مرضى مخيمات مكتظة شمال شرقي سوريا: «نموت ببطء»

يقاسون الألم والخيبة بعد توقف دعم منظمة الصحة العالمية

مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)
مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)
TT

مرضى مخيمات مكتظة شمال شرقي سوريا: «نموت ببطء»

مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)
مخيم «واشوكاني» بالحسكة شمال شرقي سوريا يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (الشرق الأوسط)

داخل نقطة طبية في مخيم «واشوكاني» بمحافظة الحسكة، يكافح فريق «الهلال الأحمر الكردي» لتأمين الإحالات الطبية والأدوية لإنقاذ حياة المرضى بعد توقف نظام الإحالات الطبية المجانية، منذ أبريل (نيسان) الماضي، الذي كانت تموله منظمة الصحة العالمية، في 11 مخيماً شمال شرقي سوريا، بما في ذلك مخيم «الهول» المكتظ، ليواجه مئات النازحين السوريين المصابين بأمراض مزمنة، مصائرهم دون مساعدة، مع ارتفاع تكاليف العلاج الخاص في جميع أنحاء البلاد.

صالة انتظار مرضى مخيم «واشوكاني» بمحافظة الحسكة شمال سوريا (الشرق الأوسط)

في قسم الاستقبال عشرات الحالات المرضية تنتظر دورها بفارغ الصبر، الغالبية من النساء والأطفال، جالسين على مقاعد في بهو المركز. تسمع آهات المرضى، مَن يشكو القصور الكلوي أو السرطان أو المتاعب القلبية. أما صرخات الأطفال فناتجة عن سوء التغذية وإصاباتهم بالتهابات الأمعاء، وسط ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية في هذا المخيم قاربت 50 درجة مئوية.

تقصد النازحة أميرة (30 عاماً) هذه النقطة بشكل شبه يومي، ترقد على سرير في غرفة الإسعاف، وتشكو من ألم صامت سلبها الشعور بالراحة، فهذه الفتاة التي لم تأخذ من اسمها أي نصيب، مصابة بمرض السرطان منذ 10 سنوات، وهي إحدى المتضررات من قرار توقف دعم منظمة الصحة العالمية.

تتحمل أميرة تكاليف العلاج الباهظة على نفقتها الخاصة مع تدهور وضعها الصحي والمادي. بدأت المشكلة بألم بسيط في المعدة عام 2014، أساء الأطباء تشخيص حالتها، فاعتقدت بأنها مصابة بالتهاب القولون. وعندما زارت في عام 2019 العاصمة دمشق للكشف عن حالتها، تم تشخيص مرضها بأنه القولون أيضاً، ونصحها الأطباء بضرورة استئصاله.

مرضى الأمراض المزمنة في مركز الصليب الأحمر الكردي بمخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

فرار من رأس العين

بعد تنفيذ تركيا عملية عسكرية وسيطرتها على مسقط رأسها رأس العين (سري كانيه بالكردية) أكتوبر (تشرين الأول) 2019، فرت أميرة إلى مخيم «واشوكاني» لكن مأساة النزوح لن تكون آخر فصول عذابها، إذ اكتشفت أنها مصابة بالسرطان.

وقالت أميرة: «بعد نزوحي استأصلوا القولون بعملية تكفَّلت بها منظمة الصحة العالمية، وبقيت فترة على العلاج لكن وضعي صار أصعب، حتى صرت أعيش على حفاظات العجزة».

بعد اكتشاف إصابتها بالسرطان كانت حالتها الصحية قد تدهورت تماماً لتبدأ رحلة العلاج، والبحث عن الجرعات بشق الأنفس. أضافت: «رجعت للمشفى بالحسكة ليقولوا إن الورم بقي منه شيء بسيط لم يتمكنوا من استئصاله، لكن حالتي تدهورت، وبدأت أخذ جرعات كيميائية ووضعي صعب».

بيريفان خلي رئيسة قسم الإسعاف في النقطة الطبية للهلال الأحمر الكردي في مخيم «واشوكاني»

بدورها، تفيد بيريفان خلي، رئيسة قسم الإسعاف في النقطة الطبية الوحيدة بالمخيم، التي تقدم خدماتها لنحو 16500 نازح، بأن غالبية المرضى بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية لوجود حالات سرطانية وأمراض مزمنة، وتلفت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه حتى مطلع شهر أبريل الماضي، كانت «الصحة العالمية» تدعم الإحالات المرضية للمستشفيات الحكومية داخل المربع الأمني في الحسكة. لكن الآن، مع صعوبة تأمين العلاجات والإحالات «يضطر كثير من النازحين للعلاج على حسابهم، هناك حالات مزمنة تحتاج إلى العلاج في المراكز التخصصية، وبسبب ضعف وضعهم المادي ونفقات العلاج المرتفعة، عكفوا عن العلاج واستسلموا للألم وتداعياته».

