حرب غزة تخلق جيلاً مصدوماً مبتور الأطراف... ورُضَّعاً «لم ولن يتعلموا المشي»

صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

حرب غزة تخلق جيلاً مصدوماً مبتور الأطراف... ورُضَّعاً «لم ولن يتعلموا المشي»

صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)

أعربت جمعيات خيرية طبية عن اعتقادها أن القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، أدى إلى جرح عدد أكبر من المدنيين الذين خضعوا لعمليات بتر الأطراف، أكثر من أي صراع آخر في الآونة الأخيرة، وذلك بحسب تقرير لصحيفة «التلغراف» البريطانية.

وأشار التقرير إلى أنه مع استمرار القتال داخل القطاع المحاصر، على الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، يخشى كثير من أن كثافة القصف غير المسبوقة على مدى 6 أشهر، تعني أنه سيكون هناك عدد أكبر من الأشخاص مبتوري الأطراف مقارنة بما كانت عليه الحال في سوريا أو العراق أو أفغانستان.

ولفت إلى أنه رغم عدم توفر بيانات دقيقة، فإن نسبة كبيرة من 75000 شخص أُصيبوا منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، يحتاجون إلى أطراف اصطناعية، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

مسعف يحمل صبياً فلسطينياً جريحاً إلى «مستشفى شهداء الأقصى» بعد القصف الإسرائيلي لمخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

10 آلاف شخص يحتاجون عمليات بتر

وأفادت منظمة «الإنسانية والشمول (HI)»، المعروفة أيضاً باسم «منظمة الإعاقة الدولية»، بأن ما بين 70 و80 في المائة من الأشخاص الذين تم إدخالهم المستشفيات الـ12 التي لا تزال تعمل جزئياً داخل غزة، قد فقدوا أطرافهم أو عانوا من إصابات في النخاع الشوكي.

وقد اضطر عديد من الأشخاص البالغ عددهم 10 آلاف شخص والذين قامت اللجنة بتقييمهم، إلى الخضوع لعمليات بتر، بما في ذلك مئات الأطفال.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، أن نحو ألف طفل في غزة فقدوا إحدى ساقيهم أو كلتيهما، أي ما يعادل نحو 10 أطفال كل يوم.

رُضَّع «لم ولن يتعلموا المشي أبداً»

ومما لا شك فيه، أن هذا العدد قد ارتفع بشكل كبير مع استمرار الهجوم الإسرائيلي بلا هوادة في المناطق المكتظة بالسكان، مخلفاً وراءه عديداً من الكوارث الفردية، بحسب التقرير.

وشهدت منسقة منظمة «أطباء بلا حدود»، ماري أوري بيريو ريفيال، مشهداً مؤسفاً لعشرات الأطفال الذين بُترت أطرافهم في «مستشفى الأقصى» في الأسبوع الماضي فقط.

يصل الجرحى إلى ملاجئ أو مستشفيات مكتظة مصابين بجروح لم يتم علاجها لأيام عدة (أ.ف.ب)

وعبّرت بالقول: «إنه لأمر مدمر تماماً أن نرى رُضّعاً لم يتجاوز عمر الواحد منهم سنة واحدة يتم بتر أطرافهم. هؤلاء هم الأطفال الذين لم يتعلموا المشي أبداً، والآن لن يتمكّنوا أبداً من المشي».

وأضافت: «رأيت عديداً من المرضى الذين وصلوا إلى المستشفى وقد فقدوا أرجلهم وأذرعهم بالفعل. ثم كان هناك آخرون أُصيبوا بجروح خطرة في الانفجار، وكان لا بد من بتر أطرافهم لأن عدم الحصول على الرعاية الصحية والرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية، يعني أن جروحهم ستلتهب لولا ذلك».

إصابات الأطراف يجب أن تنتظر

وأشار التقرير إلى أنه في ظل عدم وجود مؤشرات تذكر على أن إسرائيل ستخفف سيطرتها المشددة على نقاط العبور الحدودية لإجراء مزيد من عمليات الإجلاء الطبي، تخشى الوكالات من أن الآلاف من المصابين الذين لم يخضعوا لعمليات جراحية بعد، معرضون لخطر الإصابة بالعدوى.

وفي غزة، حيث تقل أعمار ما يقل قليلاً عن نصف السكان عن 18 عاماً، فإنّ نسبة كبيرة من الشباب سوف يكبرون وهم يعانون من إعاقة ناجمة عن الحرب؛ لأن مكان البتر لا يمكن إعداده جراحياً لتركيب الأطراف الاصطناعية.

