التعليم تحت القصف... مسيرة متعثرة و«جيل ضائع» في إدلب

45 % من الأطفال في سن الدراسة خارج منظومة التعليم في شمال غربي سوريا

تلميذتان تغادران المدرسة وسط الدمار في قرية قميناس شرق مدينة إدلب (الشرق الأوسط)
تلميذتان تغادران المدرسة وسط الدمار في قرية قميناس شرق مدينة إدلب (الشرق الأوسط)
TT

التعليم تحت القصف... مسيرة متعثرة و«جيل ضائع» في إدلب

تلميذتان تغادران المدرسة وسط الدمار في قرية قميناس شرق مدينة إدلب (الشرق الأوسط)
تلميذتان تغادران المدرسة وسط الدمار في قرية قميناس شرق مدينة إدلب (الشرق الأوسط)

في صباح يوم خريفي من نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، في بلدة جرجناز بريف إدلب الجنوبي، مرّت فاطمة (52 عاماً) بتجربة «مرعبة»، حسبما وصفت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، إذ تزامن انهمار القنابل العنقودية على باحة المدرسة مع موعد الاستراحة الصباحية للطلاب، الذين كان أطفالها بينهم.

أرسلت فاطمة ابنها الأكبر بعد توقف القصف ليحضر إخوته، وبعد دقائق وصلوا... «كان ابني زين في حالة لا توصف من شدة الخوف الذي تعرّض له، كان يركض ويقول إنه شعر بقدميه لا تتحركان، والطريق للبيت بدت طويلة لا نهاية لها».

زين، الذي وصل هذا العام إلى الصف الثالث الثانوي، لم يعرف المدرسة يوماً سوى مصدر للخطر منذ أن دخلها أول مرة قبل 12 عاماً. قالت والدته الموجهة الإدارية، فاطمة الدغيم: «إنه واجه القصف مرات عدة خلال دوامه المدرسي، وكان يخشى العودة إليها لأيام وأسابيع كل مرة... كوني معلمة وأعرف قيمة التعليم وسلبيات التوقف عن الدراسة لم أفكر يوماً بأن أدعه يتخلى عن المدرسة، ولكن كنت أمنعه من الذهاب حتى يستقر الوضع ويصبح آمناً نوعاً ما».

مئات آلاف الطلاب في سوريا انحصرت ذكرياتهم الدراسية بالقصف والرعب والدماء، نتيجة المجازر التي خلّفها قصف النظام، وحليفته روسيا، على مدارسهم طوال 12 عاماً. البعض استمر بمحاولة التعلم رغم فترات الانقطاع، ومصاعب النزوح، ونقص الوسائل التعليمية. والبعض الآخر كانت تلك المواقف نهاية لتعليمه وإعاقة لبناء مستقبله.

«مسؤولية» بلا قرار آمن

مع بدء العام الدراسي الحالي في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، تسببت حملة التصعيد العسكري، التي استهدفت عشرات المراكز السكانية في أنحاء إدلب وريف حلب الغربي، في وقف الدوام المدرسي أسبوعاً، تعرضت خلاله 17 منشأة تعليمية ومدرسة للضرر جراء القصف، بما فيها مبنى مديرية التربية والتعليم في مدينة إدلب.

مغادرة الطلاب مدرستهم التي تبدو عليها آثار القصف والدمار بعد انتهاء الدوام في قرية قميناس شرق مدينة إدلب (الشرق الأوسط)

تسبب فترات الانقطاع تلك إعاقة توزيع المنهاج المدرسي، حسبما أشارت المعلمة سلوى الشحاد في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، وهو ما يقود بدوره لـ«دمار العملية التعليمية والتربوية»، حسب رأيها.

مدير مديرية التربية والتعليم، أحمد الحسن، قال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك تعميم على مشرفي المجمعات لإيقاف الدوام في حال معاودة القصف إن وُجد وضع يستوجب ذلك حفاظاً على سلامة الطلاب والكوادر»، مشيراً لوجود تدريبات عملية على طرق الإخلاء الآمنة.

ثُلث المدارس في سوريا لم يعد صالحاً للاستخدام، بناءً على إحصاءات الأمم المتحدة، التي تُبيّن حرمان أكثر من نصف الأطفال السوريين من التعليم. وأصدر «المركز السوري للعدالة والمساءلة» تقريراً في سبتمبر (أيلول) الماضي يبيّن فيه الاستهداف «المقصود» للمدارس خلال فترات الدوام المدرسي، مع عرضه 47 وثيقة حكومية، 40 منها من إدلب، توضح اختيار المنشآت التعليمية أهدافاً للقصف.

آراء مدرسين

واستطلعت «الشرق الأوسط» آراء عدد من المدرسين في محافظة إدلب، وكلهم أجمعوا على أن قصف المدارس كان متعمداً خلال وجود الطلاب، وفي أثناء الاستراحات، أو عند مغادرة الأطفال المدرسة، ما كان يسبب إصابات ويؤدي لوقوع الضحايا بأعداد كبيرة.

بدأ المعلم أحمد الجرك التدريس خلال الأعوام الأربعة الماضية، وأشار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المدرسين يشعرون بـ«الخوف» على طلابهم عند حدوث القصف «لأنهم أمانة».

وأكد المعلم أحمد الحسن أن القصف يؤثر في نفسية المعلمين، ويسبب حالة من التوتر وعدم الاتزان ضمن الفصل الدراسي. وقال الحسن، الذي يملك خبرة 9 أعوام بالتدريس، لـ«الشرق الأوسط»، إن القصف يعني «دماراً شاملاً للتعليم»، لأن الطفل يبقى مشتتاً وهو يفكر بالمكان الآمن الذي سيحميه مفضلاً عدم الذهاب إلى المدرسة.

