الائتلاف الحاكم في العراق يناقش تداعيات تخفيف الوجود الدبلوماسي الأميركي

«الخارجية» الأميركية وجهت بتخفيف وجودها الدبلوماسي وفي الصورة يظهر مبنى السفارة الأميركية في بغداد (أرشيفية - رويترز)
«الخارجية» الأميركية وجهت بتخفيف وجودها الدبلوماسي وفي الصورة يظهر مبنى السفارة الأميركية في بغداد (أرشيفية - رويترز)
TT

الائتلاف الحاكم في العراق يناقش تداعيات تخفيف الوجود الدبلوماسي الأميركي

«الخارجية» الأميركية وجهت بتخفيف وجودها الدبلوماسي وفي الصورة يظهر مبنى السفارة الأميركية في بغداد (أرشيفية - رويترز)
«الخارجية» الأميركية وجهت بتخفيف وجودها الدبلوماسي وفي الصورة يظهر مبنى السفارة الأميركية في بغداد (أرشيفية - رويترز)

في وقت كانت القوى السياسية والمسلحة المناوئة للوجود الأميركي في العراق بنسخته العسكرية تطالب بسحب ما تبقى من قوات قتالية في العراق، فإن قرار واشنطن تخفيف وجودها الدبلوماسي في بغداد أصبح هو مصدر الخطر الذي يحتاج إلى مناقشة تداعياته.

وبينما كان انضمام رئيس الوزراء العراقي الأسبق عادل عبد المهدي إلى المطالبين بانسحاب القوات الأميركية من العراق وقوات «الناتو» إثر اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فإن القرار الذي اتخذته وزارة الخارجية الأميركية بشأن العراق استدعى اتخاذ موقف من أكبر ائتلاف سياسي وبرلماني حاكم بالعراق وهو ائتلاف إدارة الدولة.

وطبقاً للمعلومات فإن هذا الائتلاف الذي شكل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني، العام الماضي، سوف يناقش، الاثنين، خلال اجتماع في مقر رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي ما يمكن اتخاذه من إجراءات لهدف احتواء تبعات القرار الأميركي.

وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد وجهت بمغادرة عائلات دبلوماسييها والموظفين غير الضروريين من بغداد وأربيل. كما منعت أفرادها من استخدام مطار بغداد الدولي لأسباب أمنية.

ورغم أنه لم يصدر موقف أو بيان من السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانسكي، منذ تصاعد الأحداث في غزة، فإن رئيس إقليم كردستان نيجرفان بارزاني بحث مع القنصل العام الأميركي لدى إقليم كردستان مارك سترو، آخر مستجدات الوضع في المنطقة واستهداف قوات التحالف والتعاون الأمني بين أربيل وبغداد.

وقال بيان لرئاسة الإقليم إن الجانبين «عبرا عن قلقهما من احتمال توسع المخاطر والتوترات والتداعيات في الشرق الأوسط وأكدا على حماية قوات التحالف والبعثات الدبلوماسية في العراق وإقليم كردستان، إضافة إلى استمرار التعاون الأمني بين قوات البيشمركة والجيش العراقي لحماية الاستقرار».

في غضون ذلك فإنه وطبقاً لما تسرب من معلومات فإن اجتماع ائتلاف إدارة الدولة (يضم قوى الإطار التنسيقي الشيعي والسنة والكرد) سوف يناقش التداعيات التي يمكن أن تترتب على عموم الأوضاع في العراق، خصوصاً في حال توسع نطاق المواجهة.

وتقول المعلومات إن الائتلاف وإن كان هناك تباين في وجهات النظر بين بعض أطرافه لجهة كيفية تعامل العراق مع تطورات الأزمة سوف يعضد الموقف الذي اتخذته الحكومة العراقية، الاثنين، عندما أعلنت عدم سماحها باستهداف القواعد العراقية (عين الأسد بالأنبار وحرير في أربيل)، التي تضم مستشاري التحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش» وملاحقة مطلقي هذه الصواريخ.

وفي الوقت الذي يعد الموقف الذي اتخذه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بوصفه قائداً عاماً للقوات المسلحة، مفارقاً لموقف الجماعات والفصائل المسلحة التي تنضوي بعضها ضمن الإطار التنسيقي الذي ينتمي إليه السوداني نفسه بمنع استهداف المصالح الأميركية في العراق، فإن المراقبين والمتابعين السياسيين في بغداد يتوقعون حصول خلافات بين الحكومة وبعض هذه القوى التي تعلن دائماً أن قرار مشاركتها في أي مواجهة سواء مع الأميركان أو الإسرائيليين يعود إلى مرجعياتها الدينية والفقهية وليس إلى الحكومة.

