«حزب الله» يطلب من سكان القرى الحدودية مغادرتها بعد اشتداد القصف الإسرائيلي

أعلن قصف هدف عسكري على بعد 12 كيلومتراً شمال شرقي صفد

مستعمرة المطلّة الإسرائيلية كما تبدو من بلدة كفركلا اللبنانية (إ.ب.أ)
مستعمرة المطلّة الإسرائيلية كما تبدو من بلدة كفركلا اللبنانية (إ.ب.أ)
TT

«حزب الله» يطلب من سكان القرى الحدودية مغادرتها بعد اشتداد القصف الإسرائيلي

مستعمرة المطلّة الإسرائيلية كما تبدو من بلدة كفركلا اللبنانية (إ.ب.أ)
مستعمرة المطلّة الإسرائيلية كما تبدو من بلدة كفركلا اللبنانية (إ.ب.أ)

مضى «حزب الله» والجيش الإسرائيلي في تصعيد إضافي في المنطقة الحدودية التي نزح القسم الأكبر من سكانها على ضفتي الحدود؛ حيث استهدف الحزب بطائرة مُسيَّرة انقضاضية هدفاً عسكرياً إسرائيلياً، على بعد نحو 12 كيلومتراً من أقرب نقطة حدودية مع لبنان، بينما اعتمدت القوات الإسرائيلية على قوة نارية كبيرة ناتجة عن غارات جوية بالطائرات الحربية.

وبعدما أخْلَت إسرائيل عدداً كبيراً من مستوطنات وبلدات الجليل الأعلى والجليل الغربي حتى عمق 7 كيلومترات، طلب «حزب الله» من سكان بعض القرى الواقعة مباشرة على الحدود الباقين في المنطقة، المغادرة. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إنّ من تبقّى من السكان: «تمنى عليهم (حزب الله) قبل 10 أيام مغادرة المنطقة لحماية الأرواح، إثر التصعيد العسكري الإسرائيلي الكبير، واستهداف الغارات الجوية لمنازل المدنيين، مما يرفع منسوب الخطر على حياتهم». وأوضحت المصادر أن «قسماً من السكان أخلى منازله، بينما رفض قسم آخر مغادرتها».

وقالت المصادر إن «رافضي إخلاء منازلهم يتراوحون بين أشخاص لا يمتلكون خياراً آخر بسبب ظروف خاصة، وبين آخرين يقولون إنهم متمسّكون بالبقاء ولن يغادروا بيوتهم». وأشارت المصادر إلى أن أحد السكان في قضاء مرجعيون «رفض النزوح لصعوبة تقديم الرعاية لأمه المريضة خارج المنزل، والتي تعاني من مشكلات صحية أقعدتها، لذلك يرفض المغادرة رغم الخطر الذي بات يهدد السكان».

غارات جوية

وكثفت القوات الإسرائيلية من وتيرة الغارات الجوية في الأسبوعين الأخيرين، وطالت مواقع سكنية وأحياء مأهولة. في بلدة كفركلا التي شهدت أول حزام ناري نفذته الطائرات الإسرائيلية الاثنين، وقتل فيها 3 أشخاص بينهم مسعفان في «الهيئة الصحية» التابعة للحزب: «دُمِّرت عدة منازل بشكل كامل، وتعرضت أخرى لأضرار ناتجة عن القصف أو الغارات القريبة»، وهو أمر تتشارك فيه مع سائر قرى المنطقة المواجهة للحدود، حسبما تقول المصادر.

وعلى الضفة الأخرى من الحدود التي أخلت السلطات الإسرائيلية من سكانها، نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الثلاثاء، عن رئيس مجلس الجليل الأعلى في الشمال، غيورا زالتس، قوله: «إذا لم تُلحق إسرائيل ضرراً كبيراً بقدرات جماعة (حزب الله) اللبنانية فستكون قد خسرت معركتها معها»، وأضاف: «على المستوى الوطني سيعود الشمال وكذلك الجنوب 30 عاماً إلى الوراء». وتابع: «نريد العودة إلى صناعتنا... إلى الزراعة والتكنولوجيا الفائقة والتعليم. سوف نعود؛ لكننا لا نستحق أن نظل نعيش في هذا الخوف الهائل». وأضاف: «إذا لم تبدأ الحكومة في تحمّل المسؤولية عن الشمال والجنوب، فسنكون في وضع سيئ للغاية».

