«قبور فوق قبور»... وحفارون مُنهكون في غزة

الحفار سعدي حسن بركة قرب مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحفار سعدي حسن بركة قرب مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

«قبور فوق قبور»... وحفارون مُنهكون في غزة

الحفار سعدي حسن بركة قرب مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)
الحفار سعدي حسن بركة قرب مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)

في مقبرة السويد في دير البلح بقطاع غزة، يضطر الحفارون لبناء «قبور فوق قبور» بسبب عدد القتلى الكبير، جرّاء النزاع المتواصل منذ عشرة أشهر، وتعكف مجموعة منهم على تهيئة حُفَر مستطيلة متراصّة لتؤوي الضحايا المقبلين.

يعمل الحفارون تحت إشراف سعدي حسن بركة، البالغ 63 عاماً وهو يركز نشاطه، الآن، في هذه المقبرة الممتدّة على نحو 5 هكتارات ونصف الهكتار، بعدما أضحت مقبرة أنصار (نحو ثلاثة هكتارات ونصف الهكتار) «مليئة بالشهداء».

وتقع المقبرتان في مدينة دير البلح، وسط القطاع المعرَّض لقصفٍ تشنُّه إسرائيل منذ أكثر من عشرة أشهر، بعد الهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، داخل الدولة العبرية.

الحفار سعدي حسن بركة يعمل في مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)

الحفار سعدي حسن بركة يعمل في مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)

يقول بركة، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قبل الحرب، كنا ندفن حالة أو حالتين، أو حتى خمساً في الأسبوع، بينما ندفن، اليوم، ثلاثمائة أو مائتين.. شيء لا يتصوره العقل».

ويؤكد أنه لا يتوقف عن العمل «من السادسة صباحاً حتى السادسة مساء، كل يوم».

«طوابق الشهداء»

يتقدم بركة، الذي غطّى الغبار جلبابه الأسود بفعل الغبار الذي يثيره الحفر طوال اليوم، فريقاً من 12 عاملاً، يعمل بعضهم على الحفر، بينما ينقل آخرون الحجارة لتهيئة المدافن.

ويتابع بأسى: «المقبرة مليئة.. أضع قبوراً فوق قبور، ثلاثة قبور فوق بعض. أصبحنا نبني طوابق للشهداء».

ويؤكد: «أنا أحفر قبوراً منذ 28 سنة، مرت علينا حروب 2008 و2012 و2014... لكن لم أشهد مثل جرائم هذه الحرب».

لا تنتهي محنته بانتهاء عمله اليومي، إذ تُلازمه صور الموتى ليلاً طاردةً النوم من عينيه. ويؤكد: «لا أعرف النوم بسبب مشاهد الأطفال المقطّعين والنساء».

ويروي قائلاً: «دفنتُ 47 امرأة من عائلة الطباطيبي، بينهن 16 كُنَّ حوامل. أيّ ذنب اقترفن؟!».

الحفار سعدي حسن بركة يعمل في مقبرة دير البلح (أرشيفية - أ.ف.ب)

واندلعت الحرب في قطاع غزة على أثر هجومٍ نفّذته حركة «حماس»، في السابع من أكتوبر الماضي، على جنوب إسرائيل أسفر عن مقتل 1198 شخصاً، معظمهم من المدنيين، وفقاً لحصيلة أعدّتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، استناداً إلى أرقام إسرائيلية رسمية.

وأسفرت الغارات والقصف والهجمات الإسرائيلية في غزة عن مقتل 40005 أشخاص، على الأقل، وفق وزارة الصحة، التابعة لـ«حماس».

ومنذ بدء الحرب يؤكد بركة أنه دفن «اثنين أو ثلاثة تابعين لـ(حماس)»، بينما الباقون «كلهم أطفال ونساء».

«لماذا الأطفال؟!»

ويتابع بغضب: «إذا كانت لإسرائيل مشكلة مع السنوار ومع هنية، الله يرحمه، فلماذا يقتلون الأطفال؟!».

وهو مقتنع «بأنهم (الإسرائيليين) يريدون القضاء على الشعب الفلسطيني كله».

ويواصل مساعدو بركة تهيئة حُفَر جديدة، في المساحات القليلة التي لا تزال شاغرة متصببين عرقاً تحت الشمس، تحيط بهم شواهد قبور بِيض.

وينقل زملاء لهم، شكّلوا سلسلة الحجارة الخرسانية التي تضاعف سعرها، وفق بركة، «من شيقل واحد قبل الحرب إلى 12 شيقلاً، اليوم، جراء توقف مصانعها عن العمل لغياب الكهرباء والمواد الأولية».

تشهد أكوام الأتربة الطرية على عمليات دفن جرت في الأيام القليلة الماضية، جِنازات باتت تقتصر على عمال الحفر.

ويقول بركة: «قبل الحرب عندما يموت أي شخص كان يحضر الجنازة نحو ألف» آخرين.

أما اليوم «إذا جاء 30 أو 300 شهيد لا يكون معهم سوى 20 شخصاً.. شيء مؤسف»، على ما يوضح، بينما تضجُّ الأجواء فوقه بطنين المُسيّرات، كأنما لتُذكِّره بأن الموت يتربص بغزة.