إلى ذلك كثّفت السلطات العراقية الإجراءات الأمنية في أطراف منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن غربي البلاد. وطبقاً لمصدر رسمي، فإن «قوات أمنية أحاطت آلاف المتظاهرين الذين يقيمون تجمعاً جماهيرياً كبيراً بالقرب من منفذ طريبيل الحدودي مع الأردن غربي الأنبار، لمراقبة حركة توافد المشاركين».

وأضاف المصدر أن «القيادات الأمنية المشرفة على الملف الأمني في محافظة الأنبار أوعزت بتحريك قوات إضافية إلى منفذ طريبيل لفرض طوق أمني على المنافذ المؤدية إلى المظاهرة بالتزامن مع توافد العشرات من الحافلات المحملة بالمتظاهرين للمشاركة بالوقفة الاحتجاجية المؤيدة للشعب الفلسطيني».

وبحسب المشرفين على الوقفة، فإن «أعداد المتظاهرين تجاوز الـ3 آلاف متظاهر، بينما تم نصب الخيم والسرادقات بالقرب من مكان المظاهرة في اعتصام مفتوح لحين إيقاف العدوان الصهيوني على غزة».

إلى ذلك باشرت طائرات القوة الجوية العراقية بنقل الوجبة الأولى من المساعدات إلى غزة. وقال بيان رسمي صادر عن وزارة الدفاع، إنه «تنفيذاً لتوجيهات القائد العام للقوات المسلحة، باشرت طائرات القوة الجوية صباح اليوم، بنقل الوجبة الأولى من المساعدات العراقية إلى غزة»، دون أن يوضح البيان طبيعة المساعدات وكمياتها وكيفية إيصالها. لكنه بيّن أنه «سيتم نقل هذه المساعدات إلى مطار العريش في مصر بعدها، يتم تسليمها من قبل اللجان في الهلال الأحمر المصري والهلال الأحمر الفلسطيني ليتم النقل إلى داخل غزة».



«حزب الله» أمام التأقلم مع المتغيرات الداخلية والخارجية... أو دوامة الحرب مجدداً

أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال خطابه الأخير بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)
أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال خطابه الأخير بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)
TT

«حزب الله» أمام التأقلم مع المتغيرات الداخلية والخارجية... أو دوامة الحرب مجدداً

أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال خطابه الأخير بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)
أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم خلال خطابه الأخير بعد اتفاق وقف إطلاق النار (إ.ب.أ)

حمل الخطاب الأخير لأمين عام «حزب الله»، الشيخ نعيم قاسم، رسائل متعددة إلى الداخل والخارج، توحي بأن مرحلة ما بعد الحرب لم تعد كما قبلها، وبأن إعلانه الانتصار على إسرائيل لا يعني أنه لم يأخذ الدروس والعبر؛ إذ يكفي تأكيده على الانخراط بالعمل السياسي تحت سقف اتفاق الطائف؛ دليلاً على دخوله مرحلة مليئة بالمتغيّرات التي فُرضت عليه وعلى ما يسمّى «محور المقاومة» في المنطقة.

فالانتصار الذي تحدّث عنه قاسم ليس معياراً لإسقاطه على واقع لبنان بعد الحرب ونتائجها، إنما يستدعي الأمر إجراء «كشف حساب» على الأرض، ومقارنة ما بين الخسائر والمكاسب، وفق تعبير الوزير السابق رشيد درباس، الذي رأى أنه «من حقّ (حزب الله) أن يعلن الانتصار على إسرائيل، فيما تقول الوقائع إن لبنان الدولة والشعب مهزومان»، لافتاً إلى أن «الحديث عن الانتصار مجرّد كلام موجّه إلى المحازبين والجمهور، وما لحق بهم وباللبنانيين من مآسٍ ونكبات».

وقال درباس في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من حقّ الشيخ نعيم قاسم أن يخاطب جمهوره بهذه اللهجة، لكنني أنظر إلى مجمل الخطاب على أنه إيجابي، ما دام أنه قرر العودة إلى العمل السياسي تحت سقف اتفاق الطائف، والدعوة إلى انتخاب رئيس للجمهورية بسرعة، والتعاون مع الجيش اللبناني قيادة وضباطاً وأفراداً».

وقدّم أمين عام «حزب الله» في خطابه الأخير رؤية الحزب للمرحلة المقبلة، وأهمها: «التنسيق على أعلى مستوى بين المقاومة والجيش اللبناني؛ لتنفيذ التزامات الاتفاق، والنظر إلى الجيش اللبناني على أنه جيش وطني وأنه سينتشر في وطنه، ودعمنا لفلسطين لن يتوقف وسيستمر بالطرق المناسبة، ومتابعة عملية الإعمار بالتعاون مع الدولة اللبنانية وكل الدول أو المنظمات التي تريد مساعدة لبنان». وأعاد أمين عام الحزب تأكيده على أن حضور الحزب في لبنان سيكون من ضمن الحضور السياسي والاقتصادي فاعلاً ومؤثراً بما يواكب ظروف البلد، وسنهتم باكتمال عقد المؤسسات الدستورية، وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية».