هدف في عمق الجليل

وتتسع رقعة الأهداف يومياً بشكل تدريجي. وأعلن «حزب الله» في بيان، الثلاثاء، أن مقاتليه «شنوا هجوماً جوياً على مقر ‏القيادة 91 المستحدث للعدو الإسرائيلي، في إيليت (شمال شرقي صفد) بمُسيَّرة انقضاضية، وأصابت ‏هدفها بدقة»، كما قال في البيان. وتبعد النقطة المستهدفة نحو 12 كيلومتراً عن أقرب نقطة حدودية مع لبنان، بينما تحدثت وسائل إعلام عن إطلاق 10 صواريخ من جنوب لبنان باتجاه موقع السماقة الإسرائيلي، في تلال كفرشوبا.

وقال الحزب في بيانات لاحقة إنه «استهدف تجمعاً لجنود ‏العدو الإسرائيلي في ثكنة زرعيت بالأسلحة المناسبة، وأوقعوا أفراده بين قتيل وجريح»، كما استهدف مقاتلوه موقع ‏السمّاقة الإسرائيلي في مزارع شبعا اللبنانية بالأسلحة الصاروخيّة، فضلاً عن استهداف موقع ‏بركة ريشا بالأسلحة المناسبة. كما استهدف بالصواريخ تجمعاً لجنود الجيش الإسرائيلي بمحيط موقع المرج.

وكانت وسائل إعلام إسرائيلية قد تحدثت عن إطلاق صواريخ نحو موقع في عرب العرامشة، ودوي صافرات إنذار في الجليل الأعلى للاشتباه بتسلل طائرة مُسيَّرة، كما أفادت قناة «12» العبرية بسقوط صواريخ بمحيط مستوطنة مرجليوت عند الحدود مع لبنان. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان: «إننا هاجمنا بنى تحتية لـ(حزب الله) في يارون جنوب لبنان»؛ مشيراً إلى أنه تم رصد قبل قليل «صاروخين أُطلقاً نحو شلومي».

وفي المقابل، تواصل القصف الإسرائيلي على المناطق الجنوبية، واستهدف القصف مزارع شبعا والمناطق المحيطة بها، كما استهدف بلدة بليدا، واستهدفت المدفعية الإسرائيلية بساتين الزيتون في الوزاني بعدد من القذائف. كما أفادت وسائل إعلام لبنانية بتعرض أحراج اللبونة ووادي حامول في خراج الناقورة وعلما الشعب والمنطقة الواقعة بين الضهيرة والجبين، لقصف مدفعي متقطع، مع تحليق طائرات الاستطلاع في الأجواء.

«اليونيفيل» في قلب النار

وبينما يتواصل القصف المتبادل منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول)، يجد جنود فرنسيون عاملون في إطار قوة الأمم المتحدة الموقتة (يونيفيل)، أنفسهم، في مرمى النيران، على وقع ارتفاع منسوب التصعيد عبر الحدود. ونقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن النقيب الفرنسي بول، بينما كان يقف أمام آلية عسكرية عليها شعار الأمم المتحدة، في مقر الكتيبة الفرنسية في بلدة دير كيفا الجنوبية (تبعد نحو 10 كيلومترات عن الحدود): «نجد أنفسنا في قلب النيران». وأضاف: «انتقلنا من منطقة هادئة نسبياً إلى منطقة متقلبة؛ حيث يتوقّف كل شيء إلى حد بعيد على أدنى تصريح سياسي».

وزادت القوات الفرنسية المشاركة في «اليونيفيل» عدد دورياتها من 4 إلى 7 يومياً، وفق ما شرح النقيب المسؤول عن العمليات في قاعدة دير كيفا. وأضاف بينما يمكن سماع أزيز طائرة استطلاع تحلّق في الأجواء: «الوضع متوتر، ثمة قذائف تتساقط كل يوم ويمكن سماع دويها، نحن في أجواء حرب». وأوضح أن «ما كان يحدث سابقاً، خلال 3 أو 4 سنوات، يجري حالياً في غضون أسبوع»، في إشارة إلى إطلاق القذائف والصواريخ والمُسيَّرات.

وحتى الآن، اقتصر تبادل القصف إلى حدّ بعيد على المناطق الحدودية، رغم أن إسرائيل شنّت ضربات محدودة في عمق الأراضي اللبنانية. ونبّه وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لوكورنو، الاثنين، في كلمة ألقاها أمام الجنود الفرنسيين في قاعدة دير كيفا، قبل أن يشاركهم مائدة الطعام احتفالاً بحلول العام الجديد، إلى أن مهمة الكتيبة الفرنسية «يمكن أن تصبح خطيرة جداً». وتابع: «سيكون دربنا مزروعاً بالشكوك في الأسابيع والأيام المقبلة».

