حرب غزة تخلق جيلاً مصدوماً مبتور الأطراف... ورُضَّعاً «لم ولن يتعلموا المشي»

صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

حرب غزة تخلق جيلاً مصدوماً مبتور الأطراف... ورُضَّعاً «لم ولن يتعلموا المشي»

صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)
صبي يدفع فتاة صغيرة على كرسي متحرك أمام مبنى مدمر في مدينة غزة (أ.ف.ب)

أعربت جمعيات خيرية طبية عن اعتقادها أن القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، أدى إلى جرح عدد أكبر من المدنيين الذين خضعوا لعمليات بتر الأطراف، أكثر من أي صراع آخر في الآونة الأخيرة، وذلك بحسب تقرير لصحيفة «التلغراف» البريطانية.

وأشار التقرير إلى أنه مع استمرار القتال داخل القطاع المحاصر، على الرغم من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بوقف إطلاق النار، يخشى كثير من أن كثافة القصف غير المسبوقة على مدى 6 أشهر، تعني أنه سيكون هناك عدد أكبر من الأشخاص مبتوري الأطراف مقارنة بما كانت عليه الحال في سوريا أو العراق أو أفغانستان.

ولفت إلى أنه رغم عدم توفر بيانات دقيقة، فإن نسبة كبيرة من 75000 شخص أُصيبوا منذ أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، يحتاجون إلى أطراف اصطناعية، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

مسعف يحمل صبياً فلسطينياً جريحاً إلى «مستشفى شهداء الأقصى» بعد القصف الإسرائيلي لمخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

10 آلاف شخص يحتاجون عمليات بتر

وأفادت منظمة «الإنسانية والشمول (HI)»، المعروفة أيضاً باسم «منظمة الإعاقة الدولية»، بأن ما بين 70 و80 في المائة من الأشخاص الذين تم إدخالهم المستشفيات الـ12 التي لا تزال تعمل جزئياً داخل غزة، قد فقدوا أطرافهم أو عانوا من إصابات في النخاع الشوكي.

وقد اضطر عديد من الأشخاص البالغ عددهم 10 آلاف شخص والذين قامت اللجنة بتقييمهم، إلى الخضوع لعمليات بتر، بما في ذلك مئات الأطفال.

وفي يناير (كانون الثاني) الماضي، قدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف»، أن نحو ألف طفل في غزة فقدوا إحدى ساقيهم أو كلتيهما، أي ما يعادل نحو 10 أطفال كل يوم.

رُضَّع «لم ولن يتعلموا المشي أبداً»

ومما لا شك فيه، أن هذا العدد قد ارتفع بشكل كبير مع استمرار الهجوم الإسرائيلي بلا هوادة في المناطق المكتظة بالسكان، مخلفاً وراءه عديداً من الكوارث الفردية، بحسب التقرير.

وشهدت منسقة منظمة «أطباء بلا حدود»، ماري أوري بيريو ريفيال، مشهداً مؤسفاً لعشرات الأطفال الذين بُترت أطرافهم في «مستشفى الأقصى» في الأسبوع الماضي فقط.

يصل الجرحى إلى ملاجئ أو مستشفيات مكتظة مصابين بجروح لم يتم علاجها لأيام عدة (أ.ف.ب)

وعبّرت بالقول: «إنه لأمر مدمر تماماً أن نرى رُضّعاً لم يتجاوز عمر الواحد منهم سنة واحدة يتم بتر أطرافهم. هؤلاء هم الأطفال الذين لم يتعلموا المشي أبداً، والآن لن يتمكّنوا أبداً من المشي».

وأضافت: «رأيت عديداً من المرضى الذين وصلوا إلى المستشفى وقد فقدوا أرجلهم وأذرعهم بالفعل. ثم كان هناك آخرون أُصيبوا بجروح خطرة في الانفجار، وكان لا بد من بتر أطرافهم لأن عدم الحصول على الرعاية الصحية والرعاية اللاحقة للعمليات الجراحية، يعني أن جروحهم ستلتهب لولا ذلك».

إصابات الأطراف يجب أن تنتظر

وأشار التقرير إلى أنه في ظل عدم وجود مؤشرات تذكر على أن إسرائيل ستخفف سيطرتها المشددة على نقاط العبور الحدودية لإجراء مزيد من عمليات الإجلاء الطبي، تخشى الوكالات من أن الآلاف من المصابين الذين لم يخضعوا لعمليات جراحية بعد، معرضون لخطر الإصابة بالعدوى.

