ارتدادات الزلزال على سوق العقارات في شمال غربي سوريا

الرعب دفع السكان الناجين للبحث عن الدور العربية بدل الطوابق العليا

TT

ارتدادات الزلزال على سوق العقارات في شمال غربي سوريا

سكان الشمال الغربي أصبحوا يهتمون بالسؤال عن أسس المباني ومتانتها للشعور بالأمن قبل الإقامة بها (الشرق الأوسط)
سكان الشمال الغربي أصبحوا يهتمون بالسؤال عن أسس المباني ومتانتها للشعور بالأمن قبل الإقامة بها (الشرق الأوسط)

في مدينة عزمارين، التابعة لمنطقة حارم، في ريف إدلب الشمالي، استيقظ محمد غنام على ضجيج لم يميّزه، فجر السادس من فبراير (شباط) من العام الماضي... «ظننت أننا نتعرض لقصف قبل أن ندرك أنه زلزال»، قال الشاب البالغ من العمر 19 عاماً لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «كنا نشعر بالرعب ونظرنا من الشرفة لنرى البنايات المحيطة بنا قد انهارت».

تمكن محمد مع عائلته من مغادرة بيتهم في الطابق الثاني في الوقت المناسب، بينما بدأ تشقق الدرج الداخلي وانهارت بعض أقسامه، ومنذ ذلك الحين لم يعودوا للإقامة فيه.

الدمار الذي سببه الزلزال في بلدة جندريس بشمال سوريا (أرشيفية - د.ب.أ)

ما زال رعب لحظات الهروب مهيمناً على ذاكرة محمد، وعلى غيره من سكان المباني الطابقية، حتى تلك التي لم تتضرر بشكل بالغ، لذا في الأيام الأولى التي تبعت الزلزال كان السؤال الأبرز لسكان شمال غربي سوريا: «كيف سأحصل على خيمة؟» لتجنب مخاطر انهيار السقف والجدران والاضطرار إلى الهرب من جديد خصوصاً مع تكرار الهزات الارتدادية الشديدة.

انتقل محمد مع عائلته إلى دار عربية، أي إلى منزل أرضيّ من دون طوابق، وعلى الرغم من سوء حالة المسكن الجديد فإنه وفّر الراحة النفسية لساكنيه لقدرتهم على إخلائه السريع عند الحاجة، فقد «كنا نرغب قبل الزلزال أن نقيم في شقق طابقية ولكن من بعده أصبحنا نرغب في البيوت العربية... بعد الرعب الذي عشناه بالزلزال أصبحنا نغادر المنزل فور حدوث أي هزات ارتدادية».

 

الانخفاض ابتعاداً عن المخاطر

لم يكن أثر الزلزال، الذي بلغت شدته 7.8 درجات، محدوداً بمقتل وإصابة أكثر من 13 ألف شخص في الشمال الغربي، والدمار الواسع للأبنية والبنى التحتية، ولكنه أدى إلى تحول تام في سوق العقارات الذي كان يشهد ازدياداً متسارعاً في أعمال البناء وحركة البيع والشراء خلال السنوات الأربع الماضية.

ما زالت التشققات الناجمة عن الزلزال واضحة ضمن أبنية شمال غربي سوريا (الشرق الأوسط)

تعرّض 10600 مبنى شمال غربي سوريا للدمار بسبب الزلزال، حسب بيانات الأمم المتحدة؛ 1869 مبنى دُمِّر بشكل كلي و8731 بشكل جزئي، مما سبَّب احتياج أكثر من 280 ألف شخص إلى الملاجئ العاجلة.

بعد استقبال الشمال الغربي، الخارج عن سيطرة النظام السوري، للمهجَّرين من سكان المحافظات الجنوبية والشرقية، بدءاً من عام 2014 والنازحين من ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي بداية عام 2020، توسع العمران في المنطقة لاستيعاب تضاعف أعداد السكان، إذ حسب تقديرات الأمم المتحدة، فإن من أصل 4.5 مليون مقيم في ريف حلب الشمالي وإدلب، 2.9 ملايون هم من المهجّرين والنازحين داخلياً، بينهم قرابة مليونين يقيمون في المخيمات.

أحمد، صاحب مكتب عقاري في جنديرس، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الرعب الذي اختبره سكان المنطقة حوّل رغبتهم بشكل كامل من الإقامة في الأبنية إلى الدور العربية، موضحاً: «قبل الزلزال كان 75 في المائة من الزبائن يطلبون الإقامة في الشقق الطابقية، أما الآن فلا تبلغ نسبتهم 1 في المائة». المباني الطابقية كانت الأكثر تأثراً بالزلزال، إذ يزداد تأرجح البناء واهتزازه مع ازدياد الارتفاع.