وكان لوكورنو قد بحث مع قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون، الاثنين، مهمة قوة «يونيفيل»، و«كيف يمكن الاستمرار في ممارسة المهمة في ضوء أوضاع متدهورة، وكيف نحمي جنود الجيش اللبناني وعناصر (يونيفيل) في مهامهم».



فولكنر لـ«الشرق الأوسط»: سنواصل دعم بغداد لمكافحة الإرهاب

السوداني وحسين يغادران مقر رئاسة الوزراء في لندن يوم 14 يناير (أ.ف.ب)
السوداني وحسين يغادران مقر رئاسة الوزراء في لندن يوم 14 يناير (أ.ف.ب)
TT

فولكنر لـ«الشرق الأوسط»: سنواصل دعم بغداد لمكافحة الإرهاب

السوداني وحسين يغادران مقر رئاسة الوزراء في لندن يوم 14 يناير (أ.ف.ب)
السوداني وحسين يغادران مقر رئاسة الوزراء في لندن يوم 14 يناير (أ.ف.ب)

أكّد هيمش فولكنر، وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني، استمرار وجود بلاده في العراق لدعم جهود مواجهة تنظيم «داعش»، فضلاً عن مكافحة عصابات تهريب البشر.

وأشاد فولكنر، في حديث مع «الشرق الأوسط»، بالاتفاقيات واسعة النطاق التي وقّعها البلدان هذا الأسبوع في إطار زيارة رسمية من رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إلى لندن، انطلقت مساء الاثنين وتستمرّ 3 أيام.

ووصف فولكنر الزيارة بـ«المهمة حقاً»، لافتاً إلى نطاقها الواسع، الذي يشمل اتفاقيات مرتبطة بالهجرة، والتعاون الأمني، واستثمارات مليارية.

وزير شؤون الشرق الأوسط البريطاني هيمش فولكنر

قضية الهجرة

عدّ فولكنر قضية الهجرة غير النظامية «مشكلة مشتركة» بين لندن وبغداد، مؤكّداً حرص بريطانيا على تقديم الدعم الفني للأجهزة العراقية التي تتعامل مع مسائل الهجرة.

وقال إن الهجرة غير النظامية «مشكلة مشتركة، لا سيّما أن كثيراً من العراقيين يقومون برحلات خطرة عبر القنال الإنجليزي، وبعضها ينتهي بشكل مأساوي حقاً. لقد التقيت أشخاصاً فقدوا أحباءهم خلال محاولتهم عبور القنال».

وحدّد الوزير عنصرين أساسيين في اتفاق الهجرة؛ «يتعلّق الأول بالعمل الذي يمكننا فعله لمواجهة عصابات تهريب البشر الاستغلالية، التي ينقل كثير منها العراقيين عبر القنال في رحلة خطرة وغير قانونية، فضلاً عن عصابات أخرى متورطة داخل العراق في هذه الممارسة الفظيعة والاستغلالية للاتجار بالبشر».

أما العنصر الثاني، وفق فولكنر، فيرتبط بإعادة المهاجرين العراقيين غير النظاميين إلى بلدهم. وقال: «حيثما يأتي الناس إلى المملكة المتحدة بشكل غير قانوني، فينبغي إعادتهم. وهذا ما تبحثه وزيرة الداخلية (إيفيت كوبر) مع وزير خارجية العراق (فؤاد حسين)»، بعد ظهر اليوم (الأربعاء).

«تعاون تقني»

وفي ما يتعلّق بالوجود البريطاني المرتبط بمكافحة التهريب والهجرة غير النظامية، قال فولكنر إن «هناك وجوداً لـ(الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة) وغيرها، وذلك تحت رعاية السفارة البريطانية لدى العراق، وسيستمرون في الوجود هناك». وتابع: «نحن نريد توفير التعاون في مجال إنفاذ القانون والتعاون التقني المطلوب لتمكين العراقيين من العمل معنا في هذه المجموعة المهمة حقاً من القضايا».

أما بشأن تمويل إعادة المهاجرين غير النظاميين، فتحفّظ فولكنر عن التفاصيل، مترقّباً نتائج اللقاء بين كوبر وحسين. واكتفى بالقول إن «هذه التزامات مشتركة، وهي تحديات مشتركة». وتابع: «إنني مدرك تماماً مدى أهمية بقاء كثير من شباب العراق النابغين في العراق ومساهمتهم في اقتصاد ينمو ولديه كثير من الفرص، كما يدل على ذلك حجم بعض اتفاقيات التصدير التي تمكنا من الإعلان عنها خلال هذه الزيارة».