مقالات ذات صلة

بينهم 9 أطفال... مقتل 15 شخصاً من عائلة واحدة بقصف إسرائيلي في غزة

المشرق العربي الدخان يتصاعد جراء القصف الإسرائيلي على غزة (إ.ب.أ)

بينهم 9 أطفال... مقتل 15 شخصاً من عائلة واحدة بقصف إسرائيلي في غزة

أعلن الدفاع المدني في غزة مقتل 15 شخصاً من عائلة فلسطينية واحدة في قصف جوي إسرائيلي في ساعة مبكرة من اليوم (السبت) في وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يضطرون للنزوح في مدينة خان يونس بقطاع غزة في يوليو الماضي (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي يطلب إخلاء مناطق واسعة بمخيم المغازي وسط غزة

طالب الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم السبت، بإخلاء مناطق واسعة في المغازي وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة )
المشرق العربي فلسطينيون نازحون يفرون وسط قصف إسرائيلي لمناطق أعلنها الجيش الإسرائيلي غير آمنة بعد تصنيفها كمناطق إنسانية في خان يونس جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

11 قتيلاً بغارات إسرائيلية على الزوايدة وحي الشيخ رضوان في غزة

ذكرت وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا) اليوم السبت أن ما لا يقل عن 11 فلسطينياً قتلوا وأصيب آخرون بجروح.

«الشرق الأوسط» (غزة)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي جو بايدن يترجل من الطائرة الرئاسية في هاغرستاون بولاية مريلاند متوجها إلى كمب ديفيد (أ.ف.ب)

بايدن متفائل بقرب التوصل إلى وقف النار في غزة وإطلاق الرهائن

تحدث الرئيس الأميركي جو بايدن مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني وتحدث مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لمراجعة النقاشات التي أُجريت في الدوحة.

هبة القدسي (واشنطن)
المشرق العربي دخان يتصاعد في قرى حدودية بجنوب لبنان نتيجة قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

لبنان: 10 قتلى و 3 جرحى بغارة إسرائيلية على مبنى سكني في النبطية

قالت وزارة الصحة اللبنانية، في وقت مبكر اليوم (السبت)، إن 10 أشخاص قتلوا وأصيب ثلاثة في غارة إسرائيلية على مبنى سكني في مدينة النبطية في جنوب لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس شلل الأطفال في غزة

نازحة فلسطينية لجأت إلى المقابر في خان يونس مع طفلها (رويترز)
نازحة فلسطينية لجأت إلى المقابر في خان يونس مع طفلها (رويترز)
TT

تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس شلل الأطفال في غزة

نازحة فلسطينية لجأت إلى المقابر في خان يونس مع طفلها (رويترز)
نازحة فلسطينية لجأت إلى المقابر في خان يونس مع طفلها (رويترز)

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، الجمعة، أنه تم تشخيص إصابة طفل يبلغ عشرة أشهر بشلل الأطفال في قطاع غزة، الذي تقول الأمم المتحدة إنه كان خالياً من هذا المرض منذ 25 عاماً.

وأوضحت الوزارة، في بيان: «سجلت وزارة الصحة أول إصابة بفيروس شلل الأطفال في المحافظات الجنوبية، وذلك في مدينة دير البلح لطفل يبلغ عشرة أشهر لم يتلق أي جرعة تحصين ضد شلل الأطفال»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وأضافت: «اشتبه الأطباء بوجود أعراض مطابقة لمرض شلل الأطفال، وبعد إجراء الفحوص اللازمة في العاصمة الأردنية عمّان، تم تأكيد الإصابة بسلالة فيروس شلل الأطفال المشتقة من اللقاح».

وأشارت إلى أن «الحكومة الفلسطينية تسخر كل إمكاناتها لحماية شعبنا وأطفالنا»، مؤكّدة أن «طواقمها في المحافظات الجنوبية والشمالية، وبالتعاون مع جميع المؤسسات الدولية ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، قد عملت خلال الأسابيع الماضية على وضع خطة شاملة متكاملة لتنفيذ حملة تطعيم موسعة ضد شلل الأطفال في قطاع غزة».

وشددت الوزارة على أن «استمرار العدوان الوحشي الإسرائيلي على قطاع غزة قد نجم عنه كارثة صحية، بشهادة المنظمات الدولية، كما أن نقص احتياجات النظافة الأساسية، وعدم توافر خدمات الصرف الصحي، وتراكم النفايات في الشوارع وحول أماكن إيواء النازحين، وعدم توافر مياه الشرب الآمنة، قد خلقت بيئة مواتية لتفشي وانتقال العديد من الأوبئة».

وجدّدت الوزارة «مناشداتها المجتمع الدولي والمنظمات الصحية الدولية بسرعة التدخل لوقف العدوان الإسرائيلي الهمجي فوراً على قطاع غزة».

ووجّهت «نداءً عاجلاً لجميع المنظمات والهيئات الدولية بضرورة العمل الفوري لإعادة بناء أنظمة مياه الشرب الآمنة والصرف الصحي والتخلص من النفايات الطبية والصلبة، والعمل على إدخال الوقود لضخ المياه العذبة النقية، والسماح غير المشروط بدخول الإمدادات الطبية والأدوية والمواد الخاصة التي تستعمل للنظافة الشخصية».