ونقل التقرير عن أسيل بيضون مديرة المناصرة والحملات لجمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، قولها إن «جيلاً من الأطفال مبتوري الأطراف آخذ في الظهور. نحن نعلم أن النظام الطبي المنهار في غزة مرهق للغاية، بحيث لا يتمكّن من منح الأطفال الذين يعانون من إصابات طويلة الأمد رعاية المتابعة المعقدة، التي يحتاجون إليها لإنقاذ عظامهم المقطوعة التي لا تزال في طور النمو».

فلسطينيان يحملان رجلاً مصاباً خارج المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة (أ.ف.ب)

وأضافت: «لقد سمعت من الجراحين العاملين في فرق الطوارئ الطبية التابعة لجمعية العون الطبي للفلسطينيين في غزة، أن المستشفيات مكتظة بالفعل بحيث لا يمكنها علاج سوى المرضى الذين يحتاجون إلى إجراءات منقذة للحياة، مثل إصابات الأعصاب أو إصابات الأوعية الدموية، في حين يتعين على إصابات الأطراف الانتظار».

حروب أوكرانيا وفيتنام وألمانيا... وغزة

وتقدر الأرقام الرسمية عدد الأوكرانيين الذين خضعوا لعمليات بتر أطراف منذ الغزو الروسي قبل عامين بنحو 20 ألف شخص. ويعتقد البعض بأن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وقد يصل إلى 50 ألفاً.

على مدار الحرب العالمية الأولى، يقدر المؤرخون أن عدد حالات البتر في ألمانيا بلغ 67 ألفاً، بينما بلغ في بريطانيا 41 ألفاً.

وقد ساهم استخدام الأسلحة الجديدة على نطاق لم يكن من الممكن تصوره من قبل، إلى جانب مشكلات مثل عضة الصقيع والعدوى في الخنادق، في فقدان عديد من الجنود أطرافهم.

تم تنفيذ نحو 60 ألف عملية بتر في الحرب الأهلية الأميركية، وهو عدد أكبر من أي صراع آخر شاركت فيه القوات الأميركية.

على مدار عقدين من الحرب في فيتنام، أصبح نحو 100 ألف شخص مبتوري الأطراف. ولا يزال كثيرون آخرون يفقدون أطرافهم حتى اليوم؛ بسبب الألغام غير المنفجرة العالقة في الأرض.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمبنى سكني بعد القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)

حربا سوريا وغزة... وميزة إمكانية الهروب

وفي عام 2017، ذكرت «اليونيسيف» أن 86 ألف شخص فقدوا أطرافهم بعد 7 سنوات من الحرب في سوريا، على الرغم من عدم جمع أي بيانات رسمية على الإطلاق.

وشدد التقرير على أن ما يميز غزة عن غارات النظام السوري على المناطق السكنية في جارة إسرائيل في الشرق الأوسط، هو استحالة الهروب.

وأضاف أنه على الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة الطائرات المقاتلة والمسيّرات الروسية، قام بقصف مدن مثل حمص وحلب بشكل عشوائي، فإنه كانت هناك على الأقل إمكانية الفرار إلى مكان أكثر أماناً. وفي غزة، هذا ليس خياراً.

ونقل التقرير عن غسان أبو ستة، جراح التجميل والترميم المقيم في لندن، الذي عمل في غزة خلال الأشهر الأولى من حرب غزة، قوله إن «هذه هي أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ».

وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، أخبر غسان أبو ستة صحيفة «التلغراف» كيف أُجبر على إجراء عمليات بتر لستة أطفال في ليلة واحدة. ووصف كيف كان البتر في كثير من الأحيان هو الخيار الوحيد المتاح، عندما حاصرت القوات الإسرائيلية بنك الدم، ومنعت عمليات نقل الدم.

تؤكد المنظمات الطبية في غزة، بما في ذلك منظمة «الإنسانية والشمول» و«أطباء بلا حدود»، أن هناك حاجة ماسة إلى الآلاف من الأطراف الاصطناعية والأجهزة المساعدة مثل العكازات والكراسي المتحركة.

وقالت خبيرة إعادة التأهيل في منظمة الإنسانية والشمول ريهام شاهين، إن «الأعداد ضخمة، ويرجع ذلك إلى نوع الأسلحة المستخدمة».

وأوضحت أنه «في سياق إصابات الحرب الناجمة عن الأسلحة المتفجرة، غالبا ما تكون هناك حاجة إلى عمليات متعددة، بما في ذلك إعادة بناء الأطراف والجراحة التجميلية. هذه الإجراءات غير متوفرة حاليا في غزة، وسيتعين على الناس الانتظار لفترة طويلة للحصول على الطرف الاصطناعي».

