العراق يتراجع عن دعم العملية التركية ضد «العمال الكردستاني»

مستشار الأمن إلى أربيل للتنسيق بعد «أن زاد التوغل عن حده»

مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي في أربيل لمشاورات أمنية (إعلام حكومي)
مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي في أربيل لمشاورات أمنية (إعلام حكومي)
TT

العراق يتراجع عن دعم العملية التركية ضد «العمال الكردستاني»

مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي في أربيل لمشاورات أمنية (إعلام حكومي)
مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي في أربيل لمشاورات أمنية (إعلام حكومي)

بعد موجة غضب سياسي وشعبي، ندّد مجلس الأمن الوطني العراقي بالتوغل التركي أكثر من 40 كيلومتراً داخل الأراضي العراقية، في موقف لافت بعدما قيل إنها مرحلة جديدة بين بغداد وأنقرة، عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى بغداد، أواخر شهر أبريل (نيسان) الماضي.

وقال الناطق الرسمي باسم القائد العام للقوات المسلّحة، اللواء يحيى رسول، في بيان صحافي، إن «المجلس تناول التدخلات والخروقات التي تمارسها القوات التركية في المناطق الحدودية المشتركة، وجرى تأكيد رفض التوغل العسكري التركي، والمساس بالأراضي العراقية، وأن على تركيا مراعاة مبادئ حسن الجوار، والتعامل دبلوماسياً مع الحكومة العراقية، والتنسيق معها تجاه أي موضوع يتعلق بالجانب الأمني».

وأضاف رسول أن السوداني «وجّه بإرسال وفد، برئاسة مستشار الأمن القومي، إلى إقليم كردستان؛ من أجل الاطلاع على الأوضاع العامة، والخروج بموقف موحد من هذا الموضوع الذي يمسّ السيادة العراقية».

حشد من دبابات تركية (أرشيفية - وزارة الدفاع التركية)

دعوة للقوى السياسية

ودعا المجلس «جميع الأطراف والقوى الوطنية لمساندة موقف الحكومة في هذا الأمر»، مجدداً «الموقف العراقي المبني على الدستور والقانون، الذي يمنع الاعتداء على أراضيه، أو استعمال الأراضي العراقية لتكون منطلقاً للاعتداء على دول الجوار».

وفي إشارة إلى موجة الغضب والانتقادات من قِبل قوى سياسية لما بدا أنه موقف متساهل من قِبل الحكومة حيال ما تقوم به تركيا من توغل داخل الأراضي العراقية بحجة محاربة حزب العمال الكردستاني، دعا المجلس الوطني للأمن القومي «جميع الأطراف والقوى السياسية لمساندة موقف الحكومة في هذا الأمر».

وكانت العملية التركية، التي توغلت بها القوات التركية داخل الأراضي العراقية من جهة محافظة دهوك على مساحات واسعة، قد أربكت الموقف الرسمي العراقي.

ودعت قوى وأحزاب سياسية وناشطون بغداد إلى التعبير عن موقف مما يجري، في حين أعلن أحد مستشاري رئيس الوزراء، في تصريح مُتَلفز، أن «العملية تجري بالتنسيق مع بغداد»، بينما لم تعلن الحكومة ما إذا كان هذا التصريح يعبر عن موقفها أم مجرد رأي شخصي.

مشاورات في أربيل

وبدأ مستشار الأمن القومي، قاسم الأعرجي، مباحثات في أربيل مع المسؤولين هناك بشأن تنسيق المواقف بين بغداد وأربيل بشأن ذلك، في وقت تستمر فيه الخلافات بين الطرفين بشأن الموقف من حزب العمال الكردستاني التركي «البككة».

وقال مصدر أمني إن «مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي وصل إلى أربيل، عاصمة إقليم كردستان، على رأس وفد رفيع المستوى، للتباحث مع القيادات الكردية بشأن توغل الجيش التركي في محافظة دهوك».

وأشار إلى أن «زيارة الوفد جاءت بتوجيه من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، للاطلاع والوقوف على آخر التطورات».

وكان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قد قال، أمس الأربعاء: «نحن عازمون على إنشاء ممر أمني بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً على طول حدودنا مع العراق وسوريا، وتطهير المنطقة بالكامل، وسنواصل العمليات حتى يجري تحييد آخر عنصر منهم».

السوداني مستقبلاً إردوغان في بغداد أبريل 2024 (أ.ف.ب)

أنقرة ـ بغداد... أوراق مبعثرة

ويأتي الموقف العراقي الجديد بعد أقل من أسبوع على توجيه أصدره السوداني للوزارات العراقية المعنية بمتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم والاتفاقيات التي وُقّعت خلال زيارة إردوغان إلى بغداد شهر أبريل الماضي.

وكانت بغداد قد وقَّعت مع أنقرة نحو 30 مذكرة تفاهم واتفاقية تتناول مختلف المجالات والميادين؛ في المقدمة منها المياه، وطريق التنمية والاقتصاد والاستثمار والتنسيق الأمني وغيرها من الميادين، ولا سيما أن أنقرة بدأت تراهن كثيراً على طريق التنمية الذي من المؤمَّل أن تطلق مرحلته الأولى، العام المقبل.

