لبنان يربح «نفسياً» من ارتفاع أسعار احتياطاته من الذهب

مخزونه يبلغ 286.8 طن... والقانون يمنع استخدامه «مطلقاً»

الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وسط سبائك الذهب المحفوظة في خزئن المصرف في صورة من نوفمبر 2022 (رويترز)
الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وسط سبائك الذهب المحفوظة في خزئن المصرف في صورة من نوفمبر 2022 (رويترز)
TT

لبنان يربح «نفسياً» من ارتفاع أسعار احتياطاته من الذهب

الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وسط سبائك الذهب المحفوظة في خزئن المصرف في صورة من نوفمبر 2022 (رويترز)
الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة وسط سبائك الذهب المحفوظة في خزئن المصرف في صورة من نوفمبر 2022 (رويترز)

برز في البيانات المالية الأحدث لمصرف لبنان المركزي ارتفاع القيمة السوقية لاحتياطات الذهب إلى عتبة 19 مليار دولار، مما يعزز الأثر النفسي الموازي في استدامة الاستقرار النقدي قريباً من مستوى 90 ألف ليرة للدولار، والسائد للشهر التاسع على التوالي برغم ضغوط العمليات العسكرية في جنوب لبنان وتأثيراتها السلبية على السياحة وتدفق العملات الصعبة.

وتعكس الزيادة في حسابات احتياط الذهب، التي تعدّت 2.5 مليار دولار على أساس سنوي، لتبلغ مستوى 18.8 مليار دولار وفقاً لأحدث معطيات ميزانية البنك المركزي الموقوفة بنهاية الشهر الماضي، الأهمية الاستثنائية لاحتساب هذا الرصيد في مجمّع الاحتياطات النقدية بالعملات الصعبة، ولا سيما لجهة المضاهاة مع حجم الناتج المحلي للبلد الذي يقل عن هذا المستوى، لينحدر من مستواه الأعلى البالغ نحو 54 مليار دولار قبل الأزمات إلى نحو 16 مليار دولار حالياً، وفقاً لتحليلات صادرة عن مؤسسات مالية دولية.

وبالفعل، يزيد توهج بريق احتياطات الذهب اللبناني المخزّن بثلثي كمياته لدى البنك المركزي وثلث منه في أميركا، مع ارتفاع أسعار المعدن الثمين في البورصات والأسواق المالية العالمية، مما يعزز قوة العامل النفسي لاستعادة الاستقرار النقدي المفقود جراء انفجار الأزمات النقدية والمالية المتلاحقة، إنما من دون ترقب انعكاسات فورية على الاقتصاد المحلي وأسواق القطع بسبب المانع التشريعي للتصرف بأي وسيلة باحتياطات الذهب.

ويرجح أن تتعزّز القيمة الإجمالية لاحتياطات الذهب اللبناني، ربطاً بتوقعات بنوك استثمارية عالمية باستمرار ارتفاع أسعار المعدن الأصفر خلال الأسابيع والأشهر المقبلة. وهو ما يمكن الاستدلال على وقائعه المستجدة في تحديثات البيانات المالية نصف الشهرية التي يصدرها البنك المركزي دورياً، بحيث لوحظت ارتفاعات ملموسة في بند مخزون الذهب بفعل ارتفاع أسعار الذهب العالمية بأكثر من 100 دولار للأونصة خلال الأسبوعين الماضيين لتصل، قبل التصحيح السعري اللاحق في التداولات، إلى ما يقارب 2072 دولاراً للأونصة، فيما جرى احتساب السعر المرجعي لبيانات الميزانية بنهاية الشهر الماضي بنحو 2057 دولاراً للأونصة.

كما يكتسب هذا التطور أهمية «رقمية» مضافة في الحساب الإجمالي لبند الذهب بنهاية العام الحالي قياساً برقم سوقي يبلغ نحو 16.4 مليار دولار بنهاية العام الماضي. وأيضاً بخلاف ما أظهرته ميزانية منتصف الشهر الماضي من انخفاض في البند عينه بنسبة 1.21 في المائة، أي ما يوازي 223.5 مليون دولار لتستقر عند مستوى 18.2 مليار دولار في ظلّ التراجع السابق لأسعار الذهب نتيجة التحسّن في مؤشّر الدولار الأميركي وانخفاض أسعار النفط.

وليس بوسع الحكومة أو البنك المركزي استخدام هذا المخزون أو أي كميات منه رغم الأزمات الحاضرة وما أحدثته من انهيارات نقدية ومالية مستمرة للعام الخامس على التوالي. وذلك بحكم صدور قانون حمل الرقم 42 في عام 1986، وفيه أنه «بصورة استثنائية وخلافاً لأي نص، يمنع منعاً مطلقاً التصرف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه، مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته سواء أكان بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلا بنص تشريعي يصدر عن مجلس النواب».

