السوريون انتظروا رفع أسعار الخبز فاستيقظوا الاثنين على رفع تعرفة البنزين

خبير اقتصادي يدعو السوريين للعودة إلى اقتصاد «الحواكير»

محطة وقود في دمشق (سانا)
محطة وقود في دمشق (سانا)
TT

السوريون انتظروا رفع أسعار الخبز فاستيقظوا الاثنين على رفع تعرفة البنزين

محطة وقود في دمشق (سانا)
محطة وقود في دمشق (سانا)

استيقظ السوريون يوم الاثنين على قرار الحكومة رفع سعر لتر البنزين للمرة الثالثة خلال شهر، بينما كانوا ينتظرون قرار رفع سعر الخبز المدعوم بنسبة 100 في المائة، وسط تصاعد الحديث في وسائل الإعلام الرسمية، عن الخسائر التي تتكبدها الحكومة لتوفير الخبز.

وكانت محطات توزيع المحروقات قد توقفت عن العمل في العاصمة دمشق، مساء الأحد، قبيل ساعات قليلة من صدور قرار رفع أسعار المحروقات، فيما بات يعرف بـ«قرارات آخر الليل»، وما تسببه من قلق واستياء كبيرين بما تجره خلفها من قفزات كبيرة في الأسعار، تصيب الأسواق بالشلل وتدفع بمزيد من السوريين إلى ما تحت خط الفقر والعوز الغذائي.

وحددت نشرة الأسعار الجديدة الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الاثنين، سعر مبيع اللتر الواحد من مادة البنزين (أوكتان 90) بـ10500 ليرة سورية بدلاً من 10000، وسعر مبيع لتر البنزين (أوكتان 95) بـ13825 ليرة بدلاً من 12680 ليرة. كما حددت سعر مبيع لتر المازوت (الحر) بـ12425 ليرة، بدلاً من 11675 ليرة، وسعر طن الفيول 7 ملايين و479 ألف ليرة، وسعر طن الغاز السائل 11 مليوناً و219 ألف ليرة.

ونصح الخبير الاقتصادي عامر شهدا السوريين، بالعودة إلى «اقتصاد الحواكير» وكتب عبر «فيسبوك» معلقاً على قرار رفع أسعار المحروقات: «نصيحة لوجه الله. عودوا إلى القرى وازرعوا الحواكير... صدقوني، إنكم تهدرون أعماركم وأموالكم دون أي فائدة... أراضي أجدادكم هي الحل لهذا الوضع... الحواكير علمت معظمكم وكبرت وخرجت رجالاً. لا تستهِنوا باقتصاد الحواكير. ولا بتنور الخبز. الحاكورة والتنور هما اللجنة الاقتصادية الأكثر خدمة للاقتصاد الوطني».

كما أعلن شهدا أنه سيتعاون مع الحكومة ويرشد الاستهلاك «وبدلاً من استهلاك 75 لتر بنزين سأستهلك 40 لتراً».

سوق الشيخ محيي الدين للخضار والفاكهة في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

موضوع ترشيد الاستهلاك بات يطرح نفسه، قسرياً. وحسب أبو محمد (52 عاماً) الذي يعمل معلم حدادة في ورشة بريف دمشق، فإنه «شدّر سيارته» أي غطاها بالشادر، ولم يعد يستعملها إلا للضرورة القصوى ويستخدم بدلاً منها دراجة كهربائية: «كل ساعة قرار... قرفونا عيشتنا». وأضاف مستهجناً رفع البنزين للمرة الثالثة خلال شهر: «لماذا لا يتم الرفع مرة واحدة؟ لماذا التقسيط؟ هل هم خائفون علينا من الصدمة؟».

