تعيش مناطق بشرق ليبيا وضعاً إنسانياً كارثياً، بعدما ضربتها السيول والفيضانات الناجمة عن الإعصار «دانيال»، ما دفع حكومة أسامة حماد، المكلفة من مجلس النواب، إلى إعلان درنة «مدينة منكوبة»، وسط وقوع 150 قتيلا على الأقل، والإبلاغ عن عشرات المفقودين.
وغمرت السيول مئات المنازل وقطعت الطرق في درنة والمرج، وتشهد مدينة البيضاء أوضاعاً كارثية؛ حيث أعلن عميد البلدية، صفي الدين هيبة: «خروج الأوضاع عن السيطرة»، داعياً كل السلطات في ليبيا إلى التدخل العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وقال المستشار الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء محمد مسعود لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «قتل 150 شخصا على الأقل جراء الفيضانات والسيول التي خلفها إعصار دانيال في درنة ومناطق الجبل الأخضر وضواحي المرج، غير الأضرار المادية الضخمة التي أصابت الممتلكات العامة والخاصة».
وفاض مجرى وادي درنة بوسط المدينة نتيجة الأمطار الغزيرة، ما أدى إلى جريان سيل هادر يهدد سكان المدينة، ويقطع الجسور، وأغرقت المياه مداخل مركز البيضاء الطبي، ما تسبب في انهيار السور الخلفي للمركز الذي أُخلي بالكامل من المرضى.
وأصدر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة، عبد الحميد الدبيبة، مساء الأحد، تعليماته للسلطات المحلية باتخاذ الإجراءات العاجلة واللازمة لحصر البلديات المتضررة بالمنطقة الشرقية، وتقديم مساعدات مالية لها، لتوفير كل الاحتياجات اللازمة.
وقال الدبيبة في مقطع مصور: «عازمون على حصر جميع الأضرار، وتعويض جميع المتضررين جراء السيول والفيضانات الناجمة عن الأمطار الغزيرة»، ورأى أن «ما تشهده المنطقة الشرقية يُعدّ كارثة للوطن، ونتعامل مع الوضع بكل ما أوتينا من إمكانات».
ووجه الدبيبة الوزارات والهيئات وفرق الإنقاذ والمستشفيات جميعها، لمتابعة الوضع بشكل دقيق في المنطقة الشرقية، وأمر بانطلاق قوافل الإسعاف والإنقاذ إلى المنطقة الشرقية، لمساعدة المواطنين.
كما أمر الشركة الليبية للبريد والاتصالات وتقنية المعلومات القابضة بفتح الاتصالات على شبكتي «المدار الجديد» و«ليبيانا» مجاناً، لمواطني المنطقة الشرقية، للتواصل وطلب المساعدة.
في السياق ذاته، وبعد أن أُعلنت درنة «مدينة منكوبة» وجّه رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب باتخاذ التدابير والإجراءات الاستثنائية اللازمة للتعامل مع الأوضاع المترتبة على ذلك، بما فيها حماية سكان المدينة من أخطار العاصفة والانجرافات وغيرها، ومساعدتهم على تجاوز آثارها. وسعى العاملون في مركز البيضاء الطبي للحيلولة دون غمره بالمياه؛ لكن تيار المياه كان شديداً، ما اضطرهم إلى إخلائه من المرضى، بعدما «خرج الوضع عن السيطرة».
وقالت إدارة المركز إنه نظراً لما تمر به مدينة البيضاء من ظروف استثنائية بسبب الظروف الجوية القاسية، ولعدم قدرة معظم سكان المدينة على الوصول لمركز البيضاء الطبي لتلقي العلاج، فإن مركز البيضاء الطبي يقدم خدمة «طبيبك في بيتك» وذلك من خلال التواصل مع المواطنين.
وقال مدير مستشفى البيضاء، عبد الرحيم مازق، لوسائل الإعلام المحلية، إن «8 عائلات فُقدت، وتوجد وفيات وإصابات وصلت للمستشفى. الأمطار مستمرة، وحالات الغرق كثيرة، والوضع خارج عن السيطرة، والمستشفى انهار بالكامل، والخسائر فادحة».
