إعلان تلفزيوني يروّج لـ«الفيدرالية» في لبنان... ودعوات لمواجهتها بتطبيق «اتفاق الطائف»

من مظاهرات عام 2019 احتجاجاً على الطبقة السياسية اللبنانية (الشرق الأوسط)
من مظاهرات عام 2019 احتجاجاً على الطبقة السياسية اللبنانية (الشرق الأوسط)
TT

إعلان تلفزيوني يروّج لـ«الفيدرالية» في لبنان... ودعوات لمواجهتها بتطبيق «اتفاق الطائف»

من مظاهرات عام 2019 احتجاجاً على الطبقة السياسية اللبنانية (الشرق الأوسط)
من مظاهرات عام 2019 احتجاجاً على الطبقة السياسية اللبنانية (الشرق الأوسط)

عاد الحديث في لبنان عن الفيدرالية من خلال الترويج لها عبر إعلان تلفزيوني يهدف إلى «تبسيط الفكرة للبنانيين وإيصالها إلى أكبر شريحة ممكنة»، وفق ما يقول القيّمون عليه، وتحديداً مجموعة «اتحاديون» التي تنشط في السنوات الأخيرة في الدعوة إلى الفيدرالية التي ترى فيها حلاً للأزمات التي يعيشها لبنان.

ويأتي هذا الإعلان الذي تعرضه معظم القنوات التلفزيونية في ظل الأزمات المتتالية التي يعيشها لبنان، وعلى رأسها الأزمة السياسية التي تترافق مع «صراعات على الصلاحيات» في المواقع الأساسية الموزعة طائفياً، والتي تؤدي بين حين وآخر إلى رفع الأصوات المعترضة عليها وإلى دعوات للتقسيم عبر مصطلحات وتعابير مختلفة.

وفي المرحلة الأخيرة كانت قد صدرت دعوات لتغيير النظام وتطبيق اللامركزية وغيرها، على ألسنة المسؤولين في الأحزاب المسيحية، ولا سيما المعارضة لـ«حزب الله»، مع تأكيدهم أن المقصود منها ليس التقسيم، واعتبارهم في الوقت عينه أن لبنان يعيش فيدرالية مقنعة تبدأ من قانون الأحوال الشخصية ولا تنتهي بسيطرة «حزب الله» العسكرية والسياسية على لبنان.

دعوات الفيدرالية في لبنان ليست جديدة (الشرق الأوسط)

وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع قد تحدث عن فشل التركيبة الحالية، داعياً إلى ضرورة «إعادة النظر بها إذا تمكّن (حزب الله) من الإتيان برئيس كما يريد»، وهو ما ردّ عليه نائب أمين عام «حزب الله» نعيم قاسم بالقول: «الوطني لا يدعو إلى التقسيم». وفي الإطار نفسه كان الحليف السابق للحزب، رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، قد سبقه إلى التهديد بـ«تطبيق اللامركزية الإدارية على الأرض»، وهو ما رأى فيه البعض دعوة واضحة إلى التقسيم.

وفي ظل هذا الواقع، أتى الإعلان التلفزيوني للفيدرالية تحت عنوان «لبنان الاتحادي يجمعنا»، ليعيد الحديث عنها ويدافع القيّمون عليه عن فكرتهم، مستندين في دعوتهم إلى أمثلة أخرى في عشرات الدول. وهو ما يعبر عنه جو عيسى الخوري، أمين عام جمعية «اتحاديون» (التي أنجزت الإعلان)، في حين يدعو مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر إلى تطبيق «اتفاق الطائف» كما هو، وعلى رأسه اللامركزية الإدارية؛ لأن من شأن ذلك أن يطمئن المطالبين بالفيدرالية ويساهم في التخفيف من وطأة مطلبهم، لا سيما في ظل «الكونفدرالية التي أصبحت أمراً واقعاً في لبنان والتي يقف خلفها (حزب الله)».

ويظهر الإعلان التلفزيوني حواراً بين جيلين، يناقشان «الفيدرالية»، بحيث إن الشباب المغتربين يدافعون عنها، مستشهدين على ذلك بالدول التي يعيشون أو يطمحون للعيش فيها، على غرار دبي وكندا. ويشرح أحدهم لوالده قائلاً: «الفيدرالية تنظم الاختلاف وتحمي التنوع وتحافظ على كرامتنا وخصوصياتنا... وتضع حداً للكبير الذي يسيطر على الصغير»، مؤكداً في الوقت عينه على أن «الجيش سيبقى واحداً، والعلَم والنشيد كذلك...».