وأضافت: «كل شيء نفد من المخزون. إن الإمدادات هي التحدي الرئيسي الذي يواجهنا، إلى جانب المخاوف الأمنية بشأن كيفية التنقل بين المستشفيات والملاجئ من دون التعرض للقتل أو الإصابة».

وأشارت أسيل بيضون، إلى أن محنة مبتوري الأطراف تتفاقم أكثر؛ بسبب عدم قدرتهم على الفرار عندما تأتي الموجة التالية من الهجمات، وفقا لصحيفة «التلغراف».

تحديات قاسية

ووفق التقرير، فإن أحد التحديات الأكثر قسوة داخل غزة، هو توفير الرعاية الأساسية لإعادة التأهيل قبل الأطراف الاصطناعية لمبتوري الأطراف، في ظروف مكتظة وغير صحية بشكل مروع، حيث تتراوح فترة الانتظار بعد جراحة البتر للسماح بإعداد مكان البتر للطرف الاصطناعي عادة، من ثلاثة إلى أربعة أشهر.

ومع ذلك، كل ما يمكن فعله في الوقت الحالي، هو الحفاظ على شكل مكان البتر بحيث يمكن تركيب الطرف الاصطناعي في وقت لاحق.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يزال 30 في المائة فقط من الأطباء الذين كانوا يعملون قبل النزاع الحالي قادرين على العمل، بسبب عمليات القتل والاحتجاز والنزوح.

ومنذ أكتوبر (تشرين الأول)، قامت ممرضات منظمة «الإنسانية والشمول» بتضميد أكثر من 2200 جرح. وأصبحن خبيرات في استخدام أساليب مختلفة لإلهاء المرضى، حيث لا تتوفر أدوية التخدير لتخفيف الألم في أثناء الإجراءات المؤلمة.

ولأن الأطفال أضعف من أن يتمكّنوا من انتشال أنفسهم من تحت أنقاض المباني السكنية التي دمرتها القنابل الإسرائيلية، فإن أطرافهم المصابة لا يمكن في كثير من الأحيان إنقاذها، حتى لو وصلوا إلى المستشفى. والأصغر سناً معرضون بشكل خاص لإصابات قد تغير حياتهم نتيجة للانفجارات، بحسب التقرير.

وذكر التقرير أنه جرى إجلاء نسبة صغيرة في وقت سابق من هذا العام، جزءاً من صفقة أبرمتها قطر مع إسرائيل و«حماس» ومصر من أجل الجرحى الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة.

ومن بينهم طفلة تبلغ من العمر4 سنوات بترت ساقها اليسرى بعد إصابتها بشظية وتحولت إلى غرغرينا. ولم يكن لدى الطبيب الذي عالجها في البداية أي مُطهِّر، لذلك قام بكي النزيف بشفرة سكين المطبخ الساخنة.

إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن متفجرات على غزة

وقالت بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى مكتب الأمم المتحدة، إن إسرائيل أسقطت بالفعل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على غزة على شكل أكثر من 12 ألف قنبلة.

ونقل التقرير عن ماريا ماريلي، متخصصة العلاج الطبيعي في منظمة «الإنسانية والشمول»، والتي عادت للتو من مهمة إلى رفح، قولها: «إن عدم القدرة على الحصول على المعدات والإمدادات يحد بشدة مما يمكن تحقيقه».

وأضافت: «إذا لم نتمكّن من إدخال الأجهزة المساعدة مثل الأطراف الاصطناعية إلى غزة، فلن نتمكن من توفير ما هو مطلوب. إنه أمر مزعج للغاية».

في رفح المكتظة الجميع ينتظر

ومن بين الذين عالجتهم المنظمة في رفح في الأسابيع الأخيرة، علي (14 عاماً)، من شمال غزة، الذي كان مسافراً جنوباً في قافلة مع عائلته عندما تعرّضوا للقصف بصاروخ إسرائيلي أُطلق من الجو.

قُتلت والدة علي وأبوه وشقيقه. وعلى الرغم من نجاته، فإن إصابات ساقه اليسرى كانت شديدة، لدرجة أن الأطباء قاموا ببترها من فوق الركبة، وهو يحتاج إلى مزيد من الجراحة وكرسي متحرك، ولكن لا يتوفر أي منهما في الوقت الحالي.

