استأثر نشر «حزب الله» شريط فيديو يُظهر فيه واحدة من منشآته الصاروخية الموجودة في أنفاق تحت الأرض، باهتمام عدد من السفراء المعتمدين لدى لبنان، خصوصاً أن نشره تزامن مع تعليق المحادثات في الدوحة للتوصل إلى وقف النار في غزة، على أن تُستأنف في القاهرة قبل نهاية الأسبوع الحالي، وسط مسحة من التفاؤل الرسمي اللبناني بأنها ستكون حاسمة، وستؤدي إلى إنهاء الحرب في القطاع مع ارتفاع منسوب الضغط الأميركي على رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، لسد الفجوات التي تؤخر ولادة الاتفاق.
وتجلى الاهتمام الدبلوماسي الأجنبي بطرح أسئلة تتعلق بالظروف التي أملت على «حزب الله» نشر الفيديو، مع أن الضرورات العسكرية تستدعي إبقاءها قيد الكتمان، وعدم إظهارها للعلن؛ ليكون في وسعه الاحتفاظ بعامل المفاجأة لاستخدامها في الوقت المناسب، مع أنه أبقاها مجهولة الموقع الجغرافي.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية، تواصل معها السفراء، أن ما يهم هؤلاء، هو الاستقصاء عن الظروف الميدانية التي أملت على الحزب نشره، ربما لاستدراج ردود إسرائيل عليه، مع أن المشمولين باتصالاتهم أكدوا أن لا نية للحزب بتوسعة الحرب التي تهدد إسرائيل بها، وأنه مستمر في مساندته لغزة لضمان انسحاب إسرائيل منها، وإن كان يضطر من حين إلى آخر للرد على تجاوز إسرائيل للخطوط الحمر لاغتيالها القيادي فؤاد شكر، وآخرين من كوادره العسكريين في العمق اللبناني.
«عماد-4»
وتوقف السفراء أمام إطلاق اسم «عماد-4» على المنشأة الصاروخية، في محاولة لمعرفة ما قبله أو بعده من مخزون لسلاحه الصاروخي، وسألوا عن التوقيت وعلاقته باستئناف محادثات وقف النار في غزة.
وتأكد للسفراء أن نشره ليس محصوراً برفع معنويات مقاتلي الحزب، وشد أزرهم في مواجهتهم للمسيرات الإسرائيلية التي تلاحقهم من مكان لآخر، وإنما لتمرير رسالة إلى تل أبيب بأن هذه المنشأة الصاروخية ما هي إلا عينة لما لديه من مخزون صاروخي، يجيز للحزب استخدامه في حال أقدمت على توسعة الحرب لتحقيق توازن ردعي يُفترض أن تحسب له إسرائيل ألف حساب.
وقيل للسفراء، حسب المصادر، إن الحزب باقٍ على موقفه بإعطاء فرصة للمحادثات المتنقلة ما بين الدوحة والقاهرة لوقف النار في غزة، وهذا يستدعي منه التمهل في الرد على إسرائيل، والموقف نفسه ينسحب على إيران التي أحيطت علماً، كما علمت «الشرق الأوسط»، بتعليق المحادثات في الدوحة وانتقالها إلى القاهرة التي يجب أن تشكل محطة حاسمة لتقرير مصير وقف النار.
فرصة للمحادثات
كما تأكد أن الحزب لا يرى ضرورة لاستخدام ما لديه من سلاح صاروخي دقيق ما دامت المواجهة مع إسرائيل تنطلق من مساندته لغزة، وبالتالي لا داعي للكشف عما لديه من أسلحة نوعية ومتطورة قبل الأوان، والتي سيضطر إلى إخراجها من أنفاقه للرد على تهديدات إسرائيل في حال مضت قدماً نحو توسعة الحرب.
فالحزب، وإن كان قد امتنع بالواسطة، عن الرد على أسئلة السفراء عما إذا كان سيصرف النظر عن رده على اغتيال شكر، في حال توصلت المحادثات لوقف النار في غزة، أبلغَ من يعنيهم الأمر بأنه ليس في وارد الإجابة عن أسئلة افتراضية، لأن ما يهمه النتائج وليس التوقعات.
