بن مبارك: الحوثيون لم يظهروا أي رغبة جادة في تحقيق السلام

سفراء أوروبيون يزورون عدن لدعم الحكومة اليمنية

رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك مستقبلاً عدداً من السفراء الأوروبيين في عدن (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك مستقبلاً عدداً من السفراء الأوروبيين في عدن (سبأ)
TT

بن مبارك: الحوثيون لم يظهروا أي رغبة جادة في تحقيق السلام

رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك مستقبلاً عدداً من السفراء الأوروبيين في عدن (سبأ)
رئيس الحكومة اليمنية معين عبد الملك مستقبلاً عدداً من السفراء الأوروبيين في عدن (سبأ)

بينما تتواصل الجهود الأممية والدولية أملا في إقناع الأطراف اليمنية بالتوصل إلى مسار لطي صفحة الصراع المستمر للسنة التاسعة على التوالي، اتهم وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك الجماعة الحوثية، الثلاثاء، بأنها لم تظهر أي رغبة جادة في تحقيق السلام.

تصريحات الوزير اليمني جاءت في وقت يزور فيه عدد من السفراء الأوروبيين مدينة عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد، في سياق المساعي الداعمة لجهود السلام ولتقديم المساندة للحكومة اليمنية التي تواجه تبعات اقتصادية غير مسبوقة بسبب توقف تصدير النفط ونقص الموارد.

ونقلت المصادر الرسمية أن بن مبارك بحث في جدة مع وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك العلاقات الثنائية وتطورات الأوضاع في اليمن والجهود المبذولة لتحقيق السلام والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وخلال اللقاء عبر بن مبارك عن حرص الحكومة في بلاده على استعادة الأمن والاستقرار والتخفيف من معاناة اليمنيين ودعم جميع الجهود الرامية لإنهاء الحرب التي تسببت بها ميليشيا الحوثي بعد الانقلاب على السلطة الشرعية ومخرجات الحوار الوطني، وقال إن «ميليشيا الحوثي لم تبد حتى الآن أي رغبة جادة في تحقيق سلام حقيقي».

وبحسب ما أوردته وكالة «سبأ» أكد بن مبارك ترحيبه بكل الجهود الإقليمية والأممية المبذولة للوصول لوقف شامل لإطلاق النار تمهيداً لبدء العملية السياسية الهادفة لتحقيق السلام في اليمن.

الإعلام الرسمي قال إن اللقاء تطرق لقضية خزان «صافر» والجهود المبذولة لحلها والتقدم المحرز إلى الآن لتنفيذ خطة الأمم المتحدة بهذا الصدد والدور الألماني للمساهمة في إحلال السلام في اليمن وتقديم الدعم الفني للقطاعات المالية والاقتصادية.

وزير الخارجية اليمني أحمد عوض بن مبارك يلتقي وزيرة الخارجية الألمانية في جدة الثلاثاء (سبأ)

إلى ذلك، أفادت المصادر نفسها، بأن بن مبارك التقى في جدة المنسق المقيم للشؤون الإنسانية في اليمن ديفيد غريسلي وبحث معه التقدم المحرز في تنفيذ خطة الأمم المتحدة لمعالجة قضية خزان صافر، وثمن الجهود التي يبذلها الأخير في هذا الصدد والتفاعل الدولي مع دعوات الحكومة اليمنية والأمم المتحدة لتجنب كارثة بيئية محتملة لها تداعيات إنسانية واقتصادية خطيرة.

كما بحث بن مبارك مع المسؤول الأممي أهمية مضاعفة الجهود وحشد الموارد للتعامل مع قضيتي النزوح الداخلي ونزع الألغام، باعتبارهما من القضايا الإنسانية الملحة التي تسببت بها ميليشيا الحوثي الإرهابية نتيجة لاستهدافها التجمعات السكنية وزراعة الألغام عشوائيا على نطاق واسع في اليمن.

