مسيحيو سوريا لا يريدون تطمينات بل «ضمانات»

يتخوّفون من التعامل معهم بوصفهم «أقلية»

من لقاء في إحدى كنائس باب توما (الشرق الأوسط)
من لقاء في إحدى كنائس باب توما (الشرق الأوسط)
TT

مسيحيو سوريا لا يريدون تطمينات بل «ضمانات»

من لقاء في إحدى كنائس باب توما (الشرق الأوسط)
من لقاء في إحدى كنائس باب توما (الشرق الأوسط)

يراقب المسيحيون السوريون، خصوصاً المقيمين في دمشق، بحذر مؤشرات الواقع الجديد في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة أحمد الشرع، المُكنى «أبو محمد الجولاني».

وبينما تتزايد الدعوات الأهلية الفردية إلى التعاون مع الإدارة الجديدة، واستئناف تزيين الشوارع في الأحياء المسيحية والاحتفال بعيدي الميلاد ورأس السنة الميلادية؛ تعبيراً عن الالتفاف حولها (الإدارة الجديدة)، تصدر إشارات للتريث ريثما تتضح توجهات السلطة التي سيطرت على دمشق، وسط تخوفات من استمرار التعامل معهم بوصفهم «أقلية» تحتاج لحماية، لا مكوناً أساسياً وشريكاً في بناء سوريا الجديدة.

التجارة الإعلامية

وهذا الحذر عبّر عنه بطريرك الروم الأرثوذكس، يوحنا العاشر يازجي، في عظة الأحد، إذ أشار إلى ضرورة الانتباه إلى «كيفية التعاطي مع وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وما تبثّه من شائعات كثيرة تنتشر دون أي حسٍّ بالمسؤولية». وشدد على ضرورة التمييز بين «الانتباه والتعقُّل من ناحية، والخوف من ناحية أخرى» مع تأكيده أن المسيحيين «ليسوا مادة للتجارة الإعلامية».

وكانت الكنائس السورية قد أصدرت قراراً مع بدء عملية «ردع العدوان» والتقدم باتجاه حلب، بوقف الاحتفالات في الكنائس والاقتصار على الصلوات «تضامناً مع حلب». واستمر سريان القرار مع سيطرة إدارة العمليات على دمشق لـ«أسباب تتعلق بالفراغ الأمني، وليس خوفاً من منع الاحتفالات»، وفق ما قاله مطران الأرمن الكاثوليك في سوريا جورج باهي لـ«الشرق الأوسط».

المطران جورج باهي (الشرق الأوسط)

وأشار إلى استئناف الأنشطة والاحتفالات لكن داخل الكنيسة، وذلك بينما يعمل البطاركة في دمشق للدفع باتجاه ترجمة الإشارات الإيجابية التي أرسلتها الإدارة الجديدة إلى «واقع ملموس».

وقال المطران باهي: «حتى الآن لم يقم أي من المسؤولين في الإدارة الجديدة بزيارة إلى البطريركيات في باب توما، وأن ما حصل من تطمينات جاء عبر القادة العسكريين للأهالي»، مشيراً إلى لقاء عقد مع القائد العسكري في باب توما، بشير العلي، مثنياً على دماثة خلقه الفائقة، وإبلاغ سكان الحي بأن يمارسوا طقوسهم وشعائرهم كما جرت العادة.

إلا أن المطران باهي رأى أن ذلك «ليس كافياً» مع أن اللقاء كان «إيجابياً جداً»؛ لأن «المسيحيين ليسوا بحاجة لتطمينات من منطلق أنهم (أقلية خائفة)، بل بحاجة لعمل ملموس، بعدما رأينا تشكيل (حكومة الإنقاذ) من مكون واحد فقط، وسؤالنا عن المكونات الأخرى: هل ستكون ممثلة في المرحلة المقبلة؟».

من لقاء في إحدى كنائس باب توما (الشرق الأوسط)

ووفق المطران باهي، فإن القائد العسكري «لم تكن لديه إجابات عن أسئلتنا، ربما لأنه فعلاً لا يملك إجابة؛ لذلك نحن بحاجة لمقابلة مسؤولين مخولين تقديم إجابات تبدد الهواجس والمخاوف».

من جانبه، رأى المحامي يوسف حسون، من طائفة الروم الكاثوليك، أن «التطمينات» تفقد معناها عندما نشاهد تغييراً لأسماء بعض المؤسسات العامة إلى أسماء من التاريخ الإسلامي، وتُمثل مكوناً سورياً واحداً، مثلاً جامعة البعث في حمص، التي تم تغيير اسمها إلى جامعة خالد بن الوليد. وأضاف: «ربما لو تم اختيار اسم مغني الثورة الحمصي عبد الباسط الساروت، لكنت مطمئناً؛ لأن الساروت رمز وطني سوري جامع».