وفي وصفها للظروف الفوضوية في رفح، التي فرّ إليها نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، تابعت ماريا: «في الوقت الحالي، المدينة مكتظة للغاية، لدرجة أن كل رصيف فيها مغطى بالخيام. هناك أناس في كل مكان، كلهم ينتظرون».

وأضافت: «تم تصميم المأوى الذي زرناه، وهو مدرسة سابقة، لاستيعاب 2000 شخص، ولكنه يؤوي الآن 28000 شخص، حيث تتكدس العائلات في الفصول الدراسية والممرات والخيام في ساحة المدرسة. وتتسرب مياه الصرف الصحي على الممرات والأماكن المشتركة، وتنتشر الخيام في كل مكان».

وأشارت إلى أنه «يصل إلى ملاجئ أو مستشفيات مكتظة، مصابون بجروح لم يتم علاجها لأيام عدة؛ مما يتسبب في مضاعفات والتهابات تهدد حياتهم».

وختمت بالقول: «يعاني الناس من أنواع مختلفة من الإصابات الناجمة عن الضربات المباشرة أو انهيار المباني... رأيت كثيراً من الأطفال المصابين بجروح بالغة، يعانون من كسور وحروق. في كثير من الأحيان، هناك عائلات بأكملها أُصيبت بأذى حقيقي... إنها قنبلة موقوتة مع سوء ظروف النظافة، ونقص الرعاية الصحية».


مقالات ذات صلة

ارتفاع حصيلة الحرب في غزة إلى 41825 قتيلاً

المشرق العربي فلسطينيون يبحثون عن ناجين محتملين وسط ركام مبنى دمره قصف إسرائيلي في خان يونس (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الحرب في غزة إلى 41825 قتيلاً

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة، اليوم السبت، مقتل 41825 شخصا منذ اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس» قبل نحو عام.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي (إ.ب.أ)

لبحث التطورات الإقليمية... وزير الخارجية الإيراني يصل دمشق

كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية اليوم (السبت) أن الوزير عباس عراقجي وصل إلى العاصمة السورية دمشق.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
الولايات المتحدة​ دمار هائل في خان يونس جنوب قطاع غزة نتيجة القصف الإسرائيلي (رويترز)

رسائل بريد إلكتروني تُظهر مخاوف أميركية مبكرة بشأن جرائم حرب إسرائيلية في غزة

بينما كانت إسرائيل تقصف شمال غزة بغارات جوية في أكتوبر الماضي، وتأمر بإجلاء مليون فلسطيني، وجّهت مسؤولة كبيرة في «البنتاغون» تحذيراً صريحاً للبيت الأبيض.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري ترمب وهاريس في المناظرة الرئاسية ببنسلفانيا في 10 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري هل يؤثر التصعيد في المنطقة على خيار الناخب الأميركي؟

الانتقاد الأبرزالموجّه للمرشحة الديمقراطية هاريس يرتبط بتداعيات خبرتها المحدودة في السياسة الخارجية.

رنا أبتر (واشنطن)
العالم العربي وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو (أ.ف.ب)

وزير خارجية فرنسا يتوجه إلى الشرق الأوسط ويبدأ زيارته بالسعودية

يتوجه وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إلى السعودية في مستهل جولة تستمر أربعة أيام تنتهي في إسرائيل والضفة الغربية.

«الشرق الأوسط» (باريس)

بسبب القصف الإسرائيلي... لبنان يعيش «أشد حملة جوية» خارج غزة خلال العقدين الماضيين

دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)
دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)
TT

بسبب القصف الإسرائيلي... لبنان يعيش «أشد حملة جوية» خارج غزة خلال العقدين الماضيين

دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)
دخان كثيف يتصاعد جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على بلدة الخيام الحدودية في جنوب لبنان (د.ب.أ)

شنت إسرائيل غارات جوية غير مسبوقة على لبنان في أقل من ثلاثة أسابيع، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف و400 شخص وإصابة ما يقرب من 7 آلاف و500 آخرين، ونزوح أكثر من مليون شخص من منازلهم، وفقاً لوزارة الصحة اللبنانية.

يعتبر القصف، الذي تقول إسرائيل إنه يستهدف معاقل «حزب الله» في البلاد، «أكثر حملةٍ جويةٍ كثافةً» في العالم خارج غزة في العقدين الماضيين، وفقاً لمجموعة مراقبة الصراعات «Airwars».

وقالت إميلي تريب، مديرة المجموعة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها، لشبكة «سي إن إن»، إن الضربات الإسرائيلية تحدث «بمستوى وكثافة لم يكن حلفاء إسرائيل ليقوموا بها ببساطة في السنوات العشرين الماضية». وأشارت إلى الحملة العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة ضد «داعش» في عام 2017، حيث تم نشر 500 من الذخيرة في يوم واحد في ذروة معركة الرقة؛ معقل الجماعة الإرهابية آنذاك.