مؤشرات إيجابية

واتفق رئيسا الوزراء العراقي ونظيره البريطاني كير ستارمر، الثلاثاء، على حزمة تجارية تصل قيمتها إلى 12.3 مليار جنيه إسترليني. وتشمل هذه الحزمة «التاريخية» مشروعاً بقيمة 1.2 مليار جنيه إسترليني للربط البيني لشبكة الكهرباء بين العراق والسعودية باستخدام «أنظمة نقل الطاقة بريطانية الصنع»، إضافة إلى مشروع إعادة تأهيل قاعدة القيارة الجوية العراقية بقيمة 500 مليون جنيه إسترليني. كما سيقود «تحالف شركات بريطانية» مشروعاً كبيراً للبنية التحتية للمياه، بقيمة تصل إلى 5.3 مليار جنيه استرليني، وسيؤدي ذلك إلى تحسين جودة المياه وري الأراضي الزراعية وتوفير المياه النظيفة في جنوب وغرب العراق.

وعند سؤاله عن مدى استعداد أصحاب الأعمال البريطانيين للاستثمار في العراق، وسط مخاوف مرتبطة بالنفوذ الإيراني في البلاد وتداعيات التطورات الأخيرة في سوريا، جاء ردّ فولكنر متفائلاً.

ويرى الوزير أن «الالتزامات التي قدّمتها الشركات البريطانية على مدار هذا العام مؤشر على أنهم يرون العراق مكاناً جذاباً ومثيراً لمواصلة الاستثمار. ويسرني أن أرى ذلك». واستدرك بأنه «من الواضح أن هناك تساؤلات حقيقية حول ضمان أمن وسلامة المنطقة عموماً».

السوداني خلال لقائه الملك تشارلز الثالث في «قصر باكنغهام» بلندن يوم 14 يناير (أ.ف.ب)

الوضع في سوريا

وتوقّف الوزير عند الوضع في سوريا، ورأى أن «سوريا التي لا تشكل تهديداً لجيرانها، ولا تهديداً للاستقرار الإقليمي، لن ينتهي بها الأمر أن تكون قناة لأنشطة ضارة (كما كانت الحال) مع نظام الأسد. من الواضح أن نظام الأسد لم يكن نظاماً استبدادياً يؤذي شعبه فقط، بل سمح كذلك بنمو (داعش) بشكل كبير جداً على أراضيه. كما سهّل تهريب الأسلحة ومجموعة متنوعة من الأنشطة غير القانونية الأخرى التي تهدد أمن جيرانه وتنميتهم».

ولفت فولكنر إلى أن التطورات في سوريا كانت جزءاً من «المحادثات المستفيضة» التي أجراها البريطانيون مع «أصدقائنا العراقيين، ومع الجميع في المنطقة، بشأن ما يجب القيام به لضمان أن تكون سوريا الجديدة جارة جيدة وفاعلاً دولياً مسؤولاً». وتابع أن كثيراً من تصريحات القيادة السورية المؤقتة «مرحب بها للغاية»، مؤكّداً مراقبة الوضع «من كثب».

الوجود البريطاني في العراق

إلى جانب الوجود البريطاني المندرج تحت رعاية سفارة لندن في بغداد، أكّد فولكنر استمرار الوجود العسكري لدعم جهود مكافحة «داعش».

وشدد فولكنر على أن استمرار تمركز قوات بريطانية في العراق يأتي «بدعوة من السلطات العراقية»، موضّحاً أن دورها يتمثّل في دعم جهود «مكافحة (داعش) الذي لا يزال يشكل تهديداً للعراق، ولا يزال يشكل تهديداً إقليمياً وعالمياً».

وتابع: «نعمل بشكل وثيق مع القوات العراقية في تلك المهمة، ونتطلّع إلى مواصلة ذلك. وبالطبع، هناك مناقشات مستمرة بشأن كيفية ضمان أننا نساعد العراق على أن يكون في وضع يمكنه وحده من الحفاظ على استقرار وأمن البلاد».

وفي حين تحفّظ الوزير عن تحديد عدد القوات البريطانية المنتشرة في البلاد، ذكرت وزارة الدفاع في يناير (كانون الثاني) 2024 أن 200 جندي بريطاني يشاركون في عمليات مختلفة بالعراق.

ووقّع السوداني وستارمر «بياناً» مشتركاً بشأن العلاقات الدفاعية والأمنية الاستراتيجية الثنائية، «يضع الأساس لحقبة جديدة في التعاون الأمني». ويأتي الاتفاق البريطاني - العراقي لتطوير العلاقات العسكرية الثنائية، بعد الإعلان الذي صدر العام الماضي ونصّ على أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم «داعش» سينهي مهامه في العراق عام 2026.