الخلاف على التمديد لعون يفتح باب البحث عن قائد بالوكالة للجيش اللبناني

بري لتمديد ولاية القائد «من دون تردد»... والتعيين من صلاحيات الحكومة

الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)
الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)
TT

الخلاف على التمديد لعون يفتح باب البحث عن قائد بالوكالة للجيش اللبناني

الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)
الرئيس نبيه بري في صورة أرشيفية مستقبِلاً قائد الجيش العماد جوزيف عون (موقع البرلمان اللبناني)

ينام السياسيون اللبنانيون على شيء، ويصحون على نقيضه، في ملف تمديد مهام قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يفترض أن يحال على التقاعد في النصف الأول من يناير (كانون الثاني) المقبل، وسط انقسام لافت في مقاربة ملف تمديد ولايته دستورياً وسياسياً وإجرائياً، بما قد يطيح بالعملية برمتها وينقل الأطراف المعنية إلى «لملمة الأضرار» عبر تعيين قائد للجيش بالوكالة، تنتهي ولايته مع بداية ولاية الرئيس الجديد للبلاد وانتهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ أكثر من عام.

ويؤكد رئيس البرلمان نبيه بري لـ«الشرق الأوسط»، أنه يسير في موضوع تمديد ولاية عون «من دون تردد». ويعيد بري ترداد «ما يقوله دائماً من أن الحكومة هي صاحبة الحق في هذا الموضوع». ويقول: «واجب الحكومة حل المسألة، سواء عبر تعيين قائد للجيش أو تأجيل تسريح القائد الحالي، لكن إذا تقاعست فالبرلمان سيقوم بواجباته لمنع الفراغ في هذا المنصب الحساس». وأضاف: «لن أؤخر دقيقة واحدة، وعليهم هم (الحكومة) المسارعة للقيام بواجباتهم».

وشدد بري على أن جلسة البرلمان قائمة في موعدها غداً الخميس، نافياً بشدة علمه بقرار «القوات» مقاطعة الجلسة. وعن تحديده موعد الجلسة البرلمانية قبل جلسة الحكومة، أوضح بري أن التمديد يسبقه 17 بنداً، والجلسة قد تستمر أياماً، ما سيعطي الحكومة الفرصة الكاملة.

من جهة أخرى، عدَّ رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، في مؤتمر صحافي، أن «التمديد لقائد الجيش حال غير طبيعية وشاذة وإهانة لكل ضابط مؤهل ومستحق». وأشار إلى أن «الشخص المعني (قائد الجيش) خان الأمانة، وأصبح عنواناً لقلة الوفاء، فهو يخالف قانون الدفاع الوطني، ويتعدى على صلاحيات الوزير، ويخالف بشكل واضح ووقح وعلني قانون المحاسبة العمومية، ويتباهى ويفاخر بمخالفة القانون»، وقال: «العماد جوزيف عون لا يستحقّ أن يمدد له. وبرأينا، فهو خان الأمانة. كما أنه عنوان لقلة الوفاء».

وفي الأيام العادية، يفترض بمجلس الوزراء أن يكون قد اختار تعيين قائد جديد للجيش من بين ضباط المؤسسة العسكرية، باعتباره أمراً طبيعياً، لكن هذه الآلية يعترضها غياب رئيس الجمهورية الذي جرت العادة أن يكون هو من يختار القائد الجديد للجيش، ويترجم هذه الرغبة مجلس الوزراء. أما إذا عجز المجلس لأي سبب كان، يفترض بالآلية المتبعة أن تنيط صلاحيات قائد الجيش برئيس الأركان، لكن هذا المنصب شاغر أيضاً بخروج اللواء أمين العرم إلى التقاعد أيضاً، ما يعني عملياً غياب القيادة الشرعية للجيش الذي يحرص الجميع على استقراره، في ظل وضع أمني غير مستقر، وتهديدات الحرب مع إسرائيل.