لقد فرضت نتائج الحرب على الحزب تقديم خريطة طريق جديدة، تقوم على الاندماج أكثر في الحياة السياسية وبواقعية مختلفة عن مرحلة ما قبل الحرب، ودعا الوزير درباس إلى «البناء على كلام الشيخ قاسم في جانبه الإيجابي، خصوصاً أنه وافق على الانسحاب التام إلى شمالي نهر الليطاني، ما يعني أنه تخلّى عن مواجهة العدو وفتح جبهة القتال». وأضاف: «اقتنع الحزب أخيراً بأن سوريا ليست قادرة على حمايته، ولا العراق ولا إيران، وأن اللبننة (أي لبنانيته) والدولة وحدها من يحميه»، مشيراً إلى أنه «عندما كنّا مكشوفين باللعبة الخاطئة، المسماة (وحدة الساحات) نالت منّا إسرائيل، لكن عندما نعود جميعاً تحت سقف الدولة، يصبح الاعتداء على أي شخص لبناني اعتداء على الدولة ومؤسساتها».

وعن معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» التي يتمسّك بها الحزب، ذكّر درباس بأن «هناك شيئاً اسمه موازين قوى لا يمكن تجاهلها، ولا يمكننا بوصفنا لبنانيين أن نقاتل دولة (إسرائيل) آلتها العسكرية موصولة مباشرة بالمصانع الحربية الأميركية». وختم قائلاً: «ما أخذته إسرائيل من سلاح خصوصاً القنابل الخارقة للتحصينات، لم تحصل عليه أي دولة أخرى في العالم، لذلك علينا أن نعود إلى واقعيتنا، وإلى كنف الدولة وحدها».

يختلف خطاب الحزب بعد هذه الحرب كلياً عن الخطاب الذي قدّمه بعد انتهاء حرب يوليو (تموز) 2006، والذي انطوى على لهجة تصعيدية تجاه كل القوى السياسية، وحتى ضدّ حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، حيث اتهمها بأنها تواطأت مع الأميركيين لفرض القرار 1701 وتقييد دوره العسكري، ورأى الباحث السياسي والخبير في شؤون «حزب الله» قاسم قصير أن الحزب «يتصرّف بعقلانية عالية، ويتعاطى مع المتغيّرات بروح المسؤولية، وبالتنسيق الكامل مع الدولة والجيش اللبناني؛ لتطبيق مندرجات القرار 1701». ودعا في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، كل الأطراف الداخلية إلى «تقديم خطاب إيجابي غير مستفزّ يلاقي الحزب ويأخذ في الاعتبار المواقف الإيجابية التي تصدر عن أمينه ونوابه»، لافتاً إلى أن «المواقف التي صدرت عن رئيس حزب (القوات اللبنانية) سمير جعجع، وبعض نواب المعارضة، غير مشجعة، ولا تتناسب مع الانفتاح الذي يبديه الحزب على كل المكونات اللبنانية».

خلال تشييع مقاتلين في «حزب الله» بعد اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب نزيه متّى، استغرب الازدواجية في خطاب قاسم، حين أعلن قبوله الانخراط بالدولة وفي الوقت نفسه، تمسّكه بثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الازدواجية تعني إما أن الحزب لم يقتنع بنتائج هذه الحرب وقد يدخلنا في دوامة جديدة، وإما أنه محرج أمام جمهوره ولا يستطيع الاعتراف بحساباته الخاطئة التي قادت البلد إلى التدمير». وقال متّى: «إذا كان الشيخ نعيم قاسم مؤمناً بحتمية الانخراط في الدولة فعليه أن يخفض سقف خطابه تدريجياً، أما إذا لم يتعظ مما حصل فيعني أننا مقبلون على مرحلة جديدة صعبة للغاية». ورأى أن «الانخراط في مشروع الدولة يستوجب أن يعلن الحزب تسليم سلاحه لهذه الدولة، أما إذا أراد التمسّك بثلاثية (الجيش والشعب والمقاومة)، فيعني أنه لم يتعلّم من تجاربه، وعلينا أن نعرف كيف نواجه هذا الأمر تحت سقف الدولة والدستور».

وأشار الباحث السياسي قاسم قصير إلى أن «هذه المعادلة ستبقى قائمة ما دامت إسرائيل تحتلّ أراضي لبنانية، والمقاومة تفسح المجال أمام الحكومة والجيش اللبناني لمعالجة الاعتداءات الإسرائيلية، وإذا لم تنسحب من البلدات المحتلة فلن تبقى المقاومة متفرجة على ذلك»، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الحزب «لن يتخلّى عن التزاماته بالدفاع عن فلسطين، مع الأخذ بالاعتبار الوضع اللبناني ومصلحة اللبنانيين».