صاحب المكتب العقاري ثروت غنام يتحدث مع زبون عن خيارات السكن المتاحة في عزمارين (الشرق الأوسط)

كانت مدينة جنديرس، التابعة لعفرين في ريف حلب الشمالي، من أكثر المناطق دماراً بسبب الزلزال الذي أثّر في 148 مدينة وبلدة شمال غربي سوريا. فمن مجمل أعداد المباني المدمَّرة كانت 57 في المائة في منطقتي حارم وعفرين.

«لم يحسب أحد حساباً للزلزال»، قال أحمد مشيراً إلى آلية البناء واهتمامات الزبائن من قبل، مضيفاً: «لم يكن أحد يسأل عن المتانة، كان الزبون يسأل عن الموقع ويطلب الشقق الطابقية، أمّا الآن فيبدأ السؤال من أسس البناء إلى فوق».

 

تعافٍ بطيء

حين تسير في شوارع المدن التي تأثرت بالزلزال في الشمال الغربي، بالإمكان مشاهدة التشققات التي ما زالت واضحة بعد عام على المباني الطابقية. تاريخ بناء تلك المباني كان واضحاً لدى السكان أيضاً، فأغلبها حديث وبُني خلال الأعوام القليلة السابقة.

برأي السمسار العقاري أحمد، «القَدَر» هو سبب سقوط مبانٍ دون أخرى، مشيراً إلى أن الكثير من الأبنية المتهالكة قَبل الزلزال بقيت واقفة في حين انهارت مبانٍ ثابتة وجيدة البناء.

لكنّ ثروت غنام، وهو صاحب مكتب للعقارات في عزمارين، أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن البناء كان عشوائياً خلال الأعوام الأولى من الحرب، ولم يأخذ في الاعتبار المتانة اللازمة للتهيؤ للكوارث، خصوصاً أن زلزالاً كهذا لم يمر بزمن الآباء والأجداد مثله. وقال: «أخذوا بعين الاعتبار بقاء البناء ثابتاً في مكانه ولم يحسبوا حساب تعرضه للاهتزاز».

تحدث ثروت عن إحجام الزبائن عن شراء الشقق والأبنية وتوقف عمليات البناء، بعد أن ازدادت رغبة السكان في اقتناء الخيام، على الرغم من المصاعب الكثيرة المرتبطة بالإقامة ضمنها خلال العواصف وموجات الحر والبرودة.

وأصدرت سلطات الأمر الواقع، في إدلب وريف حلب الشمالي، مراسيم وقوانين متعددة للتشديد على منح التراخيص الخاصة بالبناء وفرض نسب الحديد والإسمنت بعد حدوث الزلزال، فيما كانت الرقابة ضعيفة على عمليات البناء من قبل، وكان لهذا التحول أثر إضافي بتوقف حركة البناء، حسب تقدير ثروت.

لا يشعر سكان المنطقة، الذين فقدوا منازلهم أو تعرضت للضرر نتيجة الزلزال، بالاستقرار حتى اليوم، فمع استمرار الهزات الارتدادية في المنطقة تبقى الإقامة في الدور الأرضية، أو في المخيمات، الخيار الأسلم والأجدى مادياً بالنسبة لهم وسط ركود اقتصادي وانخفاض مستمر في المساعدات الإغاثية ومساعدات الترميم المقدمة من المنظمات الإنسانية.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
آسيا جانب من الأضرار جراء زلزال ضرب إندونيسيا عام 2022 (أرشيفية - رويترز)

زلزال بقوة 6.6 درجة يضرب غرب إندونيسيا

ضرب زلزال بقوة 6.6 درجة جزيرة صغيرة شمال غربي سومطرة في غرب إندونيسيا الخميس.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
آسيا منازل متضررة جراء الزلزال في دكا (رويترز)

زلزال في وسط بنغلاديش يوقع 9 قتلى على الأقل

ضرب زلزال بقوة 5.5 درجة، الجمعة، وسط بنغلاديش، موقعاً تسعة قتلى على الأقل وأكثر من 300 جريح، وفق حصيلة أعلنتها الحكومة.

«الشرق الأوسط» (دكا)
آسيا لم ترد على الفور أي معلومات عن وقوع خسائر محتملة أو أضرار ناجمة عن الزلزال (رويترز)

زلزال بقوة 5.6 درجات يضرب قبالة سواحل اليابان

ضرب زلزال قوي بلغت شدته 5.6 درجات على مقياس ريختر البحر قبالة سواحل اليابان، بحسب ما سجله مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
آسيا أولاد واقفون بجوار حطام المنازل المتضررة في أعقاب زلزال وقع مؤخراً بمنطقة مرمول في ولاية بلخ بأفغانستان يوم 5 نوفمبر 2025 (رويترز)

الناجون من زلزال أفغانستان يواجهون البرد والمطر وسط الأنقاض

كان الناجون من الزلزال القوي في شمال أفغانستان، الذي أودى بحياة أكثر من 25 شخصاً وأصاب ما يقرب من 1000 آخرين، يحفرون الأنقاض في منازلهم الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كابل (أفغانستان))

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
TT

عون يطالب وفد مجلس الأمن بالضغط على إسرائيل لتطبيق اتفاق وقف النار والانسحاب

صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)
صورة من لقاء الرئيس اللبناني جوزيف عون مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن اليوم في القصر الجمهوري في بعبدا (صفحة الرئاسة اللبنانية على «إكس»)

قالت الرئاسة اللبنانية، اليوم (الجمعة)، إن الرئيس جوزيف عون التقى مع وفد من سفراء وممثلي بعثات مجلس الأمن يزور البلاد، حيث دعا إلى دعم الجيش اللبناني في استكمال عمله والضغط على إسرائيل للانسحاب من الجنوب.

