ظلال السلاح النووي على حرب غزة

إسرائيل تمتلك أكثر من 100 رأس نووي... لكنها مقيّدة بمبدأ «محدوديّة القوّة»


دمار في مخيم المغازي بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
دمار في مخيم المغازي بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

ظلال السلاح النووي على حرب غزة


دمار في مخيم المغازي بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)
دمار في مخيم المغازي بقطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

لماذا تسعى الدول إلى امتلاك السلاح النوويّ؟ وهل يعيش العالم اليوم العصر الثاني لهذا السلاح الذي بدأ مع القوى العظمى، وانتقل بعدها إلى القوى الكبرى (بريطانيا، وفرنسا، والصين)، ومن بعدها إلى القوى الإقليميّة العظمى (باكستان، والهند، وكوريا الشمالية، وإسرائيل)؟ وهل سنصل إلى وقت يصبح اللاعب من خارج إطار الدولة (Non State Actor) قادراً على امتلاك السلاح النوويّ؟ ولماذا يدور الحديث مؤخراً حول إمكانيّة استعمال السلاح النووي في مسارح حرب عملانيّة محدودة، مثل المسرح الأوكرانيّ؟ هل لأن التكنولوجيا أصبحت قادرة على استعمال السلاح النووي تكتيكيّاً؟ بكلام آخر، أصبح لدى الدول سلاح نووي يلبّي الحاجات العسكريّة على المستويات الثلاثة: التكتيكي، والعملانيّ، وأيضاً الاستراتيجيّ. فماذا يُضيف امتلاك السلاح النووي لدولة ما؟

بالحدّ الأدنى، يُدخل السلاح النووي الدولة في نادي الدول العظمى والكبرى. كما يعكس المستوى العلمي الذي تتمتّع به هذه الدولة، أي امتلاك أسرار التكنولوجيا النوويّة. فامتلاك السلاح النووي يعطي حريّة حركة للدولة التي تملكه، خصوصاً في السياسات الخارجيّة، وفي سعيها إلى تحقيق أهدافها القوميّة. فهذا السلاح رادع بامتياز، خصوصاً إذا امتلكت الدولة وسيلة إطلاقه بالأبعاد الثلاثة: البرّ، والبحر، والجوّ.

طائرة أباتشي إسرائيلية تُطلق صواريخ باتجاه قطاع غزة أمس (إ.ب.أ)

في أوكرانيا، تكرّر التلويح الروسي بالسلاح النووي للغرب ولحلف «الناتو»، وذلك لحماية «الحرب التقليديّة» المستعرة حتّى الآن. وإذا استعملت روسيا فعلاً الورقة النوويّة، فإن ذلك يدخل في إطار حماية حربها التقليديّة.

وهنا تبرز المفارقة التالية (Paradox): استقرار - لا استقرار. فماذا تعني هذه المفارقة في التطبيق؟ قد تعني أن السلاح النووي قد يؤدّي إلى الاستقرار في العلاقات بين الدول التي تمتلك هذا السلاح، لأنه يؤمّن الردع المتبادل، لتجنّب الذهاب إلى التدمير الشامل والمتبادل (Mutual assured destruction) أو (MAD). لكنه في نفس الوقت، قد يفتح باب اللا استقرار وذلك عبر القتال بالواسطة (Proxies)، حيث المصالح بين القوى التي تمتلك السلاح متضاربة. قاتلت أميركا الاتحاد السوفياتي بالواسطة في كلّ بقعة من بقاع الأرض؛ في فيتنام، وكوريا، وفي أفريقيا كما في أميركا اللاتينيّة، وكذلك في الشرق الأوسط.

فعلى سبيل المثال، عندما سُئل الرئيس العراقي الراحل صدّام حسين، من المحقق الفيدرالي الأميركي جورج بيرو: «لماذا لم تعلن أنك لا تملك أسلحة الدمار الشامل لتجنّب الحرب عليك؟»، فأجابه صدام حسبما ينقل عنه بيرو: «كانت إيران أكبر عدو له، وأخبرني أنه يحاول باستمرار تحقيق التوازن أو التنافس مع إيران. كان أكبر مخاوف صدام أنه إذا اكتشفت إيران مدى ضعف العراق، فلن يمنعها شيء من غزو جنوب العراق والاستيلاء عليه. لذا، كان هدفه إبقاء إيران في مأزق».