الهلال الأحمر الكردي بمخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

وأوضحت أنه لا يوجد في نقطة «الهلال» الطبية داخل المخيم، جهاز «المسح الذري» الذي يرصد الأورام السرطانية، كما تغيب عن المستوصفات أدوية علاج السرطان والجرعات الكيميائية وأدوية مرضى السكر. لذا فاقم توقف دعم «الصحة العالمية» معاناة النازحة أميرة، ونحو 100 حالة مماثلة في هذا المخيم.

وأشارت بيريفان إلى أن نقطة «الهلال» بالمخيم عبارة عن مستوصف أوّلي، «لا تخدم عمليات معقدة، ونحن نتواصل مع غرفة العمليات التابعة لإدارة (الهلال الكردي) في القامشلي؛ بحثاً عن الجرعات والعلاج المجاني في مستشفيات تخصصية أخرى».

مخيم «واشوكاني» بمحافظة الحسكة يقطنه 16500 نازح من مدينة رأس العين (سري كانيه) وريفها (الشرق الأوسط)

أميرة التي تعيش مع والدها المسن في خيمة لا تقيها حرارة الصيف أو برودة الشتاء، وتستكمل علاجها على نفقتها الخاصة مع صعوبة تحمل الأعباء المادية الباهظة، لا سيما الجرعات الكيميائية، طلب منها الأطباء إجراء تنظير معدة وقولون كلفتها نحو مليون ونصف المليون ليرة (100 دولار أمريكي)، وهذا المبلغ لا تمتلكه حالياً. كما أجرت قبل أسابيع عملية ثانية كلفتها نحو 2 مليون ليرة دون فائدة، تشكو بأسى: «أوردة في جسمي ليفتحوها ما بقي، وعندي 3 جرعات كيميائية شهرياً».

أحمد حسن الحسو مصاب بقصور كلوي في إحدى كليتيه يعيش في مخيم بالحسكة (الشرق الأوسط)

تعيش سوريا منذ سنوات تراجعاً في الخدمات العامة بسبب النزاع الدائر، وتدهور الوضع الاقتصادي الذي أخرج العديد من المستشفيات عن الخدمة، وزاد شح المساعدات الدولية من معاناة النازحين السوريين القاطنين في مخيمات مكتظة وخيام متهالكة.

وينتظر نحو 1200 مصاب بأمراض مزمنة في 11 مخيماً شمال شرقي سوريا على قائمة العلاج، بينهم أحمد حسن الحسو (60 عاماً) المصاب بالفشل الكلوي، الذي يسكن في مخيم «واشوكاني»، ويعيش في خيمة مع ابنه بعد فرارهما من قرية العامرية الواقعة بالريف الغربي لبلدة تل تمر، التي سيطرت عليها القوات التركية وفصائل سورية موالية منذ 5 سنوات.

كان أحمد الحسو يعاني من مرض السكري بدايةً، وبعد انتشار «الغرغرينا» قُطِع أحد أصابع قدمه، لتكتمل فصول المعاناة بفشل إحدى كليتيه.

ماجد عبد القادر قائد فريق الهلال الأحمر الكردي في مخيم «واشوكاني» (الشرق الأوسط)

أثناء حديثه معنا كان ممداً على بساط بلاستيك تحت خيمة سقفها منخفض وشديدة الحرارة. قال: «أغسل كليتيَّ مرتين في الأسبوع، يقدم لي (الهلال الكردي) سيارة إسعاف في أي لحظة، أوقات يسعفوني الساعة 12 ليلاً». منوهاً بأن حالته في تدهور مستمر: «لمن أروح لغسل كليتيَّ أكون كأني في جنازة، وبعد عودتي أكون كالميت».

الدكتور هنر عبدو اختصاصي أطفال داخل نقطة الهلال الأحمر الكردية بالمخيم (الشرق الأوسط)

يحتاج المرضى هنا للوصول إلى خدمات صحية متخصصة بالمجان، وليس المقصود حالات الأورام السرطانية فقط، بل أمراض الأعصاب والغدد والأنف والأذن والحنجرة وأمراض الجهاز الهضمي والأمراض الجلدية. كما تغيب الجراحات العامة وأمراض العيون عن هذه المخيمات، التي كانت تعتمد بالدرجة الأولى على إحالات منظمة الصحة العالمية للمشافي التابعة للحكومة السورية بالحسكة.

وبحسب إحصاءات هيئة الصحة لدى «الإدارة الذاتية لشمال وشرق» سوريا، وهي سلطة مدنية تأسست عام 2014، يوجد نحو 1200 مريض بحالات باردة قد تتدهور في أي لحظة، موزعين على 11 مخيماً يقع تحت سيطرتها، بينهم 800 مريض في مخيم الهول و400 آخرين موزعين على باقي المخيمات، أكبرها مخيمات «العريشة» و«واشوكاني» و«الطلائع» الواقعة بريف محافظة الحسكة.