وفي غزة، حيث تقل أعمار ما يقل قليلاً عن نصف السكان عن 18 عاماً، فإنّ نسبة كبيرة من الشباب سوف يكبرون وهم يعانون من إعاقة ناجمة عن الحرب؛ لأن مكان البتر لا يمكن إعداده جراحياً لتركيب الأطراف الاصطناعية.

ونقل التقرير عن أسيل بيضون مديرة المناصرة والحملات لجمعية العون الطبي للفلسطينيين (MAP)، قولها إن «جيلاً من الأطفال مبتوري الأطراف آخذ في الظهور. نحن نعلم أن النظام الطبي المنهار في غزة مرهق للغاية، بحيث لا يتمكّن من منح الأطفال الذين يعانون من إصابات طويلة الأمد رعاية المتابعة المعقدة، التي يحتاجون إليها لإنقاذ عظامهم المقطوعة التي لا تزال في طور النمو».

فلسطينيان يحملان رجلاً مصاباً خارج المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة (أ.ف.ب)

وأضافت: «لقد سمعت من الجراحين العاملين في فرق الطوارئ الطبية التابعة لجمعية العون الطبي للفلسطينيين في غزة، أن المستشفيات مكتظة بالفعل بحيث لا يمكنها علاج سوى المرضى الذين يحتاجون إلى إجراءات منقذة للحياة، مثل إصابات الأعصاب أو إصابات الأوعية الدموية، في حين يتعين على إصابات الأطراف الانتظار».

حروب أوكرانيا وفيتنام وألمانيا... وغزة

وتقدر الأرقام الرسمية عدد الأوكرانيين الذين خضعوا لعمليات بتر أطراف منذ الغزو الروسي قبل عامين بنحو 20 ألف شخص. ويعتقد البعض بأن العدد الحقيقي قد يكون أعلى من ذلك بكثير، وقد يصل إلى 50 ألفاً.

على مدار الحرب العالمية الأولى، يقدر المؤرخون أن عدد حالات البتر في ألمانيا بلغ 67 ألفاً، بينما بلغ في بريطانيا 41 ألفاً.

وقد ساهم استخدام الأسلحة الجديدة على نطاق لم يكن من الممكن تصوره من قبل، إلى جانب مشكلات مثل عضة الصقيع والعدوى في الخنادق، في فقدان عديد من الجنود أطرافهم.

تم تنفيذ نحو 60 ألف عملية بتر في الحرب الأهلية الأميركية، وهو عدد أكبر من أي صراع آخر شاركت فيه القوات الأميركية.

على مدار عقدين من الحرب في فيتنام، أصبح نحو 100 ألف شخص مبتوري الأطراف. ولا يزال كثيرون آخرون يفقدون أطرافهم حتى اليوم؛ بسبب الألغام غير المنفجرة العالقة في الأرض.

فلسطينيون يتفقدون الأضرار التي لحقت بمبنى سكني بعد القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)

حربا سوريا وغزة... وميزة إمكانية الهروب

وفي عام 2017، ذكرت «اليونيسيف» أن 86 ألف شخص فقدوا أطرافهم بعد 7 سنوات من الحرب في سوريا، على الرغم من عدم جمع أي بيانات رسمية على الإطلاق.

وشدد التقرير على أن ما يميز غزة عن غارات النظام السوري على المناطق السكنية في جارة إسرائيل في الشرق الأوسط، هو استحالة الهروب.

وأضاف أنه على الرغم من أن الرئيس السوري بشار الأسد، بمساعدة الطائرات المقاتلة والمسيّرات الروسية، قام بقصف مدن مثل حمص وحلب بشكل عشوائي، فإنه كانت هناك على الأقل إمكانية الفرار إلى مكان أكثر أماناً. وفي غزة، هذا ليس خياراً.

ونقل التقرير عن غسان أبو ستة، جراح التجميل والترميم المقيم في لندن، الذي عمل في غزة خلال الأشهر الأولى من حرب غزة، قوله إن «هذه هي أكبر مجموعة من الأطفال مبتوري الأطراف في التاريخ».

وفي نوفمبر (تشرين الثاني)، أخبر غسان أبو ستة صحيفة «التلغراف» كيف أُجبر على إجراء عمليات بتر لستة أطفال في ليلة واحدة. ووصف كيف كان البتر في كثير من الأحيان هو الخيار الوحيد المتاح، عندما حاصرت القوات الإسرائيلية بنك الدم، ومنعت عمليات نقل الدم.