في جنوب شرقي آسيا، تتقاتل الدولتان النوويّتان، الهند وباكستان، في أفغانستان. وحتى عبر المناوشات على الحدود، لكن بواسطة لاعبين من خارج إطار الدولة.

فهل مَنعَ النووي الأميركي إيران من دعم «المقاومة» ضد الوجود العسكري الأميركي في العراق؟

هل منع النووي الإسرائيلي الذي لا يزال تحت عباءة «الغموض النووي»، حركة «حماس» من خوض غمار عملية بحجم «طوفان الأقصى»؟

إذاً في أي وقت، وضدّ مَن، وفي أيِّ ظروف، يمكن أن يُستعمل السلاح النوويّ؟ يقود هذا السؤال إلى ما تُعرف بـ«محدوديّة القوّة» (Limits of Power)، كما إلى مبدأ آخر يقول بتناسب (Proportionality) الخطأ مع العقاب. فهل يمكن لإسرائيل أن تردّ بالنووي على «حماس» بعد عملية «طوفان الأقصى»؟ الجواب: كلا، بالطبع. فالجوار والقرب الجغرافي لا يسمحان بذلك، حتى ولو طلب أحد المسؤولين الإسرائيليين من غلاة المتشددين ضرب «حماس» وقطاع غزة بالسلاح الذرّي.

دمار في قطاع غزة أمس (أ.ف.ب)

في المقابل، يتساءل خبراء عمّا إذا كانت إيران تسعى فعلاً إلى امتلاك سلاح نوويّ، حسبما تقول دول غربية؟ فهل الأهداف العليا الجيوسياسيّة لإيران هي الدائرة البعيدة الأوراسيّة، أم هي الدائرة الإقليميّة، بما في ذلك دائرة النفوذ في المحيط المباشر لها؟ وبالتالي فإن السؤال المطروح هو: هل تسعى إيران إلى استكمال منظومة الردع عبر إضافة السلاح النووي إلى ترسانتها، علماً بأنها تؤكد دوماً أن برنامجها النووي سلمي وأنها لا تسعى إلى بناء قنبلة نووية؟ ومهما كان الجواب عن ذلك، فإن هناك مثالين يمكن التعلم منهما: الأول هو المثال الليبي؛ فبعدما سلّم العقيد معمّر القذافي مشروعه النووي طوعاً للولايات المتحدة ووافق على تفكيكه، وجد نفسه بعد سنوات قليلة يواجه دعماً أميركياً للثوار الذين انتفضوا ضد نظامه؟ المثال الآخر مختلف تماماً. فكوريا الشماليّة أصرت على مقارعة أميركا وتمسكت بسلاحها النووي وعدّته ضمانة؟ ورغم أن هذين المثالين يمثّلان نقيضين في طريقة التعامل مع السلاح النووي، فإنه لا بد من الإقرار بأن هناك فوارق كبيرة جدّاً بين إيران وكلٍّ من ليبيا وكوريا الشمالية في كلّ المجالات.

ولكن في ظلّ الحرب الدمويّة الدائرة على قطاع غزة حالياً، هل يمكن للسلاح النووي أن يُشكّل رادعاً لإسرائيل، إذا امتلكته أي دولة خصم لها؟ ومثل هذا التساؤل لا بد أن يأخذ في الاعتبار أن إسرائيل نفسها تمتلك أكثر من 100 رأس نووي، كما أنها تملك القدرة على شن الضربة الثانية، براً، وبحراً، وجوّاً (Second Strike Capability)... وفوق ذلك كله فإن إسرائيل تحظى أيضاً بدعم «ثابت ومستمر» توفره لها الولايات المتحدة في حربها الحالية على قطاع غزة!