وكانت مديرية الأسعار في وزارة التجارة الداخلية، قد أعلنت في الثلث الأخير من العام الماضي، عزمها إصدار نشرة أسعار دورية للمشتقات النفطية الخاصة بالقطاعات الصناعية والقطاعات الأخرى، بناء على واقع الأسعار، علماً بأن سعر البنزين المدعوم ارتفع 11 مرة خلال العام الماضي، بنسبة ارتفاع تجاوزت 300 في المائة، ومعه ارتفع متوسط تكاليف المعيشة لأسرة من 5 أفراد إلى أكثر من 12 مليون ليرة (850 دولاراً) مطلع العام الحالي، بحسب تقرير صحيفة «قاسيون» المحلية التي قدرت تكاليف المعيشة العام الماضي لغاية شهر سبتمبر (أيلول)، بنحو 9 ملايين ليرة (640 دولاراً)، في حين لم يتجاوز متوسط الرواتب 200 ألف ليرة، ما يعادل (13 دولاراً).

صقيع الجو والأسعار

شكا بائع خضار وسط دمشق لزبائنه من صعوبة الحصول على «رزق»؛ ويقصد الفواكه والخضار: «الأسعار ارتفعت بسبب موجة البرد والصقيع التي ضربت المحاصيل، والتي جاءت مع رفع سعر المازوت المخصص لآليات النقل». وأقسم أن أجرة الشاحنة «بيك آب» من ريف حمص والساحل إلى سوق الهال دمشق، أكثر من مليون ونصف المليون ليرة، وفوقها جاء «رفع سعر البنزين والمازوت الحر ليقصم ظهورنا». متابعاً: «ماذا تريد الحكومة منا أكثر؟ تركت وظيفتي في الدولة لأن الراتب لم يعد يغطي تكاليف الوصول إلى العمل، وقلت أسترزق من بيع الخضار والفواكه، لكن مع ارتفاع الأسعار لم يعد العمل ممكناً». وأضاف مشيراً إلى صندوق موز بدأ يتغير لونه: «أسبوع كامل لم أبِعْ خلاله صندوق موز 20 كيلو، الناس تشتري الموز بالحبة وبوصفة طبيب».

منيرة صيدلانية (60 عاماً) تقع صيدليتها في حي الصالحية وسط دمشق، بينما سكنها في مشروع دمر (10 كم عن وسط العاصمة)، قالت إنها تفكر بتأجير صيدليتها، لأن «ما أحصله من عمل الصيدلة أنفقه على مصاريف السيارة والمواصلات، العمل بات مستحيلاً في هذه البلاد ولا نعرف إلى أين سنصل ولا إلى أي حد بإمكاننا التحمل»، مشيرة إلى أنها تنتمي للطبقة «المستورة» بعد أن كانت من الطبقة «الميسورة»، ومع ذلك تشك في قدرتها على التحمل.

وقالت: «كل لحظة أسأل نفسي كيف يتدبر الفقراء أمور معيشتهم، يومياً يدخل إلى صيدليتي العشرات لا يملكون ثمن أدويتهم، أغلبهم يسأل عن وجود صندوق تبرعات أو يشترون ما يحتاجون إليه بالحبة الواحدة».

ينتظرون شراء الخبز خارج مخبز على مشارف دمشق (أرشيفية - رويترز)

وبعد زيادة أسعار المحروقات، تتهيأ وزارة التجارة الداخلية لإعلان رفع سعر الخبز المدعوم 100 في المائة، لتغطية جزء من العجز الحاصل بين تكاليف الإنتاج المرتفعة، والتي وصلت بحسب أرقام حكومية إلى 7800 ألف ليرة للربطة الواحد زنة 1100 غرام، في حين تباع بالسعر المدعوم بـ200 ليرة، للشرائح الفقيرة وبسعر 450 ليرة، وفق البطاقة الذكية. وتقول الحكومة إن دعم الخبز سنوياً تفوق تكلفته 13 تريليون ليرة، عدا تكاليف الصيانة والتجديد وأجور العمال وأجور النقل والتوزيع والخسائر والأضرار الجانبية.

وبحسب مصادر إعلامية محلية، تبلغ معتمدو توزيع الخبز في دمشق، قبل إدارة الأفران، بوجود قرار لرفع سعر ربطة الخبز أكثر من 100 في المائة، من 200 إلى 450 ليرة سورية.



