«لا أستطيع السباحة»... آخر كلمات طفل سوري محاولاً الوصول إلى بريطانيا

مهاجرون غير نظاميين خلال عبورهم بحر المانش عام 2021 (رويترز)
مهاجرون غير نظاميين خلال عبورهم بحر المانش عام 2021 (رويترز)
TT

«لا أستطيع السباحة»... آخر كلمات طفل سوري محاولاً الوصول إلى بريطانيا

مهاجرون غير نظاميين خلال عبورهم بحر المانش عام 2021 (رويترز)
مهاجرون غير نظاميين خلال عبورهم بحر المانش عام 2021 (رويترز)

«لا أستطيع السباحة»... كانت هذه الجملة الأخيرة التي رددها الطفل السوري عبادة عبد ربه، البالغ من العمر 14 عاماً، لشقيقه قبل غرقه في أثناء محاولتهما العبور إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير في منتصف الشهر الجاري.

كان شقيق عبادة الأكبر، أيسر (24 عاماً) يمسك بيده محاولاً طمأنته في أثناء جريهما مع 60 شخصاً آخر باتجاه القارب المطاطي الذي لم يكن ليتسع لكل هذا العدد من الأشخاص، ليصبح الصعود على متنه بمثابة «حرب بقاء» تبعاتها لم تكن تختلف عن تبعات حرب سوريا، التي دفعت طفلاً في عمر عبادة للتفكير في الهرب من بلاده بهذه الطريقة.

كانت هذه هي المرة الثالثة منذ مغادرتهما سوريا قبل تسعة أشهر، التي يتوجه فيها عبادة وأيسر، اللذان كانا يعيشان في محافظة درعا (جنوب سوريا)، إلى البحر. وفي كل مرة كان عبادة يقدم نفس التوسلات القلقة، بأنه كان خائفاً، وأنه لا يعرف كيفية السباحة، وأنه غير متأكد من رغبته في خوض هذه الرحلة، لشقيقه.

كان عبادة وأيسر من بين خمسة أشخاص غرقوا في أثناء رحلة عبور قاربهما بحر المانش انطلاقاً من شواطئ شمال فرنسا نحو المملكة المتحدة.

وتحدثت شبكة «بي بي سي» البريطانية مع أقارب الأخوين وعدد من الأشخاص الذين رافقوهم خلال الرحلة للتوصل إلى السبب الذي دفع عبادة صاحب الـ14 عاماً إلى السفر بهذه الطريقة المحفوفة بالمخاطر رغم المخاوف التي كانت تساوره بشأنها. وأشار تقرير «بي بي سي» إلى أن هناك ضغوطاً غير عادية يتعرض لها بعض الأطفال من الآباء والأقارب والمهربين على حد سواء للهروب من سوريا إلى الدول الغربية.

وطوال 12 عاماً في سوريا تُرك الأطفال للقصف والاعتقال والتعذيب والنزوح والتهجير، وحين عاشوا نوعاً من الاستقرار في الشمال الغربي اختبروا حياة المخيمات والفقر وكارثة الزلزال الأكبر في تاريخ المنطقة، الذي وقع العام الماضي.

ويعيش شقيق عبادة الآخر، ندى، البالغ من العمر 25 عاماً، في لندن منذ عامين، بعد خوضه رحلة غير قانونية مشابهة، قام بها متجاهلاً رغبة والده في بقائه معه في سوريا و«التحلي بالصبر»، إذ كان دائماً ما يخبره بأن الحرب في سوريا «قد تنتهي قريباً».

ويتذكر ندى أنه قال لوالده: «لكننا انتظرنا 12 عاماً، ولم ينتهِ الأمر. ليس هناك أمان». ولفت ندى إلى أنه لم يجد طريقة أخرى لطلب اللجوء لإنجلترا سوى الهجرة غير الشرعية «لأنه لم يكن هناك بديل». واختار ندى السفر إلى إنجلترا لأن عمه كان قد قام بالرحلة قبل عقد من الزمن تقريباً وحصل على إذن بالبقاء هناك.

ووفقاً لمنظمة مساعدة اللاجئين «Asylum Aid»، وهي مؤسسة خيرية تقدم استشارات قانونية متخصصة للأشخاص الذين يطلبون اللجوء، لا توجد عملياً طريقة للمواطنين السوريين لتقديم طلب لجوء إلى المملكة المتحدة دون السفر إليها شخصياً.

ويعد لمّ شمل الأسرة هو إحدى الطرق القانونية القليلة للجوء إلى المملكة المتحدة، لكن على الرغم من ذلك غالباً ما تُرفض تأشيرات المتقدمين بهذا الطلب.

ويُمنح أيضاً عدد صغير من اللاجئين الفرصة للدخول عبر خطط إعادة التوطين (نقل اللاجئين الذين يستوفون متطلبات محددة للغاية إلى مكان آخر)، وتُظهر إحصائيات وزارة الداخلية البريطانية أنه خلال العام الماضي، سُمح لنحو 325 سورياً بالدخول بهذه الطريقة.

