حظر الدولار في العراق: خيارات صعبة لـ«التنسيقي»

يستهدف وقف التدفقات غير المشروعة إلى إيران

محل صيرفة في مدينة النجف الخميس (رويترز)
محل صيرفة في مدينة النجف الخميس (رويترز)
TT

حظر الدولار في العراق: خيارات صعبة لـ«التنسيقي»

محل صيرفة في مدينة النجف الخميس (رويترز)
محل صيرفة في مدينة النجف الخميس (رويترز)

تلقت أطراف سياسية تدير عمليات مضاربة وتهريب للدولار «ضربة كبيرة» بعدما حظرت السلطات العراقية الحوالات الخارجية بالعملة الأميركية بداية من يناير (كانون الثاني) المقبل، بينما أكد مسؤول حكومي لـ«الشرق الأوسط» أن واشنطن تريد تقليص تداول الدولار النقدي «كي لا يتسرب إلى جهات متورطة بأعمال مشبوهة، حتى بعد أشهر من تنفيذ قيود الفيدرالي الأميركي».

وسيتعين على الشركات والأفراد في العراق إجراء التحويلات المالية بالدينار المحلي بسعر الصرف الرسمي، لكن هذه العملية ستتطلب وقتاً طويلاً قبل أن تتوصل السوق العراقية إلى مرحلة التكيف، إلا إذا اكتشفت قوى سياسية مستفيدة من التهريب طريقة جديدة للتحايل، وفقاً لمسؤول مصرفي عراقي.

ووفقاً لمصادر صحافية ومالية، فإن واشنطن رفضت طلباً من العراق للحصول على مليار دولار نقداً من البنك الاحتياطي الفيدرالي، على خلفية التعارض مع جهود كبح استخدام بغداد للدولار النقدي، ووقف التدفقات غير المشروعة إلى إيران.

وترسل واشنطن بشكل دوري ومنتظم شحنات من الدولار إلى العراق عبر طائرات الجيش الأميركي، لكنها ومنذ نهاية العام الماضي اشترطت قيوداً وآليات تتيح لها ملاحقة التعامل بها إلكترونياً.

رجال أمن أمام البنك المركزي خلال مظاهرة احتجاج على قرار حظر الدولار النقدي في بغداد الخميس (أ.ب)

ونتيجة لذلك، اضطر البنك المركزي العراقي إلى تخفيض حصص شركات الصيرفة من الدولار النقدي بأكثر من النصف، وهو ما سيؤثر مستقبلاً على سعر صرف الدينار مقابل الدولار في السوق الموازية، وسيخفض استيرادات العراق من إيران إلى النصف تقريباً.

وهذه المحصلة على وجه التحديد، حفزت أحزاباً سياسية في تحالف «الإطار التنسيقي» لتداول «أفكار عن كيفية إجراء تغيير سريع في قيادة البنك المركزي»، وفقاً لنواب عراقيين تحدثت معهم «الشرق الأوسط»، لكن ما يقف عائقاً أمام هذا القرار هو التوقيت السياسي الذي سيثير شكوك الأميركيين.

وكان من المفترض أن ينجح البنك المركزي العراقي في حصر مبيعات الدولار عبر نافذة البيع الرسمي، لكن جهات سياسية تدير مصالح مصرفية وتجارية وجدت منفذاً لتداول الدولار في سوق موازية خارج سيطرة الدولة، ومن هناك تجري عمليات تهريب إلى الخارج.

والسوق الموازية هي مجموعة الصرافات المالية التي لا تبيع الدولار بالسعر الرسمي الذي حدده البنك المركزي العراقي بنحو 1331 لكل دولار، وبينما تحاول الحكومة العراقية معرفة المصادر المالية لهذه السوق، أكد المسؤول المصرفي أن «بورصات هذا السوق نجحت في اكتناز الدولار».

أصحاب محلات صيرفة يتظاهرون قرب البنك المركزي في بغداد الخميس (رويترز)

وبهذه الطريقة تمكنت جهات سياسية من إدامة مصادرها المالية من العملة الصعبة عبر السوق الموازية، من دون أن تتوقف عمليات التهريب، إذ يشير المسؤول المصرفي العراقي إلى أن الجهات المالية الأميركية لديها قناعة تامة بأن «الدولار الذي يجري تداوله في السوق الموازية يعد مصدراً مربحاً لعمليات غير مشروعة لسياسيين متورطين بالتهريب».

