وسط أجواء الحرب... كيف نتعامل مع الأطفال وماذا نقول لهم؟

أطفال يشاركون في مظاهرة لدعم غزة في مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت (أ.ف.ب)
أطفال يشاركون في مظاهرة لدعم غزة في مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت (أ.ف.ب)
TT

وسط أجواء الحرب... كيف نتعامل مع الأطفال وماذا نقول لهم؟

أطفال يشاركون في مظاهرة لدعم غزة في مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت (أ.ف.ب)
أطفال يشاركون في مظاهرة لدعم غزة في مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت (أ.ف.ب)

يعيش الكثير من الأطفال في الشرق الأوسط أجواء متوترة يُخيّم عليها الخوف من تصاعد الصراع مع إسرائيل، في ظل القصف الذي استهدف قطاع غزة وطال الحدود اللبنانية في الأيام الماضية؟

ويشاهد الأطفال صوراً مرعبة لما يحدث في القطاع، ويشعرون بتهديد وشيك مع التجهيزات التي يعيشها الشعب اللبناني لحرب محتملة، قد تكون مشابهة لما حدث في يوليو (تموز) عام 2006 ضد إسرائيل. فمؤخراً، تقوم الكثير من العائلات في لبنان، خاصة في جنوب البلاد، بتجهيز حقائب تتضمن بعض الأغراض واللوازم الأساسية من ملابس ونقود وغيرها للهرب حال اندلاع أي مواجهة قريبة تتعدى الحدود.

ووسط هذه الأجواء المتوترة، يتعرض الأطفال لضغوط نفسية علينا أن نكون حريصين في التعامل معها.

أطفال فلسطينيون أُصيبوا في الغارات الإسرائيلية يتلقون العلاج في مستشفى بغزة (أ.ب)

في هذا الإطار، تشرح المستشارة النفسية ومدربة الحياة المعتمدة (لايف كوتش)، نيفين أبو سعيد، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن التعامل مع الأطفال يعتمد على شخصية كل طفل، وقالت: «كل طفل يتفاعل بطريقة معينة حسب وعيه، ولكن في المجمل، الأطفال الذي تقل أعمارهم عن 8 سنوات لا يعرفون معنى الحرب، ولا يمكنهم تقدير العواقب أو تحليل الأمور، فعلينا إبعادهم عن أحاديثنا وعن نشرات الأخبار قدر الإمكان».

وفي حال تعرّض الأطفال في المنازل أو خارجها لمشاهد العنف، على الأهل التصرف عبر «إعطائهم أدوات للرسم والتعبير عن ذاتهم وعن مخاوفهم على الورق»، وفق ما تقوله أبو سعيد. وتضيف: «إذا كانت لديهم أي أسئلة، يمكننا تبسيط الأجوبة قدر الإمكان ومن ثم إلهاؤهم بأنشطة أخرى تشتت أفكارهم، مع تأكيد عدم التحدث أمامهم عمّا يجري بشكل مُفصّل».

من جهتها، توضح الاختصاصية في علم نفس الأطفال العيادي، والمعالجة النفسية، عُلا خضر، لـ«الشرق الأوسط»، أن الأطفال قد يسمعون عن الحرب الدائرة بين إسرائيل وغزة من أصدقائهم في المدرسة أو أقاربهم، فيجب على الأهل الاستماع لهم وللقصص التي علقت في أذهانهم، مع إعطاء الأولوية لتصحيح أي معلومات متداولة أمامهم قد تكون خاطئة أو غير دقيقة.

أطفال فلسطينيون فرّوا من منازلهم بسبب الغارات الإسرائيلية يلعبون في مدرسة تديرها الأمم المتحدة في غزة (رويترز)

هل يجب الحد من استخدام الأطفال لمواقع التواصل؟

توضح أبو سعيد، أن الأطفال الذين يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تتم مراقبتهم باستمرار، أو منعهم من استخدام هواتفهم هذه الفترة، وتقول: «نحن في فترة مدارس، ويمكننا التحجج بالواجبات الدراسية لإبعاد الأطفال هذه المدة عن مواقع التواصل؛ وذلك لأننا لن نتمكن أبداً من السيطرة على ما يرونه هناك».