قائد الجيش الحالي اختاره الرئيس السابق ميشال عون في مستهل ولايته منذ سبع سنوات، وقد فضله عون على عدد من الضباط الكبار الذين طرحت أسماؤهم. حينها أخرج عون اسم اللواء جوزيف عون وطرحه على الطاولة، معرباً عن ثقة كبيرة به «هو الذي حارب معه خلال قيادته للجيش في الثمانينات من القرن الماضي». لكن دخول عون القائد إلى مقر قيادة الجيش كان بداية التباعد مع عون الرئيس في قصر بعبدا، وبقي التعايش قائماً بينهما حتى نهاية ولاية عون من دون انتخاب بديل له في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وما زاد الطين بلة أن اسم العماد عون بات مطروحاً بقوة لخلافة العماد ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وهو ما جعله عدواً مباشراً لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي جاهر بانتقاد قائد الجيش، رافضاً انتخابه رئيساً ورافضاً تمديد مهامه لإنهاء حظوظه الرئاسية بالكامل، فانتهت الأمور إلى مأزق كبير.

ووفق المعطيات الراهنة، يفترض أن يتم تمديد ولاية قائد الجيش عبر قرار في مجلس الوزراء، وهو ما قد يجعله معرضاً للطعن بقانونيته أمام المجلس الدستوري لأنه لن يترافق مع توقيع وزير الدفاع موريس سليم المحسوب على النائب باسيل. أو أن يتم الإقرار في جلسة برلمانية تمدد سن التقاعد لعون سنة واحدة وفق صيغة فضفاضة تحاول تجنب الطعن، علماً بأن القوى السياسية قادرة على تعطيل اجتماعات المجلس الدستوري بتغييب النصاب عنه كما حصل في أكثر مناسبة سابقة. وفي هذا الإطار، سيكون لبنان على موعد مع تاريخين، أولهما الخميس بجلسة مقررة للبرلمان، وضع تمديد ولاية عون فيها في البند رقم 17، ما قد يقلص حظوظ انعقاد الجلسة بسبب مقاطعة القوى المسيحية لجلسات البرلمان رفضاً لـ«التشريع في غياب رئيس الجمهورية»، كون «التيار الوطني الحر» المؤيد لباسيل لن يحضر، وكون «القوات اللبنانية» المؤيدة لتمديد ولاية عون تتجه وفق بعض المصادر إلى المقاطعة أيضاً احتجاجاً على ترتيب الاقتراح، وخوفاً من فقدان النصاب قبل الوصول إليه.

عملياً، يحظى العماد جوزيف عون بتأييد واسع لتمديد ولايته يقارب الـ90 صوتاً، وهو رقم يفوق نسبة ثلثي أصوات المجلس المطلوبة لتعديل الدستور وانتخابه رئيساً للجمهورية، ما قد يخلق حساسيات تمنع اندفاع رئيس البرلمان نبيه بري لإقرار التمديد في البرلمان، وقد تكون سبباً في جعله بنداً متأخراً، لأن بري بات يفضل قيام الحكومة بهذه الخطوة، فيما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يبدو أكثر تردداً في هذا المجال، ويحاول رمي المسؤولية على مجلس النواب.

وقد أبدت كل الكتل البرلمانية رأيها في موضوع التمديد، الذي يحظى علانية بدعم البطريرك الماروني بشارة الراعي، كما يحظى بموافقة كل القوى السياسية الممثلة في البرلمان، ما عدا «التيار الوطني الحر» المعارض صراحة، فيما يبقى موقف «حزب الله» اللغز الأكبر، خصوصاً أنه أبلغ كل من راجعه بأنه سيبلغ موقفه في خصوص التمديد ليلة الجلسة وليس قبل ذلك. وتكمن حساسية موقف «حزب الله» في معارضة حليفه المفترض جبران باسيل لأي شكل من أشكال تمديد ولاية قائد الجيش، وصولاً إلى قبوله بتعيين بديل له تحت عنوان «كل شيء إلا جوزيف عون».