ومع تأكيد الخوري أن الفيدرالية ليست تقسيماً، يدافع عن وجهة نظره مستشهداً بالأنظمة التي تعتمدها عشرات الدول، بما فيها الإمارات العربية المتحدة. ورغم أن تقسيم الفيدراليات الذي استندت إليه «اتحاديون» في طرحها بوقت سابق يعتمد بشكل أساسي على التوزيع الطائفي في لبنان، فهو يقول إنه ينطلق من التعددية الثقافية، وبالتالي «الفيدرالية الجيو-ثقافية وليس الدينية».

وبعدما سبق لـ«اتحاديون» أن وضعت ما قالت إنه «مسوّدة دستور لنظام سياسي اتحادي في لبنان»، يقول الخوري لـ«الشرق الأوسط»: «أصل كل المشكلات التي يعيشها لبنان هو النظام المركزي السياسي الذي يجب أن يكون نظاماً فيدرالياً، بحيث إن السلطة المحلية تتفوق على السلطة المركزية»، متحدثا أيضاً عن فيدرالية مقنعة يعيشها لبنان.

ويرى أن الحل الوحيد لأزمات البلاد هو «الفيدرالية بمساحة لبنان الفيدرالي 10452 كيلومتراً مربعاً»، مشيراً إلى أن الفيدرالية المقنعة تتجسد عبر أمور عدة، أهمها غياب قانون موحد للأحوال الشخصية والإرث وغيرهما، كما إصدار السلطات المحلية في مناطق عدة قرارات تحلّ محلّ الدستور أو قوانين السلطة المركزية، إضافة إلى أن بعض الطوائف تنشئ علاقات خاصة مع قوى إقليمية ودولية، مع اختلاف المواقف من النزاعات الإقليمية والدولية، وهو ما ينعكس سلباً بشكل دائم على لبنان.

التعايش الإسلامي - المسيحي أساس النظام السياسي اللبناني (الشرق الأوسط)

في المقابل يعزو المحلل السياسي المقرب من «حزب الله» قاسم قصير، الدعوات إلى الفيدرالية إلى أسباب طائفية، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «سببها حالة الاعتراض في البيئة المسيحية على الواقع اليوم وتراجع الدور المسيحي». من هنا، يعتبر أيضاً، أن «الحل يكون بالعودة إلى (اتفاق الطائف) وتطبيق اللامركزية الإدارية وإعادة بناء الدولة على أسس المواطنة والوصول إلى رؤية مشتركة حول الاستراتيجية الدفاعية والعودة إلى الحوار الوطني».

ومع تشديده على الدعوة لتطبيق «اتفاق الطائف» وطمأنة جميع الأفرقاء اللبنانيين، يرى سامي نادر أن لبنان يعيش أشكالاً من الفيدرالية المقنعة وغير المقنعة. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «نعيش حالة من الفدرلة منذ ما قبل نشأة لبنان، وتحديداً في قانون الأحوال الشخصية الذي يعتبر النظام الأساسي لإدارة المجتمع، بحيث إنه لا يستند على قانون منبثق عن الجمهورية اللبنانية، إنما يخضع للسلطات الروحية»، ويضيف: «كما أن هناك عاملاً ثانياً يدفع البعض للمطالبة بالفدرلة؛ أي تغيير النظام السياسي القائم الذي انهار وجعل لبنان بلداً فاشلاً ودولة مركزية مبنية على المحاصصة».

ويتحدث نادر عن عامل آخر، «هو الكونفدرالية التي أصبحت أمراً واقعاً ويقف خلفها (حزب الله) الذي بات يملك قوى مسلحة خاضعة لإمرته، ونظاماً مالياً خاصاً، ومناطق نفوذ له، ونظاماً تربوياً خارجاً عن أي سلطة رقابية أو ناظمة للدولة»، وذلك في موازاة ما يسميها بـ«الاختلافات الثقافية التي تتسع أكثر في الفترة الأخيرة».