ومع ذلك، يعتقد خبراء مال وسياسيون عراقيون، أن قرار البنك المركزي الأخير يعكس التهرب من مواجهة أطراف سياسية تتلاعب بالدولار، إذ كان عليها ملاحقة عمليات التهريب من دون التدخل في المصالح المالية للمواطنين.

وقال رئيس كتلة «امتداد» النيابية، في بيان، إن «السيطرة على الدولار تبدأ من الحدود وليس من محاربة شركات الصرافة ومصادرة حوالات المواطنين وودائعهم في المصارف»، مطالباً رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني بإجراء تغييرات عاجلة في إدارة البنك المركزي.

وأوضح السلامي أن «الحكومة تتفرج أمام انهيار الدينار وعجز البنك المركزي عن السيطرة على سعر صرف الدولار، وقيام المصارف بإجبار المواطنين على استلام ودائعهم وحوالاتهم بالدينار العراقي».

لكن معاون مدير التحويلات الخارجية في البنك المركزي، محمد يونس، أكد في تصريح متلفز سابق، أن «قرار منع التعامل بالدولار ليس جديداً، إذ ألزم رئيس الوزراء مطلع العام الحالي جميع الدوائر والقطاع الخاص والعام بالتعامل بالدينار العراقي، لكن هناك استثناء لشركات ودوائر لديها عقود بالدولار كالشركات النفطية وغيرها».



رحلة طويلة وصعبة ومكلفة للسوريين العائدين من لبنان

سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)
سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)
TT

رحلة طويلة وصعبة ومكلفة للسوريين العائدين من لبنان

سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)
سوريون كانوا يعيشون في لبنان وعادوا إلى سوريا داخل خيمة لمفوضية اللاجئين في جديدة يابوس بسوريا الاثنين (رويترز)

مع فرار المزيد من السوريين من القصف الإسرائيلي من لبنان للعودة إلى ديارهم، تحصل قوات الأمن الحدودية، على ربح أكبر من رسوم الدخول (باستثناء أسبوع واحد استثنته دمشق منذ بدء موجة النزوح من لبنان).

تقول المصادر لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن كل سوري يعود إلى سوريا يُفرض عليه مبلغ من المال 100 دولار، وقد تصل إلى 600 دولار إذا كان العائد متوجهاً إلى مناطق تسيطر عليها المعارضة.

الرحلة طويلة وصعبة، ووفقاً لأولئك الذين قاموا بها، فهي باهظة الثمن بشكل متزايد، إذ استغرق الأمر من السوري خالد مسعود وعائلته سبعة أيام و1300 دولار للعثور على قدر من الأمان في شمال سوريا، حيث فروا من حملة القصف الإسرائيلية في لبنان. والآن، تعيش أسرته المكونة من ستة أفراد، بالإضافة إلى عائلة ابنته، في مخيم للاجئين بالقرب من معرة مصرين، شمال إدلب، في منطقة تسيطر عليها قوات المعارضة المناهضة للحكومة، ومسعود هو واحد من العديد.

المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي يتحدث إلى أحد الهاربين من هول الحرب على لبنان عند معبر جديدة يابوس السوري يوم الاثنين (أ.ب)

هذا الأسبوع، قال رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، إن ما لا يقل عن 220 ألف شخص عبروا من لبنان إلى سوريا، في أعقاب القصف الإسرائيلي، وإن نحو 80 في المائة منهم سوريون. وتشير السلطات اللبنانية إلى أن ما يصل إلى 400 ألف شخص ذهبوا إلى سوريا

بالنسبة للسوريين العائدين إلى بلدهم، فإن عبور الحدود من لبنان المجاور، ليس بالأمر البسيط. فمنذ عام 2011، شهدت سوريا حرباً بين حكومة بشار الأسد وقوات مناهضة للحكومة. ويُنظر إلى أي شخص فر من البلاد في أثناء الحرب بـ«ريبة».

وتقول منظمات حقوق الإنسان، التي توثق مثل هذه الحالات بانتظام، إن السوريين العائدين قد يتعرضون للاحتجاز والتعذيب والتجنيد القسري في الجيش السوري، أو حتى القتل.