تؤكد المنظمات الطبية في غزة، بما في ذلك منظمة «الإنسانية والشمول» و«أطباء بلا حدود»، أن هناك حاجة ماسة إلى الآلاف من الأطراف الاصطناعية والأجهزة المساعدة مثل العكازات والكراسي المتحركة.

وقالت خبيرة إعادة التأهيل في منظمة الإنسانية والشمول ريهام شاهين، إن «الأعداد ضخمة، ويرجع ذلك إلى نوع الأسلحة المستخدمة».

وأوضحت أنه «في سياق إصابات الحرب الناجمة عن الأسلحة المتفجرة، غالبا ما تكون هناك حاجة إلى عمليات متعددة، بما في ذلك إعادة بناء الأطراف والجراحة التجميلية. هذه الإجراءات غير متوفرة حاليا في غزة، وسيتعين على الناس الانتظار لفترة طويلة للحصول على الطرف الاصطناعي».

وأضافت: «كل شيء نفد من المخزون. إن الإمدادات هي التحدي الرئيسي الذي يواجهنا، إلى جانب المخاوف الأمنية بشأن كيفية التنقل بين المستشفيات والملاجئ من دون التعرض للقتل أو الإصابة».

وأشارت أسيل بيضون، إلى أن محنة مبتوري الأطراف تتفاقم أكثر؛ بسبب عدم قدرتهم على الفرار عندما تأتي الموجة التالية من الهجمات، وفقا لصحيفة «التلغراف».

تحديات قاسية

ووفق التقرير، فإن أحد التحديات الأكثر قسوة داخل غزة، هو توفير الرعاية الأساسية لإعادة التأهيل قبل الأطراف الاصطناعية لمبتوري الأطراف، في ظروف مكتظة وغير صحية بشكل مروع، حيث تتراوح فترة الانتظار بعد جراحة البتر للسماح بإعداد مكان البتر للطرف الاصطناعي عادة، من ثلاثة إلى أربعة أشهر.

ومع ذلك، كل ما يمكن فعله في الوقت الحالي، هو الحفاظ على شكل مكان البتر بحيث يمكن تركيب الطرف الاصطناعي في وقت لاحق.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، لا يزال 30 في المائة فقط من الأطباء الذين كانوا يعملون قبل النزاع الحالي قادرين على العمل، بسبب عمليات القتل والاحتجاز والنزوح.

ومنذ أكتوبر (تشرين الأول)، قامت ممرضات منظمة «الإنسانية والشمول» بتضميد أكثر من 2200 جرح. وأصبحن خبيرات في استخدام أساليب مختلفة لإلهاء المرضى، حيث لا تتوفر أدوية التخدير لتخفيف الألم في أثناء الإجراءات المؤلمة.

ولأن الأطفال أضعف من أن يتمكّنوا من انتشال أنفسهم من تحت أنقاض المباني السكنية التي دمرتها القنابل الإسرائيلية، فإن أطرافهم المصابة لا يمكن في كثير من الأحيان إنقاذها، حتى لو وصلوا إلى المستشفى. والأصغر سناً معرضون بشكل خاص لإصابات قد تغير حياتهم نتيجة للانفجارات، بحسب التقرير.

وذكر التقرير أنه جرى إجلاء نسبة صغيرة في وقت سابق من هذا العام، جزءاً من صفقة أبرمتها قطر مع إسرائيل و«حماس» ومصر من أجل الجرحى الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة.

ومن بينهم طفلة تبلغ من العمر4 سنوات بترت ساقها اليسرى بعد إصابتها بشظية وتحولت إلى غرغرينا. ولم يكن لدى الطبيب الذي عالجها في البداية أي مُطهِّر، لذلك قام بكي النزيف بشفرة سكين المطبخ الساخنة.

إسرائيل أسقطت أكثر من 25 ألف طن متفجرات على غزة

وقالت بعثة المراقبة الدائمة لدولة فلسطين لدى مكتب الأمم المتحدة، إن إسرائيل أسقطت بالفعل أكثر من 25 ألف طن من المتفجرات على غزة على شكل أكثر من 12 ألف قنبلة.

ونقل التقرير عن ماريا ماريلي، متخصصة العلاج الطبيعي في منظمة «الإنسانية والشمول»، والتي عادت للتو من مهمة إلى رفح، قولها: «إن عدم القدرة على الحصول على المعدات والإمدادات يحد بشدة مما يمكن تحقيقه».