وفي وقت عملت الحكومات العراقية المتعاقبة فيه على عدم استفزاز تركيا بسبب امتلاكها الورقة المائية التي تستطيع بموجبها الضغط على العراق، فإن دخول حزب العمال الكردستاني، بعد تدهور علاقته مع أنقرة أواسط ثمانينات القرن الماضي، زاد الأمور تعقيداً بين الجانبين، وهو ما أدى، أواخر التسعينات، إلى إبرام اتفاقية تنسيق أمني بين أنقرة وبغداد بشأن ملاحقة عناصر حزب العمال بعمق قد يصل إلى 15 كم داخل الأراضي العراقية.

ولا تزال مذكرة التفاهم قائمة، لكن زادت التعقيدات في العلاقة العراقية ـ التركية، بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى مليارات الدولارات، ودخول الفصائل المسلّحة منذ عام 2019 على خط العلاقة الجديد مع عناصر حزب العمال الكردستاني، خصوصاً في قضاء سنجار المتنازَع عليه بين الحكومة العراقية من جهة، وبين حزب العمال مدعوماً من بعض الفصائل المسلّحة من جهة أخرى، فضلاً عن الخلافات الحزبية داخل إقليم كردستان.

وكانت تقارير أميركية قد رصدت، خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، دخول الجيش التركي صوب إقليم كردستان بـ300 دبابة ومدرَّعة، وإقامة حاجز أمني ضمن حدود منطقة بادينان، خلال الأيام العشرة الماضية من الشهر نفسه.

ووفقاً للتقارير، فإن الدبابات والمدرَّعات التركية توغلت في قرى أورا، وسارو، وأرادنا، وكيستا، وجلك، وبابير، مؤكدة تنقل نحو 1000 جندي تركي بين قاعدة كري باروخ العسكرية التركية، وجبل متين خلف ناحية بامرني في غضون ثلاثة أيام، وأقاموا حاجزاً أمنياً بين قريتي بابير وكاني بالافي، ولا يُسمح لأي مدنيّ بالمرور إلا بعد التحقيق معه وإبراز هوية الأحوال المدنية العراقية أو البطاقة الوطنية.


مقالات ذات صلة

هل يكسر موقف الأسد إلحاح إردوغان على لقائه ويحطم دوافعه للتطبيع؟

المشرق العربي لقاء رجب طيب إردوغان وبشار الأسد في دمشق خلال مايو 2008 (أ.ب)

هل يكسر موقف الأسد إلحاح إردوغان على لقائه ويحطم دوافعه للتطبيع؟

روسيا تريد دفع تركيا إلى انفتاح سريع على الأسد من دون حديث عن ضمانات، عبر إيجاد صيغ أخرى للقضاء على مخاوف تركيا من قيام «دولة كردية» على حدودها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي اللاجئون السوريون في تركيا يخشون الاتفاق مع دمشق على صفقة لترحيلهم رغم تطمينات أنقرة (أرشيفية)

مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا تدفعهم للبحث عن مآوٍ أخرى

تتصاعد مخاوف اللاجئين السوريين في تركيا يوماً بعد يوم مع ما يبدو أنه إصرار من جانب أنقرة على المضي قدماً في تطبيع العلاقات مع دمشق، فضلاً عن موجة العنف ضدهم.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية الرئيس التركي يتحدث خلال مؤتمر صحافي على هامش قمة حلف «الناتو» في واشنطن (أ.ف.ب)

ماذا يريد إردوغان من التطبيع مع الأسد؟

كشفت تقارير عن خطة تركية من شقين لحل مشكلة اللاجئين السوريين بُنيت على التطبيع المحتمل للعلاقات مع سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج الرئيس التركي خلال استقباله وزير الخارجية السعودي في إسطنبول الأحد (الخارجية السعودية)

مباحثات سعودية - تركية تشمل تفعيل مجلس تنسيق مشترك

مباحثات الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، الأحد، تناولت العلاقات بين البلدين وسبل تعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات.

سعيد عبد الرازق (إسطنبول - أنقرة)
رياضة عالمية إيموبيلي إلى بشيكتاش (رويترز)

إيموبيلي يغادر لاتسيو إلى بشيكتاش التركي

تعاقد نادي بشيكتاش التركي لكرة القدم، السبت، مع قائد فريق لاتسيو الإيطالي وهدّافه السابق، تشيرو إيموبيلي.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)

أعداد رافضي الخدمة بالجيش الإسرائيلي في ازدياد

جنود إسرائيليون على الحدود مع قطاع غزة يوم 14 يوليو الحالي (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون على الحدود مع قطاع غزة يوم 14 يوليو الحالي (أ.ف.ب)
TT

أعداد رافضي الخدمة بالجيش الإسرائيلي في ازدياد

جنود إسرائيليون على الحدود مع قطاع غزة يوم 14 يوليو الحالي (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون على الحدود مع قطاع غزة يوم 14 يوليو الحالي (أ.ف.ب)

أبلغت حركة «يش جفول» (هناك حدود) اليسارية، التي تساعد رافضي الخدمة العسكرية منذ حرب لبنان الأولى في مطلع ثمانينات القرن الماضي، عن تسجيل قفزة غير مسبوقة على الإطلاق في أعداد رافضي الخدمة في الحرب الحالية ضد قطاع غزة.