وعند وصوله إلى إنجلترا، أخبر ندى المسؤولين بأنه تلقى تهديدات بالقتل في جامعته في دمشق بعد اتهامه بعدم الولاء للنظام السوري، وأنه يريد تجنب التجنيد في الجيش. وقال: «لم يكن الوضع آمناً. في سوريا أنت تذهب إلى الجيش وتظل هناك لمدة 10 سنوات، عليك أن تقتل أشخاصاً أو تموت. نحن لا نريد ذلك».

وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، مُنح ندى إذناً بالبقاء في المملكة المتحدة لمدة خمس سنوات. وقد وجد مؤخراً وظيفة في مستودع بالقرب من ويمبلي (شمال غربي لندن). وهو الآن يأخذ دورة في اللغة الإنجليزية ويأمل في إحضار زوجته من سوريا قريباً، ثم استئناف دراسته في القانون في إنجلترا.

ولفت ندى إلى أنه كان السبب الرئيسي في إقناع شقيقيه عبادة وأيسر باللجوء إلى المملكة المتحدة.

قارب يحمل مهاجرين في البحر (أرشيفية - أ.ب)

وقد أشار إلى أن عبادة «كان طالباً ذكياً جداً» في مدرسته الواقعة في درعا، التي تعد مهد الثورة على نظام الأسد. وأكد ندى أنه وإخوته كانوا يأملون أن يصبح عبادة طبيباً في المستقبل.

ووفقاً لتقرير «بي بي سي»، فإن هناك دلائل تشير إلى أن عبادة كان يجري تشجيعه، أو ربما حتى الضغط عليه، للسفر من والديه أيضاً اللذين يشعران باليأس بشكل كبير. وقد كان والده يعاني مشكلات صحية متعددة ويأمل الآن في العلاج في المملكة المتحدة. فيما قالت والدته، للشبكة البريطانية: «ابني الصغير كان يريد اللجوء للمملكة المتحدة حتى يتمكن من لمّ شملنا معه هناك في المستقبل».

وأكد ذلك أحد جيران عبادة، الذي كان معه ليلة غرقه. وقال الرجل الذي طلب عدم الكشف عن اسمه: «كان سيصل إلى بريطانيا ويجتمع مع أخيه وبعد فترة وجيزة سيحضر والدته وأبيه. كان هذا هو الهدف الأساسي من مغادرته، حتى يتمكن والده من طلب العلاج الطبي في الخارج».

وأشار الرجل إلى أن عبادة، ربما مدفوعاً بمناشدات والديه، وحماسة أخويه وتصميمهما، لم يفهم بشكل كامل المخاطر التي ينطوي عليها الأمر، والتي أودت بحياته في النهاية.

وقبل السفر بالقارب المطاطي، اتجه عبادة وأيسر إلى ليبيا، وبعد أشهر من الانتظار بها، حاول الأخوان عبور البحر الأبيض المتوسط على متن قارب للمهربين، انطلق من العاصمة طرابلس. لكن احتجزهما زورق دورية تونسي وأعادهما إلى ليبيا، حيث وقعا في أيدي ميليشيا محلية.

وقال شاب يبلغ من العمر 23 عاماً يُعرف باسم فارس، وهو جار عبادة وأيسر في درعا، وكان معهما في رحلتهما من سوريا: «لقد تعرضنا للسجن والتعذيب لمدة شهر. كانا ينامان على الأرض، ويتم إطعامهما مرة واحدة فقط في اليوم. وفي نهاية المطاف، وبمساعدة مالية كبيرة من عمهما الذي يعيش في دبي، تمكن الأخوان من شراء حريتهما مقابل 900 دولار لكل منهما».

وفي هذه المرحلة، بدأ عبادة في التعبير عن شكوكه وخوفه من مواصلة الرحلة، وفقاً لفارس، الذي قال إنه «كان خائفاً جداً، وكنا نتحدث معه لنشجعه ونقول له ألا يقلق بشأن أي شيء. لكنه كان بحاجة إلى من يعتني به. فهو في النهاية طفل صغير».

وقال فارس إنه لم يستطع رؤية عبادة وأيسر وقت الحادث بسبب الظلام الدامس لكنه سمع صوت صراخ شديد قبل أن يختفي هذا الصراخ فجأة في الماء ليعلم بعدها أنهما فقدا حياتهما.

وأظهرت أرقام رسمية نُشرت نهاية العام الماضي أنّ أكثر من 100 ألف مهاجر غير نظامي عبروا منذ 2018 بحر المانش على متن قوارب صغيرة، على الرّغم من وعود الحكومة البريطانية بمكافحة هذه الهجرة غير الشرعية.