لقاءات وزير الخارجية اليمني مع السفيرة الألمانية والمسؤول الأممي، جاءت غداة وصول رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن غابرييل فينيالس، وسفراء فرنسا جان ماري صفا، وألمانيا هوبيرت ييغير، وهولندا بيتر ديريك هوف، والمبعوث الإيطالي الخاص إلى اليمن جيان فرانكو، ونائب رئيس بعثة فنلندا أسكو مانيستو.

وذكر الإعلام الرسمي أن رئيس الحكومة معين عبد الملك استقبل السفراء وبحث معهم المواقف الأوروبية الداعمة للحل السياسي، والخطوات الواجب القيام بها لبناء الثقة نحو السلام، إضافة الى إسناد جهود الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي في مواجهة التحديات الاستثنائية خاصة في الجوانب الاقتصادية والإنسانية.

وأبلغ رئيس الوزراء اليمني السفراء بأن حكومته «قدمت تنازلات واسعة في مسار الهدنة والتهدئة وتتحمل أعباء باهظة جراء الأثر الاقتصادي للاعتداءات الحوثية الإرهابية على قطاع النفط واستمرار نهبها للإيرادات وتعميق معاناة المواطنين في مناطق سيطرتها».

وأضاف عبد الملك بالقول إن ميليشيا الحوثي ومن خلال أعمالها الإرهابية المتكررة وآخرها الهجوم على طريق الكدحة لإحكام حصارها المفروض على مدينة تعز، وغيرها من الانتهاكات تشير إلى عدم جاهزيتها لخيار السلام ولا تكترث بمعاناة الشعب اليمني.

ونبه رئيس الوزراء اليمني إلى ما وصفه بـ«خطورة استمرار المجتمع الدولي في التغاضي عن الإجراءات الأحادية لميليشيا الحوثي الإرهابية بما في ذلك ضد الاقتصاد الوطني والبنوك في مناطق سيطرتها».

وبحسب ما أوردته المصادر الرسمية، تطرق عبد الملك إلى برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية الذي تنفذه حكومته والبنك المركزي بدعم تحالف دعم الشرعية وخصوصا السعودية والإمارات، وما أثمرته الإصلاحات في الحفاظ على الاقتصاد من الانهيار، إلى جانب الدور المعول على الأوروبيين في دعم هذه الجهود.

وأكد رئيس الوزراء اليمني أن الأولويات الماثلة أمام حكومته تتمثل في الملفات الخدمية وبخاصة الكهرباء والمياه والحفاظ على استقرار العملة وتخفيف معاناة المواطنين المعيشية.



37 سنة على تأسيسها... ماذا بقي لـ«حماس» بعد «الطوفان»؟

يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
TT

37 سنة على تأسيسها... ماذا بقي لـ«حماس» بعد «الطوفان»؟

يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)
يحيى السنوار في صورة أرشيفية بغزة تعود إلى 21 أكتوبر 2011 (أ.ب)

من غير المعروف كيف ستحيي حركة «حماس» الذكرى السابعة والثلاثين لتأسيسها، التي تصادف يوم السبت 15 ديسمبر (كانون الأول). لكن المؤكد هو أن إسرائيل تتوقف طويلاً عند هذا التاريخ. والجيش الإسرائيلي -ومعه كل أجهزة الأمن والمخابرات- يُجري أبحاثاً ومداولات حول هذه المناسبة، تتضمّن جرد حساب وإعادة تقييم، وكبار الجنرالات القدامى فيها ينظرون إلى الوضع في سوريا ويصيحون محذرين: لا تقعوا في مسلسل الخطأ الذي وقعنا فيه، ولا تسمحوا بتكرار تجربتنا مع «حماس» في تعاملكم مع القيادات السورية الجديدة. فهي من الطينة والجينات نفسها.