من هنا يرى أنه أمام كل هذه العوامل، لا بد من العمل على تطبيق «اتفاق الطائف» وعدم الخوف منه ومن مندرجاته المرتبطة باللامركزية الفعلية الشاملة، وتأسيس مجلس الشيوخ واعتماد سياسة خارجية موحدة، ما من شأنه أن يطمئن الذين يدعون إلى الفيدرالية، ويفرمل المطالبة بالفدرلة.

وما يتحدث عنه كل من نادر وقصير تشدد عليه أيضاً مصادر الحزب «التقدمي الاشتراكي» بالتأكيد على أن تطبيق «اتفاق الطائف» بكل مندرجاته هو الحل لكل المشكلات والأزمات التي يعاني منها لبنان، مشيرة في الوقت عينه إلى إمكانية العمل والحوار لتطوير النظام السياسي نحو الأفضل. وتحذّر في المقابل من «الدعوات الفيدرالية التي تنطلق من الميزان الديموغرافي والتي من شأنها أن تعمّق مشكلات لبنان بدل حلّها».

تطبيق اتفاق الطائف كما هو وعلى رأسه اللامركزية الإدارية، يطمئن المطالبين بالفيدرالية ويساهم في التخفيف من وطأة مطلبهم

سامي نادر



محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)
صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)
TT

محققون أمميون يطلبون إذناً لبدء جمع الأدلة ميدانيا في سوريا

صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)
صورة جوية لسجن صيدنايا قرب دمشق (أ.ف.ب)

أعلن رئيس محققي الأمم المتحدة بشأن سوريا الذين يعملون على جمع أدلة عن الفظائع المرتكبة في البلاد، اليوم (الأحد)، أنّه طلب الإذن من السلطات الجديدة لبدء عمل ميداني، وفق ما أودته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وأكد روبير بوتي، رئيس الآلية الدولية المحايدة والمستقلة المنبثقة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ديسمبر (كانون الأول) 2016، أنّه بعد تحقيقات أُجريت عن بُعد حتى الآن، «تمّ توثيق مئات مراكز الاعتقال (...) كلّ مركز أمن، كل قاعدة عسكرية، كل سجن، كان له مكان احتجاز أو مقبرة جماعية خاصة به».

وأضاف للوكالة: «سيستغرق الأمر وقتاً طويلاً قبل أن نعرف الحجم الكامل للجرائم المرتكبة».

ويقع مقر الآلية الدولية المحايدة والمستقلة في جنيف، وهي مسؤولة عن المساعدة في التحقيق ومحاكمة المسؤولين عن الجرائم الأكثر خطورة بموجب القانون الدولي المرتكبة في سوريا منذ بداية الحرب في عام 2011.

ولم تسمح دمشق لهؤلاء المحققين التابعين للأمم المتحدة بالتوجه إلى سوريا في السابق.

وقال روبير بوتي إنّ فريقه طلب من السلطات الجديدة «الإذن للمجيء إلى سوريا لبدء مناقشة إطار عمل لتنفيذ مهمّتنا».

وأضاف المدعي العام والقانوني الكندي: «عقدنا لقاء مثمراً وطلبنا رسمياً... أن نتمكّن من العودة وبدء العمل، ونحن في انتظار ردّهم».

وفقاً لـ«المرصد السوري لحقوق الإنسان»، قُتل أكثر من 100 ألف شخص في سجون الحكومة السورية السابقة منذ عام 2011.

ومنذ فتح أبواب السجون بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد في الثامن من ديسمبر، برزت مخاوف بشأن وثائق وغيرها من الأدلة المتّصلة بالجرائم.

وقال بوتي إنّ هناك في سوريا «ما يكفي من الأدلة... لإدانة هؤلاء الذين يجب أن نحاكمهم» ولكن الحفاظ عليها «يتطلّب الكثير من التنسيق بين جميع الجهات الفاعلة».

واستُخدمت الأدلة التي تمّ جمعها عن بُعد من قِبَل الآلية الدولية المحايدة والمستقلّة في نحو 230 تحقيقاً خلال السنوات الأخيرة، تمّ إجراؤها في 16 ولاية قضائية، خصوصاً في بلجيكا وفرنسا والسويد وسلوفاكيا.