مقالات ذات صلة

«المرصد السوري»: 11 قتيلاً في هجوم شنته «قسد» على مقاتلين موالين لأنقرة

المشرق العربي قصف تركي على مواقع لـ«قسد» شمال شرقي سوريا (أرشيفية - إكس)

«المرصد السوري»: 11 قتيلاً في هجوم شنته «قسد» على مقاتلين موالين لأنقرة

أفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن 11 شخصاً، بينهم مدنيون، قتلوا الاثنين في هجمات شنتها قوة يقودها الأكراد على مواقع مقاتلين مدعومين من تركيا شمال سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي صورة التُقطت من الجانب السوري للحدود مع لبنان تُظهر آثار غارة إسرائيلية على معبر جوسية الحدودي مع القصير بمحافظة حمص 25 أكتوبر 2024 (أ.ف.ب)

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً عدة بحمص السورية

أفادت وسائل إعلام رسمية سورية بأن هجوماً إسرائيلياً، اليوم (الاثنين)، أدى إلى إصابة شخصين وألحق أضراراً بجسور عدة في القصير بريف حمص.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، أمس، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لم تصدر أي تفاصيل حول نتائج لقاء الموفد الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الأحد، مع وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

واشنطن وباريس: محادثات وقف النار في لبنان حققت تقدماً كبيراً

تصاعد دخان كثيف وألسنة لهب جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى في الطيونة ببيروت الاثنين 25 نوفمبر 2024 (أ.ب)
تصاعد دخان كثيف وألسنة لهب جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى في الطيونة ببيروت الاثنين 25 نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

واشنطن وباريس: محادثات وقف النار في لبنان حققت تقدماً كبيراً

تصاعد دخان كثيف وألسنة لهب جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى في الطيونة ببيروت الاثنين 25 نوفمبر 2024 (أ.ب)
تصاعد دخان كثيف وألسنة لهب جراء غارة جوية إسرائيلية استهدفت مبنى في الطيونة ببيروت الاثنين 25 نوفمبر 2024 (أ.ب)

عبرت كل من الولايات المتحدة وفرنسا، الاثنين، بتفاؤلهما من اقتراب التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

وقال البيت الأبيض إن المناقشات التي أجرتها الحكومة الأميركية بشأن وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل إيجابية، وتمضي في الاتجاه الصحيح نحو التوصل إلى اتفاق، وذلك بعد وقت قصير من قول مصادر لبنانية رفيعة إن الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون من المتوقع أن يعلنا عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» في غضون 36 ساعة.

وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي: «نحن قريبون. كانت المناقشات بناءة، ونعتقد أن المسار في اتجاه إيجابي للغاية. ولكن لن يتم فعل أي شيء حتى يتم الانتهاء من كل شيء».

وأضاف أن تأكيد تقارير إعلامية حول فحوى أي اتفاق سيكون عملاً «عديم المسؤولية»، مشدداًً على أنه لا يريد القيام «بأي فعل قد ينسف فرصنا».ولفت كيربي إلى أن الرئيس الأميركي جو بايدن يتابع «عن كثب» تقدم محادثات وقف إطلاق النار، وهو على تواصل مباشر مع المبعوث الأميركي الخاص آموس هوكستين الذي زار المنطقة في الأسبوع الماضي.

تقدم كبير

من جهتها، قالت الرئاسة الفرنسية إن محادثات وقف إطلاق النار في لبنان حققت تقدماً كبيراً، وجاء في بيان للرئاسة: «نواصل العمل مع... شركائنا الأميركيين في هذا الاتجاه... ونأمل أن تغتنم جميع الأطراف المعنية الفرصة في أقرب وقت».

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري تلقى، بحضور مستشاره علي حمدان، اتصالاً استمر 20 دقيقة، يرجّح أنه من الموفد الأميركي آموس هوكستين، تبلغ فيه تفاصيل الساعات المقبلة المتعلقة بطريقة إعلان الاتفاق.

ونقل عن بري زواره قوله إن الأجواء إيجابية، وإن وقف إطلاق النار سيعلن بعد نحو 36 ساعة، إذ سيعلن في توقيت واحد بيان من واشنطن وباريس، ثم يتبع ذلك اجتماع المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) في إسرائيل للموافقة على الإعلان، ثم يتبعه اجتماع مماثل لمجلس الوزراء اللبناني يعلن في ختامه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الموافقة على وقف إطلاق النار.

وأفادت المصادر بأن الرئيسين بري وميقاتي توافقا على الأمر، وبدأ الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية الاتصال بالوزراء، بمن فيهن المعارضون، لتأمين حضورهم جميعاً الجلسة لكي يتخذ مجلس الوزراء بكامل أعضائه القرار بالإجماع.

وينتظر أن يشارك في اجتماع مجلس الوزراء قائد الجيش العماد جوزف عون وعدد من الضباط لوضع اللمسات الأخيرة على الإجراءات التنفيذية التي يتولاها الجيش للانتشار التدريجي جنوب الليطاني وصولاً إلى الحدود الدولية، بمؤازرة «اليونيفيل».