وقالت مصادر لبنانية مطلعة على موقف «حزب الله» إن باسيل أبلغ قيادة الحزب صراحة أن ذهاب الحزب إلى تأييد تمديد ولاية عون هو «نقطة اللاعودة» في العلاقات بين الحليفين. وقالت إن باسيل أبلغ الحزب أن «كل ما سبق من مواقف (حزب الله) التي اختلف معها في كفة، والتمديد لقائد الجيش في كفة مقابلة». ويبدو أن صمت «حزب الله» في هذا الموضوع الذي يحظى أيضاً بتأييد دولي وإقليمي، قد زاد من الغموض المفروض، لكن مصدراً لبنانياً واسع الاطلاع أكد أن الأمور تتجه فعلياً إلى ذهاب قائد الجيش إلى منزله في العاشر من يناير المقبل، أي من دون تمديد ولايته، عاداً أن كل هذه الإرباكات تكاد تكون مقصودة، وتهدف إلى وضع الأمور في وضعية يصبح معها تمديد الولاية أمراً شبه مستحيل، وتحفز للذهاب نحو الخيارات الأخرى، من بينها تعيين قائد للجيش بالوكالة من بين كبار الضباط الموارنة في المؤسسة العسكرية، وبهذا يكون الجميع قد حاذر تعيين قائد للجيش بغياب رئيس الجمهورية.

وتقول المصادر: «في كل لحظة تتغير المواقف. بداية تم الاتفاق على تمديد ولاية القائد في مجلس الوزراء، ليصحو الجميع على قذف المسؤولية في اتجاه البرلمان الذي قبل رئيسه بالمسؤولية ودعا الى جلسة تعقد الخميس، قبل أن يتراجع، مفضلاً إعطاء الأولوية مجدداً للحكومة التي يقترض أن تجتمع الجمعة».

ويضيف المصدر: «حالياً، يبدو أكثر السيناريوهات يسير في اتجاه تعيين قائد بالوكالة، ومن كبار ضباط المؤسسة، ومن بينهم مدير جهاز المخابرات العميد أنطوان قهوجي، أو قائد منطقة جنوب الليطاني العميد مارون القبياتي المعروف بقربه من النائب باسيل، وهو ما يضعه في دائرة عدم القبول عند أطراف سياسية مناوئة لباسيل».



«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً
TT

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

دخلت فصائل مسلحة؛ بينها «هيئة تحرير الشام» وفصائل مدعومة من تركيا أمس، أجزاءً غرب مدينة حلب في شمال سوريا، وتقدمت على نحو كبير وسريع بعد قصفها في سياق هجوم بدأته قبل يومين على القوات الحكومية هو من أعنف جولات القتال منذ سنوات.

وبددت المعارك التي باغتت القوات الحكومية السورية؛ وروسيا وإيران الداعمتين لها، هدوءاً سيطر منذ عام 2020 على الشمال الغربي السوري، بموجب تهدئة روسية - تركية.

وقال مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الفصائل «دخلت إلى الأحياء الجنوبية الغربية والغربية» لحلب. وقال شاهدا عيان من المدينة لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إنهما شاهدا رجالاً مسلحين في منطقتهما، وسط حالة هلع في المدينة.

ومن شأن تقدم تلك الجماعات المسلحة أن يصطدم بمناطق نفوذ شكلتها، على مدار سنوات، مجموعات تدعمها إيران و«حزب الله».

ومع دخول ليل السبت، وتبين تقدم الجماعات المسلحة، أفاد «المرصد السوري» بتوجه «رتل عسكري مؤلف من 40 سيارة تابع لـ(ميليشيا لواء الباقر)، الموالية لإيران، من مدينة دير الزور نحو حلب».

وشدّد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في بيان، «على دعم إيران المستمر لحكومة سوريا وأمتها وجيشها في كفاحها ضد الإرهاب»، بعد اتصال هاتفي أجراه مع نظيره السوري بسام الصباغ.

وأودت العمليات العسكرية بحياة 255 شخصاً، وفقاً للمرصد، معظمهم مقاتلون من طرفي النزاع، ومن بينهم 24 مدنياً قضى معظمهم في قصف من طائرات روسية تدعم قوات النظام بالمعركة.