يرى الدكتور هُنر عبدو، اختصاصي أطفال، أن مستوصف «الهلال الكردي» عبارة عن نقطة رعاية أوّلية تقدم الخدمات الطبية لمعالجة حالات الحرارة العالية، والغثيان، والإسهال، والجروح، والحروق، إلى جانب الكشف عن حالات الاختلاجات والتهابات الأمعاء. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «إذا شككنا بأن المريض يعاني من مرض مزمن أو ورم خبيث أو تشوهات قلبية، فإننا نحيله للمشافي لاستكمال دراسة الحالة وتقديم الرعاية».

ويضيف الطبيب الذي كان يفحص طفلاً برفقة والدته، ويقدم استشارات طبية مجانية لمراجعيه، في نهاية حديثه، أن هذه الخدمات «هي أقصى قدرة للطاقم الطبي يمكنه تقديمها في ظل تدهور الأوضاع الإنسانية والمادية للنازحين في هذه المخيمات».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

صحتك طفل مصاب بجدري القردة يتلقى الرعاية الصحية (أ.ب)

«الصحة العالمية»: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم الجمعة، إن تفشي جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي عاملا صحة يعتنيان بمصابة جراء الحرب في أحد مستشفيات لبنان 15 يوليو 2024 (أ.ب)

الصحة العالمية: مقتل 226 عاملاً صحياً ومريضاً في لبنان منذ بدء حرب 7 أكتوبر

قالت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الجمعة)، إن 226 عاملاً صحياً ومريضاً قُتلوا في لبنان، فيما أصيب 199 آخرون جراء الهجمات الإسرائيلية منذ اندلاع الحرب.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أوروبا أطفال مصابون بجدري القرود في الكونغو عام 1970 (منظمة الصحة العالمية)

«الصحة العالمية» تعطي الترخيص لأول لقاح لجدري القردة للأطفال

أصدرت «منظمة الصحة العالمية» ترخيصاً لاستخدام أول لقاح ضد جدري القردة للأطفال.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية في ساحة مستشفى الأقصى في دير البلح بقطاع غزة 9 نوفمبر 2024 (أ.ب)

«الصحة العالمية»: إسرائيل رفضت 4 بعثات إمداد لـ«مستشفى كمال عدوان» في قطاع غزة

قالت منظمة الصحة العالمية إن إسرائيل رفضت «بشكل تعسفي» خلال الأيام العشرة الماضية دخول 4 بعثات من المنظمة لإرسال فرق طبية وإمدادات لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك أبرز «إعلان جدة» دور المنظمات الرباعية في تقديم الدعم اللازم للحكومات (واس)

«إعلان جدة» يدفع قُدماً الأجندة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات

تعهَّدت الدول الأعضاء في «إعلان جدة» بتحقيق أهداف الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن مقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030.

إبراهيم القرشي (جدة)

جمال مصطفى: نعم... رفض صدام اغتيال الخميني وعدّه ضيفاً

TT

جمال مصطفى: نعم... رفض صدام اغتيال الخميني وعدّه ضيفاً

خرجَ الدكتور جمال مصطفى السلطان، صهرُ الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وسكرتيره الثاني، عن صمته وروَى لـ«الشرق الأوسط» وقائعَ عاشها في المعتقل وإلى جانب عمّه الرئيس.

أكَّدَ جمال مصطفى أنَّ صدام حسين رفض اقتراحاً باغتيال الإمام الخميني في أثناء وجوده في العراق وعده ضيفاً. كمَا أكَّد زيارةَ مسؤول في المخابرات العراقية للخميني خلال وجوده في فرنسا.

ونقل جمال عن صدام قوله في مجلس الوزراء إنَّه عاتب رئيس الأركان الفريق أول الركن نزار الخزرجي على «ما فعله في حلبجة من دون الرجوع إلى القيادة». ودافعَ عن خاله علي حسن المجيد عاّداً أنَّه «لُقّب ظلماً بالكيماوي». كما نقل عن صدام أنَّ الزعيم عبد الكريم قاسم «كان نزيهاً لكن الحزب كلفنا باغتياله».

وقالَ جمال إنَّه عرف بإعدام صدام خلال وجوده في المعتقل، مشيراً إلى أنَّ أعضاء القيادة أدُّوا لدى بلوغِهم النَّبأ صلاةَ الغائب وشاركهم فيها عضو القيادة طارق عزيز. وأكَّدَ أنَّ صدام تعرَّض للإيذاء وكانَ يعرف أنَّه سيُعدم، مشيراً إلى أنَّ أعضاءَ القيادة «مشوا إلى المشنقة ولم يرفَّ لهم جَفن». وأضاف: «كانت خسارة عظيمة (...) حاول الجميع ضبطَ مشاعرهم أمام الخسارة. ولكن حقيقة، نحن الرجال، نخجل من أن نبكيَ رغم أنَّه أمرٌ طبيعي. وعندما يريد أحدٌ أن يقومَ بهذا الموضوع يعزل نفسَه في جانب ما حتى لا يُشاهد».