المحامي يوسف حسون (الشرق الأوسط)

وتابع حسون: «نحن بصفتنا مسيحيين سوريين نريد أن نكون تحت الراية الوطنية الجامعة مكوناً أساسياً وأصيلاً، ولا نريد أن نعامل أقلية تستخدم لتجميل الصورة الإعلامية التي تقدم للغرب والرأي العام الدولي. لقد عانينا من ذلك طيلة حكم نظام الأسد، الذي كان يدعي حماية الأقليات، إذ كان يستخدم مظاهر احتفالات المسيحيين، دليلاً على انفتاحه وتسامحه، وهو يفعل العكس مع الجميع دون استثناء».

ورأى حسون في «وجود مخاوف لدى المسيحيين وغيرهم من مكونات سورية، أمر طبيعي جداً، إثر سقوط نظام استبدادي، والدخول تحت سلطة جديدة لا نعرف عنها شيئاً، سوى الخلفية الدينية المتشددة التي جاءت منها، وأيضاً ما نعرفه عن تجارب دول أخرى مماثلة لا تدعو للاطمئنان، خصوصاً أن دمشق لا تحتمل التشدد»، مؤكداً أن مخاوف المسيحيين ومطالبهم لا تخص المسيحيين فقط بل تخص السوريين عموماً.

مفاجأة الوعي

القاضي ديب كسرواني، من طائفة الروم الأرثوذكس، أكد أن المسيحيين متفائلون بأن «القادم أفضل بعد سقوط النظام، وأن هناك تضخيماً إعلامياً للتجاوزات بهدف تخويف المسيحيين».

القاضي ديب كسرواني (الشرق الأوسط)

وقال: «إن ما جرى من ارتباك وفوضى منذ سقوط النظام وحتى الآن أقل بكثير من المتوقع، في أحداث كبرى مثل هذه»، لافتاً إلى أنه تفاجأ بوعي الشعب السوري، وقدرته على إدارة ذاته، وأن ما يحتاج إليه السوريون والمسيحيون خصوصاً هو تحقيق «خطوة إلى الأمام»، والتركيز على تفعيل القانون والقضاء.

قلق لاحق

إلا أن المحامي جورج أصطفان، من طائفة السريان الأرثوذكس، الناشط في عمل اللجان المحلية، تحدث عن «وجود حالة ارتباك في إدارة شؤون المدنيين، تتسبب في تعزيز المخاوف». ولفت إلى أنه ومنذ اليوم الأول لسقوط النظام، ودخول القائد، أحمد الشرع دمشق، تنادى شباب حي باب توما إلى طمأنة الأهالي بأن الأمور ستسير نحو الأفضل، وتم تشكيل لجنة من الأهالي، و«لم يكن لدينا قلق»، إلا أنه لاحقاً، ومع تعدد العسكريين الذين قدموا إلى الحي ضاعت البوصلة، وبدأنا «نتخوف من القادم»، وحتى الآن لم يظهر مسؤول مدني يمكن الاتفاق معه على إدارة الحي. أما «العسكريون الذين التقيناهم فحملوا رسائل تطمين فقط، ولم تكن لديهم إجابات عن استفساراتنا المدنية».

المحامي جورج أصطفان (الشرق الأوسط)

ولفت أصطفان إلى تناقض ما جرى مؤخراً حول تشكيل لجنة أهلية لحماية الحي وتسليحها، في الوقت الذي تقوم به الإدارة الجديدة بسحب السلاح من المدنيين، وأكد ضرورة أن يتم ذلك ضمن عمل مؤسساتي مضبوط، حتى يطمئن الجميع. وبرأيه هذا «أهم بكثير من الانشغال بتزيين الساحات ومظاهر الاحتفال بالأعياد».

«أنتم نحن»

وأعلن البطريرك يازجي، في عظة يوم الأحد، مد المسيحيين أيديهم للتعاون مع كل السوريين للوصول إلى تحقيق «سوريا الحلم»، وخاطب المسلمين بالقول: «ما بين الـ(نحن) والـ(أنتم) تسقط الواو، ويبقى نحن أنتم، وأنتم نحن... مصيرنا مصيرٌ واحد». مع التأكيد على أن «سوريا بلد الشراكة الوطنية» و«سوريا الحلم» هي سوريا الدولة المدنية ودولة المواطنة. والعيش المشترك والسِّلم الأهلي والقانون واحترام الأديان، واحترام الحريات الجماعية منها، والفردية ودولة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، مؤكداً أن الضامن لكل ذلك هو الدستور، مطالباً بأن تكون عملية صياغة الدستور «وطنية شاملة وجامعة».


