«القرض الحسن»... ما هي آلية عملها والخدمات التي تقدمها؟

توسعت بعد الانهيار المالي في لبنان

تمثال لقاسم سليماني أمام مركز لـ«القرض الحسن» استهدفه القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط)
تمثال لقاسم سليماني أمام مركز لـ«القرض الحسن» استهدفه القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط)
TT

«القرض الحسن»... ما هي آلية عملها والخدمات التي تقدمها؟

تمثال لقاسم سليماني أمام مركز لـ«القرض الحسن» استهدفه القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط)
تمثال لقاسم سليماني أمام مركز لـ«القرض الحسن» استهدفه القصف الإسرائيلي (الشرق الأوسط)

بعد سنوات طويلة من العقوبات الأميركية لجمعية «مؤسسة القرض الحسن» لدورها في تمويل «حزب الله»، جاءت إسرائيل لتدمرها بغارات استهدفت نحو 15 فرعاً لها في مناطق لبنانية، وبخاصة في الضاحية الجنوبية لبيروت.

كثيرون من اللبنانيين يسمعون بهذه الجمعية التي يقدر عدد عملائها بمئات الآلاف، لكنهم لا يعرفون شيئاً عن تاريخها وآلية عملها والخدمات التي تقدمها.

فعلى الرغم من أنها جمعية مرخصة من وزارة الداخلية اللبنانية، تحولت ذراعاً مالية لـ«حزب الله»، وأشبه بمصرف خاص به يعمل خارج القطاع المصرفي اللبناني الرسمي والنظام المصرفي العالمي، ويُقدم خدمات مالية متعددة دون أي رقابة. أضف إلى ذلك أنها متهمة منذ عام 2007 بنقل أموال بشكل غير مشروع إلى «حزب الله»، ما أدى إلى إدراجها على لائحة العقوبات الأميركية.

وتُعرّف «مؤسسة القرض الحسن» عن نفسها على أنها «جمعية تستقطب المساهمات من أهل الخير وتعطيها قروضاً من دون فوائد لكل الناس المحتاجين ولآجال ميسرة»، وتؤكد أنها «ليست مصرفاً، وتقدم القروض لكل اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية، دون تفرقة بسبب الدين أو المذهب أو الانتماء السياسي».

توسعت مع الانهيار المالي

وتوسعت المؤسسة في السنوات القليلة الماضية مع الانهيار المالي في لبنان، حين خسر المودعون القسم الأكبر من أموالهم المودعة في المصارف، ما أدى لتوجه أعداد كبيرة من الناس، وبخاصة من الطائفة الشيعية، للاستفادة من خدمات «القرض الحسن» التي تشمل إعطاء قروض بضمانة ذهب، وقروض لتركيب نظام الطاقة الشمسية تصل إلى 5 آلاف دولار، وقروض المهن والحرف لمساعدة الأفراد والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تأسيس أو تطوير أعمالهم ومشاريعهم الصناعية والزراعية، وقروض للمساعدة في شراء أو بناء سكن، وقروض للمساعدة على الزواج. كما تشمل خدمات الجمعية خدمة تخزين الذهب كأمانة لدى المؤسسة، وتحدَّد رسوم التخزين بحسب وزن وعيار الذهب وفترة التخزين.

أحد مراكز «القرض الحسن» بعد تدميره (الشرق الأوسط)

وبعدما كان للجمعية في عام 2006 تسعة فروع، دمر الجيش الإسرائيلي 6 فروع منها، ارتفع عدد هذه الفروع ليبلغ في عام 2023 نحو 34 فرعاً.

وعام 2021، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية (OFAC) سبعة أفراد على صلة بـ«حزب الله» وشركته المالية «القرض الحسن» المدرجة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في عام 2007، على لائحة العقوبات. ويستخدمها الحزب كغطاء لإدارة الأنشطة المالية لجماعته والوصول إلى النظام المالي الدولي.

وفي أحد الفيديوهات التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، ظهر أحد المسؤولين في الجمعية ليؤكد أنه «عندما قُصفت بعض مراكز الجمعية في حرب 2006، ضرب (حزب الله) طوقاً أمنياً حول المراكز المستهدفة لحماية موجوداتها، وتمت إعادة كل الأموال والذهب للمودعين حتى آخر قرش».

مصير الأمانات والضمانات

ويقول مصدر مطلع على ملفات «حزب الله» إن «مؤسسة القرض الحسن» تأسست عام 1982 إبان الحرب الأهلية اللبنانية، وهي «تقدم خدمات، ولكنها بنفس الوقت تجارية وتحقق أرباحاً وتقوم باستثمارات كأي مؤسسة بنكية، لكنها بلا شك تفتقد أي صيغة قانونية أو شرعية ضمن إطار البنوك اللبنانية»، لافتاً إلى أنها «تُعتبر بنك (حزب الله)، وهو يستفيد من الأموال ويستثمرها، لكنه في نفس الوقت حريص على ألّا يمس بحقوق المودعين».