تصاعد الدخان وسط القصف الإسرائيلي المستمر لجنوب لبنان (رويترز)

وعلى مدار يومين، في 24 و25 سبتمبر (أيلول)، قال الجيش الإسرائيلي إنه استخدم ألفين من الذخيرة ونفذ 3 آلاف ضربة في لبنان.

وبالمقارنة، خلال معظم الحرب الأميركية التي استمرت 20 عاماً في أفغانستان، نفذت الولايات المتحدة أقل من 3 آلاف ضربة سنوياً، باستثناء السنة الأولى من الغزو، حيث تم تنفيذ نحو 6 آلاف و500 ضربة، وفقاً لبيانات من «Airwars» حللتها «سي إن إن».

وعن نطاق وحجم الضربات الإسرائيلية على لبنان، قالت تريب: «هذا ليس طبيعياً». وفي حين أن الحملة الجوية الإسرائيلية «غير عادية» للغاية، أشارت تريب إلى أن هجومها على غزة خلال العام الماضي - حيث يُقدر أن ما يقرب من 60 في المائة من المباني تضررت بسبب الضربات الإسرائيلية - جعل مثل هذه الهجمات الجماعية طبيعية.

رجال يركضون بحثاً عن ملجأ بعد غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

وتقول إسرائيل إنها تتخذ خطوات لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، مثل إجراء مكالمات هاتفية وإرسال رسائل نصية إلى السكان في المباني المخصصة للهجوم، بهدف إخلائها. وتؤكد جماعات حقوق الإنسان مثل منظمة «العفو الدولية» أن مثل هذه التحذيرات لا تعفي إسرائيل من مسؤولياتها بموجب القانون الإنساني الدولي للحد من الأضرار التي تلحق بالمدنيين.

وقد سبق لشبكة «سي إن إن» أن أوردت تقارير عن استخدام إسرائيل المدمر لقنابل تزن 2000 رطل، والتي يلقي الخبراء باللوم عليها في ارتفاع عدد القتلى في غزة، ويبدو أنها استُخدمت في الغارات الجوية التي قتلت زعيم «حزب الله» حسن نصر الله في لبنان. وقد أثرت الذخائر الضخمة على البنية التحتية المدنية في غزة، والآن في لبنان.

وقد وجدت فرق «سي إن إن» في بيروت هذا الأسبوع أن العديد من الضربات الإسرائيلية حدثت دون سابق إنذار. كما ترسل إسرائيل أوامر الإخلاء عبر الرسائل النصية في منتصف الليل، عندما يكون معظم الناس نائمين.

ونتيجة لذلك، يستمر عدد القتلى في لبنان في الارتفاع، وقد نزح الآن خُمس السكان.

تصاعد الدخان بعد غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ب)

تبادل «حزب الله» وإسرائيل إطلاق النار بشكل مستمر منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول)، وهو اليوم التالي للهجوم الذي قادته «حماس» على إسرائيل، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 1200 شخص واحتجاز 250 آخرين. وقد صرح «حزب الله»، وهو جماعة مسلحة مدعومة من إيران، بأنه لن يتوقف عن ضرب إسرائيل حتى يتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، حيث أسفر القصف الإسرائيلي عن مقتل أكثر من 41 ألف شخص في العام الماضي، وفقاً لوزارة الصحة في القطاع.

وبحسب بيانات «ACLED»، وهي منظمة تجمع بيانات عن الصراعات العنيفة، فإن غالبية النيران المتبادلة بين إسرائيل و«حزب الله» منذ بداية الحرب، جاءت من الضربات الإسرائيلية والطائرات من دون طيار والقصف والصواريخ على الأراضي اللبنانية.

مروحية إسرائيلية تطلق صاروخاً باتجاه أهداف في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

شنت إسرائيل ما يقرب من 9 آلاف هجوم على لبنان منذ 8 أكتوبر، في حين شن «حزب الله» 1500 هجوم في نفس الإطار الزمني، وفقاً للبيانات.

وفي 25 سبتمبر (أيلول)، صعّدت إسرائيل حملتها الجوية بسلسلة مكثفة من الضربات عبر مساحات شاسعة من لبنان، مما يمثل اليوم الأكثر دموية منذ حرب إسرائيل و«حزب الله» عام 2006، ونقطة تحول في الصراع الحالي.