مقالات ذات صلة

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

المشرق العربي صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

أعلن رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، الأحد، أنّه طلب الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي مسؤولون من الإدارة الذاتية الكردية أمام مقرها في مدينة الرقة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

«مجلس سوريا الديمقراطية» يعول على وساطة واشنطن وباريس أمام حشد أنقرة

مقابل الحشد التركي ضد المسلحين الأكراد يعول «مجلس سوريا الديمقراطية» الجناح السياسي للإدارة الذاتية على وساطة أميركية - فرنسية لنزع فتيل الحرب مع أنقرة.

كمال شيخو (القامشلي)
المشرق العربي رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق بعد سقوط النظام، التقى رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط القائد العام للإدارة الجديدة أحمد الشرع.

«الشرق الأوسط» (بيروت - دمشق)
شؤون إقليمية الشرع وفيدان خلال لقائهما في دمشق (إ.ب.أ)

تركيا تدعو إلى رفع العقوبات عن سوريا «في أسرع وقت ممكن»

دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الأحد، إلى رفع العقوبات المفروضة على سوريا «في أسرع وقت ممكن».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
يوميات الشرق لقطة من لقاء سليمان بـ«نقابة الصحفيين المصرية» (نقابة الصحفيين المصرية)

​جمال سليمان: الدراما قادرة على تطييب جراح السوريين

قال الفنان السوري جمال سليمان إن الدراما السورية لعبت دوراً كبيراً في فضح نظام بشار الأسد وإنها قادرة على تطييب جراح السوريين.

انتصار دردير (القاهرة )

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
TT

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق، وليد جنبلاط، القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في «قصر الشعب».

وزار جنبلاط، الذي كان أول زعيم ومسؤول لبناني يبادر إلى التواصل مع الشرع، دمشق، على رأس وفد من الحزب وكتلة «اللقاء الديمقراطي»، يضم نجله تيمور، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، ووفد من المشايخ والإعلاميين.

لعودة العلاقات ومحاكمة عادلة

وتحمل هذه الزيارة، التي هنّأ خلالها جنبلاط، الشرع، بـ«انتصاره»، بعداً وطنياً يرتكز على مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا، فهي تحمل كذلك بعداً درزياً يرتبط بما ستكون عليه علاقة السلطة الجديدة في سوريا مع الأقليات، تحديداً الطائفة الدرزية، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليها، وهو ما كان الشرع واضحاً بشأنه في لقائه مع الزعيم الدرزي بالقول: «سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاداً لأي طائفة»، مضيفاً أن «عهداً جديداً بعيداً عن الحالة الطائفية بدأ».

وفي كلمة له أثناء لقائه الشرع، هنأ جنبلاط القيادة السورية الجديدة بـ«التحرّر من نظام حكم (بشار) الأسد، والتطلع نحو سوريا الموحدة... عاشت سوريا حرّة أبية كريمة».

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)

وقال جنبلاط: «من جبل لبنان، من جبل كمال جنبلاط، نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية - السورية من خلال السفارات، وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري، وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ».

وأضاف: «الجرائم التي ارتبكت بحق الشعب تشابه جرائم غزة والبوسنة والهرسك، وهي جرائم ضد الإنسانية، ومن المفيد أن نتوجه إلى المحكمة الدولية لتتولى هذا الأمر والطريق طويل»، مشيراً إلى أنه سيتقدم بـ«مذكرة حول العلاقات اللبنانية السورية».

الشرع: النظام السابق قتل الحريري وجنبلاط والجميل

في المقابل، تعهد الشرع، الذي التقى جنبلاط للمرة الأولى مرتدياً بدلة وربطة عنق، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور. وفيما لفت إلى أن «المعركة أنقذت المنطقة من حربٍ إقليميّة كبيرة، وربما من حرب عالمية»، أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني، وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع».

ولفت الشرع إلى أن «النظام السابق كان مصدر قلق وإزعاج في لبنان، وهو عمل مع الميليشيات الإيرانية على تشتيت شمل السوريين»، مؤكداً أن «نظام الأسد قتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل». وتعهد بأن «يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه سوية بدون حالات استخدام العنف والاغتيالات»، وقال: «أرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وشدد الشرع على حماية الأقليات، قائلاً: «مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا... لا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم». وأضاف: «اليوم يا إخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري».