ويوضح المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه المؤسسة تطورت مع الانهيار المالي الذي حصل في لبنان، والذي استفادت منه باعتبار أن أموال المودعين لديها لم تتعرض لأي مشكلة، فتعددت فروعها وانتقلت إلى مناطق مختلفة».

أما عن مصير الأمانات والضمانات بعد قصف معظم مراكز الجمعية، فيلفت المصدر إلى أنه «غير واضح»، مضيفاً: «يُقال إنها في بنك مركزي لـ(حزب الله) موجود تحت الأرض في الموقع الذي استُهدف فيه أمين عام الحزب، ولكن لا شيء مؤكداً».

سلطة مالية لدولةٍ موازية

ويوضح البروفيسور مارون خاطر، الكاتب والباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة، أنه «مِن الناحية القانونية، (مؤسسة القرض الحسن) جمعية لا تَبتغي الرّبح، حاصِلة على علم وخبر من الدولة اللبنانيَّة. ونظرياً، تُقَدم دون أي مُقابل مادي قروضاً لجميع اللبنانيين دون تَفرقة، وتعتمد في تمويلها على حسابات مساهمة دون مقابل من فاعلي خير ميسورين. أما عملياً، فتقدم الجمعية قروضاً بضمانات الذهب، وقروضاً سكنية وصناعية، كما تقدم خدمات تخزين الذهب مقابل بدل».

دمار كامل لحق بأحد مراكز «القرض الحسن» (الشرق الأوسط)

ويلفت خاطر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «ليس خفياً أن لهذه الجمعية هوية وانتماء وسياقاً محدد الأبعاد والأهداف، جعلتها تواجه اتهامات محليَّة ودولية، ووضعتها في مَرمى العقوبات الدولية والعربيَّة، وفي مَرمى النيران الإسرائيليَّة منذ عام 2006. وقد تركَّزت هذه الاتهامات على أنشطة هذه الجمعيَّة، لا سيَّما على استقطابِها التَّمويل لصالح الجهة التي تنتمي إليها، والولوج إلى الأنظمة المصرفية المحلية والعالمية عبر عددٍ من كوادرها الذين كانوا هم أيضاً هدفاً للعقوبات. كذلك واجهت الجمعية اتهامات دوليَّة بغسل الأموال وبتمويل الإرهاب»، مضيفاً: «تَبدو (مؤسسة القرض الحسن) وكأنها السلطة المالية لدولةٍ موازية مكتملة الهيكلية البنيويَّة، من السياسة الدفاعيَّة، إلى السياسة الخارجيَّة، إلى السياسة الماليَّة والاتصالات».


مقالات ذات صلة

المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء قصف إسرائيلي استهدف الواجهة البحرية السياحية لمدينة صور في جنوب لبنان (أ.ب)

إسرائيل تستغل تعثّر المباحثات بتحويل جنوب لبنان إلى «أرض محروقة»

تستغل إسرائيل التعثر في المباحثات الآيلة للتوصل إلى اتفاق لوقف النار في جنوب لبنان، بتوسعة القصف الذي طال الواجهة البحرية السياحية لمدينة صور بجنوب لبنان.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي جنود لبنانيون في حارة صيدا على مقربة من المبنى الذي استهدفته الأحد غارة إسرائيلية (رويترز)

الحملة الإسرائيلية حولت بلدات لبنانية لأطلال وحطام (صور)

أظهرت صور بالأقمار الاصطناعية قدمتها شركة «بلانت لابس» لـ«رويترز» أن الحملة العسكرية الإسرائيلية بجنوب لبنان أدت لدمار كبير في أكثر من 12 بلدة وقرية حدودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
خاص عَلم لـ«حزب الله» مرفوع قرب موقع استهداف إسرائيلي مباني في الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب)

خاص «خبراء» من «الحرس الثوري» يشرفون على معارك جنوب لبنان

أكد مصدر سياسي لبناني على صلة وثيقة بـ«حزب الله» لـ«الشرق الأوسط»، إشراف «خبراء» من «الحرس الثوري» على المعارك التي يخوضها الحزب، لكنه نفى وجود مقاتلين إيرانيين.

محمد شقير (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو: نأمل بمزيد من اتفاقات السلام مع الدول العربية بعد الحرب

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاثنين، إنه يأمل في التوصل إلى مزيد من اتفاقات السلام مع دول عربية بمجرد انتهاء الحرب.

«الشرق الأوسط» (القدس)

العراق: «المجمع الفقهي» و«ديوان الوقف السني» يرفضان تعديل «الأحوال الشخصية»

رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)
رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)
TT

العراق: «المجمع الفقهي» و«ديوان الوقف السني» يرفضان تعديل «الأحوال الشخصية»

رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)
رئيس «ديوان الوقف السني» العراقي مشعان الخزرجي (موقع الديوان الرسمي)

أظهر «المجمع الفقهي»، وهو أرفع مرجعية دينية سنية في العراق، وكذلك «ديوان الوقف السني»، موقفاً حاسماً حيال تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 الذي أثار ولا يزال الكثير من الاعتراضات منذ طرحه على البرلمان قبل نحو خمسة أشهر. ومن شأن الموقف الجديد الرافض للتعديل والصادر عن أرفع مؤسستين دينيتين سنيتين، عرقلة إقرار التعديل الذي تطالب به بعض قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية.