مقالات ذات صلة

غزة... «هدنة تدريجية» على طاولة التفاوض

المشرق العربي الشرطة الإسرائيلية تتفقد يوم الأحد موقع اصطدام شاحنة بمحطة حافلات قرب تل أبيب (أ.ب)

غزة... «هدنة تدريجية» على طاولة التفاوض

تبلورت ملامح مقترح مصري لإبرام ما بدا «هدنة تدريجية» في غزة، أمس (الأحد)، في وقت بدأت فيه جولة جديدة من المفاوضات بين مسؤولين من قطر وأميركا وإسرائيل في الدوحة

«الشرق الأوسط» (القاهرة - الدوحة)
شمال افريقيا فلسطينيون يتفقدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

«هدنة غزة»: جولة جديدة للوسطاء لبحث «المقترح المصغر»

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في القاهرة، الأحد، إن بلاده أطلقت مبادرة لوقف إطلاق النار في غزة ليومين

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (د.ب.أ)

السيسي: مصر اقترحت هدنة ليومين بغزة

قدّم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الأحد، مقترحاً جديداً لوقف إطلاق النار في غزة ليومين مقابل الإفراج عن 4 رهائن إسرائيليين، وبعض الأسرى الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
تحليل إخباري نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس تلتقي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن 25 يوليو (رويترز)

تحليل إخباري كيف تختلف سياسات هاريس الخارجية عن «نهج بايدن»؟

في حال فوز نائبة بايدن، كامالا هاريس، بالسباق إلى البيت الأبيض، يُرجح ألا تختلف سياساتها الخارجية جذرياً عن سياسات الإدارة الحالية.

رنا أبتر (واشنطن)
المشرق العربي فلسطينيون يتفقدون موقع غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في مدينة غزة (رويترز)

الأمم المتحدة تعبّر عن صدمتها «لمستويات القتل والدمار» في شمال غزة

أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، الأحد، عن شعوره «بالصدمة لمستويات القتل والإصابات والدمار الهائلة» في شمال قطاع غزة، حيث تشنّ القوات الإسرائيلية هجمات.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

غزة... «هدنة تدريجية» على طاولة التفاوض

الشرطة الإسرائيلية تتفقد يوم الأحد موقع اصطدام شاحنة بمحطة حافلات قرب تل أبيب (أ.ب)
الشرطة الإسرائيلية تتفقد يوم الأحد موقع اصطدام شاحنة بمحطة حافلات قرب تل أبيب (أ.ب)
TT

غزة... «هدنة تدريجية» على طاولة التفاوض

الشرطة الإسرائيلية تتفقد يوم الأحد موقع اصطدام شاحنة بمحطة حافلات قرب تل أبيب (أ.ب)
الشرطة الإسرائيلية تتفقد يوم الأحد موقع اصطدام شاحنة بمحطة حافلات قرب تل أبيب (أ.ب)

تبلورت ملامح مقترح مصري لإبرام ما بدا «هدنة تدريجية» في غزة، أمس (الأحد)، في وقت بدأت فيه جولة جديدة من المفاوضات بين مسؤولين من قطر وأميركا وإسرائيل في الدوحة لإحراز اتفاق لتبادل المحتجزين والسجناء، ووقف إطلاق النار.

وأفاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس، بأن القاهرة اقترحت وقفاً لإطلاق النار لمدة يومين في غزة، لتبادل 4 رهائن إسرائيليين مع بعض السجناء الفلسطينيين.

وأضاف السيسي، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره الجزائري عبد المجيد تبون، أمس، في القاهرة، أن مصر أطلقت مبادرة لتحريك الموقف وإيقاف إطلاق النار لمدة يومين، يجري خلالهما تبادل 4 رهائن مع أسرى. وأردف: «ثم خلال 10 أيام يتم التفاوض على استكمال الإجراءات في القطاع، وصولاً إلى إيقاف كامل لإطلاق النار».

واستبق وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، جولة مفاوضات الدوحة بالحديث عن أهمية تقديم «تنازلات مؤلمة» لإتمام صفقة.

وعادت مجدداً إلى الواجهة، الضغوط الداخلية لإبرام صفقة مع «حماس»، بعدما قاطع أقارب قتلى هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال إحياء الذكرى السنوية للهجوم، وفق التقويم العبري، وصرخ بعضهم تجاه نتنياهو بعبارة: «عارٌ عليك».

من جهة أخرى، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أمس، عن شعوره بـ«الصدمة لمستويات القتل والإصابات والدمار الهائلة» في شمال غزة. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم غوتيريش: «إن معاناة المدنيين الفلسطينيين العالقين في شمال غزة لا تحتمل».