المدرس جميل الدغيم، الذي يعمل منذ 3 أعوام بتدريس الصف الأول، قال إن مرور الطائرات فوق المدارس يدفع الأطفال للهرب، إما للاحتماء داخل المدرسة أو لمغادرتها ركضاً إلى بيوتهم... «كلما سمعنا صوت قصف نعتقد أنه آتٍ باتجاهنا»، حسبما قال لـ«الشرق الأوسط».

آثار الدمار في مدرسة ضمن مدينة كنصفرة بريف إدلب الجنوبي (الشرق الأوسط)

جيل بلا علم

توقف أحمد (21 عاماً) عن التعلم منذ عام 2012، حينما تعرّض طفلان للقتل نتيجة قصف لقوات النظام على مدرسته الابتدائية. الشاب الذي يعمل مصوراً فوتوغرافياً قال لـ«الشرق الأوسط» إنه حاول العودة للمدرسة مراراً خلال السنوات الماضية لكن الأوضاع الأمنية جعلت من التعليم أمراً ثانوياً، إذ إنه لمس «قلة الاهتمام» ضمن المدارس، إضافة إلى أن اضطراره للعمل دفعه للتخلي عن تلك الفكرة.

تراجع المستوى التعليمي ربطه المعلمون بالقصف بشكل مباشر، إذ إن الانقطاع يصعب على الطلاب التركيز، ويشتت أفكارهم، إضافة إلى المصاعب التي يعيشونها جراء النزوح المتكرر، والانتقال من مدرسة إلى أخرى.

مدرس مادة التاريخ، محمد الحسن، الذي يملك خبرة تصل إلى 18 عاماً بالتدريس، قال لـ«الشرق الأوسط» إن القصف أدى إلى «ظهور جيل أميّ لا يعرف القراء والكتابة»، واصفاً الانقطاع عن التعليم بـ«الجريمة التي تعادل الموت» بالنسبة للطلاب.

تقدر الأمم المتحدة حاجة 1.6 مليون شخص، من أصل 4.6 مليون شخص يقيمون في الشمال الغربي، لخدمات التعليم، وفي حين تعمل 44 منظمة على دعم هذا القطاع فإن خدماتها لا تصل سوى لـ426 ألفاً.

45 في المائة من الأطفال في عمر الدراسة اليوم خارج منظومة التعليم في شمال غربي سوريا، وهو ما يعود للفقر والنزوح، إضافة إلى مخاطر القصف، إذ إن 3 من كل 5 أطفال في الشمال الغربي بحاجة ماسة للمساعدات الإنسانية.

وفي حين أجمع المعلمون على أن خدمات التعليم عن بُعد قد تمثل حلاً لمساعدة الطلاب على متابعة دروسهم، فإنها لا تزال عاجزة عن إحداث فرق فعلي، مع سوء الأحوال المعيشة لدى الأهالي، وعدم توافر الأجهزة المتطورة والمستلزمات التعليمية لدى الطلاب.


مقالات ذات صلة

ستة قتلى في سوريا بغارات إسرائيلية استهدفت معابر حدودية مع لبنان

المشرق العربي سوريون يعبرون سيرًا على الأقدام إلى سوريا بعد القصف الإسرائيلي الذي استهدف المعابر الحدودية (ا.ب)

ستة قتلى في سوريا بغارات إسرائيلية استهدفت معابر حدودية مع لبنان

قال مصدر عسكري سوري، اليوم (الأربعاء)، إن ستة أشخاص بينهم عسكريان لقوا حتفهم جراء القصف الإسرائيلي الذي استهدف المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان.

شؤون إقليمية وزير الدفاع التركي يشار غولر خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان الثلاثاء (وزارة الدفاع التركية)

وزير دفاع تركيا يستبعد عملية عسكرية جديدة ضد «قسد» شمال سوريا

استبعد وزير الدفاع التركي يشار غولر شن عملية عسكرية تستهدف مواقع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال سوريا سبق أن لوح بها الرئيس رجب طيب إردوغان مراراً.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان (الخارجية التركية)

تركيا تعيد للواجهة المبادرة العراقية للتطبيع مع سوريا بعد موقف روسيا

أعادت تركيا إلى الواجهة مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للوساطة مع سوريا بعد التصريحات الأخيرة لروسيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، أمس، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لم تصدر أي تفاصيل حول نتائج لقاء الموفد الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الأحد، مع وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

«حزب الله» يطلق وابلاً من الصواريخ على بلدات إسرائيلية

منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صاروخاً من لبنان على ميناء حيفا 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)
منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صاروخاً من لبنان على ميناء حيفا 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)
TT

«حزب الله» يطلق وابلاً من الصواريخ على بلدات إسرائيلية

منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صاروخاً من لبنان على ميناء حيفا 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)
منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صاروخاً من لبنان على ميناء حيفا 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم (الثلاثاء)، أن «حزب الله» أطلق وابلاً من الصواريخ على عدة بلدات بعمق 80 كيلومتراً داخل إسرائيل، وذلك عشية بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان.

كما قال الجيش الإسرائيلي، في حسابه على منصة «إكس»، إن صفارات الإنذار انطلقت في عدة مناطق بالبلاد.

وأفادت وسائل إعلام إسرائيلية، في وقت سابق اليوم، بأن مجلس الوزراء وافق على اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في كلمة بثها التلفزيون، إنه على استعداد لتطبيق الاتفاق.