ويواجه التعديل المقترح معارضة شديدة من الجماعات المدنية والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة والطفل، وكذلك من قبل العديد من المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان، ويعترض على إقراره البرلمان الأوروبي.

وشرح «المجمع الفقهي» العراقي و«ديوان الوقف السني»، في بيان مشترك ومطول، أسباب رفضهما مشروع التعديل، ووجدا أنه «لا مسوغ لاستبدال بالقانون مدونتين منفصلتين شيعية وسنية»، في إشارة إلى أن التعديل الجديد يستند في تطبيقه على مدونتين تصدران عن الوقفين الشيعي والسني بعد 6 أشهر من التصويت على القانون داخل البرلمان.

وقال الجانبان في البيان المشترك، إن «قانون الأحوال الشخصية يُعدّ صمام الأمان لحفظ الأسرة العراقية؛ إذ يشمل في مواده 94 مادة حول كل ما يتعلق بفقه الأسرة؛ من زواج وطلاق وحقوق زوجية، وعدة ونسب، وحضانة ونفقة، ووصية ومواريث، مع الرجوع للأحكام الشرعية والفقه الإسلامي في المسائل غير المنصوص عليها، مع مراعاة القضاء لطبيعة المرجعية الفقهية للعقدين من خلال فقرة استحقاق المهر المؤجل».

ورأى الجانبان أن القانون النافذ الذي يراد تعديله «اعتمد في اختيار الآراء الفقهية ما يلائم طبيعة المجتمع العراقي المتنوع وظروفه».

وأضاف أن «الفقرتين (ث) و(ج) من المادة (أولاً) من قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية تضمنتا اعتماد رأي المجلس العلمي للوقف الشيعي في حال تعذر الحكم وفق الفقه الشيعي الجعفري، على أن يتم الرجوع إلى رأي المرجع الديني الذي يقلده غالبية الشيعة في العراق».

ويرى المجمع والديوان، أن «هذا التوجه (الآنف) يتفق مع نص الفقرة الثانية من المادة 4 من قانون ديوان الوقف الشيعي رقم 57 لسنة 2012، في حين اعتمد رأي المجلس العلمي والإفتائي للوقف السني دون اعتبار لمرجعية (المجمع الفقهي) العراقي لكبار العلماء، والتي نصت عليها الفقرة (ثانياً) من المادة الرابعة من قانون (ديوان الوقف السني) رقم 56 لسنة 2012».

واعتبر البيان أن في ذلك «إقصاءً غير مبرر لمرجعية الوقف السني التي تتمتع بغطاء قانوني، وازدواجية في التعامل مع القوانين المتعلقة بحقوق مكونات المجتمع العراقي».

وفيما يخص المادة الثانية وإلغاء الفقرة 5 من المادة 10 من القانون المتعلقة بإجراءات ضبط عقود الزواج، أشار البيان إلى أن «توسيع التخويل في إبرام هذه العقود من قبل ديوانَي الوقف الشيعي والسني قد يؤدي إلى فوضى في بناء الأسرة، والتفريط بحقوق الزوجة والأبناء، واستغلال الفئات المستضعفة».

أطفال عراقيون يشاركون في ماراثون أقيم في «شارع أبو نواس» وسط بغداد ضمن فعالية لحماية الأيتام ودمجهم اجتماعياً (إ.ب.أ)

وشدد بيان الجانبين على أنه «لا توجد مسوغات شرعية لاستبدال بالقانون مدونتين شيعية وسنية»، وأنه «بالإمكان تعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية رقم 188 بما يتناسب مع تطور المجتمع، وأن تُصاغ المواد ذات الخلاف الجوهري بين الفقهين السني والشيعي بما يمنح القاضي مرونة لاختيار النص الأنسب لمذهب العاقدين».

وسلك «المجمع الفقهي» و«ديوان الوقف السني» طريقاً آخر في حال «إصرار بعض أعضاء مجلس النواب على تعديل قانون الأحوال الشخصية»، ويتمثل هذا الطريق في «البقاء على القانون الحالي، وإضافة المدونتين لتمكين العاقدين من حرية الاختيار بين القانون أو إحدى المدونتين، مع عدم سريان أي أثر رجعي للعقود السابقة وفق قاعدة استصحاب الأصل».

وفي العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، طالب البرلمان الأوروبي، البرلمان العراقي بالرفض الكامل والفوري للتعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية.

وحذر أعضاء في البرلمان الأوروبي من عواقب التعديل «الذي ينتهك التزامات العراق الدولية بشأن الحقوق الأساسية للمرأة».

ورأوا أن «قانون العقوبات الحالي لا يحمي النساء والأطفال ضحايا العنف المنزلي في العراق، وبالتالي من شأن التعديلات المقترحة على قانون الأحوال، إذا سُنت، أن تؤدي إلى تطبيق أكثر راديكالية للقانون».