كما هو معروف، «حماس» (حركة المقاومة الإسلامية)، تأسّست بوصفها حركة سياسية في مثل هذا اليوم من سنة 1987، بعد انفجار الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ففي حينه، كانت الحركة الخصم (فتح) معاً وبقية الفصائل في منظمة التحرير، تقود النضال الفلسطيني متعدد الجوانب والمجالات (سياسية وعسكرية) لسنوات طويلة جداً. ونجحت في اجتراح تأييد الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. وحقّقت إنجازات سياسية على الساحة الدولية وحتى على الساحة الإسرائيلية، حيث ارتفعت أصوات كثيرة تطالب بالحقوق المشروعة وإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967. وإسرائيل التي كانت تخلّد الاحتلال الفلسطيني وجدت في «فتح» العدو الأول والأساس، ورأت في كل إنجاز لها ضربة لمشروعاتها. وكانت تفتش بسراج وفتيل عن منافس لها وفشلت. حاولت ذلك مع المخاتير ثم مع روابط القرى ثم مع رؤساء البلديات ثم مع الحل الأردني.

فلسطينية تنتظر الحصول على مساعدة غذائية في رفح جنوب غزة (أرشيفية - رويترز)

لكن الجذور الأصلية لـ«حماس» كانت قد نبتت في مطلع السبعينات. ففي سنة 1973 تقدّمت جماعة «الإخوان المسلمين» بطلب إلى الحاكم العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، بطلب إقامة جمعيات خيرية، تعمل على التربية الاجتماعية والعودة إلى القيم الإسلامية وتقديم المساعدات إلى المحتاجين، فعدّت السلطات الإسرائيلية هذا الأمر فرصة لإيجاد البديل عن منظمة التحرير. فأُقيم ما يُعرف باسم «المركز الإسلامي»، بقيادة الشيخ أحمد ياسين. وامتد نشاطه من غزة إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية، وسمحت إسرائيل له أن يمتد حتى إلى العرب لديها.

لقد أقنع الشيخ أحمد ياسين الإسرائيليين بأنهم تيار معتدل ينشد السلام، على عكس حركة «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية. وتعزّز ذلك لديهم، وهم يرقبون كيف بدأت ظاهرة التفسخ والاقتتال في صفوف الفلسطينيين، لأول مرة بشكل حاد. واعتقد الكثيرون في تل أبيب أن الاقتتال الداخلي بين التنظيمات الإسلامية ومنظمة التحرير الفلسطينية العلمانية سيؤدي إلى إضعاف الأخيرة تحت مبدأ العدو يدمر نفسه. وهكذا، لم تتدخل الحكومة الإسرائيلية في المعارك بين منظمة التحرير الفلسطينية والحركات الإسلاموية. واعترف يتسحاق سيغيف الذي شغل منصب الحاكم العسكري الإسرائيلي لغزة في ذلك الوقت، بتمويله «المركز الإسلامي». وقال، خلال برنامج للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي في سنة 2009: «أعطتني الحكومة الإسرائيلية ميزانية، وسلطات الحكم العسكري أعطتني المساجد». وقال مسؤول الشؤون الدينية الإسرائيلي في غزة، أفنير كوهين، في البرنامج نفسه: «مع الأسف. لقد تم إنشاء (حماس) بأيدي إسرائيل». وأكد أنه حذّر رؤساءه من دعم الإسلاميين، لكنهم لم يعيروا تحذيره أهمية.

مؤسس حركة «حماس» أحمد ياسين (يسار) يتحدث مع قائدها السابق إسماعيل هنية عام 2002 (رويترز)