ضحايا بينهم قتيل في الحرس الرئاسي الفلسطيني في «مواجهات جنين»

ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)
ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)
TT

ضحايا بينهم قتيل في الحرس الرئاسي الفلسطيني في «مواجهات جنين»

ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)
ضباط أمن فلسطينيون يتخذون مواقعهم خلال مواجهات مع مسلحين في مخيم جنين بالضفة الغربية (د.ب.أ)

أخذت الاشتباكات الداخلية الفلسطينية في مخيم جنين بمدينة جنين شمال الضفة الغربية، منحى خطيراً، بعدما قتل مسلحون عنصراً في الحرس الرئاسي الفلسطيني، وأصابوا ضحايا آخرين في هجوم داخل المخيم، ما يذكّر بفترة الاقتتال الداخلي في قطاع غزة الذي راح ضحيته مئات الفلسطينيين برصاص فلسطيني.

وقتل مسلحون في المخيم في اشتباكات ضارية، الأحد، مساعد أول، ساهر فاروق جمعة أرحيل، أحد عناصر الحرس الرئاسي، وأصابوا 2 آخرين، في ذروة المواجهات التي تشتد يوماً بعد يوم، كلما تعمّقت السلطة داخل المخيم الذي تحول منذ سنوات الانتفاضة الثانية إلى مركز للمسلحين الفلسطينيين، ورمزاً للمقاومة والصمود.

وتستخدم السلطة قوات مدربة وآليات مجهزة ومدرعات مسلحة برشاشات وأسلحة حديثة وكلاباً بوليسية لكشف المتفجرات وقناصة، بينما يستخدم المسلحون أسلحة رشاشة وعبوات ناسفة وسيارات مفخخة، في مشهد لا يحبّذه الفلسطينيون، ويُشعرهم بالأسوأ.

 

آثار طلقات نار على برج مراقبة تابع للسلطة الفلسطينية بعد الاشتباكات بين قوات الأمن الفلسطينية ومسلحين في مخيم جنين (د.ب.أ)

«رفض الانفلات»

شدد مسؤولون في حركة «فتح» على أهمية الوحدة الوطنية، وتجنُّب الفتن وضرب السلم الأهلي. وقال رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح إن الوحدة الوطنية والتماسك الشعبي ضروريان لمواجهة مخططات الاحتلال وكل الأجندات الخارجية، داعياً الفلسطينيين إلى الابتعاد عن الفتن، وحماية المشروع الوطني الفلسطيني من التهديد الوجودي لشعبنا فوق أرض وطنه. ودعا عضو مجلس ثوري «فتح» عبد الله كميل «الجميع إلى اتخاذ موقف وطني مشرِّف في رفض الانفلات». وحذر عضو مجلس ثوري «فتح» تيسير نصر الله من استمرار الجهات الخارجة على القانون في ضرب السلم الأهلي، واتهم آخرون الجماعات المسلحة بمحاولة تنفيذ انقلاب في مناطق السلطة.

وبدأت السلطة قبل أكثر من أسبوعين عملية واسعة في جنين ضد مسلحين في المخيم الشهير، في بداية تحرُّك هو الأقوى والأوسع من سنوات طويلة، ويُفترض أن يطول مناطق أخرى، في محاولة لاستعادة المبادرة وفرض السيادة. وأكد الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني العميد أنور رجب، الأحد، أن الأجهزة الأمنية ستُطبِّق القانون في مختلف أنحاء المحافظات الشمالية (الضفة الغربية)، وستلاحق الخارجين على القانون، لفرض النظام والأمن. ونعى رجب، خلال لقاء مفتوح مع عدد من الإعلاميين والصحافيين، في جنين المساعد أول أرحيل الذي قُتل في جنين، وقال إن قتله لن يزيد السلطة إلا إصراراً على على ملاحقة الخارجين على القانون. ووصف رجب قتلة عنصر الأمن بأنهم فئة ضالة، يتبعون جهات لم تجلب لفلسطين إلا الدمار والخراب والقتل، حيث وظفتهم لخدمة مصالحها وأجندتها الحزبية. وأضاف: «نحن مستمرون، ولا نلتفت إلى إسرائيل وأميركا والمحاور ولا للشائعات. ماضون ودون هواة حتى فرض السيادة على كل سنتيمتر تحت ولاية السلطة».