ووصل منسوب المياه في غالبية شوارع البيضاء ودرنة إلى أكثر من مترين في بعض المناطق، وطمست المياه سيارات المواطنين بالكامل. وفي مدينة شحات ازدادت الاستغاثات بعد أن جرف الوادي المواطنين، وغمرت المياه المنازل؛ حيث انهار سد وادي درنة، وجرت المياه بشكل أرعب سكان المنطقة.
وأعلن الناطق باسم «الجيش الوطني» اللواء أحمد المسماري، مساء الأحد، فقدان الاتصال بخمسة جنود من القوات المسلحة رفقة آلياتهم، في أثناء عملية إنقاذ العائلات العالقة داخل مدينة البيضاء. وفي الساعات الأولى من صباح اليوم (الاثنين) أعلن عن العثور على اثنين من الجنود الذين فقدوا خلال إجلائهم العائلات العالقة ونقلهم إلى مستشفى «تاكنس»، وجارٍ البحث عن الباقين.
كما تقطعت الطرق الرابطة بين مدن شحات والمنصورة وسوسة، والطريق الرابطة بين منطقة قصر ليبيا ومراوة، كما تقطعت الطريق الرابطة بين رأس الهلال ومدينة درنة بسبب السيول التي اجتاحت المناطق مساء (الأحد).
انهيار الطريق الرابط بين مدينة #درنه و #راس_الهلال بسبب السيول التي اجتاحت المناطق مساء الامس#اغيثوا_ليبيا #انقذوا_الشرق_الليبي #ليبيا pic.twitter.com/XAX3ZFbYqQ
— محمد بوشقمة (@boshgma) September 11, 2023
وقرر رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، تخصيص 200 مليون دينار للبلديات والمدن والمناطق المتضررة من السيول. ويوزع المبلغ حسب جدول منشور على صفحة الحكومة بموقع «فيسبوك».
وفي منطقة أم الرزم شرق مدينة درنة، جرت المياه أنهاراً وسط حالة من الرعب اجتاحت المواطنين الذين طالبوا السلطات بسرعة التدخل.
وطمأنت وزارة الصحة في حكومة «الوحدة الوطنية» أهالي البلديات المنكوبة، بتجهيز كافة الأقسام والمستشفيات والمراكز الصحية، وبأن الأجهزة التابعة لها في أهبة الاستعداد، لتقديم كافة الدعم والمساعدة بالمناطق المتضررة من المنخفض الجوي.
وواصل الليبيون الليل بالنهار في ترقب ما هو قادم، وسط غزارة الأمطار وجريان السيول على نحو وصفوه بأنه غير مسبوق في تاريخ حياتهم. وفي مدينة سوسة أيضاً (على ساحل البحر المتوسط) في الجبل الأخضر شرق مدينة البيضاء (30 كيلومتراً) أغرق الفيضان شوارعها.
وقالت الأمم المتحدة في ليبيا إنها تتابع من كثب حالة الطوارئ الناجمة عن الظروف الجوية القاسية في المنطقة الشرقية من البلاد. وأعربت عن تعازيها القلبية لأسر الذين فقدوا حياتهم، كما أعربت عن تعاطفها الصادق مع جميع المتضررين.
#درنهدرنه قبل قليل سيول كبيرة في وادي درنه واستمرار لهطول الامطار والوضع يتجه لتصعيدحفظ الله اهلنا في درنه وباقي مدن الجبل الاخصر#ليببا #Libya pic.twitter.com/8L3SR8XCXn
— عمربوأسعيده (@omarbosadh) September 10, 2023
وقالت البعثة الأممية إن الأمم المتحدة تقف على أهبة الاستعداد، لدعم الجهود التي تبذلها السلطات المحلية والبلديات المتضررة للاستجابة لحالة الطوارئ هذه، وتقديم المساعدة الإغاثية العاجلة، ومساندة جهود الاستجابة على المستويين المحلي والوطني.