وعليه أراد الحزب أن يقيم، من نشره للفيديو، حالة من توازن الرعب مع إسرائيل للضغط عليها للوصول إلى تسوية لعودة الاستقرار للجنوب بتطبيق القرار 1701 بكل مندرجاته برعاية أممية على قاعدة إنجاح محادثات وقف النار في غزة.
تنسيق مع بري وميقاتي
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن التنسيق قائم بين رئيسي البرلمان نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي، ويتبادلان الرأي مع «حزب الله» لوضعه في أجواء لقاءاتهما بالموفدين إلى لبنان.
وكشفت مصادر سياسية أنهما يبديان ارتياحهما لموقف «حزب الله» الذي لم يسجل اعتراضه على تدفق الموفدين الأجانب، ومن بينهم الوسيط الأميركي آموس هوكستين، إلى لبنان. وقالت إن الحزب على قناعة بتوفير الفرصة لمحادثات وقف النار في غزة، وهو يتمهل حالياً في الرد على إسرائيل، ويحتفظ بحقه في الرد بالوقت المناسب مقدراً الوضع العام في البلد.
ولفتت إلى مواكبة ميقاتي، ومعه وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، للاتصالات ذات الصلة بالوضع المشتعل في الجنوب. وقالت إن ما يهمهما لجم إسرائيل ومنعها من تدحرج الحرب نحو الجنوب.
في حين الذين التقوا الموفدين الأجانب من وزراء خارجية ومسؤولين أمنيين من دول عدة، فضلوا البقاء في الظل بعيداً عن الأضواء، ومنهم مَن يتواصل مع «حزب الله»، توقفوا ملياً أمام تعاطي الحزب بواقعية ومرونة في مواجهته لإسرائيل على خلفية تقيده بشروط مساندته لغزة، وهذا ما يتعارض مع توجهات الحزب الآيديولوجية التي كانت قائمة في السنوات الأولى لولادته.
وبكلام أوضح يرى هؤلاء أن الحزب منذ أن قرر مساندته لغزة، لا يزال يتصرف بواقعية ويلتزم بالسقف العسكري الذي رسمه لنفسه بعدم إعطاء الذرائع لإسرائيل لتوسعة الحرب أو استدراجه لها، وهو يمارس، كما يقول هؤلاء، ضبط النفس إلى أقصى الحدود، ويضطر للرد عليها لتجاوزها الخطوط الحمر، سواء باغتيالها لشكر أو باستهدافها كوادر أمنية تتولى الإشراف على الوضع الميداني في الجنوب ومستلزماته.
تجنب السجال
ورغم أنهم تجنبوا الدخول في سجال مع المعارضة على خلفية انتقادها لتفرد الحزب بقرار السلم والحرب دون العودة إلى الدولة كونها وحدها صاحبة القرار في هذا الخصوص، رغبة منهم بعدم تعميق الهوة بين اللبنانيين المنقسمين على أنفسهم بين مؤيد للحزب ومعارض له، فإنهم في المقابل يتوقفون أمام مبادرة الحزب لإعادة النظر بطروحاته الآيديولوجية التي تأسس عليها وظلت قائمة لسنوات، إلى أن تخلى عن شعاره «زحفاً زحفاً نحو القدس»، وعن دعوته لزوال إسرائيل واستبدل بها واقعية تأييده حق العودة للفلسطينيين، وهذا ما استمر عليه بتعاطيه مع مساندته لغزة تحت سقف ضبط إيقاع المواجهة في الجنوب، وعدم توفير الذرائع لإسرائيل لتوسعة الحرب.
التوقيت الميداني
لذلك اختار الحزب التوقيت الميداني، بنشره للفيديو، للرد على التهديدات الإسرائيلية، ليس لتوسعة الحرب التي لا يريدها، كما يؤكد مصدر في الثنائي الشيعي لـ«الشرق الأوسط» وأعلمَ بها الموفدين الغربيين والثلاثي (الأميركي- المصري - القطري)، وإنما للضغط على تل أبيب لتعيد النظر في حساباتها، بإعلامها سلفاً بأن ليس هناك من منطقة ستبقى بمنأى عن صواريخه الذكية والدقيقة التي تعد، كما يقول مقربون منه، بالمئات.