وتشرح المستشارة النفسية، أنه من المعروف أن إبعاد الأطفال عن استخدام هواتفهم لتصفح مواقع التواصل قد تكون مهمة صعبة، لكن يمكننا شرح الموقف لهم بالقول: «ما سترونه في الفترة المقبلة ضار جداً لكم؛ لذا سنبتعد عن مواقع التواصل لمدة قصيرة لحمايتكم من أي مشاهد عنف أو أخبار قد تزعكم أو تسبب توتراً لكم».

وفيما يرتبط بالمراهقين، وهنا تكون المهمة أصعب بكثير، علينا التحدث معهم بصراحة عن الأحداث الدائرة. وتقول أبو سعيد: «المراهقون واعون لما يحدث من حولهم، فعلينا الإجابة عن أسئلتهم بصراحة، وبمصطلحات غير معقدة، مثلاً يمكننا التحدث معهم عن الحرب الدائرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وإعطاء معلومات إضافية عما يحدث من دون شرح الآراء والمواقف السياسية عن الموضوع؛ كي لا نشتت أفكارهم في مرحلة مبكرة من حياتهم».

وتؤكد المستشارة النفسية، أنه علينا أن نكون منفتحين على جميع أسئلة المراهقين كي نتأكد أنهم سيتحدثون معنا عندما يشعرون بضيق أو خوف من الأوضاع.

كما وتوضح أبو سعيد، أنه علينا «أن نشرح لهم عن الحرب، بالقول إن هناك أسلحة تُستخدم وأشخاصاً يخسرون حياتهم، من دون توصيف مشاهد قد يتخيلونها مثل التحدث عن الجثث في الطرقات أو الأطفال المشردين بلا مأوى... أو أي أمور قد ترسم مشاهد مرعبة في أذهانهم».

وفي حال تعرّض الأطفال لمشاهد العنف، يجب على الآباء ألا ينكروا ما يحصل، بل تبسيط الحرب عبر استخدام كلمات مثل «نزاع، مشكلات، تحديات، اختلاف آراء»، وغيرها من التعابير التي لا توصّف العنف.

من جهتها، تقول المعالجة النفسية عُلا خضر: إنه على الأهل هنا التطرق للجوانب البعيدة عن العنف نوعاً ما التي تحدث في غزة، وتشرح «يمكن للأهل التحدث عن دعم فرق الإسعاف والأطباء للمصابين وعن فتح المدارس لحماية الأطفال، وعن مساهمة الجمعيات في مساعدة المتضررين، كي يشعروا بنوع من الأمان النفسي».

ماذا عن النوم إلى جانب الأهل في هذه الظروف؟

قالت مدربة الحياة نيفين أبو سعيد لـ«الشرق الأوسط»: إنه ليس من الخطأ أن ينام الأطفال الذين يعيشون في أجواء الحرب إلى جانب الأهل، ولكنها تنصح بتجنب ذلك عبر اقتراح نوم الأهل إلى جانب الأطفال في أسرّتهم الخاصة، ومغادرة الغرفة عندما ينامون.

وأضافت: «يجب أن يعرفوا أننا متواجدون دائماً لحمايتهم عبر التواصل معهم بشكل صريح والتطرق لمخاوفهم، وأن نوضح لهم أن الخطر بعيد وأنهم يجب أن يركّزوا على النوم».

وأشارت أبو سعيد إلى أنه في حالة النوم إلى جانب الأهل، على الآباء القيام بذلك لوقت محدد جداً لتفادي العودة إلى عادة النوم بشكل غير مستقل.