ومع حلول يوم الجمعة، كانت الفصائل بسطت سيطرتها على أكثر من 50 بلدة وقرية في الشمال، وفقاً للمرصد، في أكبر تقدّم تحرزه المجموعات المسلحة المعارضة للنظام منذ سنوات.

وفي المقابل، وصلت تعزيزات من الجيش السوري إلى مدينة حلب، ثانية كبرى المدن في سوريا، وفق ما أفاد مصدر أمني سوري الوكالة الفرنسية.

وقبل إعلان «المرصد السوري» دخول «هيئة تحرير الشام» إلى حلب، أفاد المصدر نفسه عن «معارك واشتباكات عنيفة من جهة غرب حلب».

وأضاف: «وصلت التعزيزات العسكرية ولن يجري الكشف عن تفاصيل العمل العسكري حرصاً على سيره، لكن نستطيع القول إن حلب آمنة بشكل كامل، ولن تتعرض لأي تهديد».

وتزامناً مع الاشتباكات، شنّ الطيران الحربي الروسي والسوري أكثر من 23 غارة على إدلب وقرى محيطة بها.

وقال دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، إن روسيا، التي تدعم قواتها في سوريا الرئيس بشار الأسد، تعدّ الهجوم انتهاكاً لسيادة سوريا، وتريد من السلطات التحرك سريعاً لاستعادة النظام.

ودعت تركيا إلى «وقف الهجمات» على مدينة إدلب ومحيطها، معقل الفصائل السورية المسلحة في شمال غربي سوريا، بعد سلسلة الغارات الروسية - السورية.

وتسيطر «تحرير الشام» مع فصائل أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب ومحيطها، وعلى مناطق متاخمة في محافظات حلب واللاذقية وحماة المجاورة.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية عبر منصة «إكس»: «لقد طالبنا بوقف الهجمات. وقد أدت الاشتباكات الأخيرة إلى تصعيد غير مرغوب فيه للتوترات في المنطقة الحدودية»، مشيراً إلى «التطورات في إدلب ومحيطها الحدودي».

ومن مدينة حلب، قال سرمد البالغ من العمر 51 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «على مدار الساعة، نسمع أصوات صواريخ ورميات مدفعية، وأحياناً أصوات طائرات. آخر مرة سمعنا مثل هذه المعارك كانت قبل نحو 5 سنوات».

وأَضاف الموظّف في شركة اتصالات: «نخشى أن تتكرر سيناريوهات الحرب وننزح مرة جديدة من منازلنا، سئمنا هذه الحالة واعتقدنا أنها انتهت، لكن يبدو أنها تتكرر من جديد».

وكان عراقجي عدّ التطورات الميدانية في سوريا «مخططاً أميركياً - صهيونياً لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات وهزائم الكيان الصهيوني أمام المقاومة»، وفق تصريحات أوردتها الوزارة الخميس.

وقال المحلّل نيك هيراس من معهد «نيو لاينز» للسياسات والاستراتيجية للوكالة الفرنسية، إن تركيا ترى أن «حكومة (الرئيس السوري) بشار الأسد تواجه وضعاً صعباً بسبب عدم اليقين بشأن مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، وترسل رسالة إلى دمشق وموسكو للتراجع عن جهودهما العسكرية في شمال غربي سوريا».

ويرى مدير «المرصد السوري» لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن، أن الجيش السوري لم يكن مستعداً أبداً لهذا الهجوم. وأعرب عن استغرابه الضربات الكبيرة التي يتلقاها الجيش السوري على الرغم من الغطاء الجوي الروسي.

وتساءل: «هل كانوا يعتمدون على (حزب الله) المنهمك حالياً في لبنان؟».

بدوره، قال مسؤول بالأمم المتحدة، الجمعة، إن 27 مدنياً، بينهم 8 أطفال، لقوا حتفهم في قتال بشمال غربي سوريا على مدى الأيام الثلاثة الماضية، في إحدى أسوأ موجات العنف منذ أعوام بين القوات الحكومية وقوات المعارضة السورية.