وحتى عندما بدأت «حماس» تظهر بوادر تفكير في المقاومة المسلحة ضد الاحتلال، لكي تجاري «فتح»، واصلت إسرائيل دعمها. وفي عام 1984 اعتقلت إسرائيل الشيخ ياسين واتُّهم ورفاقه بجمع أسلحة لأغراض معادية لها. وقال ياسين في التحقيق إن الغرض من هذه الأسلحة هو الدفاع عن النفس أمام سطوة «فتح»، ولن تُستخدم إلا ضدها والقوى الفلسطينية العلمانية التي تهدد الإسلام. وقد أُطلق سراح ياسين في مايو (أيار) 1985 بوصفه جزءاً من عملية تبادل أسرى. وبعد الإفراج عنه، أنشأ «المجد» (اختصار لـ«نظام الجهاد والدعوة»)، برئاسة الزعيم الطلابي السابق يحيى السنوار وروحي مشتهى، المكلف بالتعامل مع الأمن الداخلي ومطاردة المخبرين المحليين. وعندما انطلقت اتفاقيات «أوسلو»، انتقلت «حماس» إلى العمل المسلح بقوة شديدة ونفذت عشرات العمليات المسلحة ضد الجيش الإسرائيلي وضد المدنيين الإسرائيليين. وكلما أضرت إسرائيل في الاتفاقيات مع الفلسطينيين كان نشاط «حماس» يحظى بتأييد مزيد من المواطنين. وبعد الانسحاب الإسرائيلي الأحادي الجانب من قطاع غزة، وجدتها «حماس» فرصة للاستيلاء على الحكم ونفّذت انقلابها. وفي عهد بنيامين نتنياهو، كان يتعمّد الإبقاء على حكم «حماس» ضعيفاً تجاه إسرائيل وقوياً تجاه السلطة الفلسطينية، فأتاح دخول منحة مالية من دولة خليجية بقيمة 30 مليون دولار في الشهر، على أمل أن تقويها على حساب السلطة، وتعمّق الانقسام الفلسطيني.

دخان فوق غزة جراء القصف الإسرائيلي (أرشيفية - رويترز)

وقد نجحت إسرائيل في مهمتها هذه، لكنها وقعت في فخ. فقامت «حماس» بهجومها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الذي زلزل إسرائيل. وقامت بالرد الجنوني المعروف، الذي ألحقت فيه الدمار الجبار بقطاع غزة والضفة الغربية ثم لبنان وسوريا وطالت أياديها حتى إيران. ويرون في إسرائيل أنهم نجحوا في قلب المعادلة، خصوصاً ضد «حماس». ويقولون: «بالإضافة إلى اغتيال قادة الحركة الأساسيين، وفي مقدمتهم رئيسا المكتب السياسي، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، تم ضرب نحو 90 في المائة من القدرات العسكرية لـ(حماس) وضرب قوة المساندة من (حزب الله)، وباتت (حماس) تنفّذ عمليات محدودة وبالأساس دفاعية، وتدخل في صدام مع الناس؛ لأنها تقمع المواطنين حتى الآن، وهي ضعيفة، وتصادر المساعدات وتبيع بعضها في السوق السوداء، مما أدى إلى مضاعفة الأسعار عشرات المرات، على سبيل المثال ارتفع سعر الرغيف من 5 سنتات إلى دولارين، وسعر السيجارة الواحدة 20 دولاراً. وتسود فيها خلافات شديدة بين القيادات الميدانية وقيادات الخارج، وملاحظة وجود فوضى في الشارع».

لكن الأمر الجوهري في إسرائيل بقي حول السؤال: «كيف تظهر (حماس) اليوم بعد 37 عاماً؟». فمع أنها فقدت قوتها الأساسية وخسرت حكمها وحلفاءها، تظل إسرائيل تحلم اليوم بتصفيتها نهائياً. إلا أن الجنرالات القدامى، الذين يتحمّلون المسؤولية عن تأسيس «حماس» وتقويتها، يطلبون من حكومتهم ألا تكرّر الخطأ في سوريا ولا تعتمد على وعود أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع) بإقامة علاقات آمنة مع إسرائيل أكثر مما كان في عهد الأسد. ولهذا جاءت الضربات العسكرية للجيش السوري وجاء احتلال كل رؤوس جبل الشيخ وعدة قرى في الجولان الشرقي. ومع أن إسرائيل تقول إن هذا الاحتلال سيكون مؤقتاً، فإن المؤقت يعني هنا شهوراً طويلة وربما سنوات.