يضطر زهير (44 عاماً)، مثل كثيرين غيره من صغار الموظفين في سوريا، إلى العمل بعد انتهاء دوامه، فافترش «بسطة» على الرصيف بأحد شوارع دمشق يبيع عليها شواحن الهواتف المحمولة وبعض الوصلات الكهربائية. ويقول زهير لـ«وكالة أنباء العالم العربي»، إنه كان يجني ما بين 200 و300 ألف ليرة شهرياً كانت تعينه نوعاً ما على مجابهة ظروف الحياة.
ويضيف: «أصغر عائلة تحتاج اليوم ملايين (الليرات) لتعيش، وراتب وظيفتي الحكومية لا يكفي إيجار المنزل». غير أن محافظة دمشق أطلقت هذا الشهر حملة لإزالة إشغالات الأرصفة، أو «البسطات» كما يُطلق عليها، وإزالة التعديات على الأملاك العامة في أحياء عدة بالعاصمة السورية لإعاقتها حركة السير والمرور. وعلى الرغم من أن الحملة تسعى لتحسين وجه العاصمة وتيسير الحركة بالشوارع، فإنها أغلقت باباً للرزق في وجه أعداد كبيرة كانت تتكسب من البسطات. يضيف زهير: «كانت بسطتي عاملاً مساعداً لي ولعائلتي، فمَن سيطعم أولادي الآن؟ أليس الأحرى بالمحافظة إيجاد البديل لنا قبل تشريدنا؟». وإلى جانب عائلته، فقدت عائلات أخرى عديدة مصدراً للدخل ربما كان مصدرها الوحيد للرزق، مع وجود أكثر من 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، طبقاً لتقديرات الأمم المتحدة. فالأسواق السورية تشهد ارتفاعاً مستمراً في أسعار المواد الغذائية، وزاد الزلزال الذي ضرب البلاد في فبراير (شباط) الماضي الأوضاع صعوبة.
استعادة الرونق
من جانبها، تسعى محافظة دمشق لأن تستعيد العاصمة السورية «رونقها»، على حد قول حسام الدين سفور، مدير الأملاك العامة في المحافظة. وأبلغ سفور «وكالة أنباء العالم العربي»: «هناك عدد كبير من الشكاوى والمراجعات التي ترد يومياً من المواطنين وتطالب بإزالة الإشغالات لما تسببه من ازدحام ومضايقات لحركة المشاة ومرور السيارات والدراجات». وقال إن هذه البسطات «تعد مخالفة قانونية واضحة وصلت إلى حد التعدي على الأملاك القانونية للدولة والمواطنين»، الأمر الذي كان يتطلب إجراءات حازمة. وأضاف أن محافظة دمشق حازمة فيما يتعلق بإزالة البسطات غير المرخصة جميعها من وسط المدينة. ومع شكاوى كثيرين من أن مصير آلاف الأسر السورية التي تجني رزقها من «البسطات» أصبح في مهب الريح، أكد سفور أن البسطات المرخصة ستُنقل خلال شهر تقريباً لأسواق تفاعلية «ضمن توجه اقتصادي خاص لاحتضان أصحاب البسطات، لتكون مدينة دمشق خالية من أي بسطة غير مرخصة». وفي حين يرى الموظف المتقاعد أيمن خليل، أن البسطات ملاذ للبسطاء يقيهم غلاء الأسعار في المحال التجارية التي تبيع السلع نفسها بأسعار أعلى كثيراً، يرى آخرون أنها مشهد غير حضاري لا يفيد المشترين كثيراً. وتعتقد رانيا، وهي طالبة جامعية، بأن معظم المنتجات على البسطات إما مغشوشة أو منتهية الصلاحية؛ لأنها لا تخضع للرقابة.
سرعان ما تعود
يخشى أبو علاء (56 عاماً)، الذي كان يبيع الجوارب على الأرصفة بوسط دمشق، أن يفقد تجهيزات بسطته التي صادرتها المحافظة، ويقول: «سيارات المحافظة نظّمت حملات لإزالة معظم البسطات الموجودة في الشارع باختلاف نوع المواد والسلع التي تبيعها، وأخذت قواعدها ومستلزماتها الأخرى». ويضيف قائلاً إن المحافظة شردت بحملتها آلاف الأسر وحوّلت أصحاب البسطات لعاطلين في خضم موجة غلاء وأزمة اقتصادية متفاقمة.
وهو يأمل في أن يستعيد بسطته، وإن كان يستبعد ذلك بالنظر إلى تجارب مماثلة لإزالة بسطات في مناطق أخرى بالعاصمة. أما وسام، الذي كان يفترش بسطة أُزيلت في حي البرامكة، فيقول: «إن المحافظة تنفذ كل عام حملات إزالة في مناطق معينة، لكنها لا تدوم طويلاً، وسرعان ما تعود الأمور لما كانت عليه». وتوقع أن تنتهي «فورة المحافظة» هذه المرة خلال فترة قصيرة أيضاً. وأضاف: «هذه البسطات في حد ذاتها ليست مؤشراً خطيراً، بل هي تدخل ضمن الدورة الاقتصادية لأي بلد. يوجد على البسطات كل ما يخطر على البال من أدوات منزلية، ومواد غذائية، ومنظفات، ومواد تجميل، وحتى الكتب والقرطاسية، وبأرخص الأسعار». وخلال جلسة نقاش لأعضاء مجلس المحافظة قبل أيام، قال مدير دوائر الخدمات في دمشق بشار عبيدة: «إن حملة إزالة الإشغالات تحتاج إمكانيات كبيرة على صعيد الآليات والكوادر». ونقلت صحف محلية عنه قوله، رداً على انتقادات وُجهت للمسؤولين بسبب عودة 70 في المائة من الإشغالات بعد إزالتها: «هناك عودة للإشغالات ولكن ليست مثل الأول، خصوصاً مع إزالة الإشغالات الثابتة». يقول وسام عن قرار إزالة البسطات إنه «مجحف بحقنا وحق شريحة كبيرة من المواطنين الذين لا تساعدهم أوضاعهم المادية على الشراء من المحلات».