وجاءت تصريحات رجب لتأكيد خطاب بدأته السلطة قبل العملية، باعتبار المسلحين داخل المخيم وكثير منهم يتبع حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» «متطرفين وداعشيين يتبعون أجندات خارجية»، لكن المسلحين ينفون ذلك، ويقولون إنهم «مقاتلون ضد إسرائيل»، ولذلك تريد السلطة كبح جماحهم باعتبارها «متعاونة مع إسرائيل». وقتلت السلطة خلال العملية مسلحين، واعتقلت آخرين، بينما تواجه سيلاً من الاتهامات «بالاستقواء على المسلحين، بدلاً من إسرائيل ومستوطنيها».

وتجري الاشتباكات في حارات وشوارع المخيم وعبر القناصة على أسطح المنازل، ما حوّل المخيم إلى ساحة قتال حقيقي.

وأطلقت السلطة حملتها على قاعدة أن ثمة مخططاً لنشر الفوضى في الضفة الغربية وصولاً إلى تقويض السلطة، وإعادة احتلال المنطقة. وخلال عام الحرب على غزة، هاجمت الرئاسة وحركة «فتح»، إيران أكثر من مرة، واتهمتها بالتدخل في الشأن الفلسطيني، ومحاولة جلب حروب وفتن وفوضى.

تأثير التطورات في سوريا

بدأت الحملة الفلسطينية في جنين بعد أيام من تحذيرات إسرائيلية من احتمال تدهور الأوضاع في الضفة الغربية، تحت تأثير التطورات الحاصلة في سوريا (انهيار نظام الأسد) ضمن وضع تعرفه الأجهزة بأنه «تدحرج حجارة الدومينو». وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) أمر شخصياً بتنفيذ العملية الواسعة، بعد سقوط النظام في سوريا. وبحسب «تايمز أوف إسرائيل»، أدركت السلطة الفلسطينية أن مشهد سيارات التندر وبنادق «الكلاشينكوف» التي خرجت من إدلب ودخلت دمشق بعد أيام يمكن أن ينعكس بشكل خطير على الوضع في الضفة الغربية.

وتعد إسرائيل ما يحدث في جنين «اختباراً مهماً لعباس»، ويقولون إنه يعكس كذلك قدرة السلطة على حكم قطاع غزة المعقّد في وقت لاحق. وقال مسؤول أمني إسرائيلي: «كل دول المنطقة والمنظمات الإرهابية تنظر إلى جنين. إذا لم يتمكن أبو مازن من التغلب على 50 مسلحاً في جنين، فسيكون هناك من سيقول دعونا نقم بانقلاب. الوضع خطير الآن».

ونشر الجيش الإسرائيلي قبل أيام قليلة، قوات قائلاً إنه يدعم توصيات سياسية بتقوية السلطة. وقال مسؤولون إن الجيش الإسرائيلي يدعم الجهود الرامية إلى زيادة التنسيق والتعاون مع السلطة الفلسطينية، ويأمل الجيش في تشجيع السلطة الفلسطينية على مواصلة تنفيذ عمليتها في جنين وفي مناطق أخرى في الضفة، لكن السلطة الفلسطينية ترفض ربط العملية في جنين، بأي توجيهات إسرائيلية أو أميركية، أو أي مصالح مشتركة.

«حملة فلسطينية خالصة»

قال رجب إن الطلبات الأميركية بدعم السلطة قديمة، وهو حق مشروع وليس مرتبطا أبداً بما يجري في جنين. وأضاف أن حملة «حماية وطن» التي تقوم بها الأجهزة الأمنية في جنين ومخيمها، هي فلسطينية خالصة، وتستند إلى رؤية أمنية وسياسية فلسطينية، لحماية مصالح شعبنا وقضيتنا الوطنية. وتابع: «ندرك التحولات في المنطقة وما يشهده قطاع غزة من حرب إبادة إسرائيلية، ومحاولة إعادة رسم الوضع الجغرافي والديموغرافي في القطاع بما يخدم الاحتلال، ومن هنا كانت رؤية القيادة لعدم الوصول إلى ما يريده الاحتلال من جرِّنا لمربع المواجهة الشاملة، وهو ما يستدعي فرض النظام والقانون، وبسط السيادة الفلسطينية».