وذكرت الرئاسة في بيان على منصة «إكس»، أن وفد مجلس الأمن «أبدى دعمه للاستقرار في لبنان من خلال تطبيق القرارات الدولية، واستعداد الدول للمساعدة في دعم الجيش اللبناني واستكمال انتشاره وتطبيق حصرية السلاح».

وأضاف البيان أن عون أكد خلال اللقاء، التزام لبنان بتطبيق القرارات الدولية، وقال: «نحتاج إلى دفع الجانب الإسرائيلي لتطبيق وقف (إطلاق) النار والانسحاب، ونتطلع للضغط من جانبكم».

وجرى التوصل إلى هدنة بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، بوساطة أميركية، بعد قصف متبادل لأكثر من عام أشعله الصراع في قطاع غزة، لكن إسرائيل ما زالت تسيطر على مواقع في جنوب لبنان رغم الاتفاق، وتواصل شن هجمات على شرق البلاد وجنوبها.


«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
TT

«يونيفيل»: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان انتهاك واضح للقرار 1701

ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)
ناقلة جنود مدرعة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) تقوم بدورية على طول طريق الخردلي في جنوب لبنان... 17 سبتمبر 2024 (أ.ف.ب)

قالت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، اليوم (الجمعة)، إنها رصدت أمس سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية في منطقة عملياتها بعدد من القرى في جنوب البلاد، واصفة هذه الهجمات بأنها «انتهاكات واضحة» لقرار مجلس الأمن رقم 1701.

وحثت «يونيفيل» في بيان، الجيش الإسرائيلي على «الاستفادة من آليات الارتباط والتنسيق المتاحة له»، كما نبّهت الجهات اللبنانية إلى «مغبة أي رد فعل قد يفاقم الوضع».

كانت وسائل إعلام لبنانية أفادت، أمس (الخميس)، بأن الطيران الإسرائيلي نفّذ سلسلة غارات استهدفت منازل في بلدات محرونة وجباع وبرعشيت والمجادل بجنوب البلاد، فيما قال الجيش الإسرائيلي إنه هاجم ما وصفها بمستودعات أسلحة تابعة لجماعة «حزب الله».

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة (يونيفيل) تقوم بدورية في مرجعيون في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل... 4 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

من ناحية أخرى، ذكرت «يونيفيل» في بيانها اليوم، أن إحدى دورياتها في جنوب لبنان تعرّضت لإطلاق نار خلال الليلة الماضية، ولكن دون وقوع إصابات.

وأوضحت أن «ستة رجال على متن ثلاث دراجات نارية اقتربوا من جنود حفظ السلام أثناء دورية قرب بنت جبيل، وأطلق أحدهم نحو ثلاث طلقات نارية نحو الجزء الخلفي من الآلية، ولم يُصب أحد بأذى».

واعتبرت القوة الأممية أن «الاعتداءات على قوات حفظ السلام غير مقبولة وتمثل انتهاكات خطيرة للقرار 1701»، في إشارة إلى قرار مجلس الأمن الذي أنهى حرباً بين إسرائيل و«حزب الله» عام 2006.

وتابعت بالقول «نذكّر السلطات اللبنانية بالتزاماتها بضمان سلامة وأمن قوات حفظ السلام، ونطالب بإجراء تحقيق شامل وفوري لتقديم الفاعلين إلى العدالة».


قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

قوة إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة بجنوب سوريا

مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)
مركبة عسكرية إسرائيلية تسير في مرتفعات الجولان السوري المحتل... 18 ديسمبر 2024 (رويترز)

قالت «الوكالة العربية السورية للأنباء»، اليوم (الجمعة)، إن قوة تابعة للجيش الإسرائيلي توغلت في ريف القنيطرة بجنوب البلاد.

وذكرت الوكالة الرسمية أن القوة الإسرائيلية تتألف من ست آليات، وتوغلت باتجاه قرية صيدا الحانوت، دون ورود معلومات حتى الآن عن قيامها بنصب حاجز في المنطقة.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، تشن إسرائيل عمليات توغل بري في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا، حيث سيطرت على المنطقة العازلة على الحدود بين سوريا وإسرائيل، ثم انتقلت لتنفيذ مداهمات في المناطق الحدودية تخللتها اعتقالات لأشخاص.