دروز سوريا

وتحدث عن دروز سوريا تحديداً، مذكراً بأن «الإدارة الجديدة أرسلت وفوداً حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد»، وقال: «أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم في الثورة، وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة».

وأضاف: «سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا»، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.

أبي المنى وشعار الدروز

من جهته، قال الشيخ أبي المنى إن «شعب سوريا يستحق هذا السلم، ويستحق الازدهار، لأن سوريا قلب العروبة النابض». وأشار إلى أن «الموحدين الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه، فهم مخلصون للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الأطرش وشعار الكرامة، وكرامتهم من كرامة الوطن، لذلك نحن واثقون أنكم تحترمون تضحياتهم وهم مرتبطون بوطنهم».

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط في «قصر الشعب» بدمشق قبيل لقائه الشرع (أ.ف.ب)

ارتياح في السويداء

ولاقت زيارة الزعيم الدرزي إلى دمشق ارتياحاً في أوساط السوريين الدروز. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أهلية متقاطعة في السويداء، جنوب سوريا، أن هناك توافقاً بين الزعامات الروحية حول الموقف من «إدارة العمليات» ممثلة بقائدها أحمد الشرع، والتأكيد على العمقين الإسلامي والعربي لطائفة الدروز الموحدين وخصوصية جبل العرب، ودورهم التاريخي في استقلال سوريا كمكون سوري أصيل، وتطلعهم إلى دستور جديد يجمع عليه السوريون.

وحسب المصادر، فإن «هذا الموقف كان مضمون الرسالة التي حملها الوفد الدرزي إلى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، الأحد، وقد كانت نتائج الاجتماع إيجابية»، واعتبر دروز السويداء أن زيارة جنبلاط «خطوة عقلانية وحكيمة باتجاه الحفاظ على وحدة سوريا، وقطع الطريق على كل من يحاول تخريب العيش المشترك بين جميع السوريين، ووأد الفتن ما ظهر منها وما بطن».

ووفق المصادر، كان وفد درزي من لبنان زار السويداء قبل يوم من زيارة جنبلاط إلى دمشق، والتقى مشيخة العقل في السويداء، حيث قال شيخ العقل حمود الحناوي إنهم يتطلعون إلى «مواقف جنبلاط وأهلنا في لبنان باعتبارها سنداً ومتنفساً للتعاون من أجل مصالحنا كمواطنين سوريين لنا دورنا التاريخي والمستقبلي».

بعد 13 عاماً

ودخل الجيش السوري، لبنان، عام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق «قوة الوصاية» على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إليها ولاحقاً إلى حليفها «حزب الله»، قبل أن تحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من قادة الحزب بالسجن مدى الحياة، على خلفية قتل 22 شخصاً بينهم الحريري.

ويتهم جنبلاط، دمشق، باغتيال والده كمال في عام 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ونُسبت اغتيالات العديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.

وعلى خلفية هذه الاغتيالات، تأرجحت علاقة الزعيم الدرزي مع النظام السوري السابق، الذي كان قد قاطعه وشنّ هجوماً غير مسبوق على رئيسه المخلوع، واصفاً إياه بـ«القرد» في المظاهرات التي نظمها فريق «14 آذار» إثر اغتيال الحريري عام 2005، قبل أن تعاد هذه العلاقة وترمّم بشكل محدود في عام 2009، لتعود إلى مرحلة العداوة مجدداً مع مناصرة جنبلاط للثورة السورية التي انطلقت عام 2011.

أما اليوم، وبعد 13 عاماً، عاد الزعيم الدرزي إلى دمشق «شامخاً مظفراً بالنصر»، وفق ما وصفه أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، عبر حسابه على منصة «إكس»، مضيفاً: «ها قد عدنا إلى سوريا الحرة مع الأمل الكبير الواعد بأن تنعم سوريا وشعبها بالحرية والديمقراطية والتنوّع والاستقرار والازدهار»، داعياً إلى «بناء أفضل العلاقات التي تحفظ سيادة وحرية واستقلال وطننا الحبيب لبنان وتحفظ سوريا الواحدة الموحدة الأبية».

وتوجه إلى السوريين بالقول: «هنيئاً لكم ولنا الانتصار الكبير، ويبقى الانتصار الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية والحرية والهوية».