وتؤكد عُلا خضر هنا على كلام أبو سعيد، وتشرح: «يمكن للأطفال النوم لليلة أو اثنتين إلى جانب الأهل، ولكن الخطوة الأهم هي أن يشعر الطفل بالأمان في المنزل كله، وأن يؤكد الأهل أنهم لن يتخلوا عنه وأنهم متواجدون إلى جانبه دائماً، فالكلمات التي تُعيد بناء الثقة بعد الخوف تُعدّ أساسية في تجنب الاضطرابات النفسية».

لاجئون يلعبون في روضة الأطفال داخل مركز بألمانيا (رويترز)

كيف نُشتت أفكار الأطفال السلبية وسط أجواء الحرب؟

تشرح خضر، أنه على الآباء الانتباه لصحتهم النفسية الخاصة؛ كي يتمكنوا من التعامل بشكل طبيعي مع الأطفال، وتقول: «يجب على الأهل في المرحلة الأولى ألا ينقلوا التوتر والقلق إلى الأطفال، والإبقاء على الروتين اليومي الطبيعي معهم».

وتطرح خضر فكرة إشراك الأطفال في مساعدة المتضررين من الحرب ولو بشكل بسيط (إرسال دعم مادي أو أي نوع من المساعدة المتاحة) والتحدث عن ذلك أمامهم لجعلهم يشعرون بالراحة، وهكذا يمكنهم تخطي ما يحدث مع الوقت.

وتؤكد خضر على فكرة أن التحدث عن المساعدة التي يتلقاها المتضررون تعطي راحة نفسية كبيرة للطفل، وتدفعه للعودة إلى حياته الطبيعية من دون قلق. وتنصح المعالجة النفسية الآباء على تقضية المزيد من الوقت مع الأطفال، وإشراكهم في الواجبات المنزلية، وأخذهم بنزهة قصيرة، وجمعهم مع أصدقائهم للعب وإضاعة الوقت.

وتؤكد أبو سعيد على ذلك، وتنصح بإشراك الأطفال بنشاطات عدة، مثل الرسم والاستماع إلى الموسيقى، أو ببساطة العودة إلى الحياة الطبيعية الروتينية، ولو كان الأمر صبعاً على الأهل بشكل أو بآخر وسط الظروف المشحونة.


مقالات ذات صلة

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

المشرق العربي الدخان يتصاعد بعد غارة جوية إسرائيلية على مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (د.ب.أ) play-circle 01:47

موجة نزوح جديدة في غزة... وإصابة مدير مستشفى «كمال عدوان» بقصف إسرائيلي

أفادت وزارة الصحة في غزة، الأحد، بارتفاع عدد قتلى الحرب الإسرائيلية على القطاع إلى 44 ألفاً و211 وإصابة 104 آلاف و567 منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل خلال مؤتمر صحافي في بيروت (رويترز)

بوريل: لبنان على شفير الانهيار

حذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الأحد، من بيروت، بأن لبنان بات «على شفير الانهيار»، بعد شهرين من المواجهة المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أحد أفراد الدفاع المدني يسير بين أنقاض موقع دمرته غارة إسرائيلية ببيروت (رويترز)

الجيش الإسرائيلي يهاجم أهدافاً في البقاع... ويطالب سكان قرى جنوبية بإخلائها

قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الجيش هاجم بنى عسكرية مجاورة لمعبر جوسية الحدودي شمال البقاع، التي قال إن «حزب الله» اللبناني يستخدمها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الدخان يتصاعد من المباني بعد قصف سابق على حمص (أرشيفية - رويترز)

هجوم إسرائيلي يستهدف معبراً بريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية

ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، السبت، أن الطائرات الإسرائيلية شنّت هجوماً استهدف معبر جوسية بمنطقة القصير في ريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي عناصر الدفاع المدني يبحثون عن ضحايا بعد قصف إسرائيلي على مدينة بعلبك في 14 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

لبنان: مقتل 24 وإصابة 45 في غارات إسرائيلية على بعلبك الهرمل

أفادت وزارة الصحة اللبنانية اليوم (السبت)، بأن الغارات الإسرائيلية على بعلبك الهرمل اليوم، قتلت 24 وأصابت 45 آخرين في حصيلة غير نهائية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
TT

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)
لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، الأحد، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف فوري لإطلاق النار في غزة ولبنان وأن نجنب جر سوريا» إلى النزاع في المنطقة.