ويملك لبنان رسمياً احتياطات تبلغ نحو 286.8 طن من الذهب، أي ما يناهز نحو 9.9 مليون أونصة، وبينها سبائك ومصوغات ذات قيم سعرية مضافة نظير ندرتها السوقية وخصوصيات تعدينها منتصف القرن الماضي. وهذا الرصيد، وفق الكميات والأسعار السوقية الجارية، يضعه في المرتبة العشرين عالمياً في ترتيب إجمالي احتياطات البلدان، وفق تصنيف مجلس الذهب العالمي للاحتياطات بنهاية العام الماضي، والمرتبة الثانية عربياً بعد المملكة العربية السعودية، وهي الأولى في ترتيب البلدان العربية، وتليهما الجزائر.

ولا يفصح البنك المركزي بشكل دقيق عن ماهية هذه الاحتياطات المتنوعة وتوزيعها بين لبنان وأميركا، فيما تؤكد مصادر مالية ومصرفية أن نحو ثلثي الاحتياطات، أي نحو 6.6 مليون أونصة من الذهب محفوظة في غرفة مسلحة في مبنى البنك المركزي، وهي عبارة عن سبائك بأوزان مختلفة وأونصات وعملات ذهبية، بينما جرى إيداع نحو 3.3 مليون أونصة، أي ثلث المخزون، في أميركا.

ووفقاً لمصادر معنية، يحتفظ لبنان بقسمٍ من احتياطي الذهب في قلعة «فورت نوكس»، الخاضعة لحراسة أميركية، فيما يبقي القسم الأكبر، في خزائن المصرف المركزي في بيروت. علماً أن قلعة «فورت نوكس» هي الخزانة الرئيسية لاحتياطي الذهب في الولايات المتحدة، بنيت عام 1936 بولاية «كنتاكي» على مساحة 110 آلاف فدان. وتم جمع هذه الثروة الثمينة خلال عقدين متتاليين قبيل سبعينات القرن الماضي، قبل أن يتم الاكتفاء بهذه الكميات إثر قرار الإدارة الأميركية بفك ارتباط قيمة الدولار بالذهب.

وتحوز هذه الوقائع توثيقاً دولياً بعدما تحقق صندوق النقد الدولي من مطابقة المخزون للبند الخاص في ميزانية البنك المركزي، ممّا دحض بعض حملات التشكيك. وبالفعل واكبت قيادة البنك، قبل أشهر، إجراء تدقيق دولي في موجودات الذهب لديه، أفضى إلى إثبات موثق بأنّ المخزون لديه مطابق للكميات الموثقة في بيانات وزارة المالية والمعطيات الرسمية.

وتم إشهار هذه الخلاصات استناداً إلى تقرير التدقيق العالمي، الذي نشر ملخصه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، والصادر عن شركة التدقيق العالمية «ALS Inspection UK Ltd» والتي كلفتها به شركة «KPMG»، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.

ووفق ملخص البيان، فإنّ الشركة الدولية أكدت أن مخزون الذهب لدى البنك المركزي مطابق للكميات الموثقة في بيانات وزارة المالية، مع التنويه بأن الخلاصة هي نتيجة معاينة أكثر من 13 ألف سبيكة و600 ألف عملة ذهبية. وتبعاً لتقرير الشركة، فقد تم قياس زنة كل سبيكة ذهب على حدة، وفحصها، باستعمال معدات تحليلية ونقلها من قبل موظفي شركة «ALS» إلى مكان خاص بها حديث البناء ضمن الموقع المخصص لخزنات مصرف لبنان.

ووفق التعريف الرسمي، فإن شركة التدقيق هي فرع للشركة الأسترالية «ALS Limited» المدرجة في البورصة الأسترالية (مقرها بريطانيا) وتؤمن خدمات تحليل وفحص عالمية، دقيقة ومستقلة، تشمل المعادن والفلزات والخامات والمعادن الثمينة والسبائك الحديدية والوقود الصلب.



البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
TT

البرلمان العراقي يستأنف فصله التشريعي بمناقشة التهديدات الإسرائيلية

صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي
صورة نشرها موقع البرلمان العراقي من جلسة انتخاب رئيسه محمود المشهداني الشهر الماضي

على الرغم من خلو جدول أعمال جلسة البرلمان العراقي المقررة الاثنين من أي بند يتعلق بالضربة الإسرائيلية المحتملة على العراق، أفادت مصادر برلمانية بأن الجلسة ستشهد مناقشة هذا الموضوع في جلسة سرية.

وتسود الأوساط الرسمية والشعبية العراقية مخاوف متزايدة من احتمال وقوع الضربة في أي لحظة، وسط تداول واسع لعشرات الأهداف المحتملة للقصف، ويتبع معظمها فصائل مسلحة، بما في ذلك محطات فضائية مملوكة لهذه الفصائل.

وفي ظل غياب موقف رسمي حكومي واضح حيال التهديدات الإسرائيلية، خاصة بعد المذكرة التي وجهتها إسرائيل إلى الأمم المتحدة والتي تضمنت شكوى ضد العراق، هي الأولى منذ قصف مفاعل «تموز» العراقي عام 1981 خلال الحرب العراقية - الإيرانية؛ صرح وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين بأن التهديدات الإسرائيلية أصبحت أكثر جدية من أي وقت مضى.

البرلمان العراقي الذي استأنف فصله التشريعي قبل أسبوعين عقب انتخاب رئيس جديد له، فشل في عقد جلسة بسبب الخلافات حول ما يُعرف بـ«القوانين الجدلية»، مثل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العفو العام، وقضية عائدية العقارات إلى أصحابها الأصليين. إلا أن تصاعد مخاطر التهديدات الإسرائيلية ضد العراق دفع البرلمان إلى عقد جلسة يوم الاثنين، تضمنت بنوداً عادية دون التطرق إلى القوانين الخلافية.

وفي حين لم تتضح بعد طبيعة النقاشات التي سيجريها البرلمان، أو ما إذا كانت ستُتخذ قرارات محددة، أكدت رئاسة البرلمان أن أي قرارات تصدر ستكون داعمة لجهود الحكومة.

صمت على جبهة الفصائل

في وقت أعلن فيه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني اتخاذ قرارات صارمة لحفظ سيادة البلاد، التزمت الفصائل المسلحة الموالية لإيران الصمت منذ أيام. وكان السوداني، بصفته القائد العام للقوات المسلحة، قد أصدر أوامر صارمة بشأن التعامل مع أي ضربات صاروخية قد تنفذها الفصائل المسلحة التي دأبت على توجيه ضربات من الأراضي العراقية نحو إسرائيل.

ووفقاً لتعليمات السوداني، فإن مسؤولية إطلاق أي صاروخ تقع على عاتق القطعات العسكرية الماسكة للأرض، والتي ستتحمل تبعات ذلك.

وبينما يسود الصمت جبهة الفصائل المسلحة، تشير الأوساط السياسية العراقية إلى أن هذا الصمت يأتي بناء على أوامر إيرانية بالتزام الهدوء، خاصة بعدما وضعت إسرائيل إيران على قائمة أهدافها المحتملة في المستقبل القريب، رغم إشارات السلام التي بدأ كبار المسؤولين الإيرانيين بإصدارها.

وقال الباحث في الشأن السياسي الدكتور سيف السعدي لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار الحرب والسلم يجب أن يُتخذ ضمن المؤسسات الدستورية وفق المادة (61) من الدستور، عبر تقديم طلب من رئيس مجلس الوزراء وتصويت أغلبية أعضاء البرلمان ومصادقة رئيس الجمهورية، وبالتالي إعلان حالة الطوارئ».

وأضاف السعدي أن «الخطورة تكمن في أن الفصائل المسلحة غير مكترثة بتحذيرات رئيس الوزراء، وسيؤدي ذلك إلى تداعيات خطيرة على المدى المنظور، منها قد تكون اغتيالات لشخصيات ومعسكرات ومقرات تابعة لفصائل المقاومة».

وتوقع السعدي أن «يشهد العراق عمليات إسرائيلية قبل نهاية العام؛ مما قد يعقّد الوضع، خاصة أن العراق يقع في محيط إقليمي حساس وملتهب؛ مما سيؤدي إلى ارتدادات كبيرة داخل النظام السياسي العراقي».

وفيما يتعلق باتفاقية الإطار الاستراتيجي التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بحماية النظام السياسي العراقي، أوضح السعدي أن «الاتفاقية تهدف إلى الحفاظ على النظام السياسي وحماية مؤسسات الدولة والديمقراطية في العراق. ومن منظور الولايات المتحدة، تُعتبر الفصائل المسلحة خارج المؤسسات الرسمية؛ مما قد يوفر لإسرائيل مبرراً لضرب العراق بزعم أنها تدافع عن نفسها».

والجدير بالذكر أن فصائل «المقاومة» قد استهدفت إسرائيل خلال شهرَي أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) بأكثر من مائة هجوم بالصواريخ والطائرات المسيّرة؛ مما دفع الولايات المتحدة للتدخل عدة مرات للوساطة مع الحكومة العراقية بهدف منع الفصائل من توجيه ضربات أخرى إلى إسرائيل.