مسلحون من المعارضة السورية يتابعون عودة السوريين من لبنان إلى محافظة إدلب الشمالية عبر معبر عون الدادات (أ.ف.ب)

بالنسبة للعديد من السوريين، فإن التوجه نحو المناطق التي لا تزال تحت سيطرة جماعات المعارضة، خيار أكثر أماناً. فكل من يأتي إلى هنا تقريباً يسلك طرقاً ريفية بين القرى. وللوصول إلى الريف الذي تسيطر عليه المعارضة حول إدلب، يتعين على معظم المسافرين المرور عبر ثلاث مناطق مختلفة تسيطر عليها ثلاث قوات أمنية مختلفة: الحكومة السورية، قوات حليفة لتركيا، ثم قوات الأمن الكردية، قبل العبور أخيراً إلى الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

لاجئون سوريون في لبنان يعودون إلى وطنهم بعد رحلة إلى محافظة إدلب شمال غربي سوريا عبر معبر عون الدادات شمال منبج يوم الاثنين (أ.ف.ب)

وعلى الرغم من أن السوريين النازحين يسافرون عبر الطرق الخلفية، فلا تزال هناك نقاط تفتيش أمنية. وعند كل نقطة تفتيش، يُطلب منهم المال من أجل المرور. ولهذا السبب كلفت الرحلة عائلة مسعود 1300 دولار.

جني الأموال من البؤس

ومع استمرار إسرائيل في قصف لبنان، أصبحت تجارة النزوح مربحة. يقول هادي عثمان، وهو سوري يبلغ من العمر 20 عاماً، الذي وصل للتو من رحلة العودة إلى إدلب: «كل نقطة تفتيش تأخذ ما تريد. الأمر أشبه بالتجارة، والمبلغ الذي يطلبونه يعتمد على مزاجهم».

وقال عثمان وآخرون لـ«وكالة الأنباء الألمانية»، إن الناس يدفعون ما بين 300 و600 دولار، للعودة إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

وقال أحد السكان المحليين في المنطقة الذي يعرف كيف يعمل النظام للوكالة، إن فروعاً مختلفة من الجيش السوري تتعاون مع ميليشيات أخرى، بما في ذلك القوات السورية الكردية، في المنطقة، لتسهيل مثل هذه المدفوعات. ولم يستطع المصدر المحلي التحدث إلا بشرط عدم الكشف عن هويته خوفاً من الانتقام، لأنهم يعتقدون أن الفرقة الرابعة المدرعة النخبوية في الجيش السوري، برئاسة شقيق الرئيس السوري، ماهر الأسد، متورطة أيضاً، خاصة مع الوافدين إلى الحدود اللبنانية.

نازحون ينتظرون قرب معبر «الطبقة» الحدودي (الشرق الأوسط)

وقال المصدر إن السوريين العائدين يتم إحضارهم إلى ساحة المدينة بين نقاط التفتيش. ويبقون هناك حتى يجري تجميع مجموعة أكبر ودفع الجميع عدة مئات من الدولارات، ثم يسافرون. وهذا من أسباب استغراق الرحلة وقتاً طويلاً.

ويعتقد المصدر أن الأموال يتم تقاسمها بعد ذلك بين المجموعات المختلفة التي تشرف على الطرق المؤدية إلى المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة. ولم يتسن لـ«وكالة الأنباء الألمانية» التحقق من الأمر بشكل مستقل.

وأضاف المصدر أن النازحين السوريين غالباً ما يتعرضون للإهانة أو الاعتداء أو حتى الاعتقال، موضحاً أنه عادةً ما يتمكن الأشخاص من المرور إذا دفعوا.

ومع ذلك، في وقت سابق من هذا الأسبوع، ذكرت وسيلة إعلام سورية مستقلة، أن هناك ما لا يقل عن 40 اعتقالاً جرت في محطة حافلات في دمشق لشباب عائدين من لبنان.

«الناس خائفون ومتعبون ويبحثون عن مكان للإقامة. لو لم تكن الحرب في لبنان أسوأ من الوضع في سوريا، لكانوا قد بقوا هناك، على الرغم من العنصرية».