وقال المتحدث باسم الحركة، يشاي مينوحين، إنه ساعد في الحرب الحالية نحو 40 جندياً ومجندةً رفضوا التجنيد في الاحتياط. فيما ساعد نشطاء آخرون في الحركة عشرات آخرين. وفي المجمل، تلقت المنظمة ما يقارب 100 طلب مساعدة من رافضي الخدمة حالياً، مقارنة بما بين 10 - 15 طلباً سنوياً في العقد الماضي، ونحو 40 طلباً سنوياً خلال سنوات ذروة حرب لبنان والانتفاضتين الأولى والثانية.

وحسب مينوحين، بدأ الرافضون الاتصال به ابتداءً من منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي واستمروا حتى الأيام الماضية.

وحتى في مجموعة «رافضات»، التي تساعد الفتيان والفتيات الذين يرفضون التجنيد في الجيش الإسرائيلي في المقام الأول، هناك تقارير عن ارتفاع في عدد الرافضين. وقال نشطاء «رافضات» إن هناك زيادةً حادةً في عدد جنود الاحتياط الذين يرفضون التجنيد، والذين يحيلونهم إلى منظمات أخرى.

كما أبلغ الناشط اليساري دافيد زونشاين، مؤسس حركة «الشجاعة للرفض» التي ساعدت الرافضين في الماضي، عن تلقيه في الحرب الحالية طلبات مساعدة من عشرات الرافضين، خصوصاً في الأشهر القليلة الماضية، وهو ما يفوق بكثير عدد الطلبات التي كان يتلقاها في السنوات الماضية.

وحسب تقرير في «تايمز أوف إسرائيل»، فإن بعض الرافضين لأسباب تتعلق بضميرهم الذي لا يسمح لهم بالخدمة مع الجيش، لا يتواصلون مع المنظمات المخصصة لمساعدتهم، وبالتالي فإن الأعداد الموجودة لديها جزئية فقط، لكن حقيقة ارتفاع عددهم بأضعاف هي إشارة واضحة إلى القفزة الحادة في أعداد الرافضين للخدمة.

وفي الأشهر الأولى من الحرب، كانت الزيادة في عدد الرافضين تعود إلى العدد الهائل من المجندين، الذي بلغ حوالي 300 ألف (منهم عشرات الآلاف لم يتم استدعاؤهم إلى الاحتياط وحضروا بمبادرة شخصية). لكن في الأشهر الأخيرة، انخفض نطاق التجنيد للاحتياط بشكل كبير، في حين استمر عدد الرافضين في النمو. ويرجع ذلك إلى تعقيد الحرب وجرائم الحرب المرتكبة فيها والاحتجاج المتزايد على سلوك الحكومة.

قوات إسرائيلية داخل قطاع غزة يوم الأحد (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وقال مينوحين إنه «بالإضافة إلى الرافضين الذين نساعدهم، أعرف كثيرين آخرين».

وأضاف: «عندما رفضت الخدمة في لبنان في الثمانينات، وضعوا حوالي 10 في المائة منا في السجن، بمن فيهم أنا. اليوم، لا يوجد أحد في السجن». ويقدر زونشاين، من جهته، أن الجيش «ليس لديه الوقت أو الرغبة في التعامل مع (هذه القضية)».

وبالإضافة إلى الرفض الآيديولوجي، بدأ مؤخراً أيضاً رفض من الجنود الذين أنهكهم طول الحرب. في نهاية أبريل (نيسان)، أعلن حوالي 30 جندي احتياط في كتيبة المظليين، الذين تم استدعاؤهم للخدمة في رفح، عن رفضهم الحضور للخدمة.

وذلك لأن أشهر القتال الطويلة أضرت بدراستهم ومعيشتهم وعائلاتهم وسببت لهم ضائقة نفسية وجسدية.

وأكد مينوحين أنه يعرف حالات رفض أخرى بسبب الإرهاق الشخصي، وأن بعض هؤلاء الرافضين تمت محاكمتهم وسجنهم، على عكس الرافضين الآيديولوجيين.

ولا يقف التمرد على الالتحاق بالجيش في غزة، لكن الرافضين لا يودون الالتحاق بالجيش حتى في الضفة الغربية أو في الشمال على حدود لبنان، أو في أي مكان بما في ذلك مهام قيادة في الجبهة الداخلية.

ورد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي قائلاً إن «الجيش يعدُّ رفض الخدمة في الاحتياط أمراً خطيراً، ويتم فحص كل حالة والتعامل معها بشكل فردي من قبل القادة». وأضاف: «منذ اندلاع الحرب، حضر جنود الاحتياط ويستمرون في الحضور للخدمة من أجل الحفاظ على أمن دولة إسرائيل. حضور جنود الاحتياط مهم لتنفيذ مهام الجيش الضرورية».