وأضافت: «إذا لم نتمكّن من إدخال الأجهزة المساعدة مثل الأطراف الاصطناعية إلى غزة، فلن نتمكن من توفير ما هو مطلوب. إنه أمر مزعج للغاية».

في رفح المكتظة الجميع ينتظر

ومن بين الذين عالجتهم المنظمة في رفح في الأسابيع الأخيرة، علي (14 عاماً)، من شمال غزة، الذي كان مسافراً جنوباً في قافلة مع عائلته عندما تعرّضوا للقصف بصاروخ إسرائيلي أُطلق من الجو.

قُتلت والدة علي وأبوه وشقيقه. وعلى الرغم من نجاته، فإن إصابات ساقه اليسرى كانت شديدة، لدرجة أن الأطباء قاموا ببترها من فوق الركبة، وهو يحتاج إلى مزيد من الجراحة وكرسي متحرك، ولكن لا يتوفر أي منهما في الوقت الحالي.

وفي وصفها للظروف الفوضوية في رفح، التي فرّ إليها نصف سكان قطاع غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، تابعت ماريا: «في الوقت الحالي، المدينة مكتظة للغاية، لدرجة أن كل رصيف فيها مغطى بالخيام. هناك أناس في كل مكان، كلهم ينتظرون».

وأضافت: «تم تصميم المأوى الذي زرناه، وهو مدرسة سابقة، لاستيعاب 2000 شخص، ولكنه يؤوي الآن 28000 شخص، حيث تتكدس العائلات في الفصول الدراسية والممرات والخيام في ساحة المدرسة. وتتسرب مياه الصرف الصحي على الممرات والأماكن المشتركة، وتنتشر الخيام في كل مكان».

وأشارت إلى أنه «يصل إلى ملاجئ أو مستشفيات مكتظة، مصابون بجروح لم يتم علاجها لأيام عدة؛ مما يتسبب في مضاعفات والتهابات تهدد حياتهم».

وختمت بالقول: «يعاني الناس من أنواع مختلفة من الإصابات الناجمة عن الضربات المباشرة أو انهيار المباني... رأيت كثيراً من الأطفال المصابين بجروح بالغة، يعانون من كسور وحروق. في كثير من الأحيان، هناك عائلات بأكملها أُصيبت بأذى حقيقي... إنها قنبلة موقوتة مع سوء ظروف النظافة، ونقص الرعاية الصحية».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

المشرق العربي فلسطينيون يسيرون بجوار مبانٍ مدمرة بهجمات إسرائيلية في النصيرات بوسط قطاع غزة (رويترز)

إسرائيل تقتل عشرات في غزة... ومصر تستضيف قادة من «حماس» لمناقشة وقف النار

قال مسعفون إن ما لا يقل عن 40 فلسطينياً لقوا حتفهم في ضربات للجيش الإسرائيلي في غزة، في حين تلقت جهود إحياء محادثات وقف إطلاق النار في غزة دفعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي فلسطينيون يحملون أواني معدنية انتظاراً لتلقي الطعام من خان يونس (إ.ب.أ) play-circle 01:35

«أطباء بلا حدود»: المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وصلت لأدنى مستوياتها منذ أشهر

حذرت منظمة «أطباء بلا حدود»، اليوم (الجمعة)، من تراجع وتيرة دخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى أدنى مستوياتها منذ أشهر.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي طائرة تقلع من مطار بيروت يوم 7 أكتوبر 2024 (رويترز)

شركات طيران تعلق رحلاتها للشرق الأوسط مع تفاقم التوتر

دفعت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط شركات طيران عالمية إلى تعليق رحلاتها إلى المنطقة أو تجنب المجالات الجوية التي تنطوي على مخاطر.

المشرق العربي إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

مصر تحشد دولياً لمؤتمر «مساعدات غزة»

جددت القاهرة، الجمعة، تأكيدها ضرورة «وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية».

أحمد إمبابي (القاهرة)
المشرق العربي فتى فلسطيني يقفز قرب صاروخ غير منفجر بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مخيم النصيرات الجمعة (إ.ب.أ)

دبابات إسرائيلية تنسحب من مخيم النصيرات مخلِّفة عشرات القتلى

قال الجيش الإسرائيلي إن قواته التي تنفذ عمليات منذ الخامس من أكتوبر تستهدف منع مسلحي «حماس» من معاودة تنظيم أنفسهم وشن عمليات.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً
TT

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

دخلت فصائل مسلحة؛ بينها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا أمس، أجزاءً غرب مدينة حلب في شمال سوريا، وتقدمت على نحو كبير وسريع بعد قصفها في سياق هجوم بدأته قبل يومين على القوات الحكومية هو من أعنف جولات القتال منذ سنوات.