من جانبها، لم تصدر الخارجية السورية أي تفاصيل حول نتائج لقاء بيدرسن والصباغ، واكتفت ببيان مختزل أعلنت فيه عن اللقاء دون تفاصيل.

وكانت تقارير إعلامية محلية قد أفادت في وقت سابق بأن زيارة بيدرسن الثانية إلى دمشق خلال هذا العام تهدف إلى بحث إمكانية استئناف اللجنة الدستورية اجتماعاتها المتعثرة منذ أكثر من عامين، بسبب الخلاف على مكان عقد الاجتماع، وذلك بعد الرفض الروسي القاطع لعقدها في جنيف على خلفية موقف سويسرا من الحرب الروسية - الأوكرانية.

ونقلت صحيفة «الوطن» السورية، المقربة من الحكومة، عن مصادر قولها إن بيدرسن «بات على قناعة بأنه لا بد من انعقاد هذه اللجنة في العواصم العربية المرشحة لاستضافتها، وهي بغداد والرياض والقاهرة، لكون الجانب الروسي يرفض رفضاً قاطعاً انعقادها في جنيف».

وعقدت اللجنة الدستورية 8 جلسات وتم تأجيل الجلسة التاسعة بعد طلب روسيا تغيير مكان انعقاد المحادثات، ولم يتم التوافق على مكان آخر. وحسب صحيفة «الوطن»، يجري بيدرسن مباحثات مع المسؤولين السوريين في دمشق التي وصلها يوم الأربعاء، حول إمكانية استئناف اجتماعات اللجنة الدستورية.

وكان المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرنتيف، صرّح في وقت سابق لوكالة «تاس» الروسية بأن جنيف هي المكان الوحيد المرفوض من قبل الجانب الروسي، لافتاً إلى قبول موسكو بأي من الأماكن الأخرى المقترحة. وفيما يتعلق بمقترح عقد الاجتماع في بغداد، قال لافرنتيف إن المعارضة السورية رفضت هذا الاقتراح باعتبار بغداد مكاناً غير محايد لها؛ لأن الحكومة العراقية داعمة لدمشق. وأضاف: «لا تزال المعارضة تصر على رفض هذا الخيار، رغم أنه لا يمكن أن يؤثر على سير المفاوضات الدستورية». وحسب المسؤول الروسي، فقد أكدت موسكو لبيدرسن ضرورة مواصلة الجهود لاستئناف اجتماعات اللجنة الدستورية، كما دعته لبذل الجهود بدلاً من الدعوة إلى ممارسة النفوذ على هذا الجانب أو ذاك.

ومنذ بدء النزاع في سوريا، شنّت إسرائيل مئات الضربات الجوية، مستهدفة مواقع تابعة للقوات الحكومية وأهدافاً إيرانية وأخرى تابعة لـ«حزب الله» اللبناني. وازدادت وتيرة الغارات على وقع المواجهة المفتوحة التي تخوضها إسرائيل مع «حزب الله» في لبنان المجاور. وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بمقتل 105 أشخاص، معظمهم مقاتلون موالون لإيران، في حصيلة جديدة لغارات إسرائيلية استهدفت، الأربعاء، 3 مواقع في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، ضمّ أحدها اجتماعاً «لمجموعات سورية موالية لطهران مع قياديين من حركة (النجباء) العراقية و(حزب الله) اللبناني». وكان المرصد أحصى مقتل 92 شخصاً في حصيلة سابقة لهذه الغارات. ونادراً ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ الضربات، لكنّها تكرّر تصدّيها لما تصفه بمحاولات إيران لترسيخ وجودها العسكري في سوريا. وتقول في الفترة الأخيرة إنها تعمل على منع «حزب الله» من «نقل وسائل قتالية» من سوريا إلى لبنان.