تدميرية قلصت نفوذ الحزب

صور للأمين العام لـ«حزب الله» السابق حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية بين مبانٍ مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
صور للأمين العام لـ«حزب الله» السابق حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية بين مبانٍ مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
TT

2024 اللبناني… عام نكبة «حزب الله»

صور للأمين العام لـ«حزب الله» السابق حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية بين مبانٍ مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)
صور للأمين العام لـ«حزب الله» السابق حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية بين مبانٍ مدمّرة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

لا يشبه عام 2024 بالنسبة للبنانيين أي عام آخر. فما شهده من أحداث كبرى، خاصة في نصفه الثاني، سيجعله محطة أساسية في تاريخ لبنان الحديث، تؤسس لمرحلة جديدة مع انهيار أدوار ونفوذ قوى سيطرت على الدولة وقرارها لعشرات السنوات.

من الإسناد إلى الحرب الموسعة

تصدرت أخبار «جبهة إسناد غزة» من جنوب لبنان المشهد العام في النصف الأول من السنة، وبدا لكثيرين أن الأمور ستبقى مضبوطة، وأن «توازن ردع» يمنع إسرائيل من المجازفة بتوسعة الحرب على لبنان. إلا أن فشل كل المساعي والجهود الدولية التي بقيت تبذل لأشهر للضغط على «حزب الله» لوقف القتال والعودة إلى منطقة جنوب الليطاني، دفعت تل أبيب للحرب الكبرى.

وانطلقت صفارة الحرب يوم 17 سبتمبر (أيلول) حين فجرت إسرائيل أجهزة البيجر بعناصر وقياديي «حزب الله»، ما أدى لإصابة المئات منهم. كما عادت وفجرت أجهزة اللاسلكي في اليوم التالي، ممهدة لحربها الواسعة.

وفي 23 سبتمبر بدأت إسرائيل حملة جوية واسعة على جنوب لبنان تزامنت مع سلسلة عمليات اغتيال في الأيام التي تلت، وطالت قياديي ومسؤولي «حزب الله»، وتركزت في الضاحية الجنوبية لبيروت، وكان أكبرها في 27 سبتمبر حين تم اغتيال السيد حسن نصر الله، ثم اغتيال رئيس المجلس التنفيذي للحزب هاشم صفي الدين في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول).

وفي الأول من أكتوبر بدأت تل أبيب العملية العسكرية البرية جنوباً قبل أن تطلق في الثلاثين من الشهر نفسه حملة جوية مكثفة على منطقة البقاع (شرق لبنان).

وتواصلت الحرب التدميرية على لبنان نحو 65 يوماً، وانتهت بالإعلان عن اتفاق وقف نار في 27 نوفمبر (تشرين الثاني). والاتفاق سمح للجيش الإسرائيلي بمواصلة احتلال قرى وبلدات لبنانية حدودية على أن ينسحب منها مع انتهاء مهلة ستين يوماً.

قطع طريق إمداد الحزب

وتواصلت الصفعات التي تلقاها المحور الذي تتزعمه إيران مع بدء فصائل المعارضة السورية هجوماً من حلب في 28 أكتوبر انتهى في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) بإسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. ورغم إعلان أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم أن حزبه سيساند النظام في سوريا صُدم بانهيار دفاعات الجيش السوري، ما أدى لسحب عناصره مباشرة إلى داخل لبنان، وترك كل القواعد التي كانت له منذ انخراطه في الحرب السورية في عام 2012.

وفي منتصف ديسمبر الحالي أعلن قاسم صراحة أن «حزب الله» فقد طرق الإمداد الخاصة به في سوريا، أي بمعنى آخر انقطاع طريق بيروت - دمشق.

مراوحة سياسية

وبخلاف التطورات الهائلة العسكرية والأمنية، ظل المشهد السياسي يراوح مكانه نتيجة استمرار الشغور في سدة رئاسة الجمهورية. ولم يشهد هذا العام أي جلسة لانتخاب رئيس. لكن بعد وقف الحرب، دعا رئيس المجلس النيابي نبيه بري لجلسة ستعقد في التاسع من الشهر المُقبل يُعوَّل أن تكون حاسمة، وتؤدي لانتخاب رئيس للبلاد.

سيدات يحملن صورة الأمين العام لـ«حزب الله» السابق حسن نصر الله خلال مشاركتهن في تشييع أقربائهن الذين قتلوا ببلدة المعيصرة شمال لبنان بقصف إسرائيلي 14 أكتوبر الماضي (أ.ب)

فرصة تاريخية

وترى الدكتورة بريجيت خير، الدبلوماسية السابقة في الأمم المتحدة، أن عام 2024 كان «عاماً مفصلياً بتاريخ لبنان المعاصر»، لافتة إلى أن «الأحداث المتسارعة في المنطقة وبالبلد، قابلتها تغيّرات بالسياسات العالمية بقيادة الولايات المتحدة، ما يذكرنا بأحداث عام 2005، وحرب 2006، والقرار الأممي الذي تلا الحرب، والذي فشل لبنان بتطبيق بنوده بسبب ضعف وفساد الدولة اللبنانية، وسيطرة (حزب الله) على مفاصل الدولة، ونجاحه في إرغام الجيش على غض النظر عن عمليات تسليحه من قبل إيران عن طريق سوريا»، مضيفة: «بوقتها، فشل لبنان في اقتناص الفرصة التاريخية التي بدأت بالمظاهرات المليونية بعد اغتيال الحريري، التي واكبها تبدل بالسياسة الأميركية، واتفاق دولي على إرغام جيش الأسد على الخروج من لبنان. أما اليوم وبعد القرار الأحادي بإسناد غزة، الذي اتخذه (حزب الله) بالاتفاق مع إيران، وأجبر اللبنانيين وخاصة بيئة الممانعة على تحمّل خطر وتبعات القرار الناتج عن المكابرة، وفائض القوة وضعف الدولة اللبنانية المتهالكة التي لم تقدم على أي مبادرة توحي بأنها السلطة الشرعية في البلاد، بدأ العد التنازلي لإزالة ليس فقط (حزب الله)، بل الإلغاء المتوازي لعناصر محور الممانعة».

فخ إسرائيل

وتلفت بريجيت في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحزب «وقع في فخ كانت تُحضّر له إسرائيل منذ سنوات كثيرة. وبعد الفشل العسكري، المخابراتي، والاجتماعي، والإنقاذي، والإنساني، والمالي والخدماتي، أُرغمت الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها (حزب الله) على الإمضاء على اتفاق وقف إطلاق نار هو بمثابة اتفاق استسلام وإذعان لشروط إسرائيلية مهينة تحت إشراف أميركي فرنسي»، عادّة أن «التتابع السريع والمدوّي للصدمات للمحور الإيراني ككل، وفي لبنان خاصة جعل بيئة هذه الميليشيا في حالة من الذهول وعدم الاستيعاب لما حصل في غضون أشهر قليلة غيّرت معالم المنطقة، وقريباً الشرق الأوسط ككل».

وترى أيضاً أنه «بعد كل ما حصل، بات لبنان وسياسيوه وشعبه أمام خيارين لا ثالث لهما: إما العودة إلى الدولة (وهنا لا أعني بالضرورة الدولة المركزية التي فشلت لعقود بسبب تكوين المجتمع وتعدده)، وإما تضييع الفرصة بسبب المناكفات والحسابات الضيقة والفردية، وهدر إمكان استمرارية البلد بصفته كياناً نهائياً لمواطنيه، وهنا المسؤولية تقع أيضا على المعارضة التي لا تزال مشرذمة ومنقسمة، وكل (زعيم) يطمح في مكاسب سياسية آنية وضيقة لا تحترم وتقدّر اللحظة المفصلية لإنقاذ البلاد، التي قد لا تتكرر». وتختم: «على الشعب اللبناني مسؤولية الضغط على النواب الذين أعطاهم ثقته، ومطالبتهم بانتخاب رئيس جمهورية سيادي قوي يمثل الواقع الجديد الذي هو بكل بساطة: سقط المحور إلى غير رجعة».


مقالات ذات صلة

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

المشرق العربي جندي إسرائيلي يقف بجوار حاجز على جبل الشيخ (أ.ف.ب)

تفجيرات إسرائيلية تستهدف عدداً من المناطق في جنوب لبنان

نفذت القوات الإسرائيلية تفجيرات في بلدة كفركلا وفي محيط بلدتي عيتا الشعب والوزاني، سُمع دويها في بلدات عدة بجنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الرئيس الجديد جوزيف عون جالساً على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا لأول مرة بعد انتخابه الخميس (أ.ف.ب)

ماكرون قريباً في لبنان... وتأكيد فرنسي على دعم «غير مشروط» بعد انتخاب عون

بعد انتخاب العماد جوزيف عون، تؤكد باريس أن «دعمنا للبنان سيكون متواصلاً وتاماً وغير مشروط»، وتحث السياسيين اللبنانيين على تشكيل حكومة قوية تدعم الرئيس.

ميشال أبونجم (باريس)
المشرق العربي سفراء الدول والدبلوماسيون حاضرون في جلسة انتخاب الرئيس اللبناني (رويترز)

ترحيب عربي ودولي واسع بانتخاب عون رئيساً للبنان

لاقى انتخاب قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً للبنان ردود فعل دولية وعربية مرحبّة ومشددة على أهمية أن تستعيد البلاد الأمن والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزيف عون يسير في القصر الرئاسي بعد انتخابه رئيساً (رويترز) play-circle 01:12

البرلمان اللبناني ينتخب عون رئيساً... و«تعديل ضمني» للدستور

انتخب البرلمان اللبناني قائد الجيش العماد جوزيف عون رئيساً بـ99 صوتاً، وذلك بعد أكثر من عامين من الفراغ في سدة الرئاسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي خلال عملية فرز أصوات النواب في جلسة انتخاب رئيس للجمهورية (د.ب.أ)

مفاوضات ما بين الجولتين تضم «الثنائي الشيعي» إلى التوافق النيابي

لم يكن إخراج انتخاب الرئيس جوزيف عون سهلاً، بسبب العائق الدستوري المتمثل في نص «المادة 49»، الذي يمنع انتخاب موظفي الفئة الأولى قبل مرور سنتين على استقالتهم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
TT

عائلات جنود إسرائيليين تناشد نتنياهو إنهاء الحرب في غزة

نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)
نتنياهو يلتقي مجندين في الجيش (إكس)

دعت مجموعة من عائلات الجنود الإسرائيليين الخميس رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة حفاظاً على حياة أبنائهم، متّهمين إياه بإطالة أمد هذا النزاع دون جدوى.

وتضم مجموعة «أهالي الجنود يصرخون كفى» أكثر من 800 من أهالي جنود ومجندين وقوات احتياط يخدمون في وحدات قتالية في غزة، وبينهم مَن يواصل القتال من دون توقف تقريباً منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

ومنذ أشهر، يتعرض نتنياهو لاتهامات من منتقديه بإطالة أمد الحرب ضد حركة «حماس» لأسباب سياسية ومن دون جدوى. وشنّت الدولة العبرية هذه الحرب رداً على الهجوم غير المسبوق الذي شنته الحركة الفلسطينية على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

وفي رسالة وجّهتها مجموعة «أهالي الجنود يصرخون كفى» إلى نتنياهو كررت المجموعة هذه الاتهامات.

وجاء في الرسالة «نتّهمك بحرب بلا أفق، غير مسبوقة في تاريخ بلادنا. وهذا فقط لأسباب تتعلق ببقائك السياسي الشخصي».

وأضافت الرسالة «نتّهمك بالتخلي عن الرهائن والجنود! ونناشدك: أَنهِ الحرب!».

واعتبر أهالي الجنود أنّ «الجميع يعلمون، بمن فيهم هم (الجنود)، أن الحرب مستمرة بلا هدف وأن الرهائن لن يعودوا إلا في إطار اتفاق» يجري التفاوض عليه حالياً في قطر وهي إحدى الدول الثلاث الوسيطة إلى جانب الولايات المتحدة ومصر في محادثات السلام.

جنود إسرائيليون يقتحمون مقر «الأونروا» في غزة (أ.ب)

وتابعت مجموعة أهالي الجنود «لا يوجد لدى الجيش الإسرائيلي أيّ سبب للبقاء في غزة، سوى لتحقيق الرغبات المسيحانية (لبعض أعضاء اليمين المتطرف) في الاستيطان هناك».

واختتم الأهالي رسالتهم بالقول لنتنياهو «لن نسمح لك بمواصلة التضحية بأبنائنا كبارود للمدافع».

ولم يعلّق مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي على الرسالة بشكل فوري.

منذ بدء الهجوم العسكري الإسرائيلي في 7 أكتوبر 2023 قُتل 399 جندياً في قطاع غزة.