وبددت المعارك التي باغتت القوات الحكومية السورية؛ وروسيا وإيران الداعمتين لها، هدوءاً سيطر منذ عام 2020 على الشمال الغربي السوري، بموجب تهدئة روسية - تركية.

وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الفصائل «دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية» لحلب. وقال شاهدا عيان من المدينة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهما شاهدا رجالاً مسلحين في منطقتهما، وسط حالة هلع في المدينة.

ومن شأن تقدم تلك الجماعات المسلحة أن يصطدم بمناطق نفوذ شكلتها، على مدار سنوات، مجموعات تدعمها إيران و«حزب الله».

ومع دخول ليل السبت، وتبين تقدم الجماعات المسلحة، أفاد «المرصد السوري» بتوجه «رتل عسكري مؤلف من 40 سيارة تابع لـ(ميليشيا لواء الباقر)، الموالية لإيران، من مدينة دير الزور نحو حلب».

وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيان، «على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب»، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 255 شخصاً، وفقاً للمرصد، معظمهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 24 مدنياً قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم قوات النظام بالمعركة.

ومع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل بسطت سيطرتها على أكثر من 50 بلدة وقرية في الشمال، وفقاً للمرصد، في أكبر تقدّم تحرزه المجموعات المسلحة المعارضة للنظام منذ سنوات.

وفي المقابل، وصلت تعزيزات من الجيش السوري إلى مدينة حلب، ثانية كبرى المدن في سوريا، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري الوكالة الفرنسية.

وقبل إعلان «المرصد السوري» دخول «هيئة تحرير الشام» إلى حلب، أفاد المصدر نفسه عن «معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب».

وأضاف: «وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصاً على سيره، لكن نستطيع القول إن حلب آمنة بشكل كامل، ولن تتعرض لأي تهديد».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 23 غارة على إدلب وقرى محيطة بها.

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن روسيا، التي تدعم قواتها في سوريا الرئيس بشار الأسد، تعدّ الهجوم انتهاكاً لسيادة سوريا، وتريد من السلطات التحرك سريعاً لاستعادة النظام.

ودعت تركيا إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معقل الفصائل السورية المسلحة في شمال غربي سوريا، بعد سلسلة الغارات الروسية - السورية.

وتسيطر «تحرير الشام» مع فصائل أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية عبر منصة «إكس»: «لقد طالبنا بوقف الهجمات. وقد أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية»، مشيراً إلى «التطورات في إدلب ومحيطها الحدودي».

ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر 51 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورميات مدفعية، وأحياناً أصوات طائرات. آخر مرة سمعنا مثل هذه المعارك كانت قبل نحو 5 سنوات».

وأَضاف الموظّف في شركة اتصالات: «نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا، سئمنا هذه الحالة واعتقدنا أنها انتهت، لكن يبدو أنها تتكرر من جديد».

وكان عراقجي عدّ التطورات الميدانية في سوريا «مخططاً أميركياً - صهيونياً لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات وهزائم الكيان الصهيوني أمام المقاومة»، وفق تصريحات أوردتها الوزارة الخميس.

وقال المحلّل نيك هيراس من معهد «نيو لاينز» للسياسات والاستراتيجية للوكالة الفرنسية، إن تركيا ترى أن «حكومة (الرئيس السوري) بشار الأسد تواجه وضعاً صعباً بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، وترسل رسالة إلى دمشق وموسكو للتراجع عن جهودهما العسكرية في شمال غربي سوريا».

ويرى مدير «المرصد السوري» لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن الجيش السوري لم يكن مستعداً أبداً لهذا الهجوم. وأعرب عن استغرابه الضربات الكبيرة التي يتلقاها الجيش السوري على الرغم من الغطاء الجوي الروسي.

وتساءل: «هل كانوا يعتمدون على (حزب الله) المنهمك حالياً في لبنان؟».

بدوره، قال مسؤول بالأمم المتحدة، الجمعة، إن 27 مدنياً، بينهم 8 أطفال، لقوا حتفهم في قتال بشمال غربي سوريا على مدى الأيام الثلاثة الماضية، في إحدى أسوأ موجات العنف منذ أعوام بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية.