رئيس مجموعة العمل الأميركية للبنان ينتقد «العقاب الجماعي» للفلسطينيين

إدوارد غابرييل يحذر من «ارتكاب الأخطاء» على الحدود مع إسرائيل ويدعو لانتخاب رئيس توافقي

TT

رئيس مجموعة العمل الأميركية للبنان ينتقد «العقاب الجماعي» للفلسطينيين

إدوارد غابرييل (الشرق الأوسط)
إدوارد غابرييل (الشرق الأوسط)

انتقد رئيس مجموعة العمل الأميركية للبنان (تاسك فورس) إدوارد غابرييل، في حوار مع «الشرق الأوسط»، ما سمّاها «عقيدة العقاب العسكري الهائل» التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين، متسائلاً عن عدد المدنيين الذين ينبغي أن يقتلوا قبل الوصول إلى قادة «حماس»، داعياً إلى «تكييف» المساعدات الأميركية بعدم استمرار قتل الأبرياء. وإذ كشف أن اجتماعات مكثفة عقدت أخيراً مع مسؤولين كبار في إدارة الرئيس جو بايدن، بينهم وزير الخارجية أنتوني بلينكن، بالإضافة إلى مشرعين في الكونغرس، عبّر عن «قلق بالغ» من احتمال اتساع رقعة التصعيد كلما طال أمد الحرب، محذراً من «ازدياد فرص ارتكاب الأخطاء» عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية.

ورأى غابرييل، وهو رجل أعمال متحدر من أصول لبنانية وعمل في إدارات أميركية سابقة سفيراً ويقود حالياً مجموعة الدعم التي تعد أكبر لوبي عربي في أميركا، أن «الوقت حان» وبات «ناضجاً» لانتخاب رئيس للبنان «الآن»، معوّلاً على دور قيادي تلعبه المملكة العربية السعودية بغية «عكس هذه الأحداث الرهيبة» في المنطقة، والتعاون مع الولايات المتحدة ضمن الخماسية، التي تضم أيضاً كلاً من فرنسا ومصر وقطر بهدف «التوصل إلى إجماع» يتيح المضي قدماً لحل المشكلة الرئاسية في لبنان، بل أيضاً لكي تفهم إسرائيل أن «لديها مصلحة كبيرة للغاية فيما تفعله السعودية» بالنسبة إلى اليوم التالي بعد الحرب في غزة، وترى أن «هناك طريقاً إلى الأمام لحماية مصالحها، ولكن الأهم من ذلك هو إقامة دولة فلسطينية عادلة ونزيهة للشعب الفلسطيني».

وإذ أكد أن أسوأ كارثة اقتصادية يشهدها لبنان منذ منتصف القرن التاسع عشر «سببها داخلي»، متمثلاً بـ«الفساد والميليشيات المسلحة بشكل غير قانوني، أي (حزب الله)»، شدد على أن الطريق للخروج من هذه الأزمة «يحتاج إلى استراتيجية لا يمكن أن تمر عبر إيران، ولا يمكن أن تمر عبر إسرائيل».

وهنا نص الحوار:

* الجميع يراقبون الأخبار المروعة الآتية من غزة وإسرائيل. وهذا يؤثر على لبنان بطرق عديدة. ولكن سؤالي هو كيف تفسر موقف الولايات المتحدة فيما يتعلق بهذا الصراع، بما في ذلك احتمال امتداده إلى لبنان؟

- أعتقد أن هذه مشكلة مثيرة للانقسام الشديد في الولايات المتحدة. وتسببت في الكثير من الألم والمعاناة بين الجميع. لا أستطيع أن أتخيل أولئك الذين فقدوا أحباءهم. الأمر صعب للغاية، خصوصاً لدى الجالية الفلسطينية الأميركية. لذا، اسمح لي أن أحاول وضع هذا في سياق سياسي. كما تعلم، العناق الكبير الذي قدمه بايدن عندما وصل إلى إسرائيل يبدو مفهوماً عندما تفكر في مئات الأبرياء الذين قُتلوا على الفور. وأعتقد أن هذا رد فعل فوري لا يختلف عن رد فعلنا بعد (هجمات) 11 سبتمبر (أيلول) 2001. ولكن ما حصل بعد ذلك من رد فعل هائل وغير متناسب من قتل الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال والنساء، قُوبل برد فعل بطيء من الإدارة. وأعتقد بصراحة أن هذا فاجأ المجتمع الدولي. كان عليهم أن يعملوا بجد وفوراً من أجل المطالبة بوقف العنف. وأعتقد أنهم بذلوا جهداً كبيراً في الآونة الأخيرة لمحاولة وقف العنف، ثم ذهبوا إلى أبعد من ذلك للحصول على هدنة فقط، وهذا ما لا يعتقد كثيرون أنه جيد بما فيه الكفاية. ولكن في الوقت الراهن، ونظراً لعقيدة العقاب العسكري الهائل التي فرضتها إسرائيل، فإن هذا ما تمكنت أميركا من القيام به حتى الآن. وينبغي عليهم (في الإدارة) أن يفكروا في تكييف المساعدات المستقبلية (لإسرائيل) بعدم قتل سكان الضفة الغربية، وكذلك التأكد من عدم قتل الأرواح البريئة بشكل متواصل.

هجوم ضد لبنان؟

* نعم سعادة السفير، أيضاً لأن لبنان قد يتأثر بشدة. إذا كنت تأمل في ألا تحصل نكبة ثانية، فإن المنطقة برمتها، بما في ذلك لبنان، يمكن أن تواجه مشكلة كبيرة إذا حصلت. هل أنت قلق من احتمال حدوث نكبة ثانية؟

- أشعر بقلق بالغ لأنه كلما طال أمد هذه الحرب، ازدادت فرصة التصعيد. أعتقد أن إيران أوضحت أخيراً أنها ترغب في رؤية وقف للعنف والتفاوض في شأن الرهائن والسجناء. سمعت خطاب (الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن) نصر الله الذي لم يدع أساساً إلى التصعيد، وعملياً، نأى بلبنان وبنفسه عن جهود «حماس». وكذلك، فإن الولايات المتحدة واضحة للغاية مع إسرائيل. فهمنا أن وزير (الدفاع الإسرائيلي يوآف) غالانت أراد في البداية أن يهاجم لبنان بشكل استباقي. وأعتقد أن الرئيس (جو) بايدن و(وزير الخارجية) أنتوني بلينكن عملا بجد لوقف ذلك. الآن أعتقد أن دبلوماسيتنا ناجحة. ومع ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تحمي أصولها أيضاً. لديها سفن (حربية) قبالة شواطئ إسرائيل ولبنان. وفي الوقت الحالي، يقتصر عملها فقط على قصف المواقع التي تؤثر على الأصول الأميركية أو المواطنين الأميركيين. إذا بقي عند هذا الحد، ولم يتصاعد الأمر بين إسرائيل و«حزب الله» آمل في أن تنجح الدبلوماسية. لكن كلما طال الأمر، ازدادت فرص ارتكاب الأخطاء.

نائبة وزير الخارجية الأميركي بالوكالة فيكتوريا نولاند ورئيس مجموعة العمل الأميركية للبنان إدوارد غابرييل يتوسطان أعضاء المجموعة (الشرق الأوسط)

بلينكن ونولاند وآخرون

* كان لكم دور فعال في منح لبنان غطاءً واقياً، ليس فقط مما يحدث الآن، بل أيضاً في الماضي. هل يمكن تسليط بعض الضوء على ما تفعلونه هنا داخل الولايات المتحدة؟ رأيت في مرحلة ما أنكم اجتمعتم مع نائبة وزير الخارجية بالوكالة فيكتوريا نولاند وربما آخرين خلف الكواليس. هل يمكن أن تخبرنا عما تفعلونه؟

- بالتأكيد. في الأسبوعين الماضيين، عقدنا عشرات الاجتماعات. التقينا أكثر من 20 عضواً في الكونغرس وموظفيهم. التقينا الوزير أنتوني بلينكن، والقائمة بأعمال نائب الوزير نولاند، وعقدنا ثلاثة اجتماعات في البيت الأبيض واجتماعات أخرى في وزارة الخارجية. قمنا بجهد قوي للغاية. ونحن ندعو في الأساس إلى ثلاثة أمور: الأول، يجب أن تكون هناك هدنة، وقف للعنف في أسرع وقت ممكن من أجل منع استمرار التصعيد. وبهذا المعنى، نشعر بقوة أنه في هذه المرحلة بأن العقيدة العقابية العسكرية التي تتبعها إسرائيل قاسية للغاية. كم هو عدد قادة «حماس» هناك؟ مقابل كم عدد الأشخاص الذين يتعين قتلهم قبل الوصول إلى قادة «حماس»؟ في مرحلة ما، هذا يجب أن يتوقف. ثانياً، أحياناً في أسوأ الأوقات، يكون الوقت ناضجاً لانتخاب رئيس لبناني. يحتاج زعماء العالم إلى شخص ما على الطرف الآخر من الهاتف غير القائم بتصريف الأعمال، من أجل التحدث معه عن الحياد، وعن دعم البلاد، والتأكد من أن القوات المسلحة اللبنانية تؤدي مهمتها. ولكي تكون هناك رسالة من النوع الصحيح موجهة إلى «حزب الله»، هناك حاجة إلى رئيس في هذه المرحلة. والآن قد تكون الظروف ناضجة. نحن ندعو الخماسية، المؤلفة من الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية وقطر ومصر إلى أن تجتمع الآن، وأن تذهب إلى لبنان الآن. حان الوقت. كل الأطراف مستعدة لتنحية مرشحيها الشخصيين جانباً والبحث عن حل وسط، ولكنها تحتاج إلى قيادة. والجهة الوحيدة التي يمكن أن تحرك الخماسية هي الولايات المتحدة التي يتعين عليها أن تدفع وتجذب للقيام بذلك، رغم أني أعتقد أن السعودية وقطر قائدتان عظيمتان في هذا الجهد. وأخيراً، يتعين على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً قيادياً. كما تعلم، قال توماس فريدمان: قد لا تهتم بالشرق الأوسط، لكنه بالتأكيد يهتم بك. علينا أن نواجه حقيقة أننا نحتاج إلى استراتيجية للشرق الأوسط، استراتيجية للبنان لا يمكن أن تمر عبر إيران، ولا يمكن أن تمر عبر إسرائيل. يجب أن تكون استراتيجية للبنان، تشكل جزءاً من استراتيجية شاملة للشرق الأوسط تشمل أصدقاءنا في الخليج، وكيف يمكننا العمل سوية لحل هذه المشكلات. تلك هي الرسائل الثلاث الكبرى.

السعودية مفتاح

* أشكرك على الإشارة إلى ذلك. أريد أن أسأل على وجه التحديد عن الدور المحتمل للمملكة العربية السعودية للمساعدة أولاً في الحفاظ على استقرار لبنان ومساعدته أيضاً على الخروج من هذا النفق المظلم الموجود فيه الآن لفترة من الوقت، الذي أصبح الآن خطيراً للغاية بسبب التصعيد عبر الخط الأزرق. ماذا تفعلون؟

- نعم، شكراً لك على هذا السؤال. أعتقد أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تكون واحدة من أهم الدول في الوقت الحالي، لعكس هذه الأحداث الرهيبة. أرى أمرين مهمين بالنسبة للمملكة العربية السعودية في الوقت الحالي. أولاً، ضمن الخماسية، ينبغي التوصل إلى إجماع مع قطر والولايات المتحدة والدول الأخرى بما يتيح المضي قدماً لحل المشكلة الرئاسية. هم مفتاح لذلك. ما يقولونه سيؤثر بشكل كبير على كيفية تحرك الدول الأخرى. وبطبيعة الحال، يتعين على الولايات المتحدة أن تعمل بشكل وثيق مع السعودية لتحقيق ذلك. ثانياً، أعتقد أنه عندما تفكر في الحاجة إلى اليوم التالي (بعد الحرب)، وكما تعلم، فإن أحد الأمور - التي نقولها للإدارة - هو أنه في كل مرة تتحدثون فيها عن الحرب، عليكم إدراج حقوق تقرير المصير للشعب الفلسطيني. وفي هذا الصدد، أعتقد أن إسرائيل لديها مصلحة كبيرة للغاية فيما تفعله السعودية في اليوم التالي. وبهذا المعنى، تتمتع السعودية بقدر كبير من القدرة على العمل مع الولايات المتحدة ودول الخليج الأخرى ومصر ودول شرق أوسطية وأوروبية أخرى، ولكن حقاً بقيادة أميركية وسعودية، لكي ترى إسرائيل أن هناك طريقاً إلى الأمام لحماية مصالحها، ولكن الأهم من ذلك هو إقامة دولة فلسطينية عادلة ونزيهة للشعب الفلسطيني.

لا إيران ولا إسرائيل

* شكراً لك، سعادة السفير، ذكرت بعض التحديات المتزايدة التي يواجهها لبنان. وهناك جوانب أخرى: الأزمة المالية والاقتصادية وما يمكن أن أسميه أزمة سيادة القانون في لبنان. لا يوجد حكم قانون لذلك نرى ميليشيات ومجموعات أخرى تتصرف دون أي اهتمام. لأكون صادقاً، ليست هناك دولة في لبنان، وأسأل: كيف يمكن للجالية اللبنانية الأميركية أن تساعد في كل هذه الجبهات.

- حسناً، إنها تساعد كما ترى، تتحدث بصوت واحد كبير، ليس فقط الجالية الأميركية اللبنانية، ولكن مجموعة العمل من أجل لبنان عملت أيضاً بشكل وثيق جداً مع مجتمع مراكز الأبحاث في واشنطن للقيام بعملية واحدة مدروسة، سياسة واحدة مدروسة للمضي قدماً. أعتقد أننا جميعاً متحدون، المجتمع العربي الأميركي، والجالية الأميركية اللبنانية، وهؤلاء الخبراء في الشأن اللبناني. وبهذا المعنى، أعتقد أنه من المهم توضيح بعض النقاط: الأولى - وأنت محق - هذه أسوأ كارثة اقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشر وسببها داخلي، لا بسبب قوى خارجية، ولا بسبب ركود عالمي. سببها الفساد والميليشيات المسلحة بشكل غير قانوني، أي «حزب الله». هاتان هما المسألتان الكبيرتان اللتان يجب التعامل معهما. هناك مقترح إصلاح من صندوق النقد الدولي أمامهم، ونحن نعمل مع كل الأطراف للتوصل إلى توافق في الآراء حياله. ونعمل مع الأطراف للتوصل إلى توافق في الآراء حيال الرئيس. نتعامل مع قضايا متعلقة بالتعليم والصحة وحتى مشكلة اللاجئين. لذلك نحن متحدون ونحاول أن نكون مفيدين. لكن في النهاية، الأمر كله يتعلق الآن بانتخاب رئيس. وللقيام بذلك، سنحتاج حقاً إلى أن تجتمع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة والخماسية مع الجالية اللبنانية الأميركية التي تضغط بقوة من أجل هذا الجهد.

سلاح أميركا السرّي

* الجميع في العالم كانوا يحسبون أن هذا ليس بلداً جميلاً فحسب، بل هو بلد متنوع للغاية. هناك تعايش. وكان يُوصف بأنه سويسرا الشرق، ولكن الآن عندما تتحدث إلى الناس يقولون: أوه، هذا البلد ليس لديه رئيس، ومجلس نوابه لا يعمل، وحكومته ضعيفة للغاية. ما فائدة لبنان الآن؟ لماذا علينا أن ندعم لبنان بهذا القدر إذا كان اللبنانيون أنفسهم لا يساعدون أنفسهم وبلدهم؟

- حسناً، أميركا تمتلك سلاحاً سرياً للغاية عندما يتعلق الأمر بالملف اللبناني، أو الأميركيين اللبنانيين: هناك الكثير من الأميركيين الناجحين للغاية، وهم من أصل لبناني، ومؤهلون جداً وقادرون على العمل للتأكد من أن لبنان يظل أولوية لدى الكونغرس الأميركي ولدى الولايات المتحدة. ثانياً، تذكّر أن لبنان هو الدولة التعددية الأكثر أهمية في الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، هناك نظام تعليمي عظيم يبشر بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والفكر الغربي. وبهذا المعنى، فإن لبنان من خلال النظام الجامعي، الابتدائي والثانوي، هو أداة قيّمة للمساعدة في تدريب وتثقيف القادة في كل أنحاء المنطقة. لقد ذهب الكثيرون بينهم إلى الجامعة الأميركية في بيروت على سبيل المثال. وكما قلت، إنها دولة قامت على سيادة القانون، وشعبها متعلم جداً. وعلى الرغم من هجرة الأدمغة في الوقت الحالي، وهذا الوضع عصيب، فإن (لبنان) لديه كل الأسباب، بسبب الشتات في جميع أنحاء العالم، واللبنانيين المتعلمين داخل البلاد، للسيطرة على الوضع. تذكر أن هذه عملية بطيئة. العام الماضي، أجريت انتخابات نيابية، وتغلب هؤلاء على الغالبية في «حزب الله». ببطء شديد، ولكن هذا بالتأكيد يحصل. الأمر سيتطلب جهداً متضافراً. من أصدقاء لبنان مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة وفرنسا وغيرها، بالإضافة إلى هذا الشتات اللبناني القوي جداً في الولايات المتحدة وحول العالم.

اللبنانيون ليسوا وحدهم

* هذا بيان يبعث على الكثير من الأمل. والأمر الأخير هو ما إذا كانت لديك أي رسالة مباشرة إلى اللبنانيين في هذه اللحظة الحرجة...

- الشعب اللبناني ينبغي أن يعرف أنه ليس وحيداً. هناك عدد كبير ممن يهتمون بهم. اللبنانيون الأميركيون والشتات اللبناني في كل أنحاء العالم يعملون ليل نهار لمساعدتهم، مباشرة بالمساعدات، وبشكل غير مباشر من خلال التأكد من أن المجتمع الدولي يركز على الحلول للبنان. رأيتم أحد أهم مبعوثي الرئيس (جو بايدن)، وهو (مستشار البيت الأبيض لشؤون الطاقة) آموس هوكستين الذي مر من هناك للتو. سمعتم أنتوني بلينكن يتحدث عن لبنان بشكل مباشر للغاية. نواصل اجتماعاتنا على أعلى المستويات. لذلك، هناك اهتمام كبير بجعل لبنان أولوية. ونأمل في أن يكون الاتفاق البحري (مع إسرائيل) مجرد بداية لأمور تكتيكية صغيرة يمكنها بناء الثقة، والتحرك على الحدود البرية بعد ذلك. وبطبيعة الحال، يجري دفن هذه الأمور عندما تكون هناك قضية أكبر تتعلق بالحرب. لذا فلنركز على ذلك الآن، ونتأكد من أن صوت الشعب اللبناني مسموع جيداً في العواصم حول العالم. هذا عمل رئيسي. والشعب اللبناني ينبغي أن يعرف أنه ليس وحيداً.



جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
TT

جنبلاط يلتقي الشرع في «قصر الشعب»: عاشت سوريا حرة أبية

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)
رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط ونجله تيمور خلال اللقاء مع الشرع (أ.ف.ب)

في زيارة هي الأولى لزعيم ومسؤول لبناني إلى دمشق، بعد سقوط نظام بشار الأسد، التقى رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» السابق، وليد جنبلاط، القائد العام للإدارة الجديدة في سوريا أحمد الشرع في «قصر الشعب».

وزار جنبلاط، الذي كان أول زعيم ومسؤول لبناني يبادر إلى التواصل مع الشرع، دمشق، على رأس وفد من الحزب وكتلة «اللقاء الديمقراطي»، يضم نجله تيمور، برفقة شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، ووفد من المشايخ والإعلاميين.

لعودة العلاقات ومحاكمة عادلة

وتحمل هذه الزيارة، التي هنّأ خلالها جنبلاط، الشرع، بـ«انتصاره»، بعداً وطنياً يرتكز على مستقبل العلاقة بين لبنان وسوريا، فهي تحمل كذلك بعداً درزياً يرتبط بما ستكون عليه علاقة السلطة الجديدة في سوريا مع الأقليات، تحديداً الطائفة الدرزية، في ظل الضغوط الإسرائيلية التي تمارس عليها، وهو ما كان الشرع واضحاً بشأنه في لقائه مع الزعيم الدرزي بالقول: «سوريا لن تشهد بعد الآن استبعاداً لأي طائفة»، مضيفاً أن «عهداً جديداً بعيداً عن الحالة الطائفية بدأ».

وفي كلمة له أثناء لقائه الشرع، هنأ جنبلاط القيادة السورية الجديدة بـ«التحرّر من نظام حكم (بشار) الأسد، والتطلع نحو سوريا الموحدة... عاشت سوريا حرّة أبية كريمة».

أحمد الشرع والزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط (رويترز)

وقال جنبلاط: «من جبل لبنان، من جبل كمال جنبلاط، نحيي هذا الشعب الذي تخلص من الاستبداد والقهر، التحية لكم ولكل من ساهم في هذا النصر، ونتمنى أن تعود العلاقات اللبنانية - السورية من خلال السفارات، وأن يحاسب كل الذين أجرموا بحق اللبنانيين، وأن تقام محاكم عادلة لكل من أجرم بحق الشعب السوري، وأن تبقى بعض المعتقلات متاحف للتاريخ».

وأضاف: «الجرائم التي ارتبكت بحق الشعب تشابه جرائم غزة والبوسنة والهرسك، وهي جرائم ضد الإنسانية، ومن المفيد أن نتوجه إلى المحكمة الدولية لتتولى هذا الأمر والطريق طويل»، مشيراً إلى أنه سيتقدم بـ«مذكرة حول العلاقات اللبنانية السورية».

الشرع: النظام السابق قتل الحريري وجنبلاط والجميل

في المقابل، تعهد الشرع، الذي التقى جنبلاط للمرة الأولى مرتدياً بدلة وربطة عنق، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذاً «سلبياً» في لبنان، وستحترم سيادة هذا البلد المجاور. وفيما لفت إلى أن «المعركة أنقذت المنطقة من حربٍ إقليميّة كبيرة، وربما من حرب عالمية»، أكد أن «سوريا لن تكون حالة تدخل سلبي في لبنان على الإطلاق، وستحترم سيادة لبنان ووحدة أراضيه واستقلال قراره واستقراره الأمني، وهي تقف على مسافة واحدة من الجميع».

ولفت الشرع إلى أن «النظام السابق كان مصدر قلق وإزعاج في لبنان، وهو عمل مع الميليشيات الإيرانية على تشتيت شمل السوريين»، مؤكداً أن «نظام الأسد قتل رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري وكمال جنبلاط وبشير الجميل». وتعهد بأن «يكون هناك تاريخ جديد في لبنان نبنيه سوية بدون حالات استخدام العنف والاغتيالات»، وقال: «أرجو أن تمحى الذاكرة السورية السابقة في لبنان».

أحمد الشرع خلال استقباله وفداً برئاسة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط في دمشق (رويترز)

وشدد الشرع على حماية الأقليات، قائلاً: «مع اعتزازنا بثقافتنا وبديننا وإسلامنا... لا يعني وجود الإسلام إلغاء الطوائف الأخرى، بل على العكس هذا واجب علينا حمايتهم». وأضاف: «اليوم يا إخواننا نحن نقوم بواجب الدولة في حماية كل مكونات المجتمع السوري».

دروز سوريا

وتحدث عن دروز سوريا تحديداً، مذكراً بأن «الإدارة الجديدة أرسلت وفوداً حكومية إلى مدينة السويداء ذات الأغلبية الدرزية في جنوب غرب البلاد»، وقال: «أهلنا في السويداء كانوا سباقين في مشاركة أهلهم في الثورة، وساعدونا في تحرير منطقتهم في الآونة الأخيرة».

وأضاف: «سنقدم خدمات كثيرة، نراعي خصوصيتها، ونراعي مكانتها في سوريا»، وتعهد بتسليط الضوء على ما وصفه بأنه تنوع غني للطوائف في سوريا.

أبي المنى وشعار الدروز

من جهته، قال الشيخ أبي المنى إن «شعب سوريا يستحق هذا السلم، ويستحق الازدهار، لأن سوريا قلب العروبة النابض». وأشار إلى أن «الموحدين الدروز لهم تاريخ وحاضر يُستفاد منه، فهم مخلصون للوطن وشعارهم شعار سلطان باشا الأطرش وشعار الكرامة، وكرامتهم من كرامة الوطن، لذلك نحن واثقون أنكم تحترمون تضحياتهم وهم مرتبطون بوطنهم».

رئيس «الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط في «قصر الشعب» بدمشق قبيل لقائه الشرع (أ.ف.ب)

ارتياح في السويداء

ولاقت زيارة الزعيم الدرزي إلى دمشق ارتياحاً في أوساط السوريين الدروز. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أهلية متقاطعة في السويداء، جنوب سوريا، أن هناك توافقاً بين الزعامات الروحية حول الموقف من «إدارة العمليات» ممثلة بقائدها أحمد الشرع، والتأكيد على العمقين الإسلامي والعربي لطائفة الدروز الموحدين وخصوصية جبل العرب، ودورهم التاريخي في استقلال سوريا كمكون سوري أصيل، وتطلعهم إلى دستور جديد يجمع عليه السوريون.

وحسب المصادر، فإن «هذا الموقف كان مضمون الرسالة التي حملها الوفد الدرزي إلى قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، الأحد، وقد كانت نتائج الاجتماع إيجابية»، واعتبر دروز السويداء أن زيارة جنبلاط «خطوة عقلانية وحكيمة باتجاه الحفاظ على وحدة سوريا، وقطع الطريق على كل من يحاول تخريب العيش المشترك بين جميع السوريين، ووأد الفتن ما ظهر منها وما بطن».

ووفق المصادر، كان وفد درزي من لبنان زار السويداء قبل يوم من زيارة جنبلاط إلى دمشق، والتقى مشيخة العقل في السويداء، حيث قال شيخ العقل حمود الحناوي إنهم يتطلعون إلى «مواقف جنبلاط وأهلنا في لبنان باعتبارها سنداً ومتنفساً للتعاون من أجل مصالحنا كمواطنين سوريين لنا دورنا التاريخي والمستقبلي».

بعد 13 عاماً

ودخل الجيش السوري، لبنان، عام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق «قوة الوصاية» على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم بكل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في انفجار وجهت أصابع الاتهام فيه إليها ولاحقاً إلى حليفها «حزب الله»، قبل أن تحكم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اثنين من قادة الحزب بالسجن مدى الحياة، على خلفية قتل 22 شخصاً بينهم الحريري.

ويتهم جنبلاط، دمشق، باغتيال والده كمال في عام 1977 خلال الحرب الأهلية، في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ونُسبت اغتيالات العديد من المسؤولين اللبنانيين الآخرين المناهضين لسوريا إلى السلطة السورية السابقة.

وعلى خلفية هذه الاغتيالات، تأرجحت علاقة الزعيم الدرزي مع النظام السوري السابق، الذي كان قد قاطعه وشنّ هجوماً غير مسبوق على رئيسه المخلوع، واصفاً إياه بـ«القرد» في المظاهرات التي نظمها فريق «14 آذار» إثر اغتيال الحريري عام 2005، قبل أن تعاد هذه العلاقة وترمّم بشكل محدود في عام 2009، لتعود إلى مرحلة العداوة مجدداً مع مناصرة جنبلاط للثورة السورية التي انطلقت عام 2011.

أما اليوم، وبعد 13 عاماً، عاد الزعيم الدرزي إلى دمشق «شامخاً مظفراً بالنصر»، وفق ما وصفه أمين سر كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب هادي أبو الحسن، عبر حسابه على منصة «إكس»، مضيفاً: «ها قد عدنا إلى سوريا الحرة مع الأمل الكبير الواعد بأن تنعم سوريا وشعبها بالحرية والديمقراطية والتنوّع والاستقرار والازدهار»، داعياً إلى «بناء أفضل العلاقات التي تحفظ سيادة وحرية واستقلال وطننا الحبيب لبنان وتحفظ سوريا الواحدة الموحدة الأبية».

وتوجه إلى السوريين بالقول: «هنيئاً لكم ولنا الانتصار الكبير، ويبقى الانتصار الأكبر هو الحفاظ على الوحدة الوطنية والحرية والهوية».